عبدالله المغلوث
عبدالله المغلوث
كاتب وصحفي سعودي

مكافأة فاخرة

آراء

نشأت الهندية راشمي سينها، وسط مجتمع يرى أن الجمال والترفيه والرياضة هي الوسيلة الوحيدة للمجد والشهرة والمال. مضت في تحقيق تطلعاتها الأكاديمية تواجه التحدي تلو الآخر مؤمنة بما تقوم به وتعمل من أجله. لم يخذلها نضالها. حصلت على منحة دراسية في أمريكا. استثمرتها جيدا. كانت تدرس صباحا وتعمل مساء في عدة شركات تقنية. ركزت في دراستها على علم النفس وفي عملها على الكمبيوتر. منحها هذا المزيج خلطة سحرية. باتت أكثر فهما لما يبتغيه المستهلك. منتج تقني مسكوب عليه روح إنسانية. أطلقت أكثر من موقع وفكرة إلى الملأ. لكن النظريات التي تعلمتها والتجربة التي خاضتها لم تشفعا لها. ذاب هذا الخليط في الواقع المعقد. فشلت منتجاتها في الوصول إلى الناس. استرجعت الكلمات، التي تلقتها في بدايتها بأن أي شيء غير مسل لن ينجح. وصلت إلى نهاية بأن جديتها لن تؤكلها عيشا. أقلعت عن المشاريع واتجهت إلى العمل البحثي. اعتقدت أنه لن يحالفها التوفيق في أي تجربة جديدة وعليها أن تركز على أبحاثها. فقدرها فيما يبدو أن تكون موظفة في الظل لا تؤثر ولا تلهم. لن يعرفها سوى النزر اليسير من البشر. ظلت سنوات طويلة معتكفة في مكتبتها بين شاشتها ومقالاتها. وأثناء عملها في بحثها تعرضت لمشكلة في مشاركة شرائح عرضها مع زملائها الباحثين الآخرين. فرأت أن تستثمر خبرتها التقنية في تدشين موقع يسمح لها بمشاركة كل شرائخ العرض، التي تتوافر لديها على موقع واحد يتم تصفحه بيسر وسهولة. أعطت رابط هذا الموقع الذي أسمته SlideShare إلى عدد طفيف من زملائها. لكن فوجئت عندما استيقظت بأن مئات الباحثين تناقلوا موقعها خلال فترة وجيزة. وبعد مرور أقل من ثلاثة شهور من إطلاقها هذا الموقع البسيط عرض عليها شراء هذا الموقع بآلاف الدولارات. شعرت راشمي أنها في حلم. نجح هذا الموقع الذي لم تخطط له، بينما فشلت كل المواقع التي خططت لها. ترى هذه الدكتورة الهندية أن هذا النجاح هو هدية الله لها إثر اجتهادها وإخلاصها.

نجاحها لم يتوقف عند هذا الحد. وصل عدد زوار موقعها أكثر من 58 مليون زائر شهريا من أنحاء العالم الذين يتصفحون العروض المتاحة فيه، وبلغ عدد المسجلين فيه نحو 16 مليون عضو. وأشارت البيانات التي أعلنها الموقع أن أهم المؤسسات العامة والشركات العالمية تضع عروضها عليه مثل: ناسا، والبيت الأبيض، وأبل وغيرها.

واستحوذت “لينكيدإن” على هذا الموقع بـ 118 مليون دولار أمريكي.

إذن ليس صحيحا، أن الترفيه وحده من يصنع المجد. الجدية هي الأخرى تمنحك أكثر من ذلك. إن الله لا ينسى عباده المخلصين. تتأخر مكافأتهم. لكنها تأتي فاخرة.

المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2014/09/21/article_888936.html