محمد العريان
محمد العريان
خبير اقتصادي عالمي

هل يظل «وول ستريت» و«مين ستريت» متوافقين؟

آراء

تحول يوم الجمعة الماضي إلى يوم جيد بالنسبة لكل من «مين ستريت» و«وول ستريت». فقد ساهم تقرير الوظائف الشهري الأميركي الذي كان قويا على نحو لافت، بدلا من حدوث عمليات بيع كبيرة في الأسهم، في ارتفاعات قياسية لأسواق الأسهم مع نهاية ذلك اليوم. وإذا استمر هذا التوافق الجديد، فإنه قد يؤدي إلى نتائج متعددة.

فلم يظهر في البداية، أنها ستتحول بهذه الطريقة. وعندما ظهرت أرقام الوظائف، انخفضت العقود الآجلة للأسهم الأميركية بشكل يعكس رد الفعل غير المتوقع لبيع الأسهم، تحسبا لحدوث تحولات في سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي. ولكن الأسواق استعادت وضعها فعوضت الخسائر وحققت مكاسب أيضا.

يعتبر هذا التفاعل الإيجابي من السوق غير عادي بالنظر إلى التوجهات التي كانت موجودة أخيرا. فلقد ظل ولفترة طويلة ينظر إلى الأخبار الجيدة من «مين ستريت»، رغم أنها تعزز الانتعاش الاقتصادي المأمول، على أنها أخبار سيئة بالنسبة لـ«وول ستريت». وذلك لأن الأسواق تقوم عادة بتفسير البيانات الجيدة على أنها تزيد من سرعة خروج بنك الاحتياطي الفيدرالي من سياساته الخاصة بالتحفيز النقدي غير المسبوق، ومن ثم، سحب البساط من تحت الأصول المالية التي تعتمد بشكل كبير على هذا الدعم، بما في ذلك معدلات الفائدة المنخفضة للغاية.

وعلى النقيض من ذلك، يتعامل المستثمرون مع الأخبار السيئة بشأن الاقتصاد على أنها أخبار جيدة، وذلك لأنها تساعد على إطالة دعم معدل السيولة المقبول الذي يقدمه البنك المركزي.

يشهد الاقتصاد الآن أفضل عام توظيف مر به منذ عام 1999. بالإضافة إلى التنقيحات الإيجابية الكبيرة التي تمت خلال عدة أشهر مضت، وفر الاقتصاد الأميركي 321 ألف وظيفة جديدة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وهو رقم مثير للإعجاب، وهي أفضل زيادة شهرية منذ شهر يناير (كانون الثاني) عام 2012، حيث وصل إجمالي الوظائف الجديدة هذا العام إلى ما مجموعه 2.6 مليون وظيفة. وكانت مكاسب التوظيف خلال الشهر مستمرة على نطاق واسع، مما أدى إلى ارتفاعها إلى أعلى مؤشر انتشار منذ شهر يناير عام 1998.

وكانت الزيادة في معدلات الأجور مرافقة لخلق فرص عمل قوية في شهر نوفمبر، وهو أمر لم يحدث منذ سنوات كثيرة الآن. وهذا يساعد الاقتصاد عن طريق زيادة دخل المستهلك، من بين قطاعات المجتمع الأكثر تحديا. ويعطي ثقة أكبر للشركات من أجل الاستثمار بطاقة إنتاجية جديدة. كل هذا يساهم في النمو، ولا يوجد ما يحتاجه الاقتصاد الأميركي أكثر من النمو المرتفع والدائم والشامل.

بالإضافة إلى آثاره الاقتصادية والاجتماعية المفيدة، يمكن أن يساعد النمو المرتفع على تقليل الاستقطاب السياسي في الكونغرس. كما قد يؤدي إلى أساسيات أقوى تحقق ارتفاعا في أسعار الأسهم. وبذلك، تزيد احتمالات قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتطبيع السياسة النقدية من دون التسبب في حدوث اضطرابات في الأسواق قد تؤدي إلى دفع الاقتصاد إلى الانخفاض.

وهناك أمل، يستند في الوقت الراهن إلى نقطة واحدة في البيانات، أن يستمر هذا النمط الجديد: مواصلة الولايات المتحدة في مسار الوظائف القوية والنمو في معدلات الأجور. وأن تواصل الأسواق المالية التفاعل بشكل إيجابي، وهو ما ييسر تطبيع السياسة النقدية، ويؤدي إلى تثبيت أسعار الأصول بشكل قوي.

بالإضافة إلى ذلك، هناك تحد دولي مهم. مع الاختلاف المتزايد الناتج عن كل من الظروف الاقتصادية المتناقضة بين الدول وعن السياسات النقدية المتجهة التي تسير في اتجاهات مختلفة، يحتاج النظام العالمي إلى استيعاب هذا الواقع من دون انقطاع – وهذا لن يكون سهلا إذا كان التعديل الوحيد الذي يحدث يقع من خلال تحركات كبرى في أسواق العملات.

نعم، لا تزال هناك تحديات محلية ودولية مقبلة. ومع ذلك، من الأفضل أن توجد هذه التحديات بدلا من أن نظل غارقين في مستنقع النمو المنخفض، الذي لا تتوافق فيه حظوظ «مين ستريت» و«وول ستريت» بهذا الشكل.

المصدر: الشرق الأوسط
http://www.aawsat.com