خليل علي حيدر
خليل علي حيدر
كاتب كويتي

وظائف.. للسعوديات فقط!

آراء

“28 ألف امرأة تقدمت للبيع في ملابس النساء الداخلية ومستلزمات التجميل، بعضهن جامعيات، براتب لا يتجاوز 3000 ريال أي ما يعادل 800 دولار، وبينما اعتبر البعض أن هذا خطأ تم تصحيحه أي أن بيع الرجل للملابس الداخلية للمرأة كان هو الخطأ، اعتبر آخرون إنه إنجاز كبير في مسيرة عمل النساء لأنه تجاوز مقاومة شرسة. ويعود السبب لوصفه بالإنجاز لأن القرار الذي صدر منذ عام 2004 لقى مقاومة شديدة من المؤسسة الدينية”. هكذا تحدثت الكاتبة السعودية البارزة بدرية البشر في مطلع سنة 2012 عن بدء السلطات السعودية، تنفيذ مراحل أهم قرار يمس عمل قطاعات نسوية واسعة في المملكة العربية السعودية بعد صراعات وطول ترقب.

بدأ تنفيذ قرار “تأنيث” بيع الملابس والاكسسوارات وسط اهتمام حكومي وشعبي واسع لارتباط مستقبل آلاف الفتيات بتولي مراحل تطبيقه، حيث نفى وكيل وزارة العمل، أن يتم تأجيل قرار تأنيث المحال الداخلية والتجميل، وقال لصحيفة الشرق الأوسط 4-1-2012، إن فرق وزارة العمل ستقوم بدءاً من الغد بزيارات ميدانية للمحال والبالغ عددها 7353 محلاً، ولن يستثني القرار أي شركة أو مؤسسة تعمل في جميع المدن والقرى، وكانت وزارة العمل قد حسمت مسألة الاختلاط باشتراط توظيف ثلاث فتيات داخل أي محل في الوردية الواحدة، كما فرضت قوانين محافظة أخرى في نفس المجال بشأن الملبس والمظهر، وحظرت على صاحب المنشأة توظيف عاملين ذكور وعاملات في محل واحد، وجاء في التقرير المطول الذي أُرسل من جدة أن نحو 90% من المستثمرين في قطاع الملابس سيواجهون أزمة حقيقية “بعد التطورات الجديدة التي أطلت عقب قرار إلزام محال الملابس بتوظيف سعوديات بدلاً من العمالة الوافدة”.
وحسب تقرير صحفي “بدأت فرق وزارة العمل جولاتها الميدانية، وقدر متعاملون نسبة التطبيق في محال الملابس الداخلية والتجميل بـ75 في المئة في المدن الكبرى كالرياض وجدة، بينما لا تتجاوز النسبة 30 في المئة بالمدن الصغيرة والقرى، وأضافت أن بعض المحال بدأت أول أيام تنفيذ القرار بتشغيل الرجال، وقد “بينت السيدات ارتياحهن للقرار وتطبيقه، إلا أن هناك بعض المآخذ على العاملات في المحال، حيث ينقصهن الخبرة ويفتقدن للسرعة في المحاسبة ويرتبكن كثيراً، وأتمنى من أصحاب المحال أن يعملوا على تدريبهن حول كيفية التعامل مع زبائن المحل، لاسيما أنهن يمثلن واجهة المحال العالمية”.

وطالبت إحدى السيدات بالمزيد من التشدد وقالت إن المطلوب منع الرجال من دخول هذه المحال وتخصصه للنساء.

“نجاة عرب” إحدى الزبائن رأت أن القرار أفضل ما تم اتخاذه لأنه يوفر على المرأة “الكثير من المعاناة والإحراج الذي كانت تتعرض له خلال التعامل مع البائعين، وأتوقع أن ينجح القرار، ولكن نحتاج إلى كثير من الصبر، كما أتمنى أن نعطي للفتيات فرصة ليثبتن جدارتهن”. وانتقدت بعض السيدات السماح للفتيات دون سن 25 بالعمل، وقالت سيدة: أعتقد أن الفتيات في عمر الـ20 سنة “لا يمكن أن يتحملن مسؤولية وأكثر الفتيات اللاتي جئن للعمل لم يستمررن لأنهن يعتقدن أن العمل حرية وانفتاح وخروج من المنزل وماكياج وغير ذلك، وبالفعل حدثت مشاكل كثيرة بسبب اختلاطهن مع الشباب في المحال الأخرى، وأنا لا ألومهن لكونهن مراهقات بعد، لذا أقترح على وزارة العمل أن تعيد النظر في أعمار الموظفات حتى ينجح القرار، فلا يمكن أن نضع النار بجانب البنزين دون أن تشتعل، ولابد من وجود مديرة أو مسؤولة عن الموظفات لأن الرجل ليس لديه القدرة الكافية للتعامل مع الموظفات وضبطهن، كما أن الفتيات ليس لديهن القدرة على التعامل مع أجهزة الكاشير، الأمر الذي يسبب لنا الكثير من المتاعب”.

