مسلي آل معمر
مسلي آل معمر
كاتب في صحيفة الحياة

نجران.. حينما يرقص الشيطان

آراء

في عصر الثورة المعلوماتية لا غرابة في أن تنتشر الإشاعة بلمح البصر، فالإشاعة دائماً ما تحمل الخبر المثير أو الغريب، لذا يتسابق غالبية العامة على الانفراد بهذا السبق من طريق وسائل التواصل الحديثة، وما أسرعه من تواصل، وبعد انتشار إشاعة «زامل نجران» بيومين لم أستغرب تلفيق الزامل القديم وربطه بما يجري من أحداث في صنعاء، لأن هناك من يهوى إثارة الفتن، ويحاول أن يزعزع الثقة والولاء بين الشعب والقيادة، كذلك أدرك أن هناك من يحمل في نفسه إما أحقاداً مناطقية أو قبلية أو طائفية، ويحاول أن يخرجها متى سنحت له الفرصة، لذا أرى أن مثل هذه الإشاعات والأكاذيب واردة في كل وقت أو أية مناسبة، إلا أن ما فاجأني في حقيقة الأمر هو ردود الفعل لمستقبلي الإشاعة، والذين ذهب غالبيتهم إلى عدم تصديق القصة، على رغم حبكها بكل احترافية، وبكل ما أوتي أصحابها من حقد، حيث نفت النخب الواعية صحة (الأكذوبة) حتى قبل أن يتثبتوا، وذلك من منطلق ثقتهم بنجران وأبنائها، أما بعض المتابعين فقد تنبهوا إلى ما فات على مبتدعي القصة، وهو أن الزامل قد تم تحميله على «يوتيوب» قبل فترة طويلة، وهذا ما ينفي حداثته وارتباطه بالأحداث الأخيرة.

من دوافع كتابتي لهذه المقالة، أن ذاكرة الطفولة استدعت موقفين بسيطين ربما تعبر إلى حد ما عن حب الرجل النجراني لهذا الوطن وقادته، فالموقف الأول حدث عندما كنت أدرس في المرحلة المتوسطة وأعلنوا أيامها فتح باب التطوع للمواطنين السعوديين أثناء أزمة الخليج، كنا 26 طالباً في الفصل، وفي اليوم التالي فوجئ معلمنا المصري أن 23 منا ذاهبون إلى مركز التطوع عصراً، ولم يتبق إلا ثلاثة فقط من الطلاب كانوا من جنسيات عربية، حينها قال المدرس بروحه المرحه: «لو كنتوا بتحبوا الدراسة زي حبكم للحرب حتنسفوا نظريات انشتاين وأرخميدس»!

الموقف الثاني مرّ علي في المرحلة الابتدائية، وكانت الحدود السعودية أحياناً لا تخلو من الأحداث العابرة، ولا يمكن حينذاك أن أنسى المواطنين وهم يحملون أسلحتهم الشخصية وخيامهم، ليقفوا خطاً أول دون الحدود، لا تزال المشاهد عالقة في ذهني وأنا أرى أبناء الـ17 والـ18 عاماً، وهم يتجهون بأسلحتهم نحو (الغريميل) و(البقع) وغيرها من المواقع!

هنا لا بد من أن نتطرق لمبتدعي «الأكذوبة» ومروجيها، وهم بلا شك من الفئة التي تتعاطف مع تيارات خارجية، ويهدفون لضرب وحدة الوطن في احتفاله السنوي، كانت رسالتهم واضحة وكأنهم يريدون أن يقولوا: لسنا وحدنا من يخون الوطن، لسنا وحدنا من يتعاطف ويتواصل مع جهات خارجية، هؤلاء يخونون مثلنا! وما يؤيد هذا الاعتقاد أن غالبية المعرفات التي روجت لهذا في «تويتر» هي حسابات انتماءاتها معروفة وتدار من خارج المملكة.

إن من عاش على تكريس ثقافة الكراهية والتكفير والإقصاء، لا يمكن أن يتورع عن أي فعل، لذا لن يتوانوا متى سنحت لهم الفرصة لضرب اللحمة الوطنية، مستغلين ما حقنوا به عوام المجتمع من أفكار تخدم أهدافهم، كذلك لعدم وجود قانون يجرم العنصرية وممارسيها، وعلى رغم أن هناك من يرى أن الربيع العربي كان وبالاً على بعض الشعوب العربية، فأنا ولله الحمد أراه ربيع خير على وطننا، لأنه كشف مدى تمسك الشعب بقيادته أولاً، ثم كشف بعض الانتهازيين الذين ينتظرون مثل هذه الفرص لتنفيذ مخططات الجهات التي يتبعونها ولا تريد بهذا الوطن وأبنائه خيراً.

إضافة إلى ما قال زميلنا علي القاسمي بأن نجران تفخر بأنها تحمل الرقم صفر في قائمة الإرهاب، أقول أيضاً أن نجران تفخر بأنها بلد التعايش منذ أمد، حيث كان اليهود والنصارى والمسلمون يعيشون في تسامح وسلام تربطهم المودة والجيرة والتعامل الحسن، وفي زمننا الحاضر وعلى رغم اجتياح عاصفة الطائفية لكثير من البلدان، تجد في مسجد القرية النجرانية الصغير الأب وإخوته وأبناءه وأحفاده من مذهبين مختلفين يقيمون صلواتهم سوياً، حيث لم يمنع اختلاف المذاهب النجرانيين من المصاهرة، ولا المودة، ولا التعايش مع أبناء عمومتهم ولا مع القادمين من مناطق أخرى، بل يعاملون البشر بأخلاقهم وشيمهم وعاداتهم، لم يكفروا من يختلفون معهم، ولم يحملوا لهم الضغائن، بل يعاملونهم معاملة خاصة، لأنهم ضيوف منطقتهم، ولأنهم شركاء لهم في هذا البلد.

أخيراً.. أقول لأبناء نجران الغالية، «بعض» إخوتكم في بلدكم قد لا يعرفون عنكم كل شيء، ربما لبعد المسافات أو لأسباب أخرى، بينما يعلم الكثيرون بما فيهم القيادة أنكم من حماة الوطن إذا رقص الشيطان -لا قدر الله-، من حق نجران عليكم أن تعززوا قنوات التواصل مع الجميع، أنتم الرابحون في كل الأحوال لأن من يعاشر أهل نجران سيعرف أي نوع من الرجال هم.. فيا أيها النجراني: امنح الفرصة لمن يجهلك.. ليعرف من أنت؟

المصدر: الحياة

http://alhayat.com/Opinion/Musalli-AlMoaamr/4804453