عبدالله المغلوث
عبدالله المغلوث
كاتب وصحفي سعودي

وأنت تعود إلى بيتك

آراء

لدى الشاعر الفلسطيني الراحل، محمود درويش، قصيدة بديعة بعنوان: فكر بغيرك. يقول فيها:

وأنتَ تعودُ إلى البيت، بيتكَ، فكِّر بغيركَ

لا تنس شعب الخيامْ

وأنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّر بغيركَ

ثمّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام

إنني أتساءل في مهرجان الضجر الذي لا ينقطع، هل نفكر بغيرنا، ممن لا يملكون أبسط الأشياء؟ ونحن نمشي ونتبرم، هل فكرنا بمن لا يستطيع أن يقف على قدميه، ليقطف ثوبه أو حتى يغسل يده. هل فكرنا بمن لا يستطيع أن يمسك كوب قهوة ليحتسيه إثر الرعاش الذي يعتريه. هل فكرنا بمن لا يملك ثمن جهاز جوال ليهاتف أمه أو أباه بينما نرجم كل من لا يروق لنا بحروف الجوال الذي نقتنيه.

نواصل نحيبنا اليومي واحتجاجنا على كل شيء بصوت خفيض وعال، في حين غيرنا لا يستطيع أن يتكلم. يرغب أحدهم في أن يقول أحبك، لكن كل خلاياه تتعاضد لتحرمه من التفوه بها، يعتصر ليقول كلمة قصيرة فلا يقدر أن يكمل حرفا.

هل فكرنا ونحن نتشكى من الدوام الممل أن هناك من يمني سنينا النفس بنصف دوام؟

ونحن نشجب الطعام الذي نأكله هل فكرنا بأولئك البشر الذين لا يأكلون سوى من سلال القمامات؟

لا أطالب أن نصمت أو نسكت أو نتوقف عن الشكاية، لكن أقترح أن نفكر في غيرنا على هذا الكوكب ونتذكر أن الكثير منهم في وضع أسوأ وأصعب وأعقد.

هذا التفكير سيقودنا إلى مساعدتهم ومساعدتنا على التفكر في ما نملك بتمعن وتؤدة، وبتمهل واهتمام. سيساعدنا تعاطفنا معهم على تجاوزنا كثيرا من المشكلات التي صنعناها لأنفسنا بلا مبرر.

أكثر ما يودي بمشاعرنا هو النرجسية الفاقعة التي نعيشها. هذه الأنانية تجردنا من ذواتنا وإنسانيتنا. تختصر كل العالم في أنفسنا. سيكون العالم أكثر تناغما لو تكاتفنا معا. حاولوا أن تكتبوا بأصبع واحد فقط على لوحة مفاتيح كمبيوتراتكم، ستكتبون لكن ستصرفون وقتا طويلا، بينما جربوا أن تكتبوا بأصابعكم العشرة ستتدفقون وتهطلون كمطر.

توقفوا عن النشيج وكونوا كالنسيج يتآلف ليكوّن قطعة تشرق ولا تحرق.

المصدر: الإقتصادية
http://www.aleqt.com/2014/09/04/article_883245.html