شتاء طنطورة، ربيع الدبلوماسية الثقافية السعودية

آراء

قبل عام، مرت العلاقات السعودية اللبنانية بواحدة من أصعب الفترات في تاريخ العلاقات بين البلدين. حيث أثارت تداعيات الظروف الغامضة لاستقالة لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري المفاجئة من الرياض الشكوك حول نوايا المملكة تجاه لبنان.

بدا لمعظم المحللين أن جماعتين متنافستين – الصقور والحمائم – كانتا تتنافسان على النصيحة والتأثير على الديوان الملكي في الرياض.

اتبع الصقور استراتيجية عالية المخاطر/عالية المردود؛ أرادوا تحولا كاملا، ربما مع وجوه جديدة لتمثيل المصالح السعودية، وهددوا بهدم العلاقات بالكامل اذا لم يحصلوا على ما يريدون. أما الحمائم – وعلى الرغم من إقرارهم بتزايد نفوذ حزب الله في ضوء ميل نتيجة الحرب في سوريا لصالح نظام الأسد – فاختلفوا مع ذلك الرأي تماماً، وفضّلوا مقاربة تتلخص في مقولة “إذا لم نتمكن من إصلاح الأمور كليا، فعلينا أن لا نخاطر بتدميرها كليا”.

وقد ثبت خطأ الصقور. حيث جاءت استراتيجيتهم بنتائج عكسية، فعززت أزمة استقالة الحريري موقف الخصوم وأضعفت الأصدقاء وأبعدت أولئك الذين كانوا يقفون على الحياد.

ومع ذلك، أعتقد أننا شهدنا خلال الـ 12 شهراً الماضية تحولاً في النهج السعودي. وعمل الحمائم مثل مستشار الديوان الملكي نزار العلولا والسفير وليد بخاري بلا كلل لتنفيذ تعليمات جديدة تتعلق بلبنان.

بطبيعة الحال، كان على السعودية أن تتحرك بسرعة، لأن كل يوم تتم خسارته كان يعتبر فوزاً للمنافسين الإقليميين الذين بدأوا – لأول مرة – يستميلون بعض السُنة في لبنان.

زادت المخاوف مرة أخرى عندما أعلن الرئيس دونالد ترامب انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وفي نفس الوقت أعادت عدة دول عربية فتح سفاراتها في دمشق.

إلا أن موقف الرياض حسب رأي هو خسارة سوريا لا تعني – أو يجب أن تعني – خسارة لبنان كذلك. إذ أن الرياض تعلمت من موقفها غير الحكيم بالابتعاد عن العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، أن نهج “كل شيء أو لا شيء” غير ناجح. لذلك كان لافتا، خلال السنتين الماضيتين، تمتع الرياض (منذ أن غيرت موقفها) وبغداد بتقارب شمل زيارة رجل الدين الشيعي المؤثر مقتدى الصدر للمملكة للمرة الأولى.

تصوري أن الأمر نفسه، إن لم يكن أكثر، هو في طور الإعداد للبنان. لقد رأينا للتو تعهدا من السفير البخاري للنظر في سحب تحذير السفر إلى المواطنين السعوديين بمجرد تشكيل الحكومة في لبنان. وهذا سيعطي السياحة اللبنانية دفعة إيجابية.

هناك أيضا تقارير غير مؤكدة عن المزيد من الدعم الذي يمكن النظر فيه عند تشكيل الحكومة – ربما تشكيل مجلس استراتيجي، بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان على الأرجح. كما تستطيع الرياض دعم مصرف لبنان من خلال وديعة أو قرض ضخم، وهو ما يحتاجه الإقتصاد بشكل كبير.

لدى لبنان، في المقابل، الكثير الذي يمكن أن يقدمه للسعودية وبرنامجها الإصلاحي، لكنني أعتقد الآن أن أهم هدف للرياض وجميع أصدقاء لبنان العرب هو إعادة الاستقرار إلى ‘سويسرا الشرق’.

علينا أن نذكر اللبنانيين أن الدعم السعودي يعني الأمل والازدهار والتنوع لكل لبنان – تماماً كما كان في عهد رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. وأن ذلك يتناقض مع نهج إيران، التي خطفت البلد من خلال عملائها في حزب الله، وعملت على تغيير التركيبة السكانية وشنّ حروب بالوكالة.

فبينما يحفر العملاء الإيرانيون أنفاق الكراهية، فإن السعودية تبني جسوراً للثقافة. وقد تبدى ذلك عند وصول حوالي 100 زائر من صفوة اللبنانيين إلى العلا لحضور مهرجان شتاء طنطورة، حيث قامت السوبرانو اللبنانية ماجدة الرومي بإحياء حفل في المملكة لأول مرة.

كان من بين الحاضرين رؤساء جمهورية ورؤساء وزراء ومسؤولون سابقون وأعضاء من عائلة الحريري وممثلون عن جميع الطوائف (بما في ذلك الشيعة) وملكات جمال ومغنين وصحفيين ومثقفين بارزين. وكل هؤلاء لبوا دعوة وزير الثقافة السعودي المعيّن حديثًا في المملكة، الأمير بدر الفرحان.

كانت هذه دبلوماسية ثقافية في أفضل حالاتها – حيث لم تؤدي إلى تجاوز حوادث العام الماضي المؤسفة فحسب، بل انعكس للجميع – سعوديين ولبنانيين – من خلال مسرح ‘المرايا’ كم هو جميل العمل من أجل التقاء الثقافات، وليس التفرقة بينها.

المصدر: عرب نيوز