عبدالله الغذامي
عبدالله الغذامي
كاتب وناقد سعودي

غزوة الحمقى أم غزوة الحكماء

السبت ٠٤ سبتمبر ٢٠٢١

‏«منصات مثل تويتر وفيسبوك وواتساب أصبحت تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن، فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل». هذا تصريح كان أمبرتو إيكو قد أطلقه في صحيفة إيطالية فور بروز ظاهرة الوسائل الاجتماعية المفتوحة على الفضاءات العامة كلها، ولا شك أن الجميع دخلوا بلا استثناءات ولا قيود، ولا شك أيضاً أن «تويتر»، هي بمثابة الكاشفة المكشوفة، تكشف من دخل إليها وتجعله في بيت زجاجي مكشوف للعالم، ومن ثم سقطت كل الحصون والقلاع الحامية لساكنيها، والتي كانت فيما مضى تحمي أهلها من تلصص العيون والآذان، وأصبح العالم كله على كف شاشة، وهي العفريت الجديد الذي أمسك بخيوط اللعبة، وفي المقابل، فإن من يزعمون لأنفسهم الحكمة قد وجدوا أنفسهم منساقين لعالم «تويتر»، وغيرها من الوسائل التواصلية، وأصبح الخطاب المعرفي والسياسي والشعبوي في تجاور لحظوي لا يتميز فيه حكيم عن أحمق، بل أصبحت الحكمة والحماقة معاً معنيين مشتركين بين الكل، وتهشمت الطبقية بين الحكمة والحماقة، وبمجرد سياحة صغيرة بين حسابات «تويتر» سنرى الكاشفة المكشوفة تفضح الصيغ الانفعالية، كما تنشر الصيغ الحكيمة، وتكشف أن الشخص نفسه يمر بحالات حماقة مع كونه حكيماً فيما يظنه بنفسه، وما يتوسمه الناس…

د. عبد الله الغذامي يكتب: هل للفلسفة مكان في القرن الحادي والعشرين؟

الأحد ٢٨ فبراير ٢٠٢١

تمر الفلسفة اليوم بمأزق مفاهيمي مربكٍ، وأحياناً متطرفٍ، ومنذ أن استقلت العلوم الطبيعية عن الفلسفة استقلالاً يشبه حالة التحرر من مستعمر والفلسفة تعاني مزاحمة النظريات العلمية لها لدرجة أن وصل الأمر بإعلان موت الفلسفة حسب ستيفن هوكينج، ومثل ذلك كان موقف أهم الحقول المعرفية الإنسانية، وهو حقل علم اللغة «الألسنيات» ودعواها بتحويل المقولة القديمة بأن الفلسفة أم العلوم لتأتي مقولة «اللغة أم العلوم» بمعنى أن البحث الألسني أصبح هو الأقوى في صناعة المفاهيم، وتكون الفلسفة فرعاً من فروع شجرته، وهنا تتنازع الفلسفة السهام، وكما قال المتنبي «وسوى الروم خلف ظهرك روم». ولنعطي تصوراً عن الحدث نستعيد قصة جاك ديريدا عام 1992 حين فكرت جامعة كيمبريدج بمنحه الدكتوراه الفخرية في الفلسفة، فحدثت ضجة في الجامعة بين معارضين ومؤيدين للفكرة، والاعتراض كان من أعضاء في قسم الفلسفة زعموا أن ديريدا عالم لغوي وليس فيلسوفاً، واقترحوا منحها له بوصفه ألسنياً، وهذا ما جعل إدارة الجامعة تطرح المسألة للتصويت، وتم التصويت بفارق صوت واحد فقط لصالح منحه الدكتوراه الفخرية في الفلسفة، وهذا مؤشر على حالة الاستقطاب، وحالة الانشطار المفاهيمي الذي يؤثر على معنى الفلسفة اليوم وأين تقف الأمور حول هذا الإشكال المتجدد، ويقابل ذلك ما أشار إليه أحد أساتذة الفلسفة في جامعة أكسفورد الذي واجهته أسئلة شكوكية من طلابه متسائلين عن جدوى تدريس الفلسفات…

