جمال بنون
جمال بنون
إعلامي وكاتب اقتصادي

حلّق … بخيالك في دبي

آراء

راودتني فكرة إقامة نادٍ لهواة الخيال الواسع، أضم فيها مجموعة من لديهم أفكار خلابة في مجالات مختلفة من الحياة، واختار سنوياً عصارة أفكار هؤلاء، ونقدمها لجهات إنسانية واجتماعية، ونبيعها لشركات ومؤسسات، وفرصة لننشئ بيئة لتطوير الخيال لدى الناس، فكل الإنجازات البشرية كانت في يوم من الأيام أحلاماً عند أصحاب الخيالات الخصبة، وفكرة إقامة نادٍ لهواة الخيال الواسع، جاءت بعد مشاركتي في المبادرة التي أطلقتها حكومة دبي بعنوان «فكّر دبي»، وصفتها الزميلة منى المري المدير العام في المكتب الإعلامي لحكومة دبي بأنها تفتح المجال رحباً للتفكير في السبل التي يمكن معها استحداث أفكار، بل وأطر جديدة للتفكير، تسهم في تشكيل ملامح مستقبل يحمل إرهاصات غد عربي مفعم بالأمل والنجاح.

مبادرة «فكّر دبي» هي قراءة للأفكار التي ستتصدر العناوين الرئيسة للصحف عن دبي بعد 10 أعوام على مدى أكثر من ساعتين جمعت حكومة دبي أكثر من 25 فكرة خلابة بمشاركة 250 من المفكرين والكتاب والقيادات الإعلامية في الوطن العربي، في موضوعات تركزت على 3 محاور أساسية مسؤولة في شكل كبير عن تحديد مسار الحراك الاقتصادي العالمي حالياً، أولها: قطاع السياحة. وثانيها: قطاع الطيران. وثالثها: الاقتصاد الإسلامي.

ثمرة النقاش تقول عنها الزميلة مريم بنت فهد، وهي إحدى القيادات الإعلامية في حكومة دبي، إنها كانت مجموعة من الأفكار المبدعة، تراوحت بين الأحلام العريضة والفرص الممكنة، لترسم في ما بينها خريطة طريق جديدة نحو المستقبل.

لا أخفيكم، حضرت العديد من ورش العمل وبعض المنتديات والمؤتمرات، وقدمت أوراق عمل ومقترحات، وربما مثلي كثيرون من لديهم أفكار يطرحونها أو يقدمونها. وهناك فرق بين من يأخذها منك ليطورها أو يطلب منك الإسهام بها، وبين من يأخذ هذه الأفكار منك وينسبها إلى نفسه، ليقدمها للمدير أو الوزير الأعلى منصباً، فيحصل على مكافأة أو مقابل، والبعض الآخر لا يؤمن إطلاقاً بالأفكار الخلابة، بعد أن تغادر مكتب المسؤول يمزق الفكرة، ويرميها في أقرب سلة زبالة، والمسؤول الذي لا يحب أن يحلق بتفكيره ليس من حقه أن يجلس في منصبه، لأنه شخص لا يستحق أن يبقى في موقعه، طالما أنه لا يحب أن يفكر.

حينما تطلب شخصية مثل محمد بن راشد حاكم دبي من الناس أن يحلقوا بأفكارهم ويخرجوا عصارة فكرهم بمشروعات تنموية لمصلحة المجتمع والناس، فهذا يعني أنه يريدهم أن يشاركوه في النهوض بهذا البلد ورقيه ومستقبله.

بصراحة، كنت مسروراً لمشاركتي في ورشة العمل هذه، ليس لشيء، ولكن لأني للمرة الأولى أحضر ورشة عمل تفكر فيها على مستوى بلد وشعب، من النادر أن يدعوك أحد لتسهم في تقديم أفكار ومقترحات لتطوير بلدانهم ومنشآتهم، إلا أن حكومة دبي تنطلق من زاوية هي أن الأفكار الجميلة والخلابة ليست لها حدود ولا جنسية، والحقيقة أن دبي كل يوم يأتي إليها الناس الذين لديهم أفكار خلابة وجميلة لتقديمها إلى المسؤولين، فلا يكفي أن تحلق بأحلامك وفكرك من دون أن تجد من يسهم في تحقيقها، وميزة القيادة في الإمارات ومؤسساتها الحكومية أنهم يمنحونك فرصة التفكير، ويساعدونك في التنفيذ أو يتركون لك الحرية في تنفيذها من دون قيود، لهذا فأنت حينما تتجول في مدينة دبي تكتشف مجموعة من الأفكار الخلابة ماثلة أمامك، مدينة الإعلام، مدينة الإنتاج السينمائي، برجي العرب وخليفة وفندق أطلنطس ومشروعات أخرى.

الطاولة التي كنت فيها كانت تحمل الرقم 18، وضمت، زافين قيوميجيان، دينا عبدالرحمن، نور الدين مفتاح، سعيد اللاوندي، طارق الشناوي، زينة يازجي، سوسن الشاعر، الدكتورة عائشة بن بشر، والزميل جمال الشحي مدير الطاولة، وقدمنا مقترح إنشاء كوكب دبي، وافتتاح أول مدينة فضائية سياحية، ومركز أبحاث بالتعاون مع فرع وكالة ناسا.

ومعظم الطاولات حملت عناوين وأفكاراً جميلة، بل وصل الحماسة بالبعض أنه كان يقف ويقول هذه فكرتي، ويلقى التصفيق والتشجيع، أذكر أن الزميل الدكتور فهد العرابي الحارثي رئيس مركز اسبار للدراسات والبحوث والإعلام، اقترحت طاولته تطوير السياحة في نطاق الاقتصاد الإسلامي، ودبي تنشئ شركة عالمية للسياحة، مهمتها تطوير السياحة في مناطق أخرى بكر في العالم كأفريقيا وغيرها.

الآن، أريدكم أن تتخيلوا عناوين الصحف الإماراتية التي ستصدر بعد 10 أعوام، وهذه عناوين صفحتها الأولى: دبي تدشن أكبر سوق للمنتجات الإسلامية في العالم، شهادة الجودة الإسلامية في تطبيق المعاملات الإسلامية، دبي توقع أكبر صفقة لتوريد الأغذية الحلال لآسيا، صندوق لتمويل المشروعات الصغيرة في الدول النامية بحسب قواعد الاقتصاد الإسلامي، مؤتمر سنوي يجمع آلاف الطلاب وشبان العرب من الثقافات والأديان المختلفة في دبي.

بالطبع هذه ليست كل العناوين، هناك المزيد من الأفكار التي جمعتها حكومة دبي من ورش العمل التي نظمتها بمشاركة أصحاب الأفكار الخلابة والخيال الواسع، ويجب ألا نقلل من الأفكار مهما كانت مستحيلة أو صعبة، فالمصباح الكهربائي كان حلماً يدغدغ خيال توماس أديسون، و الطائرة كانت حلماً قبل أن تطير، ومكتشف الأنسولين والعقاقير الطبية وغيرها بدأت بخيال، وحتى البيوت والأعشاش الصغيرة بدأت بحلم، وانتهت بالتحقيق. بعد 10 أعوام من الانتظار الجميل لبعض الأحلام التي قرأتها، ودبي اختصرت في الأعوام الماضية مسافة التنمية، وأنجزتها في وقت قياسي، فلا أستبعد أن نرى بعض الأحلام، وقد تحققت بعد عامين أو ثلاثة. حكومة دبي لا تمنحك فرصة الحلم والخيال فحسب بل تطلب منك أن تلون أحلامك.

المصدر: صحيفة الحياة