علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

معارض التوظيف بين الحقيقة والخديعة

آراء

انتهى قبل أيام معرض “توظيف أبوظبي 2014″، الذي أقيم على مدى ثلاثة أيام، تلقى خلالها ما يقارب 10 آلاف طلب من مختلف الاختصاصات والمؤهلات العلمية، وسجل ارتفاعا في عدد الهيئات والمؤسسات الحكومية والخاصة المشاركة، حيث بلغ عددها 120 جهة، وفقا لما جاء على لسان مديرة المعرض، التي قالت إن الدورة الثامنة جاءت إيجابية للغاية، مع توافد الإماراتيين من مختلف إمارات الدولة.

وكان قد أُعلِن قبل افتتاح المعرض، أنه يوفر أكثر من 6 آلاف وظيفة في القطاعين الحكومي والخاص، وأن دورة هذا العام قد خصصت للإماراتيين الباحثين عن وظائف فقط.

خبر يحمل إيجابيات عدة من ناحية عدد الوظائف التي أمّنها المعرض هذا العام، مقارنة بالعدد الذي أُعلِن عنه في معرض العام الماضي، والذي بلغ 3 آلاف وظيفة، وفقا لما ذكرته إدارة المعرض في اليوم الأخير للدورة السابقة، ومن ناحية عدد الهيئات والشركات الحكومية والخاصة المشاركة، مقارنة بالتي شاركت العام الماضي والتي بلغ عددها 100 هيئة وشركة، ومن ناحية عدد المواطنين الباحثين عن عمل الذي تناقص بدرجة لافتة، مقارنة بعدد المواطنين والمواطنات الذين سجلوا بياناتهم لزيارة المعرض السابق، والذين بلغ عددهم 25 ألف باحث عن عمل، وفقا لإدارة معرض “توظيف أبوظبي 2013” أيضا.

كلام جميل يبعث على الأمل، فحين يتضاعف عدد الوظائف المتاحة، ويتناقص عدد الباحثين عن عمل من المواطنين والمواطنات، نكون قد أحرزنا تقدما من ناحية خفض نسبة البطالة بين المواطنين في سوق العمل في الدولة..

لكن هذا مع الأسف يتناقض مع التقرير الذي أعدته اللجنة المؤقتة لمناقشة موضوع التوطين في القطاعين الحكومي والخاص في المجلس الوطني الاتحادي، وناقشه المجلس في الجلسة الثانية من دور الانعقاد العادي الثالث، التي عقدت بتاريخ 19 نوفمبر من العام الماضي.

حيث قال التقرير إن قضية التوطين ما زالت تتفاعل، وبسلبيات كرست الاختلالات الهيكلية في سوق العمل، ما أدى لزيادة معدلات البطالة إلى نسب غير مسبوقة، تخطت أحيانا 15% من القوى العاملة المواطنة، في وقت يشكل الوافدون ما نسبته 88% من السكان، ما يستلزم إعادة النظر والبحث عن مخارج جديدة لعلاج اختلالات سوق العمل، التي ستتحول إلى أزمة حقيقية خلال الأعوام المقبلة.

وقالت اللجنة إنه إذا كان عدد العاطلين عن العمل قد جاوز 30 ألف مواطن عام 2012، فإن عدد الداخلين الجدد لسوق العمل حتى عام 2020 سيصل إلى 150 ألف مواطن، وإن إجمالي القوى العاملة بحلول عام 2020 سيصل إلى 405 آلاف مواطن، في حين أن عدد العاملين الآن لا يتجاوز 225 ألف مواطن.

ربما يحتاج ملف توظيف المواطنين إلى قراءة متأنية وواقعية، لتفسير هذا التناقض أو التضارب بين الأرقام، فالمقارنة بين أعداد الباحثين عن عمل وعدد الوظائف المتاحة بين معرضي توظيف أبوظبي لعامي 2013 و2014، تقول إن عدد الباحثين عن عمل قد تناقص في الوقت الذي زاد فيه عدد الوظائف المتاحة، بينما يقول تقرير اللجنة المؤقتة للتوطين في المجلس الوطني الاتحادي، إن معدلات البطالة قد زادت بنسب غير مسبوقة

. وحتى لو قال البعض إن معرض توظيف أبوظبي لا يمثل مقياسا دقيقا، كونه يرصد الحالة في إمارة واحدة فقط، هي إمارة أبوظبي، إلا أن المعرض يعطي مؤشرا مهما، خاصة وأن الإقبال عليه كان من كافة إمارات الدولة، وفقا لتصريح مديرة المعرض.

كما أن هذا الملف يحتاج وقفة، في ظل عدم إسهام القطاع الخاص في استيعاب هذا العدد المتزايد من العمالة المواطنة، فقد ذكر المدير التنفيذي لشركة “نكست ليفل” المتخصصة في التوطين، خلال منتدى الشباب الإماراتي الذي عقد على هامش المعرض، أن نسبة التوطين في هذا القطاع تتراوح في الوقت الحالي بين 1% إلى 1.5%، رغم كل الجهود التي بذلت وتبذل لزيادة هذه النسبة!

معارض التوظيف التي تمثل البوابة الأكبر للمواطنين الباحثين عن عمل، عليها أن تؤكد مصداقيتها، وأن تثبت أن الوظائف المعروضة من خلالها وظائف حقيقية وليست وهمية، وذلك من خلال متابعة العدد الذي يتم تعيينه على هذه الوظائف بعد فترة من انتهاء المعرض.

فوفقا لرواية موظفة سابقة في إحدى الهيئات الحكومية، خاضت تجربة المشاركة في هذه المعارض عندما كانت على رأس عملها في إدارة ذات صلة بالموارد البشرية، حدث قبل سنوات قليلة أن صدرت تعليمات للهيئة التي كانت تعمل فيها، بوقف كل التعيينات والترقيات لسنتين قادمتين.

ورغم هذا شاركت الهيئة في معرض التوظيف الذي أقيم في ذلك العام، وظل موظفوها يجمعون السير الذاتية والشهادات والوثائق من زوار المعرض على مدى أيام إقامته، وقبل أن تُطفأ أنوار صالات المعرض بعد أن غادره الباحثون عن عمل وهم متعلقون بخيوط الأمل.

قام موظفو الهيئة برمي كل تلك الأوراق في صناديق القمامة! لذلك فهي لا تثق اليوم في أن هذه المعارض ستؤمن لها الوظيفة التي تبحث عنها، بعد أن استقالت من وظيفتها السابقة وهي محبطة لأسباب يطول شرحها، وإن كانت تصب في الموضوع ذاته.

لا نقصد بهذا الحديث معرض “توظيف أبوظبي” على وجه التحديد، وإنما معارض التوظيف بشكل عام، ولا نقول هذا لنقلل من أهمية هذه المعارض أو لنحبط زوارها، ولكننا نقوله لنؤكد ضرورة التحقق من أن الوظائف المعروضة فيها حقيقية وليست وهمية، كي لا يقع الباحثون عن عمل في شراك الخديعة وهم غافلون عن الحقيقة.

المصدر: البيان