عبدالله المغلوث
عبدالله المغلوث
كاتب وصحفي سعودي

حتى لا تذره رياح النسيان

آراء

كانت صدمة كبيرة في مدريد عام 1999 عندما هبط أحد أنديتها الكبيرة، أتلتيكو مدريد، إلى دوري الدرجة الثانية. جثم حزن كالجبال على صدور جماهير الروخي بلانكوس، “أحد ألقاب أتلتيكو”، من جرّاء هذا الهبوط المفاجئ، الذي جاء بعد أقل من أربع سنوات من حصول الفريق على ثنائية الدوري والكأس. كانت الصدمة الكبرى لدى اللاعبين كونهم سيفتقدون أنصارهم الذين يهزون فيسنتي كالديرون، “ملعبهم”، بأهازيجهم ومؤازرتهم في دوري الدرجة الثانية. لكن كانت المفاجأة عند ملء هذا الجمهور الوفي مدرجات أي ملعب يخوض فيه أتلتيكو مبارياته في دوري الثانية، وليس فيسنتي كالديرون فقط. كان الجمهور فعالا جدا إلى درجة أنه أصبح لاعبا إضافيا مع الفريق ساعده على تحقيق الانتصارات المتتالية التي أعادته سريعا إلى مكانه الطبيعي مع الكبار. شعرت الفرق في دوري الثانية أنها تلعب أمام فريق يملك امتيازات لا تملكها. لديه متابعون يشجعون وقوفا.. يزأرون ولا يهتفون كبقية الأنصار.

حينما عاد الروخي بلانكوس إلى دوري الكبار كان هناك حزن غائر يسكن أعماق أعضاء مجلس إدارته. يكمن هذا الحزن في الطريقة التي يستطيعون فيها رد الدين لهذه الجماهير التي كانت تجر حزنها الثقيل لتحضر مباريات باردة لفريقها الذي خذلها. لم تكن البطولات والمستويات التي قدمها الفريق لاحقا كافية.

كافأ مجلس الإدارة هذه الجماهير المخلصة في نهائي بطولة دوري أبطال أوروبا 2013-2014 في لشبونة بالبرتغال.

كان هناك صراع على تذاكر هذا النهائي بين أنصار أتلتيكو. الإدارة لم تفكر طويلا لفض الاشتباك النفسي. قررت مبكرا أن السواد الأعظم من هذه التذاكر سيذهب للجماهير التي آزرتها أثناء أصعب فتراتها وهي خلال مباريات دوري الدرجة الثانية.

رجعت الإدارة لقاعدة بياناتها وبعثت التذاكر للجماهير الأكثر حضورا لها في وقتها العصيب.

لقد قابلت الجماهير المخلصة “مبادرة الوفاء” تلك بتقدير شديد. فقد ضرب مجلس إدارة النادي المدريدي درسا في الوفاء قلما يتكرر.

إن هذه المبادرة لا تستحق الإعجاب فحسب، بل الاستنساخ كذلك.

لم لا ننشئ قاعدة بيانات شخصية لنا نحتفظ فيها بالمواقف النبيلة التي أسداها لنا أحبتنا؟ وفي الوقت المناسب نرد لهم قليلا من كثيرهم. لقد غمرنا الكثير ممن حولنا بنبل غزير لكن ذرته رياح النسيان لأننا لم نوثقه ونخزنه ونكتبه.

لا شيء أجمل من الوفاء سوى مقابلته بوفاء يليق ببريقه وعطره.

المصدر: الإقتصادية
http://www.aleqt.com/2015/02/15/article_931342.html