محمد القنيبط
محمد القنيبط
كاتب و اكاديمي سعودي

قُـلْ تَـمَّ !

آراء

كَتَبَ الدكتور علي سعد الموسى مقالاً ساخناً بعنوان (العثمان والتصنيف… شَخصَنَة المعارِك)، صحيفة الوطن 3/1/2013 . وقد جاء في مُقدِّمَة المقال: (وأخيراً، وصلت جامعة الملك سعود، وأوفت بوعدها الذي قَطَعَته قبل أربع سنوات، بأنها ستقتحم نادي المئتين في تصنيف «كيو.إس» للجامعات بالتحديد، وهو التصنيف المُعتَمِدْ على معياري: «المحتوى والجودة». وبالطبع، مرَّ شهران على صدور تصنيف العام الجديد، ولم نسمع رد فعل كالعادة، ولم ينبس بشر ببنت شفة، ولم يكتب أحد ربع مقال في تقريع وتهميش استحقاق هذه الجامعة التي تَصَدَّرَتْ كل جامعات العرب، والشرق الأوسط)، انتهى الاقتباس.

قرأت المقال مرات عدة لمعرفة سبب كتابته، وقبل ذلك سبب توقيت كتابة المقال؛ ولكني لم أجد إجابة لهذين التساؤلين. وتزداد الحيرة حينما كَتَبَ الزميل الدكتور الموسى في نهاية المقال جُملَة نَسفَت المقال جُملَةً وتفصيلاً، حينما سَطَرَ الآتي: (نعم، كان عبدالله العثمان آلة إعلامية هائلة وغير مسبوقة في المياه الراكدة للجامعات السعودية). هذه الجُملَة لا تحتاج إلى أي تعليق أو إيضاح، سوى أنَّهُ «جاء يُكحِّلها فأعمَاها» !؟

لذلك فإنَّ «المعارك المُشخصَنة» تُوجِبْ التعليق ليس على هذا المقال للزميل الموسى، بل على تصنيف كيو إس للجامعات QS World Universities Rankings (www.topuniversities.com)، الذي لا يستحق حتى «الحِبرْ» الذي كُتِبَ به. والدليل على ذلك الجدول الآتي الذي يُوضِّح عَيِّنة من الجامعات العالمية وترتيبها بحسب تصنيف كيو إس مُقارَنَةً بعدد جوائز نوبل التي فازت بها كل جامعة، حتى يتمَكَّن القارئ من إصدار حُكمِه البعيد عن «المعارك المُشخصَنة»، كما قال زميلنا الموسى. كذلك تحتوي موسوعة ويكيبيديا على معلومات قيِّمه عن الانتقادات لتصنيف كيو إس على الرابط (http://en.wikipedia.org/wiki/QS_World_University_Rankings).

تصنيفات تجارية

قد يتساءل القارئ: لماذا اختيار عدد جوائز نوبل التي فازت بها الجامعة كمعيار للدلالة على شُهرَة الجامعة وترتيبها المُتقَدِّم في التصنيفات؟

الإجابة تتمثل في أنَّه لا يختلف اثنان على أنَّ جائزة نوبل هي المكافأة العُظمى على مستوى العالم للتميِّز البحثي العِلمي الذي يُفيد البشرية، ويستغرق سنوات طويلة من البحث العلمي مع مجموعات من الباحثين في مراكز بحثية متقدمة؛ وليس هذا فحسب، بل ويكون الباحث مُحاطاً ببيئة اقتصادية قادرة على تمويل هذه الأبحاث، وكذلك – وهو الأهم – الاستفادة من نتائجها. ولهذه الأسباب مُجتَمِعَة نجِد أنَّ نصيب الدول النامية أو الفقيرة من جوائز نوبل العلمية والأدبية قريب من الصفر، بدلالة أنَّ دولتين عملاقتين مثل الصين والهند لم تَفُز كل منهما سوى بجائزة نوبل واحده كانت في الفيزياء (الصين عام 2009، والهند عام 1930).

