توماس فريدمان
توماس فريدمان
كاتب عمود شهير بالنيويورك تايمز

دبي فعلت ما لم تفعله أمريكا

آراء

تتالى الفشل الأمريكي منذ بداية “الصحوة العربية” عام 2010 . فقد حاولنا تغيير النظام في ليبيا من دون غزو وفشلنا، وحاولنا التنازل في سوريا وفشلنا وحاولنا فرض الديمقراطية في مصر وفشلنا في المصادقة على انتخاب الإخوان المسلمين، لقد فشلت سياسة الولايات المتحدة في تغيير النظام، وفي الاحتلال، وفي المساومة، فهل نعيد التدخل في العراق اليوم رغم أن القرار لم يصدر بعد؟ قليلون منا يشعرون بالتفاؤل .

لعل أول متطلبات الحكمة الاعتراف بأننا لا ندري ما نفعل هنا، والأهم من ذلك أننا لا نملك الإرادة لاستغلال قوتنا المهيمنة أياً كان الزمن الذي تتطلبه، لإجراء التغيير في تلك المناطق وحتى لو حاولنا، فمن غير المؤكد أن القوة ستكون مجدية .

وإذا كانت منطقة الشرق الأوسط مهمة لدرجة أننا لا نستطيع إصلاحها ولا التخلي عنها، فماذا بقي؟ أعتقد أن هناك واحداً من حلين “الاحتواء” أو “التوسع” .

ولكن كيف ذلك؟ يمكن توسيع التجربة في المناطق التي تعمها الفوضى مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا، بالتعاون مع القوى المحلية لاحتواء الأزمة، وهو أساساً ما نفعله اليوم . لكنني آمل ألا نتعمق كثيراً . وفي دول مثل مصر والجزائر لا بد من العمل بهدوء مع الحكومات لتعميق احترام النظام، بحيث يكون شاملاً . وفي الدول التي يسود فيها النظام مع الاحترام مثل المغرب والأردن ولبنان والإمارات العربية المتحدة، علينا أن نقوم بكل جهد يضمن استدامة التجربة وتعميقها، بحيث تصبح أكثر استدامة وإجماعاً . وفي البلد الذي توفرت فيه الديمقراطية والاحترام مثل تونس، علينا أن ندعمه بالمال بقدر حاجته له (وهو ما لم نفعله) .

لكن يجب ألا ننسى أبداً أننا نستطيع ترسيخ وتوسيع ما يفعلونه . وعندما يبدأ التغيير اعتماداً على ما نملكه من قوى فاعلة هناك لن يكون قابلاً للاستمرار ذاتياً . وهذه أهم قيمة من قيم العلاقات الدولية . وعندما يبدأ بجهودهم سيكون أبدياً . وخير مثال على ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة ودرة تاجها دبي . وقد شاركت في العديد من جلسات المناقشة هنا في دبي حول قضية، “هل دبي سبب الصحوة العربية”؟

لكن انتظر . . أنّى لها ذلك؟

إن دبي إضافة إلى تألقها الحضاري والعمراني وطفرتها العقارية، باتت “مانهاتن” الوطن العربي – إنها المكان الوحيد في منطقة الشرق الأوسط الذي يقصده الشباب الطامحون بحثاً عن بيئة لتفجير طاقاتهم في الفن والأعمال والإعلام والتربية وشركات التقنية الناشئة – مع شركات عالمية الطراز – وبثقافتهم الخاصة ولغتهم الخاصة، ومعتقداتهم الدينية الخاصة وطعامهم المفضل وموسيقاهم وحتى ملابسهم .

ومع تزايد عدد الشباب العرب الوافدين الى دبي أو الذين يتابعونها عبر شاشات التلفزة، يسأل الكثير منهم “لماذا لا نملك التسهيلات نفسها في بلدنا؟” فقد قال لي رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق سلام فياض: “يدرك الناس معنى المواطنة في كل مكان حالياً”، وكان كافياً للشباب المصري متابعة تجربة سنغافورة والبرازيل ومقارنتها مع بلدهم، لكن عندما لاحظوا أن العرب يمكن أن يصنعوا ما هو أفضل من سنغافورة، كما في تجربة دبي حيث تحولت تجربة دبي إلى نموذج آسر . ويتردد السؤال نفسه في كل مكان على صعيد المنطقة، “إذا لم نكن قادرين على صنع الديمقراطية فلماذا لا نصنع ما صنعت دبي؟” .

“دبي هي عاصمة الربيع العربي، فالثورة الحقيقية بدأت من هنا . “هذا ما يقوله مازن نهاوي الشاب الفلسطيني الذي أنشأ شركة إعلامية في دبي اسمها “نيوز غروب انترناشونال” . “الصحوة العربية” لم تبدأ لأن العرب يريدون الحرية والديمقراطية، لقد انطلقت من عقول الشباب الذين رأوا النموذج في دبي دليلاً على قدرتهم على صنع المستحيل وبمستويات عالمية من الجودة، كما هو الحال في شركة “طيران الإمارات وموانئ دبي وغيرها”، مع مستويات أداء عالية في القطاعين العام والخاص . كل هذا تتم مقارنته وبكثير من التسامح، مع خطاب وواقع حكم العسكر الذي يعيشون في ظله .

هناك مؤسسة حكومية حاضنة في أبوظبي اسمها “تونتي تو فور تو” تهدف إلى إطلاق ثورة إعلامية عربية، ترددت كثيراً على زيارتها . فقد كانت في عام 2008 ترعى 15 شركة ناشئة واليوم ترعى 311 شركة، تضم صناعة السينما والترفيه والإعلام، وشركات ناشئة من مختلف التخصصات ومن مختلف الدول العربية ومن شرق آسيا .

ويقول نهاوي: “لقد فتحت قناة الجزيرة للشباب العربي نافذة على العالم، ويمكن أن تثبت دبي أن النجاح ممكن هنا . وعندما يرى المرء أن تحقيق النجاح الذي يصعب في بلده ممكن في مكان ما خارج بلاده يتحوّل النجاح الى قضية سياسية . وقد كشفت دراسة أعدتها شركة “أصداء” في إبريل/نيسان، هي الثالثة من نوعها حول الشباب العربي، عن أن الإمارات تتصدر الدول العربية من حيث جودة المعيشة للسنة الثالثة، وأن الشباب العرب يودون لو كانت بلادهم تقلدها . وقد كان نصيب الإمارات من الأصوات 39% مقارنة مع 21% للولايات المتحدة .

وأخيراً نصل إلى الاستنتاج بأنه لا بد أن يبدأ العمل من دبي . وأفضل ما يمكن أن نقوم به هو توسيع التجربة . وقد قال لي يوماً “ديفيد كيلكولين” الخبير الدولي الذي عمل مع الجيش الأمريكي في العراق: “مثلما توجد نبضة الحياة في جسم الإنسان، يجب أن تكون هناك نبضة شرعية وتماسك في الجسم السياسي . وإذا لم يتوافر ذلك فسوف تكون الجهود أشبه بصعق جيفة بتيار كهربائي لتعود إلى الحياة . وعندما لا تكون لديك القيادة الوطنية، فالغزو لن يجدي، بل قد يزيد الأمور سوءاً” .

(نقلاً من نيويورك تايمز)

المصدر: الخليج

http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/b2f66b1d-17e7-467d-8dc5-64df200b7b5e