حسن بن سالم
حسن بن سالم
كاتب و باحث سعودي

ماذا يعني «الإصلاح» ؟

آراء

مطلب الإصلاح هو مطلب كان ولا يزال على مر التاريخ هدىً سامياً للكثير من المصلحين والفلاسفة، والحركات السياسية والاجتماعية، والناشطين والنخب، والمثقفين في مختلف أرجاء العالم، وفي مفهوم ومعنى الإصلاح، فإن التعريف الذي تبناه برنامج الأمم المتحدة لإدارة الحكم الرشيد في الدول العربية للإصلاح هو «تحسين النظام السياسي من أجل إزالة الفساد والاستبداد»، وأن من مظاهر هذا الإصلاح سيادة القانون والشفافية والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار والعدل، وفعالية الإنجاز، وكفاءة الإدارة، والمحاسبة والمساءلة، والرؤية الإستراتيجية، وهو تجديد للحياة السياسية، وتصحيح لمساراتها»، وعرفته الموسوعة السياسية بأنه «تعديل أو تطوير غير جذري في شكل الحكم، أو العلاقات الاجتماعية من دون المساس بأسسها، وهو بخلاف الثورة ليس إلا تحسيناً وتقوية في النظام السياسي والاجتماعي القائم من دون المساس بأسس هذا النظام، أي أنه أشبه ما يكون بإقامة وتقوية الدعائم التي يقوم عليها ذلك المبنى كي لا ينهار»، وباعتبار ذلك قد يأتي مفهوم الإصلاح مرادفاً لمفهوم التغيير والتحديث في بعض الأحوال، وقد يأتي مغايراً له في أحوال أخرى، وحين التعرض لتعريف مفهوم الإصلاح، فإنه يتبادر إلى الأذهان تساؤل مهم هو عن المدى أو الحجم الحقيقي للتغيرات المطلوبة التي يمكن أن تندرج تحت مفهوم الإصلاح؟

فالنظم الحاكمة قد تقوم بإحداث تغييرات رمزية أو صورية أو تجميلية في مؤسسة معينة أو سياسة ما، ومثال ذلك التغييرات الهامشية البسيطة، أو الشكلية الانتقائية، التي تقوم بها، على سبيل المثال لا الحصر، غالبية أو معظم الدول العربية، فنحن نجد أن النخب الحاكمة فيها لم تُطلق، وعلى مدى عقود من الزمن، مشاريع إصلاح حقيقي، تلبي مطالب وطموح شعوبها، وبالتالي فتلك التغييرات المحدودة، أو الشكلية ذات الأثر المحدود، لا يمكن أن تدخل ضمن نطاق مفهوم الإصلاح، ولذلك حتى يمكن اعتبار أي تغييرات في وضع ما إصلاحاً، لابد أن تكون في جوهرها، وعلى وجه العموم، تغييراً نحو الأفضل، بحيث تسود الحرية، والعدالة، والأمن والطمأنينة، والاستقرار، وأن يكون التغيير له صفة الاستمرار، ولا يتم التراجع عنه، فالتغيرات والإصلاحات الموقتة، تحت أي ظرف من الظروف، لا يمكن اعتبارها إصلاحاً بالمعنى الحقيقي للكلمة.

إن خيار الإصلاح والتغيير لا يكون مجدياً إلا في ظل القبول بالرؤى المتنوعة والمتعددة كافة في المجتمع، بحيث يفتح المجال للكلمة المضادة والآراء المتباينة والمختلفة مع السلطة بالتعبير عن آرائها، وأن تتاح الفرص المتساوية لكل فئات المجتمع في المشاركة والتفاعل، وأن تتخلص السلطات من عقدة الخوف من الرأي والفكر الحر، والنقد الصريح للممارسات كافة الخاطئة والمخالفة للأنظمة، وأن تصونها بالقانون كحق أساسي لكل فرد، وليس بالنظر إليها باعتبارها مكاسب قد تمنح لفئة من دون أخرى، أو لأحد من دون الآخر، فالكلمة الحرة بالنسبة للمجتمعات والشعوب هي كالهواء بالنسبة لحياتهم، وهل يمكن العيش من غير هواء تتنفسه الأنفس والأرواح؟!

وكذلك فمن غير أي خطوات إصلاحية جادة لا يمكن أن يتواصل ويستمر أي نجاح تنموي أو اقتصادي، ويكفي هنا أن نتذكر أن تكافؤ الفرص والشفافية والمحاسبة هي مفاهيم تقع في قلب أي اقتصاد ناجح، وهذه المفاهيم لا يمكن أن توجد وتشتغل وتحافظ على فاعلية الاقتصاد من دون أن تكون إلا في مناخ حريات سياسية وتعبيرية، ونزاهة وسيادة في النظام القانوني، وفي حال غياب القضاء المستقل، والتعددية، والصحافة الحرة، فإن الاقتصاد الناجح في الظاهر يعمل بسرعة خارقة على تخليق فساد مستشرٍ ومركب، ينمو من دون ردع ولا رقابة!

من خلال ما سبق ندرك تماماً أن قوة الدول واستقرارها لا تتحقق ببذل المزيد من الإجراءات الاحترازية، أو تكثير لائحة الممنوعات والاستثناءات، والتضييق على الحريات، وتكميم الأفواه، وتجاهل المطالب والحاجات الشعبية، وهناك معادلة لبعض الساسة تقول إن عدم الاستقرار في الدول إنما هو محصلة ونتيجة المطالب الشعبية السياسية والاجتماعية، مقسومة على المؤسسات السياسية والاجتماعية، وبعبارة أخرى أنه كلما زادت المطالب والمظالم، ولم تكن هناك مؤسسات وقوانين وأنظمة قادرة على تلبيتها، تحولت إلى أسباب عدم استقرار، وهو منطق الفيضان نفسه الذي ينتج عن زيادة كبيرة في ماء الأمطار، مع عدم قدرة مجرى النهر على استيعاب الماء النازل من السماء، ولذلك فإن الاستقرار إنما يُقاس بمستوى الرضا الشعبي، وبمستوى الثقة، وبمستوى الحياة السياسية الداخلية، التي تفسح المجال والحريات لكل الطاقات والكفاءات للمشاركة في الحياة العامة، وذلك من خلال إجراء حزمة من التدابير السياسية والاقتصادية والتنموية والثقافية، التي تجعل من الشرائح في المجتمع كافة رافداً من روافد الاستقرار، وتنفيذ خطوات تعمق من خيار الثقة المتبادل بين السلطة والمجتمع، ليشارك أفراده كافة في عملية بناء الوطن، وبجملة موجزة ومختصرة، نقول: «إننا جميعاً بحاجة ماسة لإجراء إصلاحات جذرية لمواجهة الأخطار المحدقة كافة، فالدولة القوية والناجحة والحريصة على أمن وتقدم واستقرار وسعادة مواطنيها، هي التي تبادر بالإصلاح والتصدي للأخطار والتحديات الكبرى، ومن يبحث عن تحقيق الاستقرار بعيداً من ذلك، فإنه لن يحصل إلا على أوهام القوة والاستقرار!

المصدر: صحيفة الحياة