ويقول تقرير منشور في 2012، “هناك بوادر تفاؤل كبيرة بدت واضحة بشكل جلي في الأوساط النسائية السعودية إثر تطبيق قرار تأنيث محال بيع الملابس والمستلزمات النسائية”. وصرحت إحدى الموظفات “نتيجة خبرتي في بيع الملابس النسائية منذ نحو ثلاث سنوات أقوم حالياً بمهمة تدريب البائعات الجدد ومن ثم رفع تقرير بشأنهن لتحديد إمكانية استمرارهن من عدمه”، وقد أكدت لكاتبة التقرير الصحفي “أن مستويات البائعات أكثر من رائع في ظل حماسهن الشديد لخوض مضمار البيع والشراء”.

وبحسب توقعات الخبراء فإن قرار تأنيث محال المستلزمات النسائية فقط من شأنه أن يوفر نحو 500 ألف وظيفة للمواطنات، كما أن شريحة الملابس النسائية تعد أكبر نسبة شرائية في المملكة، حيث بلغت 54% من مجمل الشراء في سوق الملابس الجاهزة.

وتعد قضية العلاقة بين الجنسين في المملكة العربية السعودية، والمسماة عادة بـ”الاختلاط” من أعقد القضايا الاجتماعية والدينية، ومن أبرز محاور الصراع والشد والجذب بين المتزمتين والإصلاحيين.. ولهذه الظاهرة أسباب معروفة، فالمرأة في الثقافة العربية والإسلامية نقطة تقاطع دينية – اجتماعية، حيث تتلاقى المحظورات وفق الأعراف والتقاليد، بما يعتبر حراماً أو مكروهاً في الدين، ولاشك أن العقد المتحكمة بهذه العلاقة، كانت كذلك أساس الكثير من المشاكل التنفيذية التي رافقت ولاتزال ترافق مشروع “تأنيث المحال التجارية النسائية” في المملكة.

ومن مشاكل عمل المرأة الأخرى التي لفتت السيدة الكعكي الانتباه إليها أن من الأسباب التي كانت تحد من توسع عمل المرأة السعودية، وجود “الوكيل الشرعي” الذي كانت مهامه وصلاحياته “تعرقل نمو تجارتها”، وأضافت رئيسة غرفة مكة السيدة دلال الكعكي، “أن هذا الشرط سقط منذ ما يقرب من سنتين في معظم مدن المملكة، إلا أن بعض المدن الصغيرة تأخرت في تطبيق النظام، وبعد إلغاء شرط الوكيل الشرعي استُحدثت في النظام تسمية مدير أعمال، في حال كان النشاط الذي تقوم به المرأة يعرضها للاختلاط مع الرجال”.

بدا المسؤولون السعوديون رجالاً ونساء راضين عن نتائج تطبيق قانون تأنيث المحال التجارية خلال عام 2012، وقالت “عليا عابد العجيمي” عضو لجنة الملابس في غرفة جدة، والمشرفة على معاهد متخصصة في تدريب المعاقين لصحيفة الشرق الأوسط: “إن نتائج الشركات والمؤسسات العاملة في المحال التجارية كانت مبهرة، وتم رصد تحقيق أرباح جيدة منذ البدء في التطبيق، ولكن كانت الأرباح كبيرة وغير متوقعة في الموسم التجاري خلال الإجازة الصيفية وتتراوح أرباح تلك الشركات بين 50 و80 في المئة، خاصة في المنطقة الشرقية”، وأضافت السيدة العجيمي: “كان أصحاب الشركات متخوفين في بداية التطبيق من التأثر بالخسائر بسبب عدم وجود خبرات للعاملات، ولكن زالت هذه المخاوف مع زيادة الأرباح الشهرية لفروع الشركات، وهناك شركات تعمل حالياً على توسيع دائرتها من خلال فتح فروع لها في معظم المدن الصغيرة والهجر”.

وقررت وزارة العمل السعودية، مع يوليو 2012، تأنيث محال بيع العباءات وفساتين السهرة وفساتين العرائس والاكسسوارات، وأصدرت الوزارة عدة قرارات منها قرار يختص بتنظيم عمل المرأة في محاسبة المبيعات، بعد أن تم تحديد “حظر الخلوة”، و”تعامل المرأة مع الجمهور”، ويختص قرار آخر بتنظيم عمل المرأة في المتنزهات العائلية، حيث إن “من الملاحظ أن غالبية من يقومون بخدمة النساء هم من العمالة الوافدة من الذكور، لذا حدد هذا القرار اشتراطات عمل المرأة في المتنزهات الترفيهية العائلية”، وأصدرت الوزارة أيضاً قراراً يتعلق بتأنيث أماكن إعداد وتجهيز الأكل في مطابخ المطاعم، “حيث تشبه هذه البيئة إلى حد كبير بيئة المصانع، لذا فقد نظم القرار عمل المرأة في هذه المحال بشكل مشابه لتنظيم عملها في المصانع، مع تأكيد توفير البيئة الملائمة لعمل المرأة ومنع الخلوة منعاً باتاً”

لقد اجتازت المرأة السعودية فيما يبدو بعض تحديات العمل التجاري والبدء باكتساب الخبرة العملية وثقة المستثمرين، وسنرى مع تطور هذه العملية تأثير نزول المرأة، والكثيرات منهن متعلمات وجامعيات، بمثل هذه الأعداد الكبيرة، على الحياة العامة والحريات الاجتماعية في المجتمع السعودي.

المصدر: صحيفة الاتحاد