مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

محاولات جديدة

آراء

محاولات الجيل الجديد الإبداعية في كسر القوالب التي رسخت لفنون الكتابة تأتي استمرارا لمحاولات بعض المبدعين من أجيال سابقة، ففن الرواية مثلا، وهو الأكثر انتشارا منذ سنوات، يشهد تطورا ملحوظا في بنية الرواية وخروجها عن النمط المتعارف عليه، من حيث البداية والمتن والنهاية، إذ تداخلت الحالات في بعضها من سرد وسيرة ذاتية وحكايات شخصية أو توثيقية وغيرها ..

وفي الشعر توقفت المحاولات التجديدية عند النثريين بعد زمن على انطلاق التفعيلة وانتشارها، وبرغم ذلك لم يحقق كتّاب النثر – تحت مسمى الشعر – من الشباب جزءا من حضور الروائيين الشباب وانتشارهم. أما القصة القصيرة فاكتفى حداثيوها بما أسموه (ق ق ج) أي قصة قصيرة جدا، وخرجوا أيضا عن القالب القصصي المعروف وحبكته التي درسونا إياها في منهاج اللغة العربية.

يحق للمبدعين الجدد أن يجربوا، وليس من حق أحد أن يلومهم، فكما وضعت القوالب القديمة يمكن أن تظهر قوالب جديدة، ويمكن أن نرى ذات يوم أعمالا تكتب من غير قوالب، ولعلها سوف تكون أكثر جنونا واقترابا من الإنسان العادي في زمننا الذي اختلفت فيه المعايير وتغيرت القواعد، والرسالة التي كانت تصل، قبل سنين، بعد شهر عبر البريد العادي يقوم بتوصيلها ساعي البريد الذي كم تغنى به العشاق والمشتاقون لأحبائهم، صارت تصل بأجزاء من الثانية. ولذلك من الممكن أن تصل الرسالة التي كان يكتبها روائي في أجزاء من آلاف الصفحات من خلال رواية مكثفة سلسة ينجزها شاب ويخترق بها الحدود والقارات عبر شاشة صغيرة ولوحة مفاتيح.

غير أن الإبداعات الجديدة سلاح ذو حدين، فقد يستسهل البعض الكتابة ويزج بنفسه في متاهة الرواية، وهو لا يعرف أبجديات صناعتها، فيضيع مثلما ضاع من استسهلوا “النثر” في الشعر، إذ لم يروا فيه أكثر من الخروج عن الوزن، بعد أن أخرجت التفعيلة الشطرين والقافية الواحدة من القصيدة.

استسهال الإبداع ليس هو بداية النهاية فحسب، بل هو النهاية ذاتها، لذلك يؤخذ على بعض برامج المسابقات الشعرية أنه يطلب فيها من المتسابقين أن يكتبوا قصيدة فورا عن (كذا) ومن البحر الفلاني، فأساءت من حيث لا تقصد – أو تقصد – لمفهوم الإبداع، وصار فيها خلط كبير بين النظم والشعر، ووضحت فيها حالة استسهال الإبداع بصورة كبيرة، لكونها أبانتها للجمهور وكأنها الإبداع ذاته، فأسهمت بتكريس الخلل في الذائقة الجمعية.

جيل الشباب فيه من الطاقات الشيء الكثير، والأمل أن يرتقي الإبداع العربي من خلال المحاولات التجديدية المتواصلة، فالقوالب لم توجد إلا لتكسر، لكن بقدرة عالية على ابتكار ما يجيز الكسر.

المصدر: الوطن أون لاين