ياسر الغسلان
ياسر الغسلان
كاتب و مدون سعودي

“ليبرالي.. إمبريالي”

آراء

‭‮من السذاجة الواضحة في منطق العديد من الأشخاص المنخرطين في نقاشات وسائل التواصل الاجتماعي، الذين في غالبهم لا يفرقون بين الشيوعي والشيعي مثلا، أو بين الليبرالية والإمبريالية، هو كونهم يرون أن نقد عمل أي مسؤول هو طيف من أطياف المعارضة، أو العمل ضد المصالح العليا للوطن، واصفين النقد والناقد في حين بأنه معاد، وفي حين آخر بأنه أداة في يد جماعات معادية، أو دول كارهة، أو جماعات مناهضة، وهي أوصاف لا تمت للحقيقة والواقع بأي صلة، فنقد العمل الحكومي هو من أهم مكونات المجتمعات الحية، التي تتشكل بفعل التغيرات

والمتطلبات لتواكب العصر وآمال الشعوب.

من أهم مظاهر هذه السذاجة ـ وربما أسميها التخلف الفكري ـ هي نظرة البعض لأي نقد يطال أيا ممن يصفون أنفسهم برجال الدين، ولا أقول الدين الحنيف ذاته، باعتباره نابعا من فكر ليبرالي معاد للدين وأسسه المقدسة العظيمة، في وقت يجهل أغلبهم ما هي الليبرالية؟ كمفهوم سياسي أو فكري، ولا يعرفون عنها إلا ما كتبه وقاله خصومها، ممن يرون في كل تيار فكري يغرد بشكل مختلف عن نمطه المعتاد، أنه خارج عن الدين وعدو له، متناسين أن عظمة الفكر الإسلامي عبر العصور الزاهرة، التي يتفاخر بها هؤلاء ـ عندما تضيف لهم ـ كانوا في أغلبهم مفكرين قاموا بالنظر للأمور بشكل مختلف، إما من أجل مواكبة الزمان، أو نزولا عن طلب سلطان، أو استشرافا لما يجب أن يأتيه الزمان آجلا أم عاجلا.

أصبح وصف البعض للبعض الآخر بالليبرالية في مجتمع الحوارات الساذجة أقرب للنكتة السخيفة، ولا تضيف للمشهد أكثر من تهكم العقل الواعي لمصدر ذلك القول أو ذاك، فالليبرالية ـ وإن كنا لا نتفق بالضرورة مع كل معطياتها ـ إلا أنها تضع حرية الفكر ونقده أساسا في تعاطيها مع المحيط، فمن حق أي إنسان أن يكون له فكره الخاضع للمفاهيم الإنسانية المتفق عليها، والمتوافقة مع المنطق السليم، الذي في غالبه نابع من الشرائع السماوية التي تتوافق مع الحق والعدل، أما هؤلاء الذين يدعون الدفاع عمن يصفونهم برجال الدين، ولا أقول الدين ذاته، ما هم إلا نسخ مشوهة من عقل إقصائي تابع، يردد كالببغاء ما يسمع، فقد أجر عقله لرجل أعجب في شكله وهيئة هندامه، وعليه فهو لا يعدو من أن يكون عنصرا في جوقة تردد دون وعي ما يملى عليها.

المصدر: الوطن أون لاين