علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

حكومة ذكية.. موظفون أقل ذكاءً

آراء

مام الخيارين اللذين طرحهما عليّ الموظف المختص في الدائرة الحكومية التي كنت أنجز معاملة فيها، وجدت نفسي أميل إلى الخيار الثاني، وهو أن ألجأ إلى أحد مكاتب الطباعة المعتمدة من قبل الدائرة لتقديم الطلب الذكي، كما أطلق عليه الموظف..

عوضاً عن الوقوف أمام الجهاز المخصص لتقديم الطلبات الذكية، خشية أن لا يسعفني ذكائي في التعامل مع الجهاز الذي كان يتصدر الصالة كواجهة للخدمات الذكية التي تقدمها الدائرة، خاصة وأن هناك من كان يستخدم الجهاز وقتها والعرق يتصبب منه، فقررت أن أختصر الطريق على نفسي وأتوجه إلى أحد مكاتب الطباعة كي أضمن أن يتم تقديم الطلب دون أخطاء قد يسببها قصور ذكائي..

وليس ذكاء الجهاز بالطبع. ولا أبالغ إذا قلت إن تقديم الطلب قد استغرق من موظف مكتب الطباعة الذي يُفترَض أن يكون معتاداً على تقديم هذا النوع من الطلبات قرابة الساعة، فحمدت الله على أنني لم أحاول تقديم الطلب عبر جهاز الدائرة، وسط جموع الموظفين والمراجعين الذين كانت تكتظ بهم الصالة.

وبعد انتهى موظف مكتب الطباعة من تقديم الطلب، أخبرني أن إنجازه من قبل الدائرة سيستغرق خمسة أيام عمل، فشكرته وشكرت الدائرة التي أتاحت لنا هذه الخدمات الذكية، كي تختصر علينا الوقت والإجراءات.

حدث هذا في اليوم الأول من شهر سبتمبر الحالي، ويوم الاثنين الماضي 21 من الشهر نفسه، أي بعد ثلاثة أسابيع بالضبط، ذهبت إلى الدائرة متوقعاً أن تكون المعاملة قد أُنجزت قبل أسبوعين على الأقل، وفقاً للجدول الزمني الذي حددته الدائرة لإنجاز المعاملة، ووقفت أمام منفذ الخدمة نفسه الذي وقفت أمامه قبل ثلاثة أسابيع..

وسألت الموظف المناوب عن سير المعاملة، بعد أن أطلعته على إيصال مكتب الطباعة، وأعطيته رقم الملف الذي فتحه على شاشة الكمبيوتر أمامه، قبل أن يتصل بموظف آخر داخل الدائرة، ثم يغلق الهاتف ليخبرني بأن المعاملة لم تنجز لأن هناك رسماً مقداره 110 دراهم لم يتم دفعه. قلت للموظف: ولماذا لم يتم إبلاغي بذلك عند تقديم المعاملة؟ فأجاب، وقد بدا عليه الحرج والارتباك، بأن الرسم قد فرض اعتباراً من أول الشهر. قلت له إن تاريخ تقديمي للمعاملة هو أول الشهر بالضبط..

كما هو واضح من الإيصال، وكان على الموظف أن يطلب مني ذلك عند تقديم المعاملة، أو على الأقل أن يتصل بي بعدها بيوم أو يومين، على فرض أنه قد نسي أن يفعل ذلك، وإلا ما فائدة البيانات وأرقام الاتصال التي طُلب مني تدوينها عند تقديم الطلب؟ لم يجد الموظف ما يجيب به سوى الاعتذار لي بأن ضغط العمل قد منع زميله من فعل ذلك..

ووجهني إلى دفع المبلغ وإحضار الإيصال لوضعه في الملف للمضي في إنجاز المعاملة، دون أن يحدد لي هذه المرة وقتاً لإنجازها، ففعلت دون نقاش لأن أي نقاش في موقف كهذا غير مجدٍ، كما هو ثابت بالتجربة، وخرجت من الدائرة وقد تواردت إلى ذهني مجموعة أسئلة حول جدوى الخدمات الذكية إذا لم يتوفر لها موظفون يتمتعون بالذكاء والإحساس بالمسؤولية.

الحكومة الذكية ليست حلماً صعب المنال، بل هي طموح مشروع لأي حكومة تسعى إلى تسهيل معاملات الناس. وحين أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في شهر مايو من عام 2013 مبادرة الحكومية الذكية، منهياً بذلك مرحلة الحكومة الإلكترونية، لتوفير الخدمات على الهواتف والأجهزة المتحركة للمتعاملين، قال إن الصعوبات لا تثبط الهمم..

وإننا قادرون على قهرها مثلما تحدينا صعوبات في مراحل سابقة، وأكد أن المقصود بالحكومة الذكية أن تكون الحكومة متنقلة، تصل إلى الناس عوضاً أن يصل الناس إليها، تعمل 24 ساعة في اليوم، و7 أيام في الأسبوع، و365 يوماً في السنة..

وأوضح أن هذا يتم عن طريق إتاحة كل الخدمات الحكومية عبر الهواتف المتنقلة، وأعطى سموه الجهات الحكومية مهلة مدتها سنتان، انتهت في شهر مايو من هذا العام، ووعد المسؤولين الذين لا يحققون الهدف أن يقيم لهم حفل وداع بنهاية هذه المدة.

حكومة المستقبل التي أرادها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حكومة لا تنام، مضيافة كالفنادق، سريعة في معاملاتها، قوية في إجراءاتها، مبدعة تستجيب بسرعة للمتغيرات، وتبتكر حلاً لكل التحديات، تسهل حياة الناس، وتحقق لهم السعادة.

فإلى أي مدى استوعب هذه الفكرة الموظف الذي لم يكلف نفسه عناء الاتصال بمتعامل لإخباره أن هناك رسماً لم يُدفَع كي يتم إنجاز معاملته في الوقت المحدد، خاصة وأن الخطأ كان من جانب الموظف وليس المتعامل، وإلى أي مدى استطاع مسؤولو الدوائر الحريصون على تجنب حفلات الوداع البغيضة تلك أن يزرعوا في موظفيهم الفكرة؟

هذه هي بعض الأسئلة التي راودتني وأنا خارج من الدائرة الحكومية التي من المفترض أن أنجز معاملتي فيها عبر جهاز هاتفي الذكي وأنا جالس في بيتي، دون أن أتكبد عناء الحضور إليها، ومع هذا نأتي إلى الدائرة، وننتظر دورنا، ونقدم طلباتنا، ثم تحدث أخطاء من موظفين يفتقدون القدرة على التعامل مع الفكرة.

لن أذكر اسم الدائرة التي تعرضت فيها لهذا الموقف، كي لا أتهم بالتشهير والإساءة إلى دائرة حكومية، فأعرّض نفسي للمساءلة، وأقف حائراً أمام أبواب المحاكم التي لا أجيد السير في دهاليزها وأروقتها الذكية.

المصدر: صحيفة البيان