د. حبيب الملا
د. حبيب الملا
كاتب و محامي إماراتي

في الاحتفال بمولد سيد الخلق : وجهة نظر

آراء

 لم أكن راغباً في الخوض في موضوع حساس تتداخل فيه الاعتبارات الدينية وتتشابك فيه الهجوم الذي تعرض له والعواطف إلا بسبب بعض الأخوة ممن قاموا بطرح وجهة نظرهم في مسألة الاحتفال بالمناسبات الإسلامية . هجوم وصل إلى حد الاستهزاء ممن طرح الموضوع وربما وصل الأمر إلى حد التشكك في النوايا والتشكيك في العقيدة .

 وقبل البدء أود أن أثبت أمراً أعلم أن البعض سيبدأ نقد طرحي به وهو موضوع التخصص ، والقول بأنه ليس للمشتغل بالقانون أن يتعرض إلى أمور الدين . ومع عدم اقتناعي بأن الشهادات هي مقياس التحصيل العلمي إلا أنه سداً لهذا الباب أقول بأنني أحمل شهادة الليسانس في الشريعة الإسلامية وحديثي هنا ليس من باب الفتيا بغير علم .

 لا أظن أن أحداً يختلف في أن الاحتفال بالمولد النبوي لم يحدث في عهد النبوة ولا في عهد الخلافة الراشدة أو التابعين وإنما أُحدث في عصور متأخرة . ولكن عدم الحدوث هذا لا يقتضي بالضرورة التحريم . والذين ذهبوا إلى القول بحرمة الاحتفال بالمولد النبوي إنما قالوه لأمرين أو لأحدهما :

ـ       فالبعض ذهب إلى أن الاحتفال بالمولد النبوي هو عبادة وطالما أن  الأصل في العبادات التحريم وأنه لا يجوز إحداث العبادة ولا الزيادة فيها مصداقاً لقوله تعالى ” اليوم أكملت لكم دينكم ” فإن الاحتفال بالمولد النبوي وبأية مناسبة إسلامية سوى العيدين هو من باب البدعة المحرمة .

ـ       والبعض الآخر ذهب إلى حرمة الاحتفال بالمولد لما يرافق ذلك في بعض البلدان من أمور تخالف الشرع كالغناء والرقص والشعوذة .

 فأما بالنسبة للرأي الأول فإنه لا خلاف في أن من شروط البدعة أن تكون في العبادات أما العادات فلا بدعة فيها ، وأن يقوم المقتضى لفعلها في زمن المصطفى ولم تُفعل . الذين يدعون إلى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في هذا العصر لا يقولون بذلك من باب العبادة أو الشعيرة التي يثاب فاعلها ويؤثم تاركها ، بل إنهم يدعون إلى ذلك من باب العادة، فمن فعلها فأمره ومن تركها فلا تثريب عليه . ولا حرج على الإنسان أن يحتفل بأية مناسبة مباحة كالتخرج أو اليوم الوطني طالما لم يعتقد بأنها شعيرة . كما أن القياس على عدم قيام الصحابة بالاحتفال بالمولد النبوي الشريف ليس حجة في ذاته ، فالهجمة التغريبية التي تتعرض لها الأمة اليوم لم تكن موجودة في عهد الصحابة بل كان المجتمع الإسلامي حينها متشرباً للثقافة الإسلامية بحذافيرها دون خوف أو خشية من أية شوائب خارجية . أما اليوم فالوضع مختلف والقياس على عصر الصحابة مع الفارق ، وإذا كان الاحتفال بالمناسبات الإسلامية كالسنة الهجرية والمولد النبوي مدعاة للحفاظ على الدين والهوية وتنشئة الجيل على دينه وتحبيبه فيه فإن هذا المقتضى يستلزمه الوضع المعاصر خاصة إذا جاء الاحتفال خالياً من أية أمور محرمة أو مكروهة .

إننا نحتاج أن ندرك واقعنا الذي نعيش فيه ويعيش فيه أبناءنا كما هو اليوم وليس كما كان منذ عهود مضت . وأن قيمة الفقه الإسلامي كانت بتجدده ومعايشته لكل العصور دون الوقوف عند أقوال فقهية نجلها ونحترمها ونستفيد منها ولكنها لا تمثل إلا تفسيراً بشرياً لنصوص الشرع في عصر تختلف مقتضياته وأحكامه عن عصرنا . فأقوال الفقهاء ظنية الدلالة وباب الاجتهاد في المسائل الظنية الدلالة مفتوح إلى قيام الساعة .

 وخلاصة الأمر أن المسألة فرعية وفيها سعة وباب الاختلاف فيها مفتوح ولا يحتاج الأمر إلى حشره ضمن زاوية العقيدة ولا إلى إطلاق أحكام التكفير من قبل المعارضين أو تهم التحجر والجمود من قبل المؤيدين .