شيوعي في أمريكا

السبت ٢٩ أبريل ٢٠١٧

في عام 1983 كنت في بيركلي - كاليفورنيا في سنة تفرغ علمي، وكان بين بيتي والجامعة مكان يبيع فيه المزارعون منتجاتهم الطازجة وكنت أتزود منه بحاجتنا لأسبوع كامل، ومرة عبأت العربة باحتياجاتي ووقفت في صف المحاسبة، وهنا بدأت القصة مع رجل كان يبدو عليه الامتعاض من كل شيء وأخذ بالحديث معي وعرف أني عربي مما دفعه أن يدس في جيبي كتيباً صغيراً وقال لي اقرأه في بيتك ولا تفتحه هنا، وضغط على جيبي كأنه يخشى من ظهوره، وحين عدت لسيارتي اكتشفت أن الكتاب بيان حزبي شيوعي، وحينها فهمت تخوفات الرجل، وأنا أختزن قصص المكارثية وقصة حرمان جورج أرويل من تأشيرة لأمريكا لأنه رفض الجواب على سؤال: هل كنت عضواً في حزب شيوعي، وهو سؤال كان حينها يوجه لطالبي التأشيرات لأمريكا، وقصتي كانت في فترة نهوض الريجانية، وحرب أمريكا على الاتحاد السوفياتي. وكل هذا ورد على تداعياتي، ولكني - مع هذا - لم أتقهم كيف يتخوف أمريكي أبيض من كتيب ماركسي حتى ليدسه في جيبك بعد أن يشعر أنك رجل مناسب في لحظة مناسبة، وهذا أعادني إلى زمن الروايات مثل رواية (الأم) لماكسيم جوركي، ورواية (في بيتنا رجل) لإحسان عبد القدوس، مما أشعرني أني صرت مثل أبطال تلك الروايات، أستقبل المنشور السري وأتحرك معه كما تحرك أبطال الروايتين، بتستر وتخوف كي…

تويتر أو الفرس الجموح

الخميس ٢٩ مايو ٢٠١٤

1ـ لا شك أن تويتر (بالتأنيث كما ذكرت من قبل) هي فرس جموح، قوية وسريعة، وكذلك هي عنيفة ومتقلبة الأحوال، وكثيرا ما تتحول النقاشات في تويتر إلى حالة تبادل لفظي حاد وانفعالي وحينها ستمتحن ذاتك عبر رد فعلك على غيرك أو رد فعل غيرك عليك، وستكون فيهما معا في مواجهة مع الفرس الجموح ولك أن تطرد وراءها وتتركها تجرك معها فتكسوك غبارا وتغلفك بالتراب على وجهك ورأسك، وأشد من هذا أنها ستجرك خلفها حتى لا ترى دربك وتقع في الحفر وتهشمك الحصى ويغطيك الوحل، وحصل لكثير منا شيء أو أشياء من هذا وإن بدرجات، وبعضنا أو في بعض أوقاتنا نتنبه مبكرا فنقرر أن نمتطي صهوة الفرس بدلا من أن نركض من خلفها، وقد نتمكن من ترويض حركتها ونسيرها عوضا عن أن تجرنا، وإن نجحنا في هذه فلا شك أننا سنسلم من وعثاء الجموح المتوحش. ولقد مررت بشيء من هذا ومن ذاك وكما قال الشريف الرضي (وللجهل أوقات وللحلم مثلها/ ولكن أوقاتي إلى الحلم أقرب) وكأنه قالها كقانون ثقافي لتويتر وفرسها الجموح، ولقد حظيت في بعض أمري بفرص للحلم والتحالم مع جموحات تويتر، وكانت مقالاتي عن الرهطوية بمثابة السيرة التويترية، وسأصف لحظاتها الجامحة وصهوة الفرس حين لمحتها عيني. 2ـ نشرت يوم الخميس الأول من مايو 2014 (1 رجب 1435) مقالتي (المكشوفة…

ملاحظات على الإسلام السياسي «الشيعي» (1 من 2)

الإثنين ١٤ أبريل ٢٠١٤

حينما تعيش أجواء «تويتر» فإنك ستكون على احتكاك مباشر مع الحال الجماهيرية لأية نظرية سياسية أو غيرها، وسترى الثقافة العامة التي يشكلها أي تنظيم في عقليات أنصاره، ومن ثم ستعرف كيف تتشكل الذهنية الثقافية كاستجابة لسياسة وسلوك تنظيم ما، وفي مقالتين متتاليتين سأضع قراءتي لحال جماهير الإسلام السياسي، بشطريه الشيعي والسني. وأبدأ من مقولة قلتها قبل أعوام في محفل كبير في مدينة القطيف شرق السعودية، إذ كشفت عن عميق شعوري تجاه «حزب الله»، وقلت: إن انتصار الحزب انتصار لضميري، وكنت أقولها وأعنيها تحت معنى وعنوان نظرية المقاومة، ولم يكن كلامي ليخص شخصاً بعينه ولا طائفة بعينها، ولكنه كلام عن المقاومة وهي ضميرنا كلنا، ولا شك. ثم حدث ما حدث من تدخل «حزب الله» في سورية، وحينها تغير عندي وعند غيري السؤال، وصرنا نتساءل بحرقة عن مفهوم المقاومة، وهل لها صلة بأية صيغة من الصيغ مع دخول الحزب لسورية! هنا أخذت الأمور في الاختلاط والتداخل غير الثقافي وصار الضمير في حال امتحان، فأنت أمام طاغية يقتل شعبه، وليس على ذلك من خلاف، ومن هنا فكيف ستكون صورة من يسانده ويقاتل معه، حاملاً راية الظلم ومقترفاً القتل لشعب ثار لأجل حريته! كان لا بد لي وقد هتفت لـ «حزب الله» المقاوم، أن أتقدم بنقد تصرف الحزب حين تحول إلى صف الظالم. وهنا…