كاتب ومستشار قانوني إماراتي
تتردد في المجتمعات فكرة مفادها أن الفقر سببه جشع الأثرياء واستغلالهم للموارد على حساب الفقراء، لكن هذه النظرة تختزل العلاقات الاقتصادية المعقّدة في مسألة أحادية، تتجاهل العديد من العوامل الأخرى. الواقع أن النجاح والفشل، سواء في تحقيق الثراء أو البقاء في دائرة الفقر، يرتبطان بشكل كبير بقدرات الأفراد، ومدى اجتهادهم واستعدادهم لتحمل المخاطر، وليس بالجشع وحده. من اللافت أن بعض الفقراء يحاولون تقليد حياة الأثرياء دون أن يملكوا مهارات أو معرفة كافية. هؤلاء يدخلون في مشروعات غير مدروسة أو ينفقون أموالهم على ممارسات لا تعود عليهم بالنفع، ثم يلقون باللوم على الظروف، أو يتهمون الأثرياء بالجشع. والحقيقة أن النجاح لا يتحقق بمحاكاة الأغنياء فقط، بل من خلال التخطيط السليم والعمل الجاد، واستغلال الفرص بشكل صحيح. كما أن التجارة والأعمال تتطلب استعداداً لمواجهة المخاطر، وهي مغامرات قد لا تناسب كل شخص، خصوصاً من لا يملك القدرة على إدارة التحديات المالية.
وفي المقابل، ليس من العدل افتراض أن الأثرياء جشعون أو يسعون إلى استغلال الفقراء. كثير من أصحاب الثروات بنوا نجاحهم من خلال الابتكار والإبداع والعمل الجاد. هؤلاء أسهموا في خلق فرص عمل وتحسين أوضاع الكثيرين، وليس عن طريق إفقار الآخرين، بل نجد أن بعض الأثرياء يهتمون بالمشاركة في الأنشطة الخيرية، ويعملون على دعم المجتمعات بطرق مشروعة، لذلك لا يمكن التعميم بأن الأثرياء يسعون إلى تحقيق المكاسب على حساب غيرهم فقط.
الأهم من ذلك هو الاعتراف بأن الجشع ليس مقتصراً على فئة معينة. الفقر والغنى ليسا معياراً للأخلاق، فقد نجد أفراداً من الطبقات الفقيرة يمارسون الجشع أو الاحتيال بحثاً عن المكاسب السريعة، تماماً كما يمكن أن نجد أغنياء يسعون إلى تحقيق مكاسب بطرق غير أخلاقية، والفارق يكمن في كيفية التعامل مع الظروف واستغلال الفرص.
من جانب آخر، يجب ألا نغفل أن الأزمات والحروب والثورات التي قد يراها البعض مصدراً للدمار، كانت أيضاً فرصة للبعض ليحققوا نجاحاً اقتصادياً. هؤلاء لم يستغلوا الفوضى لخيانة مجتمعاتهم، بل استطاعوا تحويل التحديات إلى فرص للنجاح. والنجاح في مثل هذه الحالات لا يأتي من الجشع، بل من القدرة على الاستفادة من الظروف الصعبة وتحويلها إلى إنجازات.
بناء على ذلك، فإن الفقر والغنى يعتمدان بشكل كبير على قرارات الأفراد واختياراتهم. النجاح ليس مسألة حظ أو ظروف خارجية بحتة، بل هو نتيجة للعمل الجاد والإرادة والاستعداد لتحمل المسؤولية. بدلاً من التركيز على لوم الأغنياء أو الظروف، ينبغي تشجيع الجميع على استغلال الفرص المتاحة بشكل مشروع وفعّال.
المصدر: الإمارات اليوم