بالطبع، قد يقول قائل إنَّ تصنيف «كيو إس» يضع في حسبانه فوز الجامعة بجوائز نوبل، إضافة إلى معايير أخرى بأوزان مختلفة؛ ولكن يتضح خطأ أو بالأحرى شبه انعدام صدقية هذا القول بالنظر إلى الجدول المُرفَقْ. ومع كامل الاحترام لوجهة النظر هذه، تبقى الحقيقة الناصعة أنَّ جائزة نوبل هي المعيار الأهم والأوَّل والأخير على «شُهرَة» المركز/المعهد أو الجامعة البحثية، وفي نفس الوقت «الأكاديمية»، ولا أدلَّ على ذلك من أنَّ جامعة هارفارد التي تأتي في المركز الأول في غالبية التصنيفات العالمية للجامعات (باستثناء تصنيف كيو إس !؟) هي الجامعة التي فازت بأكبر عدد من جوائز نوبل، 34 جائزة، عَدَّاً ونَقدَاً حتى تاريخه.

فمن هذا الجدول يتضح الخلل، بل «اللَّخبَطة» غير المُبرَّرة في ترتيب «تصنيف كيو إس» للجامعات الشهيرة مقارنة بأخرى عادية؛ ومن ثمَّ يتضح للقارئ صِدقْ وَصف الدكتور علي الموسى «لصاحبه» بأنَّه «آلة إعلامية هائلة وغير مسبوقة»، عندما وضع تصنيف «كيو إس» جامعة الملك سعود على المرتبة 197.

بقراءة مُتأنيِّة للجدول المُرفَقْ، يتضح الخلل غير المنطقي في ترتيب الجامعات العالمية، حين تَتَقدَّم جامعات فازت بعدد قليل جداً من جوائز نوبل على جامعات فازت بعدد كبير. فقد وَضَعَ التصنيف جامعات بنسيلفانيا، تورونتو، دوك في ترتيب مُتقَدِّم على جامعة عملاقة هي جامعة كاليفورنيا/بيركلي التي فازت بـ 17 جائزة نوبل في مقابل ثمان جوائز لهذه الجامعات الثلاث مُجتَمِعَة؛ بل إنَّ تصنيف «كيو إس» وضع جامعة كاليفورنيا/بيركلي بعد جامعة ماكجيل الكندية التي لم تَفُزْ بأي جائزة نوبل.

كذلك يتضح «تعَصُّبْ» تصنيف «كيو إس» في ترتيبه المُتقدِّم لبعض جامعات «أوروبا القديمة»، وهي عبارة جورج بوش الابن، حيث نقصد بذلك الجامعات البريطانية. فقد وضع تصنيف «كيو إس» جامعة كلية لندن (4 جوائز نوبل) وجامعة أوكسفورد (9 جوائز نوبل) وكلية لندن إمبيريال (4 جوائز نوبل). أقول وضع «كيو إس» هذه الجامعات الإنكليزية قبل كل من معهد كاليفورنيا التقني (17 جائزة نوبل) وجامعة ستانفورد (18 جائزة نوبل) وجامعة كاليفورنيا/بيركلي (17 جائزة نوبل)، وهو ما يعني أنَّ عدد جوائز نوبل التي فازت بها أي من هذه الجامعات الأميركية الشهيرة تساوي أو أكثر من مجموع جوائز نوبل التي فازت بها هذه الجامعات البريطانية الثلاث مُجتَمِعَة؛ إضافة إلى أنَّ معظم جوائز نوبل لهذه الجامعات الأميركية الثلاث فازت بها بعد تاريخ آخر سنة فازت بها قرينتها الجامعات البريطانية، وهذا يؤكِّد حقيقة عبارة «أوروبا القديمة»، على الأقل أكاديمياً.

أما العَجَبْ العُجاب في «معشوق» الدكتور علي الموسى (تصنيف كيو إس) هو في الترتيب الـ197 الذي حَصَلَتْ عليه جامعة الملك سعود. تُرى أي عقل أكاديمي يَقبَلْ مثل هذا – وليس التصنيف – الأكاديمي؟ هل يُريد الأخ الفاضل الدكتور علي الموسى أنْ نكون إمَّعات ونُصدِّقْ بأنَّ جامعة لم تَفُز حتى بجائزة «علمية» واحدة من جوائز مؤسسة الملك فيصل الخيرية هي أفضل من جامعات فازت بعدد من جوائز نوبل مثل جامعة ماساشوسيتس أو معهد إسرائيل/تكنيون (3 جوائز نوبل لكل منهما) أو جامعة إنديانا/بلومنجتون (جائزتا نوبل).

