عبدالله المديفر
عبدالله المديفر
مقدم برنامج (لقاء الجمعة)على قناتي خليجية والرسالة وبرنامج (في الصميم) على روتانا خليجية كاتب في صحيفة اليوم

في بيتنا متطرف

آراء

بين كل فترة وأخرى ينشط الحديث عن «الفكر المتطرف» ومظاهره وأشكاله ودوافعه وعوامله ونحوها، وتتنوع كالعادة القراءات والتحليلات بل وتتباين وتتفاوت بمسافات هائلة ومتناقضة أحياناً، وأنا أضم صوتي هنا إلى القائلين بأن: «التطرف ليس فكراً.. بل هو طريقة تفكير»، والمرض عندنا في آليات التفكير، والعرض هو التطرف الذي يطل علينا بأشكال مختلفة سواء ارتدى العباءة الإسلامية أو غيرها ، وعند التأمل ستجد بيئتنا الاجتماعية هي بيئة حاضنة للتطرف والغلو، والآليات الاجتماعية والمتحكمة بصناعتها تجعل الفرد في منتهى القرب للاستجابة للانتماء المتطرف.

«التطرف» كمنتج يتشكل بثلاثة قوالب رئيسة، فهناك التطرف في المعرفة، والتطرف في الشعور، والتطرف في السلوك، وهذه القوالب الثلاثة تتمازج فيما بينها وتتفاوت حسب شخصية وطبيعة وثقافة الشخص المتطرف، وكلها تعبر عن تربية حادة تتبنى رؤية أحادية تضيق بالخلاف مع الآخر الذي يجب أن يغتال وبأي طريقة.

انخفاض هوامش التعبير، واحتكارها من قبل فئة واحدة يؤديان إلى احتقان متراكم يرفع من القابلية للتطرف، وإغلاق الأفواه يحول الألسن إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، وهذا النمط الاحتكاري للرأي الأوحد الموافق لرغبات المسيطر ينتشر بكثافة في مؤسساتنا الاجتماعية ابتداء من المنزل وليس انتهاء بوسائل الإعلام، وكل من يصل لمكان يريد فرض الرأي الموافق وإقصاء المخالف أو تهميشه وعرضه بأضعف حالاته.

الإحساس بانعدام «الدور» وضعف التأثير يجعل الفرد يبحث عن دائرة أخرى يجد له دورا فيها، وغياب المشاركة يقدم تذاكر مجانية للبحث عن كيانات أخرى يحس فيها بإحساس البناء والشراكة.

عندما نُضيّق المساحات على الاعتدال تحت أي ذريعة فنحن نوسع المساحة أمام التطرف، وكل معتدل نجبره على النزول من مقعده باختيارنا فالنتيجة هي عشرة مقاعد في طائرة التطرف رغماً عنّا.

المفحط الذي يعبث بسيارته بطريقة جنونية هو لا يريد أن يموت ولكنه يبحث عن ذاته، وكل شاب لم نسعَ لتمكينه من تحقيق ذاته فقد يركب مركبة مميتة تقتله وتقتلنا، إن فكرة البحث عن «معنى مفقود» هي من أخطر الأشياء التي قد تصدمنا يوماً ما، وإذا لم ننجح في إيجاد «المعنى المفقود» أمام الشاب فلا نستغرب من أن نفقده من بيننا.

«المعاناة» و «الإحباط» هذه هي تركيبة حارقة شديدة الانفجار، فالشعور باليأس يُصور للفرد بأن «الحياة محاولة فاشلة»، فيفكر بالقفز إلى الأمام لكي يتجاوز الحالة المزرية التي كان يعيشها، والإحساس بالظلم مع العجز يجعل شعور «الانتقام» هو المسيطر على تفكيره، وبالتالي فالاعتداء هو محطة الوصول المنتظرة، وعندما يحس الفرد بأنه ضحية سيبرر لنفسه عندما يكون جانياً.

المصدر: اليوم
http://www.alyaum.com/article/4009540