جمال بنون
جمال بنون
إعلامي وكاتب اقتصادي

كيف تلقى الإماراتيون الخبر؟

آراء

خبر تحرير أسعار الوقود في الإمارات، لو أن هذا الخبر تم في إحدى الدول العربية غير الخليجية، لشاهدنا مسيرات ومظاهرات وارتفعت اللوحات وخرج علينا خطباء المساجد ومتنطعو القنوات الفضائية يحذِّرون الدولة من مغبة انعكاسات سلبية قد تظهر على المجتمع؛ بسبب ارتفاع أسعار الوقود والغاز.

وشاهدنا علــى مــر العقود الماضية، كيف يستغل بعضهم الإصلاحات الاقتصادية؛ لتأجيج الشارع وتهييجه واستخدام البسطاء والشباب وقوداً لهذه المقاصد.

وهذا ما جعل دولاً عربية ترزح تحت الديون لمصلحة البنك الدولي والدول التي تقدم القروض والمنح، وجعلها عرضة لأي قرارات تفرضها منظمات مانحة وفرض المزيد من الضرائب أو تعاني من عجز في موازنتها ونقص في مواردها الاقتصادية. ولدينا في الدول العربية أمثلة كثيرة.

وفي الجانب الآخر، دخلتُ مواقع التواصل الاجتماعي، من أهمها «تويتر»، أبحث إن كان صدر أي تذمر أو إزعاج من رفع أسعار الوقود، أو أي احتجاجات أو انتقادات، إلا أنني لم أرَ أياً من هذه المؤشرات التي تجعلك كمتابع لنهضة هذه الدولة أنها أزعجت مواطنيها، حتى المقيمين فيها.

نعود إلى الإمارات التي أعلنت أنها ستطبق قرار تحرير الوقود تدريجياً، وبدأت بالفعل، ومهما ارتفعت هذه الأسعار إلا أنها لا تزال البداية لتحرير الوقود، فالمواطنون في الخليج ينعمون بأسعار منخفضة وتتحمل بلدانهم فرق الكلفة، إلا أنه مع مرور السنوات، أصبحت تشكل عبئاً على خزانة الدولة وأيضا على الاستخدام المفرط للوقود. وخطوة الإمارات هي خطوة إصلاحية لتحقيق التوازن الاقتصادي، فقد وصل استهلاكها للوقود نحو 400 ألف برميل يومياً. ويدفع بالمزيد نحو تحسين بيئة النقل والمواصلات.

لم يكن مستغرباً أن يتقبل الشارع الإماراتي قرار زيادة أسعار الوقود، إذ ينبع اهتمام المواطن برغبة مساعدة الدولة في تخفيف التزاماتها مع تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، فضلاً عن زيادة الإنفاق الحكومي على المشاريع التنموية، والمواطن الإماراتي لا يزال يحظى باهتمام حكومته بمستوى الخدمات التي تقدمها على الأصعدة كافة من تعليم أو صحة وغيرهما من مؤسسات الدولة، فزيادة أسعار الوقود لن تشكل عبئاً عليه.

كما أنها تفرض سلوكاً اجتماعياً بعدم استخدام السيارة إلا للضرورة. ووفق تقرير نشرته وكالة «رويترز» من المستبعد أن تترك التغييرات أثراً كبيراً في التضخم أو النمو الاقتصادي في الإمارات؛ لأن انخفاض أسعار الديزل سيبطل أثر ارتفاع كلفة البنزين. وقال وزير الطاقة الإماراتي سهيل بن محمد المزروعي، إن النظام الجديد سيساعد على خفض استهلاك الوقود، ويحافظ على الموارد الطبيعية للأجيال المقبلة، وسيشجع أيضاً الأفراد على استخدام سيارات موفرة للوقود بما في ذلك السيارات الكهربائية والهجينة.

وقبل فترة نقلت صحيفة «النهار» الكويتية، أن وزارة المالية اقترحت زيادة أسعار البنزين بنحو 50 في المئة في نيسان (أبريل) المقبل، وبحسب تقرير «رويترز» فإن عمان والبحرين ربما تتجهان إلى المزيد من الإصلاحات، وبحسب التقرير تدرس عُمان خفض دعم البنزين بعدما خفضت الغاز الطبيعي، بينما رفعت البحرين أسعار الغاز الطبيعي المستخدم في الصناعة. أما قطر فيبدو أنها لا تعاني من أي مشكلة حالياً بسبب عدد سكانها القليل ودخلها المرتفع.

فيما إذا خطت السعودية مثل الإمارات في تحرير أسعار الوقود، فإنه سيكون حدثاً عالمياً؛ لأنها السعودية تعاني من ارتفاع استهلاك الوقود، حيث يقدر 30 بليون سنويا تذهب في تعبئة أكثر من 13 مليون مركبة تسير في السعودية، وتستهلك نحو 30 في المئة من إنتاجها النفطي سنوياً، وهذا الحقيقة مؤشر صعب، وهو ما يعني أن استخدام الوقود يسير بطريقة فوضوية وعشوائية وغير منظمة، وساعد في أن جعل السوق السعودية أكبر معرض لترويج أفخم أنواع السيارات، ذهبت معظمها في حسابات وكلاء بيع السيارات وشركاتها، ربما يتطلب من السعودية أن تعيد حساباتها وتتخذ قراراً جريئاً وشجاعاً كما فعلت بعض الدول، وتعيد أيضاً رسم خريطة التنمية؛ بما يجعلها أكثر تفاعلاً في مصلحة المواطن، فمن غير المعقول ألا تنعكس آثار الدعم الحكومي للكثير من السلع والخدمات على المواطن مباشرة.

دول النفط عاشت سنوات طويلة تنعم بمداخيله، والآن مع تراجع أسعار النفط ووجود منافس للطاقة واتجاه الكثير من الدول إلى الطاقة البديلة، ومع الاضطرابات التي تعيشها المنطقة، تتطلب منح المواطن مسؤولية أكثر للتعامل مع الوضع، كما ادعو حكومات الخليج إلى أن تتعامل بجدية في بناء التنمية والرعاية.

المصدر: الحياة