عبدالله فدعق
عبدالله فدعق
داعية إسلامي من السعودية

فتشوا عن التعايش

آراء

الخلل الكبير والواضح بين مكونات المجتمع زاد كثيرا من حدة الجدل حول مصطلح (التعايش)، الذي جاء في المعجم الفرنسي (لوبوتي لاروس) أنه بمعنى: “قبول رأي، وسلوك الآخر القائم على مبدأ الاختلاف، واحترام حرية الآخر، وطرق تفكيره، وسلوكه، وآرائه السياسية والدينية؛ فهو وجود مشترك لفئتين مختلفتين، وهو يتعارض مع مفهوم التسلط، والأحادية، والقهر، والعنف”.. الأحداث المحيطة بنا ـ داخليا وخارجيا ـ تشير إلى أن أي صراع كبير أو صغير بين أبناء الوطن الواحد لا يمكن حله والقضاء عليه إلا بنشر ثقافة التعايش المشترك، وهذا التعايش يحتم علينا بذل كل جهد في وقف ومنع خطاب الكراهية والتحريض، وصيانة وحدة البلاد، والذود عن تراب الوطن، والحفاظ بكل قوة على نسيجه المجتمعي، وعدم التفكير في المساس بأمن البلاد والعباد.. ما من شك في أن أيسر طرق الرد على العابثين بالأمن، والمستهترين الذين لا همّ لهم إلا إيقاد نار الأحقاد بين الناس هو تطبيق أدبيات العيش المشترك، وأهمها الاحترام المتبادل، والالتفاف حول راية البلاد..

الآن وأكثر من أي وقت مضى لا بد من أن يتفق الكل على التأكيد على حتمية الحوار كسبيل لإحياء التواصل بين المجتمع، وترسيخ قبول حقيقة التعدد والتنوع، وحسن إدارة الاختلاف، ولا بد من التأكيد أيضا على أهمية التوعية بثقافة الوسطية والاعتدال لتجاوز حالة التمزق والاحتقان التي ظهرت في القديم، والمرشحة للظهور من جديد.. محبو الوئام يتطلعون إلى من يساعدهم على بناء الجسور بين بعضهم بعضا، لا إلى الاصطفاف خلف الحواجز الوهمية الناشئة عن مراحل زمنية سابقة لا تستحق اليوم أن تذكر أبدا ـ “ما مضى فات، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها”.. هناك ضرورة كبرى لملاحقة الأفكار الداعية إلى التمزق والتحارب؛ من خلال التشجيع الصريح للقبول بالتعدد والتنوع، وإفشال كل فكر يشجع التعصب المقيت، والاستبداد بالرأي، أو يمارس الوصاية على أفكار الأمة، والتشجيع الكامل أيضا لأن يجلس الناس إلى طاولات حوار؛ يتحاورون بقلوب نظيفة، وعقول جريئة فيما يحقق الوحدة، وينبذ الفرقة، دون أن يطلب أحد من أحد التنازل والانصهار تحت فكر معين، أو حتى مذهب بعينه، فإن هذا في عالم اليوم ليس إلا المستحيل الرابع للمستحيلات الثلاثة المشهورة: “الغُولُ والعَنقاءُ والخِلّ الوَفي” ـ .. لا سبيل لنا إذا أردنا مجتمعا مطمئنا إلا بالتعايش، والعمل الجاد على وقف التنازع والتحارب بين المواطنين، وإفهامهم أن كل واحد عليه حقوق تجاه الوطن الذي يعيش فيه بغض النظر عن الانتماءات الخاصة والعامة. ولا بد أن نقرر بيننا أننا مثل كل المجتمعات التي لا تكاد تخلو من وجود المشكلات الداخلية، ولسنا بدعا بين العالم، كما لا بد أن نقرر كذلك أن النخب الواعية هي من تتحمل حل هذه المعضلات.

مسببات محاولات الطيش التي حدثت وقد يحدث القليل منها معلومة، والكثير مازال يحتاج إلى كثير من الدراسة، وإن أردنا الخلاصة فسنجدها في التعايش الغائب، أو المغيب، والمنتظر اليوم هو تفعيل كل ما هو معني بمنع تفشي الأفكار الهدامة، وخصوصا في مناهج التعليم، ووسائل الإعلام.. وأخيرا فكل الحمد لله ـ سبحانه وتعالى ـ على أننا في هذه البلاد المباركة كلما ظهرت محاولة طائشة وبائسة زاد معها الإصرار على الوحدة، وزادت معها التضحية ضدها، وتنامت القناعة بحنكة وحكمة القيادة.

المصدر: الوطن أون لاين
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=23781