محمد فاضل العبيدلي
محمد فاضل العبيدلي
عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.

ما هو الهدف في سوريا؟

آراء

عندما تطول الثورات احياناً اكثر من اللازم، قد ينسى الثوار الغاية من الثورة نفسها. السؤال الذي يحوم فوق سوريا الآن هو: ما هو الهدف النهائي للثورة؟ هل هو الحاق هزيمة عسكرية بالنظام أم الوصول الى الحرية وديموقراطية حقيقية لكل السوريين؟

ان الحاق هزيمة عسكرية بالنظام تنتهي بمصير مأساوي لبشار الاسد أمر ممكن لكن الثمن سيكون مكلفاً وباهظاً للغاية ولربما بما يفوق خيال البعض. إسقاط الدكتاتورية وبناء سوريا جديدة أمر ممكن أيضا لكنه قد يستغرق وقتاً. كلفة التغيير لا مناص منها في كل الاحوال، لكنها ستكون اقل مع الخيار الثاني بدون شك. يقول الكثيرون ان الثورة السورية ما كان لها ان تصل الى هذا الوضع لولا التدخل الاقليمي، لكن الآن لربما يتعين على الثوار السوريين ان يسألوا انفسهم: ماذا نريد؟

وفيما يستمر القتال في كل انحاء سوريا، فإن هذا السؤال المعلق يحول المشهد الى خداع بصري. فالصحيح ان القتال مستمر والمعارضة تحقق انتصارات وتكسب أراضٍ لكن الى ماذا سيؤدي هذا وما هي الخطوة التالية؟ قد يرى البعض ان هذا القتال سيستمر لتحرير البلدات السورية وصولا الى العاصمة دمشق او حتى بلدة القرداحة مسقط رأس عائلة الاسد. هذا يعني اننا نتحدث ضمن الخيار الاول.

للأسف، فان المعارضة السورية لا تختلف حول من يحق له التحدث باسم الشعب السوري او من يمثله، بل حول الهدف النهائي للثورة. لقد كانت هذه هي المشكلة منذ اليوم الاول للثورة. وبينما كانت الاحتجاجات الاولى للثورة في فبراير 2011 مدنية خالصة والمطالب تتمحور حول الحرية، فان دعاية النظام عمدت وبشكل ممنهج الى ايصال رسالة واحدة للعالم هي ان المحتجين متطرفون اسلاميون. في الواقع، كان النظام يسعى (بوعي ام بدونه) لاستدعاء تنظيم “القاعدة”، الذي لم يتأخر في الاستجابة وكنتيجة، فان الطابع المدني للثورة تراجع تباعاً لتصبح الثورة السورية حالة خاصة. فهي ليست مثل النموذج التونسي او المصري ولا تشبه النموذج الليبي بالكامل، فبينما كان العرب والعالم متحدون ضد القذافي، فان النظام في سوريا مازال يتكأ على دعم اقليمي من لاعبين رئيسيين.

ان تحويل النضال المدني الى صراع مسلح قد لا يكون خطأ مطلقاً بالضرورة، لكن تحويل النضال باعتباره نضالاً للسنة ضد الشيعة العلويين هو خطأ قاتل دون ريب. الان، ومع تصاعد المخاوف من الاسلاميين وسط الثوار، فان المعارضة السورية باتت متشظية اكثر ومشلولة. ومع استمرار القتال، فان نتائج ساحات القتال لن تتجاوز بالنسبة للكثيرين خطوط حرب بالوكالة، حتى الآن على الأقل.

سوف تستمر معاناة السوريين أياً كانت عليه الاوضاع، لكن هناك فارق كبير عندما يدرك الناس سلفاً لماذا يتعين عليهم ان يقدموا التضحيات ولماذا يتعين عليهم ان يتحملوا أعباء هذه الثورة. ففي هذه الحالة، فانهم سيقبلون ذلك. لكن اذا كان الهدف غامضاً فمن المؤكد ان اصواتهم ستعلو بالشكوى. لقد بدأت الاصوات تتعالى بالشكوى مع تزايد التقارير التي تتحدث عن تجاوزات يقدم عليها أفراد بعض الكتائب المقاتلة من الثوار مثل فرض الخوات والاختطاف من اجل المال وسرقة السيارات والتلاعب في المواد التموينية. قد تكون تلك حوادث معزولة مثلما يرى البعض، لكن تكرار هذه الحوادث وتنوعها والمؤشرات المتزايدة للطموحات الفئوية في بعض المناطق المحررة، جعلت صوت الشكوى هذا مسموعاً.

خلال حقبة استعمار الايطاليين لليبيا، قيل للشيخ عمر المختار قائد المجاهدين الليبيين لماذا لا تستسلم وتنهي معاناة الاهالي بسبب قتال لا أمل لك في كسبه، فرد المختار قائلا: “نعم انهم يعانون لكن احداً منهم لم يطلب منا ان نلقي السلاح لانهم يعرفون جيدا اننا نقاتل من أجل حريتهم”.

ان من حق المواطنين السوريين ان يعرفوا لماذا يتعين عليهم ان يتحملوا الأعباء الثقيلة للثورة، لماذا يتعين عليهم أن يدفعوا الاثمان، هل من أجل الديموقراطية والعدالة والمساواة والكرامة ام من أجل انشاء دولة اسلامية او من أجل تقسيم سوريا الى دويلات طائفية؟

صحيح ان جزءاً كبيرا من المسؤولية يلقى على التدخل الاقليمي في الشأن السوري، لكن الصحيح ايضا انها مسؤولية المعارضين السوريين الذين سمحوا بمثل هذا التدخل. هكذا، ومع استمرار القتال يتساءل الكثيرون عما يمنع المعارضة السورية من اختبار نوايا النظام مع اعلانه رغبته في الحوار، اختبار نواياه ضمن معركة سياسية تسند المعركة العسكرية على الارض؟ لماذا لا نجد من يتحدث عن معركة سياسية تسير جنباً الى جنب مع المعركة العسكرية؟ ومن جديد ايضا قد يتساءل البعض الاخر: من بإمكانه الحديث باسم الشعب السوري؟ وأي مطالب سيضعها على الطاولة في اي حوار؟

مترجما عن “غلف نيوز – Gulf News”