ويستمر مُسلسَلْ «الآلة الإعلامية الهائلة» عندما نرى أنَّ تصنيف «كيو إس» وَضَعَ جامعة الملك عبدالعزيز في المرتبة الـ334، مُتقَدِّمةً على جامعة جورج واشنطن (339) التي أشرَفَ أطباؤها على علاج الملك فهد، يرحمه الله، وكذلك قبل جامعة رتجرز وجامعة أوريجن.

أما طامَّة الطوام في تصنيف «كيو إس» فهي وضعه لجامعة روكفلر في آخر الترتيب (9999).. لماذا طامَّة الطوام؟ لأنَّ جامعة روكفلر www.rockefeller.edu)) الصغيرة جداً (1876 طالباً ودكتوراً وباحثاً وإدارياً) والمتخصصة في البحوث والدراسات العليا في العلوم الطبية والحيوية، فازت فقط بـ15 جائزة من نوبل !! أما جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا (كاوست) فقد كان نصيبها آخر الترتيب (9999).. فهل بعد ذلك يستحق تصنيف «كيو إس» أي اهتمام؟

التصنيف للقسم الأكاديمي، وليس للجامعة

وحتى يعرف القارئ الكريم حقيقة «سطحيِّة» معظم التصنيفات العالمية للجامعات، أطرح السؤال الآتي: هل مرَّ عليكم اسم جامعة جنوب داكوتا للمناجم والتقنية South Dakota School of Mines and Technology !؟ لماذا السؤال ؟ لأنَّ مجلة فوربز الشهيرة كَتَبَت قبل أشهر قليلة http://goo.gl/zSWbT تقول إن خِرِّيج هذه الجامعة الأميركية الصغيرة (2400 طالب) بولاية هامشية اسمها جنوب داكوتا يحصل على متوسط راتب أعلى من خِرِّيج جامعة هارفارد العملاقة.. لماذا؟ لأنَّه لم يتبق في الجامعات الأميركية سوى 14 قسم هندسة مناجم Mining-Engineering، والآن هناك طلب كبير على هذا التخصص بسبب الاكتشافات النفطية بولاية داكوتا الشمالية.

كذلك لا يخفى على الزملاء الاقتصاديين شُهرَة جامعة شيكاغو في علم الاقتصاد (ترتيبها 8 على تصنيف كيو إس)، إذ من إجمالي 15 جائزة نوبل فازت بها الجامعة، كانت 10 جوائز من نصيب قسم الاقتصاد بالجامعة.

باختصار، فإنَّ تصنيف كيو إس وغالبية أشقائه هي البعض، لأنَّ الشُهرَة الأكاديمية للتعليم العالي هي للقسم الأكاديمي، وليس للجامعة ككل. فمثلاً، جامعة هارفارد ومعهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا MIT دائماً في المراكز الخمسة الأولى في جميع التصنيفات، إلاَّ أنَّه لا يوجد فيهما كلية زراعة، وبالتالي فأهميتهما للقطاع الزراعي لا تُذكَرْ، مُقارنة بجامعة كاليفورنيا/ديفز أو جامعة ولاية أيوا.

مما تقدَّم.. هل لا يزال الدكتور علي الموسى يتوقَّع أنْ نأخُذ تصنيف «كيو إس» على أنَّهُ قُرآنْ مُنَزَّلْ!؟ إنَّ العيب ليس في تصنيف «كيو إس» وتوجهه الإعلامي، بل العيب كل العيب في بعض مسؤولي جامعاتنا الذين جعلوا التصنيف غاية وهدفاً جَنَّدوا له كُل إمكاناتهم، ولم يتورَّعوا عن تجاوز الخطوط الحمراء في التعليم العالي والمُتعلِّقة بالأمانة الأكاديمية البحثية، لا لشيء إلاَّ لتحقيق «رقم» مُتقدِّم لا يُسمِنْ ولا يُغني من جوع على تصنيف الجامعات، وقد كَتَبَ عن هذا الخلل الخطير العميد السابق للدراسات العليا الدكتور محمد بن عبدالرحمن آل الشيخ (المساس بأخلاقيات البحث والنشر العلمي.. موطن الخلل، بصحيفة «الحياة» (http://rs.ksu.edu.sa/67039.html).

