عبدالله الغذامي
عبدالله الغذامي
كاتب وناقد سعودي

تويتر أو الفرس الجموح

آراء

1ـ لا شك أن تويتر (بالتأنيث كما ذكرت من قبل) هي فرس جموح، قوية وسريعة، وكذلك هي عنيفة ومتقلبة الأحوال، وكثيرا ما تتحول النقاشات في تويتر إلى حالة تبادل لفظي حاد وانفعالي وحينها ستمتحن ذاتك عبر رد فعلك على غيرك أو رد فعل غيرك عليك، وستكون فيهما معا في مواجهة مع الفرس الجموح ولك أن تطرد وراءها وتتركها تجرك معها فتكسوك غبارا وتغلفك بالتراب على وجهك ورأسك، وأشد من هذا أنها ستجرك خلفها حتى لا ترى دربك وتقع في الحفر وتهشمك الحصى ويغطيك الوحل، وحصل لكثير منا شيء أو أشياء من هذا وإن بدرجات، وبعضنا أو في بعض أوقاتنا نتنبه مبكرا فنقرر أن نمتطي صهوة الفرس بدلا من أن نركض من خلفها، وقد نتمكن من ترويض حركتها ونسيرها عوضا عن أن تجرنا، وإن نجحنا في هذه فلا شك أننا سنسلم من وعثاء الجموح المتوحش.

ولقد مررت بشيء من هذا ومن ذاك وكما قال الشريف الرضي (وللجهل أوقات وللحلم مثلها/ ولكن أوقاتي إلى الحلم أقرب) وكأنه قالها كقانون ثقافي لتويتر وفرسها الجموح، ولقد حظيت في بعض أمري بفرص للحلم والتحالم مع جموحات تويتر، وكانت مقالاتي عن الرهطوية بمثابة السيرة التويترية، وسأصف لحظاتها الجامحة وصهوة الفرس حين لمحتها عيني.

2ـ نشرت يوم الخميس الأول من مايو 2014 (1 رجب 1435) مقالتي (المكشوفة الكاشفة، في نقد خطاب تويتر) وورد في المقالة مثالان عن حسابين في تويتر هما ابن سعيد وآل الشيخ، ولم يتحرك سوى محمد آل الشيخ بتغريدات غاضبة وفردية ولم يؤازره سوى واحدة من رهطه، ولم يتطور الأمر إلى شيء يلفت النظر، ومرت أربعة أيام وفرس تويتر لما تزل في مربطها، حتى يوم الاثنين الخامس من مايو حيث ظهر وسم (هاشتاق) عن القضية بعنوان (الغذامي _يقيم _ ابن سعيد _ وآل الشيخ) وإذا به قد تفجر غضبا وامتلأ بفاحش القول والوصف ولم يترك صفة من صفات كل المعاجم لم يتبرع بها عني ولي، وهنا انطلق عقال الفرس الجموح وصارت تقذف الحصى والتراب في وجهي، وتفاجأت فعلا فقررت إرسال تغريدة ترحيبية محييا لهم وقلت بأن صدري يتسع لهم ولوجهة نظرهم، وأنا صادق غير أن صدقي لم يزد فرسهم إلا جموحا ومزيدا من التوحش، وهنا صحوت لنفسي ولاحت لي صهوة الفرس، ورأيتها فرصة ستغير مسار الأمر لاقتناص مزيد من الأمثلة تثري النظر وتكشف سلوك الرهطوية عبر قراءة رد فعلهم على النقد، وما كنت لأصل لهذا لو أنني جريت خلف الفرس الجموح، ولو انسقت معهم فسأكون مثلهم في عيب كنت نقدتهم فيه.

3 ـ أما امتطاء الصهوة فكان باصطناع مسافة بيني وبين الهجمات المتصلة عبر الوسم، والقاعدة الذهبية هي أنك إن سمحت لأحد أن يستفزك فستعطيه سلطة على أدق مشاعرك، وهنا صرت ألعب دور المتفرج، رغم قسوة ما يجري وألمه الذاتي علي وعلى أحاسيسي من المظالم المرتكبة ضد كل معنى عندي بداية بالأخلاقي والشعوري وكذا المعرفي والإنساني، وكل قيمة عرفتها عن نفسي، حتى صرت عندهم أنجس من الكلب وأقذر من الخنزير وردد بعضهم ربط اسمي مع إبليس وربط سيرتي مع كل الموبقات التي جاد بها خيالهم، واستمرت الحال حتى كتابة مقالي هذا (أربعة أسابيع) بلا توقف لا ليل ولا نهار، وبكل المعرفات الوهمية والصريحة وبكل الصيغ، وهنا توالت تعبئة الخزان النسقي وإمداده بمادة طازجة كل لحظة ولم يعد فيه شيء بائت.

