عميد الدراسات العليا بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية - أبوظبي
انعقد في الأزهر بمصر خلال يومي الرابع والخامس من ديسمبر الجاري مؤتمرٌ لمواجهة التطرف والإرهاب، وكان الجديد فيه شمولَه الكبير؛ فقد حضرته وفودٌ من 120 دولة، تنتمي للمؤسسات الدينية الإسلامية، لكنْ حضرته أيضاً وفودٌ من مسيحيي الدول العربية، وآخرين من المسيحيات العالمية.
في اليوم الأول، كانت هناك جلسة افتتاحيةٌ تحدث فيها شيخ الأزهر وبابا الأقباط، ثم ممثلو الوفود الكبرى. شيخ الأزهر ذهب في كلمته الجامعة لمعالجة مشكلات أربع: قضية التطرف الديني التي تقود للتكفير والعنف، وقضية الزعم بأنّ الخلافة والإمامة ركنٌ من أركان الدين، وقضية العلاقة بالمسيحيين والأديان الأُخرى. وقضية العيش الوطني المشترك، والمواطنة وحقوقها وواجباتها، وقال إنّ هدفه من المؤتمر التصدي لتحريف المفاهيم الأساسية في الدين، مثل الإيمان والكفر والجهاد، ومسائل علاقة الدين بالدولة، ففي كل هذه القضايا كانت هناك تشويهات أدَّت إلى ظهور التطرف واستخدام العنف تجاه المسلمين الآخرين، وتجاه المسيحيين، وتجاه العالم كُلّه. وعلى المسلمين مسؤولياتٌ كبرى، لأن الانفجار حاصل في دينهم، ولأنهم أول المتضررين من ذلك، ولأن خراباً في البلدان والمجتمعات حدث ويحدث، ولأنّ شركاء المسلمين في العيش تأثروا كثيراً بذلك.
وأخيراً، لأن الإسلام تضرر نتيجة هذه الأفاعيل، وأرجع شيخ الأزهر ظاهرة التطرف والعنف إلى ثلاثة أسباب: التدخل الخارجي الدولي بغزو العراق، والتدخل الإقليمي، حيث يُقتل العربُ في ديارهم من الآخرين، وتشويهات المفاهيم التي اجتذبت أعداداً متزايدةً من الشباب نحو العنف باسم الدين. لقد اندفع الشبان تحت وطأة المفاهيم الجديدة، ووقعوا في الشبكات الدولية والإقليمية التي تستخدمهم ضد بلدانهم ومجتمعاتهم، وعلينا نحن أهل العلم والدين، أن نُصلح أمورنا وبرامجنا ومؤسساتنا للتصدي لهذه الظاهرة المفزعة، ولا نجاح إلاّ بالتعاون والتضامن داخل الإسلام، سنةً وشيعة، وبين المسلمين والمسيحيين، وقد شدَّد بابا الأقباط على التجربة المصرية الناجحة، ودعا الآخرين من المسلمين والمسيحيين في العالم العربي للاقتداء بها والتعاون لاستعادة العيش المشترك.
وعلى مدى يومين، تحدث خمسون محاضراً في الموضوعات التي تناولها شيخ الأزهر، فقد أُلقيت بحوثٌ في ماهية التطرف، وأمراض التكفير، وكانت هناك كلماتٌ دقيقة في الأسباب الداخلية الفكرية والعقدية لذلك. وكما في التطرف والعنف، أُلقيت بحوثٌ دقيقةٌ في إشكاليات علاقة الدين بالدولة، وظهور فكرتي الدولة الإسلامية والخلافة، وكان شيخ الأزهر قد قال في كلمته إنّ اعتبار الإمامة ركناً من أركان الدين مخالفٌ لعقيدة أهل السنة والجماعة، التي تعتبر الإمامة مصلحيةً وتدبيرية.
أما المداخلات الأُخرى من جانب مسلمي آسيا وأفريقيا، فتميزت بالشكوى من انتشار التطرف والعنف في صفوف الشباب، بينما تميزت مداخلات المسيحيين العرب بالشكوى مما يعانونه من تهجير وتمييزٍ وعنف، بيد أن بعضهم لفت إلى أن الظاهرة لا يمكنُ إزالتُها بالمفاهيم الصحيحة وبالتصدي الأمني فقط، بل لابد من سلطات حكم رشيد، ولابد من حلّ المشكلة الفلسطينية، فإسرائيل هي الأساس في ظاهرة اعتبار الهوية الدينية أساساً للقومية وللدولة!
لقد عكس البيان الختامي أصداءً لكلمة شيخ الأزهر، وبعض محاضرات المشاركين من أساتذة الأزهر في تحليل وتأصيل عمليات تحويل المفاهيم وتحريفها.
لقد أطلق الأزهر حملةً فكريةً وثقافيةً للتصحيح والتحرير والإصلاح، وشارك شيخه من قبل في تأسيس مجلس الحكماء بدولة الإمارات العربية المتحدة للتعاون بين المؤسسات الدينية، وها هو يقيم مؤتمراً عاماً يتصدى فيه لظواهر التطرف والعنف بالتحليل الفكري، والاتجاه للعمل الإصلاحي والتعاوني مع الشيعة والمسيحيين، من أجل التفكير معاً، والتصرف معاً، وتجديد تجارب العيش المشترك، إن المهمَّ فيما جرى هذا الإصرار على التصدي والإصلاح، بعد حقبة من الانكفاء وعدم التأكد.
تجتمع على الإسلام تحديات كبرى تتعلق كلها بدعوته وصورته عن نفسه، وصورة الشبان عنه، وصور المجتمعات، وتجد المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر، أن قسماً كبيراً من المسؤولية يقع على عاتقها، فلذلك أقام الأزهر هذا المؤتمر.
المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=82505