بدرية البشر
بدرية البشر
كاتبة سعودية مقيمة في دبي

جواز «الشغالة»!

آراء

قريبي يشغل وظيفة حساسة في دائرة تعاني من قلة الموظفين، ما يعني أن غيابه عن العمل يعني غياب عشرة، لكنه اضطر لأخذ إجازة شهر توزعت بين ثلاثة أشهر، والسبب جواز «الشغالة». فقد استقدم لأول مرة في حياته «شغالة» وربما تكون الأخيرة، ولكن «الشغالة» التي وصلت بعد طول انتظار إلى مطار الخبر حيث يسكن وصلت من دون جواز. وتم العثور عليها وتسليمها له وفق عامل الصدفة، فقد وجدوا في المطار «شغالة» من دون جواز، وكفيلاً يبحث عن «شغالة».

«الشغالة» توقفت في أول محطة لها في مدينة جدة، فقام موظف الجوازات بسحب جوازها على أن يسلمه لها في الخبر حين تصل. موظفو الخطوط أركبوها الطائرة من دون جواز، ثم اكتشفوا بعد رحيلها أن هناك جوازاً من دون «شغالة» فبعثوه بالبريد إلى جوازات الرياض، فوصل على ما يبدو إلى جوازات مدينة أخرى، وهؤلاء وصلهم جواز من دون «شغالة» فسجلوها هاربة، فدخلت التاريخ الرسمي للشغالات بمسمى هاربة. ولأن الشغالة تحتاج جوازاً كي تخضع للفحص والعلاج والتنقل كان لا بد من بدل فاقد. راجع قريبي جوازات المطار فقالوا يجب أن تسقط البلاغ من إدارة الوافدين، الذين قالوا له: لابد أن تسقطه من شؤون الاستقدام، ثم الجوازات، ثم اذهب للسفارة.

في مسلسل البحث عن جواز «الشغالة» حدثت قصص طريفة وأليمة، منها أن الموظف الحكومي يقول له راجعنا بعد ثلاثة أيام، لكن قريبي يشرح له أنه جاء من مكان بعيد، وأنه مضطر لأخذ إجازة أخرى، فيعيد الموظف النظر في الورقة ثم يوقعها من باب الشفقة وليس من باب المسؤولية، من دون أن نعرف السر في تأجيل التوقيع ثلاثة أيام. وفي إحدى المؤسسات وجد قريبي غرفة كبيرة جداً مكتوباً عليها: (وحدة العمليات الكبرى)، لا يوجد بها غير فاكس وموظف وطاولة، مهمتها استلام الفاكسات. وحين يذهب الموظف للصلاة أو للفطور فإن الحارس يمكن أن يقوم بالعمل بدلاً منه ويستلم الفاكس، وقد فكر قريبي بأن أهم عملية كبرى لم تخطر على البال حتى الآن هي أن هذه الإدارة لو باعت الطاولة والفاكس واشترت كومبيوتراً موصولاً بنظام معلومات على المستوى الحكومي عن طريق شبكة الإنترنت، ويتم عبره تبادل المعلومات، لوفرت عليه ثمن البنزين ورسوم المواقف التي يدفعها بسبب عدم وجود مواقف عند هذه المرافق، وشهر تغيّبه عن العمل، ولكفته شرّ الصعود للمدير بورقة، والنزول مرة أخرى للموظف المختص. كتب قريبي خطابات عدة للمعنيين بأمر جواز «الشغالة»، أحدها للمدير العام للجوازات، وآخر لمدير مطار الملك فهد، وثالث لمدير مطار الملك خالد، ورابع للمدير العام للخطوط السعودية، وأرسلها لهم بالبريد. الوحيد الذي رد عليه هو موظف سوداني طيب، مكذباً ما يشاع عن السودانيين بأنهم كسالى، هو الوحيد الذي اتصل به يستفسر عن سبب تلقيهم خطاباً يسأل عن جواز «شغالة»، لكن للأسف كان هذا الموظف من شركة الجميح للسيارات. اتضح أن البريد أوصل له الخطاب بالخطأ، مثلما أضاع الجواز بالخطأ، وطلب منه أن يأتي لاستلام خطابه إن كان مهماً.

بعد رحلة إصدار جواز بدل فاقد، اكتشف قريبي أن عليه غرامة تأخير استخراج إقامة للشغالة بعد أن مرت عليها ثلاثة أشهر. في المكالمة الأخيرة سألت قريبي ماذا ستفعل؟ قال سأسلم الشغالة للشرطة وأقول لهم: «عثرت على شغالة هاربة».

المصدر: جريدة الحياة