4 ـ والسؤال الآن هو: لماذا سكت الرهط أربعة أيام متوالية (من الخميس إلى الاثنين) على مقالي الأول، وكأنهم قرروا تفويت الحدث ليمر بسلام ويتم نسيان النقد، ولو استمر الأمر هكذا فإن النقد سيبدو عابرا وغير مؤثر، ولكن فجأة تفجر الوضع مع وسم لم يكن من صنعهم، وكان بعنوان موضوعي محايد (الغذامي يقيم ابن سعيد وآل الشيخ) وضعه رجل محايد طرأ عليه فتح مجال النقاش حول مسألة الخطاب والتقييم في تويتر.

ومن الواضح أن وجود اسم آل الشيخ في الوسم، ثم ظهور كلمة (تقييم) هما سر الانفجار وقد تخوفوا من كلمة التقييم وخشوا أن يتجه الموضوع لبحث علمي يقيم ويكشف ويوسع دائرة النقد، ثم إن الوسم أحضر اسم أشد خصومهم (آل الشيخ)، ولذا استنفروا قواهم لطرد الخصم من الوسم، وتحقق لهم ذلك إذ تم مسح اسم آل الشيخ تماما ولم يعد له أي موقع في النقاش وكأنما هو خارج اللغة والذاكرة.

ثم حضر معهم الملمح الثاني المتمثل في اللغة المتوحشة في التعامل مع الحدث النقدي ومع الناقد المتجرئ على قلعتهم، ودخلوا في حالة غلو لغوية وأخلاقية، وهنا تتكشف الرهطوية من حيث الإصرار على الوجود أولا، وأن يكون وجودهم حصريا لهم ثانيا، ثم يحصنون وجودهم بهدير من الألفاظ التي كأنها ألغام تحمي أسوار القلعة من أي متسلل قد يحاول الاقتراب، حتى أصبحت لغتهم قنابل غير موقوتة فعلا وحقا، فهي تنفجر بمجرد لمسها ولو خفيفا، وعبر هذا تجري الحرب الشرسة على احتلال أي مكان يخشون أن يفوت عليهم ويقف فيه من ليس معهم، خصما أو ناقدا، ويجري ذلك باندفاع غريزي رهطوي لاحتلال فضاء تويتر، وسيكون الغلو اللفظي هو ما يعوض عن الحساب العددي وسيتوهم الواقف عليهم أنهم رهط كبير العدد وأنهم هم صوت الأمة، وقد استخدموا هذه العبارة كثيرا، لدرجة أنهم اعتبروا كل من يقف في غير صفهم خارجا مارقا (متصهينا، حسب تعبيرهم الرسمي)، وإن لم يستخدموا كلمة متصهين في حقي لكنهم قالوا ما هو أسوأ منها وأخطر دينيا وخلقيا وعلميا ومروءة، مثل رمي كلمات المنافق ومرادفاتها التفسيقية، مع استبدال ظرفي بكلمة (الليبروفاشي)، وتضمين تغريداتهم آيات قرآنية مما يحمل كلمات الكافرين والمنافقين، ويرسلونها لحسابي مباشرة بقصد التعريض بي وبأمانتي وذمتي، وهي مخاتلة تمرسوا عليها وصارت ديدنا لهم.

5 ـ بقي أن أشير إلى ثلاث ملاحظات منهجية هي:

أـ لولا نشاط الوسم المذكور وتفاعليته العالية لما تسنى لمصطلح الرهطوية أن يحصل على مصادقة من الرهط أنفسهم، وكذا لو مر مقالي الأول دون أن يكون بالونة اختبار لما تسنى وضع المنقود في مواجهة مع الفرس الجموح فيركض وراءها ويكتسي غبارها وهذا ما تستوجب النظرية حدوثه لأن من شأن النسقية أن تناضل من أجل وجودها بكل السبل بلا استثناء، ولو حدث العكس فإن أحد أركان النظرية لن يجد برهانا يؤكده.

ب- الرهطوية عابرة للحسابات، وليست حكرا على فئة دون أخرى، والحسابان موضع النقد ليسا سوى مثالين وبالونة اختبار مع وجود غيرهما وإن بدرجات متفاوتة.

ج- الرهطوية كتلة وليست حشدا ولا هي تيار، وقد ذكرت خصائصها الأربع في مقالي الرابع، وأشير هنا إلى أن علامتها الفارقة تتركز في (أسلوبها) وليس في أي شيء آخر، أي إنها مظهر أسلوبي ولو انتفى هذا المظهر فستنتفي معه الخصائص الأخرى، ومن هنا فالعلة في الأسلوب، وفي تحمس الرهط لأسلوب معيب يزداد ترسخا كلما انتقدناه.

الرهطوية عابرة للحسابات، وليست حكرا على فئة دون أخرى، والحسابان موضع النقد ليسا سوى مثالين وبالونة اختبار مع وجود غيرهما وإن بدرجات متفاوتة.

المصدر: مكة أون لاين