قوانين لمواكبة المستقبل

آراء

وهي مقبلة على الخمسين عاماً من عمرها الحديث، تخطو دولة الإمارات بتأنٍّ وبخطوات مدروسة نحو تحديث قوانينها وتشريعاتها، لتعزيز بناء الدولة الحديثة القادرة على مواكبة المستقبل الذي عنوانه الأفضل والأجمل.

على مدار العشرين شهراً الماضية أدخلت الإمارات تعديلات عدة على قوانين قائمة، فيما أصدرت قوانين جديدة لم تكن موجودة، وهي خطوات تعادل أو تفوق ما تم تحقيقه على صعيد التشريعات في السنوات العشر الماضية.

الهدف من كل ذلك هو الوصول بالعدالة إلى أعلى درجاتها، وتحقيق الاستقرار للمواطنين والمقيمين على حد سواء، وعصرنة التشريعات لتتلاءم مع أفضل الممارسات العالمية، فلم يعد ما كان قبل عقدين صالحاً للمرحلة الحالية أو المستقبلية، فالاحتياجات تغيرت والمطالبات اختلفت وطبيعة تعاملات الأفراد والمؤسسات تنوعت وتشعبت لتشمل مجالات لم تكن موجودة أصلاً.

قانون المعاملات المدنية الذي يعد «أبو القوانين» شهد تغيرات جمة، أصبحت متناسقة مع الواقع الحالي بعد أن أفرز في مراحل جملة من الاختلافات بين درجات المحاكم ذاتها، حيث خضعت لاجتهادات في تفسير بنوده قضائياً عجت بها المحاكم وأخذت وقتاً طويلاً جداً، بسبب التفسيرات التي حكمت على أساسها طبقاً لبنود القانون.

تتيح التعديلات على قانوني الأحوال الشخصية والمعاملات المدنية المجال لغير المواطنين لاختيار القوانين التي تطبق على تصرفاتهم في شؤون الميراث والتركات، وذلك لتحقيق استقرار المصالح المالية للمستثمرين الأجانب في الدولة، من شأن ذلك دفع رجال الأعمال والمقيمين إلى توطين أموالهم في الإمارات.

الأمر نفسه على الصعيد الاقتصادي، حيث جرى إدخال تعديلات على قانون المعاملات التجارية أوقفت تجريم الشيك بدون رصيد، وضمنت تيسير تحصيل الأموال، فيما عدلت بعض أحكام قانون الإفلاس، عبر إضافة بنود جديدة للقانون بخصوص «الأحوال الطارئة»، التي تختص بالظروف التي تؤثر في التجارة أو الاستثمار، وبما يمكن الأفراد والشركات من التغلب على مصاعب الائتمان خلال الحالات الطارئة على غرار جائحة «كورونا».

وصدر أيضاً مرسوم بقانون اتحادي بشأن العهدة، يوفر الإطار التشريعي المناسب لممارسة أعمال العهد المالية في الدولة، بهدف تنظيم إدارة رؤوس الأموال من أشخاص أو مؤسسات مختصة تمتلك خبرة في مجال الاستثمار.

وستكون الشركات ذات الملكية العائلية من أكثر المستفيدين من هذا المرسوم بقانون، حيث سيتمكن مؤسسوها وملاكها من التخطيط البعيد المدى لمستقبل أصول الشركات واستمراريتها وبما يساهم في «الحفاظ على رؤوس الأموال» واستثمارها داخل الدولة.

وكذلك نظمت التشريعات الحديثة التي أقرتها الدولة آليات جديدة للإقامة للمستثمرين والمفكرين والمبدعين وأصحاب الكفاءات عبر منحهم إقامات طويلة الأجل لإضفاء الاستقرار عليهم واستقطاب الجدد منهم بما يعزز مكانة الإمارات وتقدمها، ناهيك عن مرونة المحاكمة في القضايا البسيطة التي أقرتها التشريعات الحديثة، مثل الأمر الجزائي ومحكمة اليوم الواحد، التي أزالت عن كاهل المحاكم آلاف القضايا التي كانت تشغلها وتعطل مصالح المتهمين فيها رغم بساطتها.

الإمارات دولة عصرية لا تعرف التوقف، وهذه أهميتها لأنها مدركة أن القطار لا ينتظر أحداً، وأنها في سباق مع الزمن، عليها أن تكون أسرع منه إذا أرادت أن تكون في الصفوف الأولى بين الدول والمجتمعات المتقدمة.

المصدر: الخليج