حلب القديمة.. سنوات الحرب دمرت معالم التاريخ والجغرافيا

أخبار

لن تجد في حلب القديمة، اليوم، من يعيد رثاء هذه المدينة أو يهديها أبيات شعر. فالحرب فيها وعليها طغت على تاريخ أبي الطيب المتنبي، الذي أقام في الشهباء فمجّدها نثراً.

آثار الدمار تغطي معالم التاريخ؛ حيث لن يتذكر كل من تقاتل خلف جدران حلب رسالة الغفران لأبي العلاء المعري مصنفاً فيها تلك المدينة بجنة عدن، ويمنح المغادرين لها ناراً مستعرة.. «وفيها العظيم العظيم يكبر في عينه منها قدر الصغير الصغير».

لم يعرف المقاتلون تاريخ حلب أو أسواقها القديمة فرسموا على جدرانها تاريخاً جديداً يؤهلها للاندثار، بعد أن كان بنيانها يحاكي أعظم الأمم، ويدخل التراث العالمي. وفي جولة لرويترز على حلب القديمة لا يمكن تمييز الركام من الدمار من الموت الذي كان هنا؛ حيث ضرب معول الحرب الذاكرة والتاريخ والأسواق الاقتصادية حتى كأنه ينتقم من ضوضاء مدينة كانت قبل خمس سنوات خزانة سوريا ومصرفها المالي، وشعاعها الاقتصادي، ومركز ثبات ليرتها. استطاعت سنوات الحرب أن تدهس التاريخ، وتدك الجغرافيا، وألا تبقي حجراً على حجر، استطاعت أن تدمر القاعدة التجارية لسوريا، وإحراق أجزاء كبيرة من أسواقها، وتمحو رموزاً تاريخية فتدمر مئذنة الجامع الأموي، الذي صمد منذ القرن الحادي عشر. وبدلاً من أسواق المناديل والصابون والحبال يأخذك سوق الدهشة؛ حيث الأنفاق وممرات للمقاتلين والعبوات المتروكة على جانبي الطريق مع عبارات مكتوبة على الجدران الحجرية القديمة، ومنها «طاب الموت يا حلب»

وعلى مقربة من الكنيسة الإنجيلية وقف «أبو محمد» وهو جندي في الجيش السوري يشرح لوفد من الصحفيين كيف سارت المعارك على مدى أربع سنوات في منطقة لا تفصل سوى أمتار قليلة عن المسلحين، وقد بدت حفرة كبيرة في المكان. قال أبو محمد، إن المسلحين كانوا يحفرون الأنفاق، ويفجرون تحتها عبوات ناسفة، مما يتسبب في إحداث حفر ضخمة. وفي مقابل زحمة الأسواق اكتظت المدينة القديمة بالأنفاق التي وصل عمق بعضها إلى عشرة أمتار. وإلى جانب النفق يمكن العثور على أطباق من الأرز والعدس والملاعق وبدا أن أحد المقاتلين قد ترك للتو طبقه الطازج وفّر على وجه السرعة تاركاً إلى جانب طعامه سجادة للصلاة وفراش نومه. ومما خلفه المقاتلون المنجنيق، الذي يتم من خلاله رمي العبوات الناسفة وما أطلق عليه «مدفع جهنم» وهو (عبارة عن مدفع يدوي بصاعقين يطلق من منصته قارورة غاز).

ويظهر التقدير الأولي لحجم الدمار، أن هناك مناطق دمرت بنسبة سبعين في المئة، وأخرى بنسبة خمسين في المئة، وهناك مناطق أصابها التدمير الكلي مئة في المئة.

وقال مأمون عبد الكريم مدير عام الآثار والمتاحف في سوريا، إن أضرار المباني الأثرية في حلب تعادل كل الأضرار التي لحقت في المدن التاريخية السورية. وأضاف «المشكلة أن جميع المعارك كانت تدور في مدينة حلب القديمة، ولقد خسرنا أكثر من 150 مبنى تاريخياً والآلاف من المحال المتضررة أو المحترقة» وتابع «عندما يعود الأمان والسلام فإن فرقنا جاهزة ولدينا العشرات من المهندسين والأثريين جميعهم على استعداد لتقييم الأضرار ووضع خطة لإعادة الإعمار بالتعاون مع اليونيسكو طبعاً».

وفي وسط المدينة القديمة عند ما يسمى بـ»ساحة الحطب» بدا كل شيء كالحطب ما أذهل المدير السابق لمتحف حلب محمد بشير شعبان الذي وقف مذهولاً يتنقل بين الركام. قال شعبان «أتيت منذ سنة ونصف ولم تكن المنطقة على هذا الدمار. أنا مصدوم وحزين جداً ومتفاجىء من المشهد الذي رأيته.. دمروا الحضارة.. دمروا التراث.. دمروا الإنسانية».

وأضاف «هنا كانت أجمل الدور العربية وأعرقها.. فيها خانات وحمامات أثرية. كله تم تدميره.. هذه الكنيسة الإنجيلية متضررة بشكل كبير». (رويترز)

المصدر: الخليج