‏‭ ‬توطين‮ ‬الإعلام‮ ‬الخليجي

آراء

تحدث زميلنا الكاتب محمد خلفان الصوافي في «الاتحاد» يوم 25/12/2013 عن توطين الإعلام الإماراتي، على خلفية منتدى الإعلام الإماراتي الأول الذي عقد برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الأسبوع الماضي.

وقد أشار الكاتب إلى «أن أغلب التوطين منصب على الجانب الإداري وليس في الجانب التحريري والكتابي، وهو الأهم» مشيراً إلى أن «الطموحات في بداية الثمانينيات من القرن العشرين الماضي كانت تشير إلى أن نسبة التوطين في عام 2001 ستكون 100%».
وقد لا يختلف الحال في إعلام دولة الإمارات العربية المتحدة عن الحال في شقيقاتها في دول مجلس التعاون، إذ على رغم الطموحات الكبيرة والخطط المتعددة التي هدفت إلى توطين الإعلام في هذه الدول، إلا أن واقع الحال يشير إلى «نكوص» جلي في بعض هذه الدول فيما يتعلق بتراجع مؤشرات التوطين، إلى درجة طالت حتى الأمور الإدارية وهي (أضعف الإيمان) ولعلنا نلاحظ هذه المؤشرات في الآتي:

– عدم ظهور جيل جديد من الإعلاميين المتمكنين والمؤهلين والمدربين تدريباً عالياً، كما حصل في السبعينيات، مع عدم وضع خطط تدريب جادة.

– سرعة استعجال جيل الشباب لتسنم المناصب الإدارية، ما أبعدهم عن الوظائف التحريرية والفنية، وعدم استعداد بعض الشباب لكبح جماح الشهرة، كي يتعلموا أصول المهنة في الإعداد والتقديم الإذاعي والتليفزيوني أو التحرير الصحافي.

– تعويل الشباب على اللهجات المحلية وإهمال اللغة العربية التي نعتبرها (الأداة) الفاعلة في نجاح أي إعلامي، ولذلك لا نستغرب أن نظل نسمع من مذيعين ومذيعات -ولعشر سنوات خلف المايكروفون- لنجدهم لا يعرفون أبسط أصول النحو أو حتى اللفظ الصحيح للأماكن والأشخاص العالمية. وهذا ينبئ عن قلة ثقافة وضيق اطلاع. وهذا يجعلهم «ينحرجون» عندما تطلب منهم قراءة البيانات الرسمية المكتوبة باللغة العربية الفصحى.

– عدم وجود مساءلة من قبل بعض المسؤولين عن أداء هؤلاء المذيعين والمحررين، بحكم أن الإداريين قد جاؤوا بقرار رسمي وبعضهم بعيد عن الإعلام بكل تفرعاته اللغوية والثقافية والفنية.

لذلك قد يستمر المعد والمذيع في الأخطاء دونما توجيه -في أغلب الأحيان- بعكس ما كان يحدث في السبعينيات عندما كنا نحاسب على الخطأ الواحد في النشرات ونحرم من النشرة التالية إن كررنا نفس الخطأ؟

– ظلت بيئة الإعلام «طاردة» للكفاءات المحلية، وبيئات أخرى «جاذبة» لها بحكم الراتب الجيد والمزايا، فصار أن هجر بعض من كان يتوسم فيهم النجاح إلى هذه البيئات «الجاذبة» وبقي الآخرون، بعد أن تسرب إليهم اليأس والملل، في الوقت الذي تدفق فيه الوافدون للعمل مكانهم، وبعضهم لا يحمل مؤهلات لهذا العمل.

– صعوبة العمل الصحافي والتلفزيوني -بحكم الدوام المسائي وقضية الاختلاط بالنسبة للمرأة- وتردد كثيرين من الشباب في النزول إلى العمل الميداني، وتفضيلهم عمل المكاتب أو الاعتماد على الفاكسات أو الإيميلات.

– تراجع حضور الهوية الوطنية في كثير من البرامج الإذاعية والتليفزيونية لأن أغلب المعدين والمقدمين من غير الخليجيين، وهذا ما أوجد حالة «الاغتراب» في هذه الأيام، ونفس الشيء ينطبق على الصحف والمجلات.

– كثرة التعيينات الخارجية المنافسة للإعلامي المحلي.

وقد ظهرت في المنطقة مؤسسات إعلامية مهمة، لكنها افتقدت العنصر المحلي، الذي لم يأخذ حقه في التدريب والتأهيل بما يمكن أن ينافس الإعلامي الآخر.

– لعبت «الواسطة» في بعض الحالات في توظيف وافدين بعيدين عن مجال الإعلام، ولم يدرسوه أصلاً؟ ما شكل عبئا إداريا وماليا على بعض المؤسسات، دون أن يضيفوا جديداً إلى تلك المؤسسات، بل تم التيقن من وجود حالات «سوء إدارة» في بعض المؤسسات، وصلت إلى القضاء.

