في زمن الكتاب

آراء

خاص لـ هات بوست:

عندما تذهب الحياة في كثير من مناحيها الى إعادة الضبط، وهو أمر لا نفعله في العادة الا بسبب قوة تقهرنا اليه، نلجأ الى الايمان بالأشياء التي نقلل من أهمية تأثيرها في حياتنا كثيرا، نتيجة الواقعية المفرطة والعقلانية ، ونتجاهل ضمن انشغالاتنا بالأثار الروحية التي تجلبها الينا أمور أخرى كالتدين والايمان والسكينة والابتعاد والخلوة بالنفس، وكما استجلى الوباء مسائل تتعلق بإعادة الضبط في كثير من امورنا العامة والخاصة، طال كذلك الأمر علاقتنا بالكتاب والقراءة والثقافة، وهي محل كثير من التساؤلات ” فهل سيعود الامر كما كان؟” نعلم اننا إذا كنا سنشك في شيء فالثقافة وتوابعها أولى الأمور عندنا بالشك وقلة الصبر، ورغم أن كثير من الدراسات التي مزجت علم الاجتماع بالثقافة ” الاجتماع الثقافي ” ستعاود التأكيد على اننا لا يجب ان نفصل أثر ما يحدث في المجتمع عن ثقافته، بل ونشرك الأمرين في مدخلات العمل ومخرجات البحث للنجاح في إعادة الضبط، والاستفادة من التجربة، ولكن ولأن الامر لا يتسع الآن الحديث حوله، والسانحة هي للحديث عن الكتاب فلنجعل الفرضية هي:” هل سنعود في علاقتنا مع الكتاب كما كانت باستجداء القارئ وتزيين الكتاب واحواله؟ وهل سنقيم ما تأثر من مشاريع الطباعة والنشر والتوزيع والمعارض على أقدام وسوق؟

إن كثيرا من دور النشر والمكتبات سيختفي، وسيغيب ويغلق ابوابه الى الابد، وبعضها قد يبقى صامدا لكنه سيبقى مترنحا فترة طويلة من الزمن، متأثرا بتبعات وآثار الاغلاق الطويل وانحسار روافد البيع والحركة، وضيق موارد الشراء، وتأجيل حركة المطابع، وابتعاد المؤلفين، او لعلها أيضا قرارات دور النشر بوقف النشر قسرا، فماهي العناصر التي يمكن ان تحفظها صناعة باقية تقاوم عوامل الانكماش وربما الكساد؟ إن من عناصر الاجابة؛ هو الالتفات الى مقدرة التقانة الحديثة على احتضان صناعة المعرفة والكتاب، إذ تعتبر على مقدرة ودرجة عالية من الواقعية والتمكن، وأن التصديق بها والعمل من خلال أدواتها أصبح متاحا وممكنا من قبل جميع فئات المجتمع، كبيره وصغيره، وإن البنى التحتية الرقمية في الامارات هي مما يضرب فيه المثل على قدرته واستيعابه للأفكار والمبادرات، ولم يتطلب الامر كثيرا فيما ذهب اليه قطاع التعليم والتدريب بمستوياته المختلفة بالتعليم عن بعد فرضته الجائحة، أو حتى ما فعله القطاعين العام والخاص في تشغيل موارد العمل وإدارة الحراك الاقتصادي في العمل عن بعد، لكن صناعة الكتاب لم تكتسب المرونة اللازمة لأمور تتعلق بحجم ونوع مشاريع الطباعة والنشر، وسوقها الذي مهما اتسع فهو لا يتسع بأكثر من محيطه الاقتصادي، مع قلة حيلة تجاه التجربة والمستجدات الحادثة، فمنهم من لم يبع كتابا واحدا طوال شهرين كاملين مع التزامه برواتب وأجور وإيجار وتكاليف عمل دون ايراد معلوم، إن مبادرتا دعم الصناعات الثقافية الصغيرة التي تبنتها وزارة الثقافة، وصندوق دعم الناشرين في خطوة مباركة من الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي قد جاءتا في موعدها، إذ دائما ما يعود كثير من الاقتصاديين الى نظرية جون كينز الاقتصادي الإنجليزي الذي قدم نظريته اثر الكساد العظيم في بداية القرن العشرين ( 1929) والتي تعتمد دعم النشاط والحض على الانفاق في ظل الازمات لخلق الطلب وإعادة تدوير الاقتصاد، والان وكلما أطل الكساد بوجهه القبيح سارع أهل الاقتصاد الى الحديث عنها، هذا حدث في عام 2008 ويحدث الآن، ودون الدخول في نظريات الاستثمار والسياسات النقدية، فان السيولة هي السيد بالنسبة للمشروعات ولاسيما الصغيرة منها، وجفاف سيولة مشاريع هذا القطاع يعني علو الصدأ مفاصل أبوابها، والأحداث في الاقتصاد تشبه هزات الزلازل، فهي تأتي على شكل موجات ومن ثم توابع، لذا فإن اضمحلال وتدني الايرادات بسبب توقف الأحداث الثقافية ومعارض الكتب، وتوقف المطابع وتوقف وسائل النقل والحجر والاغلاق والغاء كثير من الوظائف، شكل الموجة الأولى ثم سيتبع ذلك تدني المبيعات بسبب المكتبات المغلقة والطبعات المؤجلة، فالكتاب يعني الكثير للكثيرين فهو ليس قارئ يشتريه فحسب، فهناك المكتبة والموزع والبائع والمطبعة والاحبار والورق والنقل، وغيرها من الاعمال الداعمة والمساعدة إن مشاريع الكتاب كما نعلم بيئة تقوم على سند ولا تستقيم منفردة،

إلا ان إعادة هيكلة الصناعات الثقافية واساليب تسويقها لهو بالأهمية بمكان فالاهتمام بالنشر الالكتروني وقواعد البيانات والمعلومات الرقمية والتجارة الالكترونية من خلال بوابة مشتركة للناشرين ومن خلال ألآت بيع الكتب، ولا خلاف في ان يكون هناك شركات لتوصيل الكتب ضمن صناديق الأطعمة على الدرجات النارية، وفي أن تتوافر قوائم الكتب ضمن قوائم البقالات عدا عن مشاريع القراءة والتوزيع.