عندما يَصدَحُ صَوتُ الحَق

آراء

ظهرت الصحف القطرية بعد يومين من التراشق الذي حصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول العلاقات بين دولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة على خلفية حديث للشيخ يوسف القرضاوي في خطبة الجمعة ، ظهرت الصحف بعنوان « أكد ثقته في حكمة سمو الأمير.. محمد بن زايد: «لا خلافات بين قطر والإمارات».

وكان الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة قد تحدث عن علاقته المتميزة مع صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، مضيفاً «ولدي ثقة كبيرة بالشيخ تميم في أنه يرى مصلحة قطر من مصلحة دول مجلس التعاون». وأكد أن «الشارع العربي لديه سوء فهم وعدم رؤية لما حصل مؤخراً، ونحن نؤكد أنه ليس لدينا خلاف مع قطر».
كما ظهر عنوان في الصفحة ذاتها يقول : (العطية: علاقتنا مع الإمارات أخوية، ولاخلافات مع السعودية). وكان وزير خارجية دولة قطر قد أكد خلال حديث على قناة «الجزيرة» أن «العلاقات بين قطر والإمارات علاقات أخوية، وأن شعوب دول مجلس التعاون شعب واحد، وأن مجلس التعاون لم يصادر حق الدول في سيادتها أو الاختلاف في وجهات النظر، إلاّ أن هناك مُسلمات وخطوطاً حمراء متفق عليها بين دول التعاون». وأكد سعادته على أن «علاقتنا مع الأخوة في الإمارات على أعلى مستوى»، مشيراً إلى أن الأمور الخلافية بين الدول أمور طبيعية ويتم تسويتها عبر القنوات المختصة، وأن «دولة قطر دعمت الحكومة المصرية والحكومات التي تعاقبت، لأننا لا ندعم حزباً أو تياراً وموقفنا واضح». وأضاف أن «خَمس شحنات من الغاز القطري ذهبت إلى مصر بعد 3 يوليو»، وأشار إلى الاتصالات المتبادلة والمصير المشترك والمشاريع الاستراتيجية مع دولة الإمارات، ولا توجد خلافات بهذا الحجم الذي يُصورهُ الإعلام».

بصراحة ، يُسعد الإنسان عندما يظهر صوتُ العقل من بين ركام «فوضى الإعلام» والأقلام التي تؤجج المشاعر وتُضخّم القضايا بهدف الإساءة إلى دول مجلس التعاون، وتحوير المقاصد والمعاني لخلق حالة عبثية بين أبناء دول مجلس التعاون! ذاك الصوت المسؤول الحريص على العلاقات الأخوية الراسخة بين الدول الشقيقة والتي تعود إلى مئات السنين، وحرص القيادات الخليجية على تنمية وتطوير تلك العلاقات بصورة أخوية دونما تدخل من أحد!

نحن في الخليج العربي لا نحتاج إلى «وصاية فكرية»، فلقد كبرنا، ولا إلى مؤامرة «الفوضى الخلاقة»، وإن جاءت عبر «قفازات» ملونة أو مصبوغة بدمِّ الأيديولوجيا. وكانت أمورنا تُحل عبر مكالمة هاتفية أو رحلة بالطائرة لا تزيد على الساعة!

كما أن المجتمع الخليجي المُسالم والهادئ الطبع لم يتعود على «نظرية المؤامرة» ولا على أساليب «التقيّة الأيديولوجية»، ولا التحريض على المجتمع ودوله، إنْ لم يساهم في حلِّ مشكلات الآخرين ورفع الضَرر عنهم وتعضيد وحدة الشعوب العربية والإسلامية، وإقالة عثراتهم.

نحن في الخليج نريد الاستقرار والأمن، ولا نريد لأبنائنا أن تتلوث أفكارهم بالأيديولوجيا المؤدية إلى العنف، أو إلى الكراهية، لأن هذا الأسلوب لم نتعود عليه، ولا نريد لأبنائنا أن يسلكوه، وتكفينا النماذج التي قَضت من الشباب المسلم في صحارى التخلف بدعوى الجهاد.

أدعو مخلصاً كل الإعلاميين في الخليج أن يترفَّعوا عن كل ما من شأنه المساس بالعلاقات الأخوية الطيبة التي تربط دول وشعوب مجلس التعاون ، وألاّ يضخّموا الأمور من أجل الإثارة أو تحقيق «شهرة» مزيفة وقتية على حساب مصائر الشعوب ومستقبلها، وأن يتركوا للجهات المختصة أن تعالج القضايا العالقة بالأسلوب الدبلوماسي الهادئ، البعيد عن أحاديث المنابر المتشنجة، ووسائل التواصل الاجتماعي التي تحفل أحياناً بغوغائية الإثارة والعبث.

لقد أثلج صدرَنا حديثُ الشيخ محمد بن زايد وحديثُ الدكتور خالد العطية المسؤول، حول ما تم تداوله خلال الأيام الماضية ، في ما يخص العلاقات الأخوية بين قطر والإمارات، وهذا يُعبّر عن تفهُّم وفَهم دقيق لحتمية العلاقات بين البلدين وحرص الطرفين على تعزيزها وتطويرها، حتى وإنْ ظهرت على السطح بعض الاختلافات في وجهات النظر. ولعلنا نستحضر مقولة شهيرة للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عندما سُئل عن اختلافات في وجهات النظر بين دول مجلس التعاون، حيث أجاب رحمهُ الله بما معناه : داخل الإناء الواحد يمكنك أن تسمع «قرقعة» الفناجين!

وذلك تشبيه بليغ للحال في مجلس التعاون، بل إن الأشقاء الذين خرجوا من رَحمٍ واحدة تحدث بينهم اختلافات ولا يكونون نُسخاً كربونية من بعضهم البعض.

نحن نؤكد على سيادة كل دولة فيما تتخذه من قرارات وما تمارسه من أعمال، حتى وإنْ كانت عضوة في مجلس التعاون، ولا يجوز أن يظهر بيننا من يحاول أن «يترجم» تلك القرارات أو الممارسات على أنها موجهة لطرف معين. كما أن بعض الإعلاميين – وفي ظل الفوضى والتشنج الملحوظ في العالم العربي – يحاولون «تمرير» بعض الأجندات التي لا تصلح لنا ولا تفيدنا. وحريٌّ بكل الإعلاميين الخليجيين الانتباه لذلك ، وعدم الانجرار لمسرحية ( صبِّ الزيت على النار) ، والشيء ينطبق على التراشق بالقصائد والنقائض «العصماء»، والتي تخرج عن نُبل الشعر وسموه ، وتعيدنا إلى العصر الأموي.

شواهد التاريخ في منطقة الخليج العربي علمَتنا أن التراشق الإعلامي بين الأشقاء ليس من عمل العقلاء ، وأن «الشيطان» ينشط عندم تطلُّ الفتنة برأسها، ولا بد من قتلها في مهدها، كما أننا محسودون على النعمة والأمن والرفاهية التي توفرها لنا دولنا. والأسلوب الرخيص لتشويه تلك الصورة هو بث الفرقة فيما بين الأخوة بحيث يسهل الانقضاض عليهم أُحاداً.

وقانا الله شرَّ الفتنة وأصحابها ، وأدام الله علينا نعمة الأخوة والتفاهم والتعاضد من أجل غدٍ أفضل لأجيالنا، وأبعدَ الله عنا «نزوات» الشيطان الرجيم .

المصدر: الاتحاد