«ديرة تاروت» تحرس قلعة «الملكة عشتار» منذ 5 آلاف عام

منوعات

إذا تناهت إلى مسامعك مفردة «الديرة»، فربما تقودك الذاكرة إلى الحي الذي كان مرتعاً لصباك، أو ربما تقودك هذه المفردة بشكلها الفضفاض إلى الإقليم والمكان الذي تعود إليه جذورك العائلية. فمعظم الأحياء القديمة لا تخلو من حي يسمى «الديرة». لكن عندما تسمع مفردة «الديرة» وأنت تجوب أزقة جزيرة تاروت (محافظة القطيف)، فستستحضر ذاكرتك قلعة برتقالية شامخة. وربما تشير بإحدى يديك إلى التلة البارزة التي تنتصب في مكان يعلو بيوت الطين.

ربما تسترسل لاستكمال الصورة واستجلاب ما تكنّه من تاريخ عميق وأثر عريق، فلهذه المفردة سحر خاص لدى السكان هنا، ممن يهمهم سبر أغوار التاريخ والرجوع لآلاف السنين، ليبدأ سؤاله المحير: ما هي الديرة؟ وأين تقع؟ ومن يسكنها؟ وفي أي عهد بُنيت؟ ولماذا بقيت مرتفعة عن بقية الأحياء؟

أسئلة حائرة، ولبعضها إجابات مقتضبة لكن أكثرها «طلسمية» دفنت تحت تلة مرتفعة تقبع في قلب جزيرة تاروت، مثل جبل وادع يكتنفه الهدوء والسكينة، وتتوزع على جوانبه البيوت، على رغم عشوائيتها للناظر من بعيد؛ إلا أنها تتسم بالتصميم الفريد والهندسة المعمارية المستوحاة من أجداد أبدعوا حتى في نقوش البوابات، فضلاً عن تصاميم بأبعاد ثلاثية، وإن عفا عليها الدهر، وعفت رسومها، إلا من أطلال بالية تقف معتصمة بإيحاءاتها الجميلة التي لا تزال لوحةً تستقطب المؤرخين والمصورين، وتجعلك تشتاق لزيارة هذه البقعة «الدلمونية»، لتكون شاهداً على ما تبقى من حضارة «سادت ثم بادت».

وعلى قارعة زقاق يؤدي إلى التلة الجبلية، التي تنتصب عليها القلعة تفترش مجموعة من كبار السن الأرض ليتبادلوا أحاديث لا تخلو من شقين: استحضار تاريخ القلعة والحي أو البكاء على أطلالهما، بعد أن «غدر بهما الزمان وقضى على جزء كبير من مكوناتهما مثل حمام تاروت وحمام باشا وعين العودة»، وهي أماكن تاريخية كانت تمثل محطات الاستجمام اليومية لسكان الجزيرة. إلا أن بلدية محافظة القطيف قررت إزالتها نهائياً من دون الاكتراث بقيمتها التاريخية. فيما لا تزال قلعة تاروت تتوسد الجانب الجنوبي الغربي من الحي، على رغم الظروف «العصيبة» التي تمرّ بها.

وتفوح في حي الديرة رائحة الماضي وبخاصة الأزقة، التي تشكل نسيجاً تراثياً ساحراً يحيط بقلعة تاروت، التي تتسيد المشهد في البلدة. فيما تشكل هذه البانوراما التاريخية صفحات لا تزال تشكل «لغزاً» وإن حاول باحثون فك رموزه. فالديرة هي ذاكرة المكان الذي تحتشد في أعماقه الكثير من الحكايات والقصص والأساطير كذلك، لكنها تحاول للوهلة الأولى أن تفصح بمكنونها عن الكثير من الحقب التاريخية، ما يجعلها محطة سياحية تغازل السياح والمهتمين بالعمق التاريخي للمنطقة.

القطيف – محمد الداوود – الحياة