الغريب في مهرجان التصنيفات العالمية للجامعات هو المباركة «الصامتة» من وزارة التعليم العالي لإدارات الجامعات السعودية التي «هَروَلَتْ» وراء التصنيفات وأهدرت في سبيل ذلك أموالاً كبيرة، إذ يُستَدَلّْ على هذه المباركة الصامتة بالمثل الشهير: «السكوت علامة الرضا»، أو المَثلْ الآخر: «لم آمر بها ولم تسؤني»؛ إلاَّ أنَّ هذا الصمت على استحياء ما يلبث أنْ «ينفَجِر إعلامياً» ليزُف وزير التعليم العالي شخصياً «بُشرى» قفز جامعة سعودية على تصنيف شانغهاي للمقام السامي الكريم وللوطن الغالي؟ فهل أيضاً تُصدِّق وزارة التعليم العالي «خُرافات» التصنيفات، وهل حقَّاً زَجَّت الوزارة بإدارات الجامعات في ذلك الاتجاه الخطير!؟

الإنسان عدو ما يجهل

لا أدري لماذا يُصِرّ الدكتور علي الموسى على وجود «موقف شخصي» لكل من كتَبَ أو تَحدَّث عن «الآلة الإعلامية الهائلة» لجامعة الملك سعود في قِمَّة فرقعاتها الإعلامية آنذاك، بعد أنْ ظننت مُخطئاً أنه اقتنع بعدم وجود «الحساب المُشَخصَنْ» الذي جاء في مقاله (البرهان في الفصل بين القنيبط والعثمان) بصحيفة «الوطن» news.ksu.edu.sa/news/27094، عندما رددت عليه بمقال: مرحباً ألف (صحيفة «الحياة» www.sauress.com/alhayat/113429). إذ تَطَوَّعَ الدكتور الموسى في مقالته مُنافِحاً ومُدافِعاً عن «إنجازات» جامعة الملك سعود آنذاك، ورماني بتهمة الموقف الشخصي أو ما سماه «الحساب المُشَخصَنْ» بيني وبين مدير الجامعة السابق الدكتور عبدالله العثمان. فقد سَرَدَ في مقاله ما سماه «حقائق» حَصَلَ عليها من موقع الجامعة على الإنترنت «تؤكِّد أنَّ الجامعة لم تُعلِنْ تعاقدها مع فائز بجائزة نوبل للمياه»، كما «ادَّعَيتْ». وقد فنَّدتْ «حقائقه» بِصُوَر من مانشيتات إعلان الجامعة عن تعاقدها مع عالم فائز بجائزة «نوبل للمياه» في صحيفة رسالة الجامعة الصادرة عن جامعة الملك سعود (goo.gl/u0n1i)؛ مؤكِّداً حقيقة «الكذب الأكاديمي» ، لأنَّ «جائزة نوبل للمياه» لا وجود لها على سطح الكرة الأرضية، على الأقل!؟

حقاً، لا أدري لماذا يَعود الدكتور علي الموسى إلى فتح ملفات قديمة مؤلِمَة بحق الوطن وقيادته، كونها لا تحتوي سوى على الكذب والتدليس وفساد الأمانة الأكاديمية بأقبح صورها. وبالتالي نتساءل: هل المقالة الأخيرة للزميل الموسى تعبِّرْ عن «حَسرَته» على «الزمن الجميل» للكذب والتدليس الأكاديمي على الوطن وقيادته؟ هل بالفعل يُصدِّق الدكتور الموسى أنَّ جامعة الملك سعود صنعت سيارة غزال-1 !؟ أو أنها بالفعل أول جامعة في العالمين العربي والإسلامي!؟ أو أنَّ هناك جائزة نوبل للمياه!؟ أو أنَّ بإمكان دكتور بالجامعة نَشرْ 50 بحثاً مُحكَّماً في مجلات علمية متخصصة خلال عام واحد فقط، وهو الذي لم ينشر سوى ستة أبحاث خلال أربعة أعوام متتالية!؟

أسئلة كثيرة ومؤلمة جداً، لا أحد يرغب في سماعها، ناهيك عن الإجابة عنها. فلماذا يا تُرى يُصِرّ الدكتور علي الموسى على إعادة فتح ملف مليء بالكذب والتدليس الأكاديمي والإداري المؤلم، بل الفاضح؛ وليس هذا فحسب، بل يُدافع ويُنافِح عن المسؤول عن ذلك الملف!؟ هذا هو سؤال المليون!!

النصف الفارغ من الكأس

من المؤلم حقاً اعتقاد البعض بأنَّ الكتابة عن شؤون التعليم العالي «ملعب» لتصفية المواقف الشخصية، أو أنَّ «من ينظر للنصف الفارغ من الكأس فهو فارغ»، كما قال أحد أصحاب المعالي!؟ فالحكمة والعدل تتطلبان من الناقد المُنصِف أنْ يَقرأ ويَحكُمْ على ما كُتِبَ في الورق، لا «قراءة» ما في قلب الكاتب، والذي لا يَعلَمه إلاَّ الله.

فالمأمول والواجب أنْ تتَّحِد الأقلام الأكاديمية للنظر في نصف الكأس الفارغ في فضاء التعليم العالي لتنبيه القائمين عليه كيف يملأونه، في الوقت نفسه الذي يتوَجَّبْ على أصحاب القرار منع القائمين على التعليم العالي تكرار «عهد الفرقعات الإعلامية» في الفضاء الأكاديمي الذي أوصلنا إلى أنْ يُصدِّق المجتمع والقيادة السياسية بأنَّ جامعة سعودية أفضل من جامعات عالمية عملاقة تاريخاً وإنجازاً علمياً مُتوَّجَاً بجوائز نوبل، وأنَّ جامعة سعودية أكاديمية صنَّعَت سيارة تقليدية، وأنَّ أستاذاً أكاديمياً سعودياً نام سنوات طويلة ثم استفاق لينشُر 50 بحثاً علمياً مُحكَّماً بمجلات علمية عالمية في سنة واحدة؛ وهذا العدد أكثر من الأبحاث التي نشرها الدكتور أحمد زويل في سنة واحده سواء قبل أم بعد فوزه بجائزة نوبل في الكيمياء (أكبر عدد للدكتور زويل كان 35 بحثاً في سنة واحدة).

ومن هذا «الملعب» الذي هو قَدَر كل من حَمَلَ «صك الإعسار» المُسمَّى بشهادة الدكتوراه عبر الغُربَة والسهر والامتحانات المُضنية والمُبكية، أقول من هذا الملعب أدعو الكُتَّاب الأكاديميين، وفي مُقدِّمَهم زميلنا الأكاديمي الفاضل والقلم الصحافي الجريء الدكتور علي الموسى لأنْ نتماسك بالأيدي ونتعاون على منع تكرار «مسرحية الفرقعات الإعلامية الأكاديمية» في جامعاتنا السعودية، كُل بحسب إلمامه بجامعته، لأنَّ الحُكم على الشيء فرع من تصوُّره.

ومن هذا المُنطَلَق، وفي أضعف الإيمان، كان المأمول إبعاد الأكاديميين الذين شاركوا في «مسرحية الفرقعات الإعلامية الأكاديمية» عن الجوانب والمسؤوليات الإدارية، إلاَّ أنَّ المفاجأة كانت في مكافأة بعضهم بمناصب أكاديمية إدارية حسَّاسة. ولكن الطامَّة الكُبرى كانت في إعادة تعيين الأكاديمي «صاحب الـ50 بحثاً» مُشـرِفاً على «برنامج عالم مميز»، وهو البرنامج والعقل المُدبِّر وراء «الماكياج» الذي مَكَّنَ جامعة الملك سعود من القفز البهلواني على سلالم التصنيفات العالمية للجامعات خلال ثلاث سنوات. لماذا طامَّة كُبرى!؟ لثلاثة أسباب: الأوَّل أنَّ هذا الأكاديمي الجَهبَذ كان الهدف الرئيس لتقرير مجلة ساينس الشهيرة في كانون الأول (ديسمبر) 2011، والثاني أنَّ الإدارة السابقة للجامعة أبعَدَته عقب فضيحة مجلة ساينس؛ والثالث: الحيرة الكبيرة بشأن «مَنْ» الذي كان – ولا يزال – يَلهَثْ وراء التصنيفات العالمية للجامعات.. هل هي إدارة جامعة الملك سعود السابقة والحالية، أمْ وزارة التعليم العالي؟