– تم تشويه التراث الخليجي -في بعض الحالات- بسبب قيام غير خليجيين بتناول هذا التراث، وهذا أضر كثيراً بالموروث الحضاري لمنطقة الخليج، وقدم مغالطات كبيرة، بل وأحرج معدي ومقدمات مثل هذه البرامج.

– تراخي التدقيق عن المؤهلات التعليمية والخبراتية والشخصية عند التعيين، في بعض الحالات، ولذا لا نستغرب أن نشاهد مذيعة لا تعرف كيف تمسك المايكروفون أثناء المقابلة، أو لا تعرف أين مكان وقوفها أمام الضيف، بل إن بعض المعدات لا يعرفن الأسماء البارزة محلياً ويتهن في المؤتمرات واللقاءات المتخصصة، ويقمن بمقابلة شخصيات بعيدة عن المجال لا تعبر عن المضمون الذي يحتضنه اللقاء.

– اتجاه الإعلام الخليجي -في حالات معينة ومكررة- إلى الترفيه بدرجة كبيرة، واحتفائه ببرامج الأغاني والطلبات والبرامج الفنية (المستنسخة من برامج عربية، وتصرف عليها الملايين) طبقاً لذوق واتجاه وخبرة المعدين والمذيعين، الذين قد يستحلون سهولة إعداد مثل هذه البرامج التي تسد وقت البث، ولا تثير المشاهد أو المستمع، بل ولا تقدم له أية فائدة معرفية أو قيمية.

بل إن هنالك حالات في برامج اجتماعية وأدبية وفنية تم التحقق من نجاحها وتأثيرها مثل: برنامج «خطوة» للدكتور خليفة السويدي من قناة أبوظبي، وبرنامج «حلو الكلام، وقبله نلتقي مع بروين» للدكتورة بروين حبيب من قناة دبي، وبرنامج «في حضرة الكتاب» من قناة الشارقة، وبرنامج «الثامنة» للسيد داود الشريان، وغيرها من البرامج التي تثري العقل وتفتح الأسئلة الأخرى.

– رتابة الأخبار ونمطيتها في بعض المحطات، وإضفاء «كهنوت» سياسي عليها إعداداً وتقديماً.

ومع الاتجاهات الجديدة في طرق التقديم، ظهر بعض التقليد للمحطات الرائدة أو الأجنبية، وهو استخدام اللقطات الواسعة Long Shot ‬بصورة‮ ‬قد تشوه ‬النشرة‮، ‮‬ذلك‮ ‬أن‮ ‬المشاهد‮ ‬يريد‮ ‬الخبر‮ ‬والمعلومة‮‬، ‮‬لا‮ ‬طول‮ ‬قامة‮ ‬المذيعة‮ ‬أو‮ ‬‬شكل‮ ‬لباسها‮؟‮ ‬كما‮ ‬أن‮ ‬الأنماط‮ ‬التقليدية‮، ‮والالتزام‮ ‬ببث‮ ‬الأخبار‮ ‬من‮ ‬وكالة‮ ‬الأنباء‮ ‬المحلية‮ ‬من‮ ‬الأمور‮ ‬التي‮ قد ‬تحتاج‮ ‬إلى‮ ‬مراجعة‮، ‮وخصوصا‮ً أن‮ ‬المستمع‮ ‬للإذاعة‮ ‬لا‮ ‬يستطيع‮ ‬متابعة‮ ‬الخبر‮ ‬الطويل‮ ‬كثير‮ ‬التفاصيل‮ ‬والجمل‮ ‬الاستعراضية‮ -التي‮ ‬كتبت‮ ‬أساساً‮ ‬للنشر‮ ‬الصحافي‮‬. ‮وكذلك‮ ‬المشاهد‮ ‬في‮ ‬التليفزيون‮ ‬تعفيه‮ ‬الصورة‮ ‬من‮ ‬الإطناب‮ ‬والتطويل‮ ‬اللغوي‮.‮ ‬كما‮ ‬أن‮ ‬وقت‮ ‬التليفزيون‮ ‬ثمين‮‬، وحال‮ ‬المتلقي‮ ‬متحفزة‮ ‬نحو‮ ‬معرفة‮ ‬الخبر‮ ‬أولاً‮ ‬بأول‮، و‬لذلك‮ ‬قد نجده‮ ‬يحول‮ ‬مؤشر‮ ‬التليفزيون‮ ‬إلى‮ ‬محطة‮ ‬أخرى‮ ‬عندما‮ ‬يواجه‮ ‬ذلك‮ ‬التطويل‮ ‬في‮ ‬النشرة.

وبعد، فهنالك ملاحظات عديدة حول مسألة توطين الإعلام قد لا يتسع المجال لذكرها، ولكننا حتماً بحاجة إلى مراجعة شاملة لاتجاهات الإعلام في دول مجلس التعاون، وضرورة توطين هذا الإعلام.

المصدر: صحيفة الإتحاد