سمير عطا الله
سمير عطا الله
كاتب لبناني

خواطر صينو – عربية: «شباب» يقتلون أم يبنون؟

آراء

لا أعرف، ولا أعتقد أن أحدا توصل إلى أن يعرف إن كان تعداد السكان الضخم نعمة أم نقمة. لكن سواء كنت بلدا صغيرا مثل سنغافورة، أو هائلا مثل الصين، فيجب أن تكون لديك إدارة كيفية ومستقبلية. تبني الصين مدينة جديدة كل عام تستوعب 10 ملايين شخص، ينتقلون، بكل معنى الكلمة، من عصور الأرياف إلى حياة التقدم، أي ضعفي سكان لبنان. وإذا كان عدد سكان العشوائيات في مصر 25 مليونا، فإن كارثتهم يمكن أن تُحل في عامين ونصف العام.

كيف؟ أولا، بالخلاص من نظم العمل المتخلفة. الصين اكتشفت أن أماكن العلة الباقية فيها هي ما أقامته على غرار النظم السوفياتية المتخشبة. هذا ما اكتشفه الروس أيضا. سوف تصبح الصين الدولة الأولى، إلا إذا هُزمت أمام عدوين: الفساد والجهل. لذلك يُسمع بين حين وآخر عن إعدام مدان بالفساد. وهو حكم شديد القسوة، لكن الفساد في الأمم قتل كما هو في مذابح البشر.

من أجل أن تتقدم كان على الصين أن تنسى أولا أنها كانت إمبراطورية. فالعدة التي عملت بها الإمبراطورية قبل 5 آلاف عام لا تصلح لإدارة مزرعة اليوم. وكانت القاعدة الأولى في عظمة الإمبراطورية الحماية من الخارج والسور العظيم. القاعدة الأولى الآن هي الانفتاح على الخارج في كل مكان، والبحث عن أصدقاء وزبائن في بورتسودان وجافا وبلاد الاسكيمو. الخيار واضح وبسيط: إما أن تبني عام 2050 على أساس أن التكنولوجيا هي دماغ وقلب العالم الذي صرنا إليه، أو أن تتطلع إلى عام 2050 بعين وفكر ورؤية وأدوات عام 1050، كما يصر الدكتور محمد مرسي والرفاق.

لم تعد المسألة مسألة صراع مع الغرب ومع الآخر، بل هي الصراع مع النفس: هل المخرج هو بناء مدينة لعشرة ملايين كل عام، أم إرسال «الشباب» إلى نيروبي يطلقون النار 5 مرات على كل طفل يرونه؟ هل هو في التجدد أم في التخشّب، حيث يضرب الجفاف سوريا خمسة أعوام متتالية من دون أن ينتبه النظام إلى أن ما بناه على الغرار السوفياتي قد فشل وصدئ، وأن الحزب الشيوعي الفرنسي يتاجر بالنبيذ لكي يؤمن استمرار صحيفته وفكره وآيديولوجيته؟

كانت اليابان ربة النسخ والتقليد. لم يجد إله الشمس حلا إلا في تقليد صنايعية ألمانيا وأميركا. والآن تقلد الصين صنايعية أميركا وألمانيا واليابان. الإمبراطور صورة على الجدار وقصائد التشيرمان ماو في متحف القصاصات. والصين الجديدة (كما كانت تسمي نفسها أيام ماو) تبني مدينة لكل عشرة ملايين شخص كل عام. أما خيارنا فهو: هل القتل على طريقة «النصرة» أم على طريقة النظام؟ وهل حل مصر بـ«الإخوان» أم بالعسكر؟ وهل نُضيف عشرة ملايين «عشوائي» كل عام أم مدينة تتسع لعشرة ملايين بشري قادرين على حياة عادية؟

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط