جمال بنون
جمال بنون
إعلامي وكاتب اقتصادي

كيف نرتقي بالخدمات الحكومية؟

آراء

ابتداءً من العام المقبل سيتمكن المواطن الإماراتي من تجديد هويته الوطنية ورخصة القيادة وغيرها من الوثائق الرسمية التي تُستخرج من المؤسسات الحكومية، من دون أن يتكلف عناء مراجعة تلك الإدارات، إذ ليس عليه سوى أن يقوم بتعبئة الاستمارات المطلوبة من خلال المواقع الإلكترونية وعبر هاتفه النقال، ويجلس في منزله لتصله الخدمات التي طلبها

قبل أسبوعين أعلنت حكومة دبي أنها خصصت مليون درهم ومليون دولار لمسابقة عالمية لأفضل ابتكار واختراع في مجال استخدام الطائرات التي تعمل من دون طيار وبالبطارية ويبلغ عرضها نحو 50 سنتيمتراً وتشبه الفراشة مع أربع مراوح وصندوق علوي، وتهدف المسابقة إلى تحسين الخدمات الحكومية، كما إنه يعد الأول من نوعه في العالم يدخل في إطار الخدمات الحكومية للمواطنين. والمشروع كما تحدث عنه وزير شؤون مجلس الوزراء في حكومة الإمارات العربية المتحدة محمد القرقاوي خلال القمة الحكومية الثانية التي عُقدت في منتصف الشهر الجاري، أنه سيخضع للتجربة في إمارة دبي ستة أشهر لتتوسع خدماتها في إيصال الوثائق الرسمية إلى الإمارات الأخرى.

هذه الخطوة في حال تطبيقها ستوفر للمواطن الإماراتي أكثر من 100 درهم فيما لو مراجع الإدارة التي يريدها لاستخراج أحد الوثائق. في البداية سيوفر للدولة ما لا بين 10 و 15 ليتر بنزين، ورسوم مواقف سيارات، ويخفف الزحام في الشوارع، وأيضاً رسوم السير على الطرقات التي تستحصل رسوم «سالك» كما أنه يتيح الفرصة للموظف الحكومي أن يعمل بارتياح شديد بدلاً من التدافع والزحام.

أما الأهم في هذه التجربة أنه سيوفر المزيد من الوقت الذي يضيع في مراجعة الإدارات الحكومية كما هي الحال في الكثير من الدول العربية التي تقيس مستوى أدائها بكثرة الزحام والمراجعين، فيما الإنجاز وأداء الموظف وإنتاجه ليست مهمة.

وإذا ما افترضنا أن عدد المراجعين للإدارات الحكومية في إمارة دبي وحدها نحو 5 آلاف مواطن، مقارنة بنسبة السكان، كمرحلة أولى، هذا يعني أن الشوارع الإماراتية وتحديداًُ إمارة دبي ستشهد تراجعاً في عدد السيارات التي تزاحم السيارات الأخرى في الصباح أو ساعات العمل، لمراجعة هذه الإدارات، ويوفر نحو مليوني درهم يومياً، كانت تذهب سداً من دون فائدة.

الخدمة الجديدة التي ستطلقها حكومة دبي العام المقبل، تدخل في إطار الجهود المبذولة للرقي بالخدمات الحكومية، وهذا ما أعلنه نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، خلال القمة الحكومية المفتوحة، وهو مؤتمر انطلق عام 2013، لمواجهة المسؤولين والوزراء بالمواطنين للإجابة عن أسئلتهم وللتعرف على رضاهم للخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة، وشعار القمة الحكومية هو «التفوق في إسعاد الناس».

وعن رؤيته لعام 2021 يقول الشيخ محمد بن راشد إن دولته تستعد للتحول إلى قائمة أولى دول العالم التي تعتمد على الأساليب والخدمات الذكية على المستويات كافة، في إطار الاستمرار في تطوير الخدمات الحكومية، لمسايرة التطورات العالمية والسعي للأسبقية فيها، وتصل تلك الخدمات إلى مختلف شرائح المجتمع بسهولة ويسر حيثما كانوا، فيما تعتبر الأعوام السبعة المقبلة هي أعوام توطين، ويتوقع أن يصل نسبة التوطين في القطاع الخاص 10 أضعاف خلال الفترة المقبلة، ولدى الحكومة الإماراتية هدف وهو رفع نصيب الفرد من الدخل القومي بنسبة 65 في المئة، لأن الهدف كما يصفها حاكم دبي هو توفير الحياة الكريمة للناس وليس فقط تحقيق مراكز متقدمة في التقارير الدولة.

الشيء اللافت هذا العام في القمة الحكومية ليس فقط الاعتماد على المسؤولين والوزراء المحليين للحديث عن رقي الخدمات الحكومية، بل فتح الأبواب أمام التجارب الخارجية والعالمية التي تملك رؤية واضحة في تقديم الخدمات ولاسيما في دول أوروبا وأميركا، وكذلك بعض دول آسيا.

فحضر مؤسس منتدى دافوس الاقتصادي كلاوس شواب ووزير التخطيط والسياسة الاقتصادية في كوستاريكا روبرتو جالاردو وعمدة مدينة برشلونة إكسيفير ترياس ونائب عمدة مدينة لندن السير إدوارد ليستر، إضافة إلى 60 آخرين يشكلون المتحدثين في القمة التي ضمت ورش عمل وجلسات رئيسة تراوحت بين 31 جلسة وُزعت وفق الرؤية التي خطط لها، فحدد اليوم الأول عن حكومات المستقبل، فيما كان محور الحديث في اليوم الثاني عن الحكومات المبدعة، أما اليوم الثالث والأخير فركز حول الحكومات الذكية.

ربما تكون مبادرة القمة الحكومية التي بدأتها الإمارات العام الماضي هي أخذ زمام المبادرة نحو الإصلاح في العالم العربي، ولاسيما في ما يتعلق بالخدمات الحكومية.

فـ«الربيع العربي» الذي شهدته الكثير من الدول جاءت نتيجة سوء الخدمات التي يتلقاها المواطن من هذه المؤسسات، فالقمة هي ثورة مضادة من أجل المواطن، فمتى ما كان المواطن في ارتياح تام ويجد ما يحتاج إليه وينجز أعماله بكل سهولة ولا توجد أية مفاضلة في التعامل، وتتوافر له العدالة الاجتماعية وقتها لا يهمه إن كانت الطبقة العليا تسرق أو تنهب، طالما أن النظام أساس التعامل. والتجربة الإماراتية في تطوير الأداء الحكومي هي خطوة نحو الإصلاح الكبير بالنسبة إلى المؤسسات الحكومية في الوطن العربي، ولاسيما بعض دول الخليج التي لا تزال – على رغم تدفق النفط وعوائدها المرتفعة – تتعامل بطريقة أن ما يقدم له من خدمات «بزيادة عليه»، لهذا لم نسمع في دول أخرى أن وضعت معياراً لخدماتها أو فكرت في تطوير أعمالها، بينما تحسين الأداء الحكومي هو معيار لصحة الاقتصاد في المجتمع الذي ينجز فيه المواطن خدماته بيسر وسهولة.

وحينما تختتم فعاليات الملتقى بتكريم أفضل خدمة حكومية عبر الهاتف المحمول، فهذا يعني أن الغاية ليست خدمة المواطن فقط، بل تصل إلى حد الرفاهية في الخدمة، وهذه الخطوة تعد من أرقى المستويات في التعامل مع حاجات المواطنين، وقلما يفكر بها المسؤول الحكومي في الوطن العربي. إنما «رضا الناس غاية تدرك» كما هو في مفهوم محمد بن راشد.

المصدر: الحياة