فرط سمنَة أكاديمي

من جهة أخرى، لا يخفى على أي مُتابع للفرقعات الأكاديمية الإعلامية في بعض المدن الجامعية أنه تَمَخَّضَ عنها ترَهُّل كبير غير مُبَرَّرْ في الهيكل الإداري الأكاديمي.

فبعد أنْ كانت جامعة الملك سعود «رشيقة القوام» تَضُم ثلاث وكالات جامعة وخمس عمادات مُساندة، تضاعف عددها إلى تسع وكالات و 12 عمادة مُسانِدة. ليس هذا فحسب، بل إنَّ هذا «الكوكتيل» الفريد من الوكالات والعمادات يحمل أسماء شبه مُتطابِقة، وهو ما يؤكِّد الترهل الواضح في الهيكل الإداري للجامعة. فهناك وكالة الجامعة للتطوير والجودة ووكالة الجامعة لتطوير الأعمال يقابلهما عمادة التطوير وعمادة الجودة؛ وهناك وكالة الجامعة للتبادل المعرفي ونقل التقنية يقابلها عمادة التعاملات الإلكترونية والاتصالات.وأكاد أجزم أنَّ إدارات صغيرة تابعة لمدير الجامعة تُغني عن العديد من هذه الوكالات والعمادات «الخُدَّج»، وما نَتَجَ منها من تَرَهُّل إداري وهدر مالي غير مُبرَّر.

وبالتالي أدعو جميع الأكاديميين – بدءاً بأخي الدكتور علي الموسى – لمناشدة وزير التعليم العالي ومدير جامعة الملك سعود بإعادة ترتيب «أوراق» الجامعة وتخفيف «الشحوم» الأكاديمية الإدارية التي تهدَّلت من جسمها خلال سنوات قليلة. وكذلك أدعو وزارة التعليم العالي إلى مراجعة هيكل السنة التحضيرية ووجوب سحبها من الشركات التجارية، وإعادة «توضيبها» بالاستفادة والبناء على تجربة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في السنة التحضيرية، وجعلها تحت مظلة الجامعات بعيداً من شركات تجارية ناشئة وعديمة الخبرة التعليمية يقودها هدف وحيد هو الربح السريع. كذلك آمل من مجلس التعليم العالي درس آثار التوسع السريع في إنشاء جامعات ناشئة في ظل الشح الكبير في أعداد الدكاترة بتخصصات علمية على مستوى العالم العربي.

وقد كَتَبَ عن هذا الموضوع في صحيفة الاقتصادية كل من عميد البحث العلمي بجامعة الملك سعود الدكتور رشود الخريِّف (هل يؤدي توسع الجامعات في التخصصات إلى انخفاض الجودة aleqt.com/2013/02/16/article_731993.html)، والدكتور سعيد العضاضي (يكفي يا وزارة التعليم العالي aleqt.com/2013/02/19/article_732762.html). وأخيراً وليس آخراً، على إدارة جامعة الملك سعود إلغاء قرار إعادة تعيين «صاحب الـ50 بحثاً» مُشرِفاً على (برنامج عالم مميز)، حتى لا تتكرر فضيحة مجلة ساينس وتلوكنا الألسُنْ والأقلام في المحافل الأكاديمية العالمية، «فضربتين بالرأس توجع»!؟

أخي الغالي الدكتور علي الموسى: قُـلْ تم.

المصدر: صحيفة الحياة