سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

نماذج سيئة تتحدث عن المثالية!

آراء

أسوأ ما نراه في وسائل التواصل الاجتماعي، ظهور شخصيات تمارس الكذب باحتراف، هي تكذب على نفسها أولاً، وعلى المجتمع ثانياً، وعلى جميع المتابعين ثالثاً، فهي تدعي المثالية، وتتفنن في نشرها، في الوقت الذي تعيش فيه هذه الشخصيات واقعاً مريضاً، بعيداً كل البعد عن تلك المثالية التي يروجون لها، بل إنهم يمارسون في واقعهم الحقيقي عكس ما يدعونه تماماً في الواقع الافتراضي!

يتحدثون عن الإنتاجية والإخلاص في العمل، وضرورة الابتكار والإبداع، وهم أقل الموظفين إنتاجاً وإبداعاً وابتكاراً، بل إنهم عديمو الإنتاجية أصلاً، ويتساوى وجودهم في مؤسساتهم مع عدمه، ولو أن المثالية التي يدعونها في وسائل التواصل ناتجة عن قناعة وقيم متأصلة في جذورهم، لما ارتضوا على أنفسهم أن يكونوا عالة في مؤسسات لا تستفيد منهم شيئاً، ولا يستطيعون فيها تقديم أي عمل يوازي في المقابل ذلك الراتب الشهري الذي يتقاضونه، أليس من الأولى ترك المكان لمن يستطيع خدمة بلاده ومجتمعه عملياً، لا بفلسفات كلامية لا أهمية لها!

يتحدثون عن التوطين، وهم نموذج سلبي سيّئ للتوطين، وينتقدون المسؤولين في كل مكان، وهم مارسوا أسوأ أنواع الإدارة عندما أوكلت إليهم مسؤوليات إدارية، ويتحدثون عن الطاقة الإيجابية وضرورة توفير بيئة عمل إيجابية في المؤسسات، ويهمزون ويغمزون عن الأجواء السلبية المنتشرة هنا وهناك، وهم يتناسون أنهم كانوا أكثر المسؤولين سلبية، وأنهم كانوا في يوم من الأيام سبباً مباشراً في إحباط موظفين، وهم أنفسهم كانوا مبدعين في تكوين بيئة سلبية طاردة وغير مناسبة للعمل، فهل هناك ما هو أغرب من ذلك؟ وهل هناك ما هو أسوأ من الكذب على النفس؟

المحاولات اليائسة في الظهور بدور البطولة والشجاعة والنبل في واقع افتراضي، لن تفيد، لأن واقع هؤلاء أسوأ بكثير من كل الانتقادات التي يوجهونها هم لغيرهم ليل نهار، ولأن الكلمات المنمقة لن تمحو من الأذهان الفعل السيّئ الذي مارسوه في مؤسساتهم في يوم من الأيام!

ادعاء المثالية، واستدرار عواطف الناس من خلال الكلمات الحماسية، أو القضايا التي تُشكل هماً يومياً لكل مواطن بسيط، ليسا هما فقط ما يفعله هؤلاء المتلونون في وسائل التواصل، بل هم يحاولون التذاكي على المجتمع، من خلال تزييف الأسباب الرئيسة الكامنة وراء انتقاداتهم وتغريداتهم السلبية عن جهات معينة أو شخصيات بعينها دون غيرها، متناسين أن مجتمعنا صغير جداً، وأن كلاً منا يعرف الآخر بشكل جيد، وتالياً فالتحليل النفسي للشخصية، وتحليل الماضي، ومراقبة متطلبات المستقبل تجعل جميع الأهداف مكشوفة، وجميع الكلمات مفهومة، لذا فلا داعي للتذاكي، ولا داعي لادعاء المثالية، ولا داعي للتطبيل لقضايا خاسرة، القافلة ستمضي، لأن المُخلصين مشغولون عن الردّ عليهم بما هو أكبر وأهم، فلديهم مسؤوليات وعمل يومي وإنجاز ومشروعات وخطط تطوير وبناء، ولا وقت لديهم للمهاترات، ولا للقيل والقال، لقد تركوا هذا الجدل لمن لا عمل له!

المصدر: الإمارات اليوم