جمال بنون
جمال بنون
إعلامي وكاتب اقتصادي

والحل.. يا وزير المالية؟

آراء

استوقفني تصريح لوزير المالية السعودي إبراهيم العساف بعد صدور بيانات الموازنة السنوية الأسبوع الماضي، حينما كان يتحدث لمراسل التلفزيون السعودي القناة الأولى، وبدت على وجهه ملامح حزن وتأثر شديد وهو يشكو من عدم تنفيذ المشاريع الحكومية بالطريقة الصحيحة، والشيء الأهم عدم إقبال المقاولين على المشاريع التي تطرحها الوزارة، فضلاً عن وجود مشكلة في تصنيف المقاولين الأجانب ويقول: «قيمة المشاريع قيد التنفيذ بلغت تريليوني ريال، لكن تنفيذها لا يتم بالصورة المطلوبة، بسبب الضغط الكبير على المقاولين، كما توجد مشكلة في تصنيف المقاولين الأجانب»، مشيراً إلى أنه يتم طرح مشاريع، ولا يتقدم لها أحد. وأضاف أن المشاريع تنفذ ونتسلم جزءاً منها سنوياً، وهناك خلط بين التعثر والتأخر، والآن وزارة الاقتصاد والتخطيط تُعدّ تقريراً عن المشاريع المتعثرة».

حديث وزير المالية فيه الكثير من الصحة والصدقية، إلا أنه مؤلم وموجع بالنسبة للمواطنين، لأن أرقام الموازنة السنوية في الأصل هي مجموعة مشاريع تنموية، سواء كانت مدارس أو مستوصفات أو مستشفيات أو طرقاً وغيرها من المشاريع التي تصب في خدمة الناس.

واستغرب كيف لم تصارح الوزارة الجهات العليا ومجلس الغرف السعودية والمجلس الاقتصادي الأعلى لأخذ التدابير العاجلة لمعالجة المشكلة؟ من غير المعقول أن ترصد سنوياً موازنة مالية لمشاريع ولا تنفذ في موعدها، بحيث تطرح المزيد من المزايا وتزيل العقبات التي تقف أمام دخول الشركات الأجنبية، ومن جهة أخرى تسهم في تأهيل شركات محلية وفق المعايير المطلوبة، أمام أن نقف هكذا مكتوفي الأيدي كل عام من جهة نعلن أرقاماً مفرحة، بينما في الحقيقة هذه الأرقام أشبه بالأصنام لا تتحرك.

خلال الأعوام الأربعة الماضية تم اعتماد نحو 10 آلاف مشروع وفق بيانات وزارة المالية، وبلغت قيمتها أكثر من 624 بليون ريال، هذا الرقم ليس صغيراً بمقياس الدول المتقدمة، وإشارة إلى أن البلد في حاجة إلى المزيد من مشاريع البُنى التحتية التي لم تكتمل منذ 80 عاماً ومنذ انطلاق خطط التنمية التي يبلغ عمرها الآن 50 عاماً، يفترض أن تكون لدينا أكبر ورشة عمل وأعلى معدل من الرافعات في العالم، وتستغرب بلداً فيها مشاريع متعثرة ومقاولون ليسوا من المواصفات المطلوبة، وتمتلئ بعمالة مخالفة لنظام الإقامة في شكل مخيف، حتى وصل الأمر أن اقترب عددهم إلى نصف سكان السعودية 13 مليون وافد، ربما يتساءل أي حصيف، ماذا يفعل هؤلاء إذا كانت المشاريع التنموية متعثرة ومتأخرة؟

حديث وزير المالية للتلفزيون السعودي بعد صدور الموازنة، يجب أن يعلق كالجرس في كل المؤسسات الحكومية وتحديداً على أبواب الهيئة العامة للاستثمار ووزارة التجارة والصناعة ومجلس الغرف السعودية ولجنة المقاولين، ولن نهنأ بأرقامها ولن نراها عين اليقين إذا لم نجد من ينفذ لنا هذه المشاريع بكل أمانة وإخلاص.

بحسب الأرقام المتوافرة من موازنات سابقة يتضح أن معظم المشاريع التي يتم تسلمها حالياً يفترض أنها يكون تم الانتهاء منها قبل 15 أو عشرة أعوام، وهذا يعني أن التأخير يسهم أيضاً في تعطل خطط التنمية، فمثلاً في موازنة عام 2009 تم تخصيص 52 بليون ريال لإنشاء 86 مستشفى جديداً، ومراكز رعاية صحية أولية عدا تطوير البنية التحتية لعدد 22 مستشفى، ونلاحظ في 2011 أنه تم اعتماد إنشاء 12 مستشفى جديداً وبُنى تحتية لأربعة مستشفيات، فيما وصل عدد المستشفيات الجاري تنفيذها 120 مستشفى، وفي عام 2012 ارتفع عدد مشاريع المستشفيات الجاري تنفيذها إلى 137 مستشفى العام الماضي تم تسلم 29 مستشفى، أما في موازنة العام المقبل فيتوقع بناء 11 مستشفى ومجمعين طبيين و11 مركزاً طبياً و10 عيادات، ويصل عدد المستشفيات التي يجري تنفيذها إلى 132 مستشفى، وبحسب بيان وزارة المالية تقول إنها تسلمت 16 مستشفى العام الماضي.

الشيء الذي لفت نظري في موازنة هذا العام أن مخصصات صيانة ترميم وتأثيث وتجهيز المدارس انخفضت من 2000 إلى 1500 مدرسة، ولا أعرف تفسير هذا، هل المقصود أن كلفة تجهيز وتأثيث المدارس أصبحت مرتفعة لهذا تم خفض الرقم، في الوقت الذي كنت أتوقع أن يرتفع عدد المدارس التي تتم صيانتها لتصل إلى ثلاثة آلاف مدرسة بعد كل هذه الأعوام؟ فمشاريع التعليم مثل الصحة لا ينجز إلا 30 في المئة كل خمسة أعوام، منذ عام 2009 تم اعتماد نحو 3856 مدرسة، فيما كان يتواصل العمل منذ عام 2009 على إنشاء 3240 مدرسة، ما يعني أن نحو 4700 مدرسة لا تزال قيد الإنشاء، وهي ضمن مشاريع وزارة التربية والتعليم وتأخرها يعني استمرار تزاحم الفصول ودراسة الطلاب في فترة الظهر وبعد العصر.

مشكلة الوزراء لدينا لا يتحدثون عن مشكلاتهم ولا عن حاجات وزاراتهم، يتبخترون بمشالحهم في الحفلات والمناسبات والاجتماعات، يذكرونني بمن لا يملك مالاً في جيبه وتراه يزاحم في محافل الأغنياء، لا يتحدثون بوضوح المعوقات والمشكلات، إدارة المؤسسات الحكومية ليست رفاهية بل هي مسؤولية وأمانة، وحينما ترصد المشاريع فهي من المهم أن تنجز من دون معوقات. وإلا فأرقام الموازنة ستصبح من الكتب التاريخية التي تحفظ في أركان ديوان مجلس الوزراء لالتقاط الصور معها، وما لم تتحرك الجهات العليا لمعالجة تأخر وتعذر المشاريع سنؤجل فرحتنا بالموازنة إلى موعد لا يعلمه إلا الله.

المصدر: صحيفة الحياة