الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤
الجميع يبحث في ماهية السياسة الخارجية المحتملة للنظام الدمشقي الجديد وتحديداً تجاه إيران. إن اتَّضح أنَّه ضدها فهو تطور مهمٌّ وربَّما يغيّر وجه المنطقة. المظاهر الأولى توحي بانطباعات قد تكون مضلّلة، والأيام المقبلة ستهدينا الإجابات. نظرياً، يفترض أنَّ النّظام السوري الجديد، تحت قيادة «هيئة تحرير الشام» وزعيمها أحمد الشرع، سيتبنَّى سياسة تختلف مع سياسة نظام الأسد البائد. ووفقاً لذلك يراهن كثيرون على تضادّها مع محور طهران الذي كانَ يقاتلها في سوريا، ويشمل العداء أطرافَ المحور مثل العراق و«حزب الله» اللبناني. ولو سار زعيمُها الشرع على هذا الطريق يمكن أن نرى نهاية المشروع الإيراني التوسعي، خاصة بعد أن نجحت إسرائيلُ في تدميرِ معظم قدراته الخارجية. إنَّما هناك محركات سياسية إقليمية قد تدفع رياحُها دمشق في اتجاهات أخرى مختلفة، علاوة على أنَّ السياسةَ لا تسير وفق «كتالوج» دائم. ففي مطلع الألفية كان يُعتقد أنَّ «حماس» خَصم لإيران حتى تبيَّن لاحقاً أنَّها من وكلاء طهران، ومثلها «الجماعة الإسلامية» السنية في طرابلس اللبنانية. وكذلك لعبت جماعة الإخوان الأممية دورَ حصان طروادة لطهران تحت مسميات التآخي الطائفي والعداء لإسرائيل. في حال استمرّت إسرائيل في استغلال فرصة الانهيار في سوريا لتعزيز وجودها هناك، قد يفاجئنا ذلك بتحالفِ دمشق الجديدة مع طهرانَ وبغداد وعودة الإيرانيين إلى السيدة زينب. الأمرُ يعتمد كثيراً على رؤية الشَّرع وحكومتِه للصراع مع…
الخميس ١٢ ديسمبر ٢٠٢٤
ما شهدته سوريا حدثان كبيران وليس واحداً. إسقاط نظام الأسد ووصول «هيئة تحرير الشام» الإسلامية للحكم. سقوط الأسد جزء من سلسلة غروب قلاع أنظمة الستينات الفاشية، صدام العراق وقذافي ليبيا. كذلك وصول «هيئة تحرير الشام» للحكم هو الموجة الثالثة من الموجات الأصولية. الأولى الخميني في طهران، أواخر السبعينات، ثم الموجة الثانية ولدت في ثورات 2011، الإخوان في مصر، وحزب النهضة بقيادة الغنوشي في تونس، والحوثي في اليمن، والآن في سوريا، التي من المبكر الحكم عليها. سقوط الأسد كان منتظراً، تأخر عن موعده في عام 2014 من وراء عملية إسعافية منحته 10 سنوات إضافية، بدعم إيراني وروسي. كنا نرى سقوط نظام الأسد حتمياً لاعتبارات أنه تحول إلى نظام فردي وأقلوي واشتراكي وبعثي وإيراني المحور، إضافة إلى أن دولته هرمت وتآكلت قدرات مؤسساتها. بشار منذ توليه السلطة لم يخلق هوية لكيانه يبني عليها، باستثناء أنه كان «ضرورة لإيران»، وهذا بذاته جلب عليه الكوارث وقاد إلى نهايته. انفض من حوله عصبته البعثيون والعلويون. وكانت قدرات أجهزته الاستشعارية ميتة، ولم يعر الانتباه إلى الأخطار التي أحاط نفسه بها عندما جعل سوريا الممر الرئيسي بين طهران ومناطق نفوذها في وقت تتسع المواجهة بين إيران وإسرائيل. ولم يدرك عمق مخاطر تداعيات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي عليه، خصوصاً أن لإسرائيل كلمة ضد التغيير…
السبت ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٤
ليس من الحَصافة استعجالُ الحكم على الأحداثِ الكبرى في سوريا، وبعيداً عن الاصطفافِ في ظرفٍ غامضٍ متغير جغرافياً وسياسياً إقليمياً ودولياً، ليس لنا إلا أن نتابعَها وفق تبدلاتِها. حتى أكثر المطلعين معرفةً دُهشوا من سرعة الانهيارات في شمالِ غربي سوريا، والبارحة في شرقها في دير الزور، وربما قريباً في الجنوب حيث درعا. هناك العديد من الأسئلة ليست لها إجابات محسومة بعد. أولها عن «هيئة تحرير الشام» (هتش) وشخص زعيمها أحمد الشرع، الجولاني سابقاً، المتهمين بالقاعدية؟ بالفعل، جذورها «جبهة النصرة». إنَّما خلال السنوات الماضية طرأت تغيراتٌ على سلوك هذه الجماعة وعلى خطاب قائدها الشرع نفسه، وهذا التغير ليس وليدَ الحرب الحالية، بل منذ نحو 5 سنوات. هل يمكن أن تكون تقية سياسية؟ ربما، وليس أمامنا سوى التعامل مع ما يفعله، وكما قال لـ«سي إن إن»: «انظروا إلى أفعالي، لا إلى كلامي». ولو افترضنا أنه قاعدي مستتر، كما يرميه خصومه، فإنَّ مستقبل مشروعه السياسي لن يبحر بعيداً. حتى تركيا، الداعم الرئيسي له، ستخشى تسليمَ الحكم لجماعة متطرفة قد تؤثر على أوضاعها الداخلية. لهذا بعيداً عن التفتيش على النوايا، فإنَّ العالم مضطر للتعامل معه وفق أفعاله، وليس بالإصرار على محاكمة تاريخه. وهذا ما جرى مع الإمام الخميني عندما وصل للحكم في إيران، و«طالبان» أفغانستان في عام 1996، و«الإخوان» بعد ترؤسهم مصر، حيث تعاملت…
الأحد ٠١ ديسمبر ٢٠٢٤
«درونز» ودبابات ومدرعات، وآلافُ المسلحين، وسقوطُ حلب ثانية كبرى المدن السوريةِ في يومين، والاستيلاءُ على أربعين بلدةً وقطعُ الطرقِ السريعة، واحتلالُ المطار والمراكزِ الحكومية، ونهبُ مخازنِ السلاح. المنطقةُ نسيت حربَ غزةَ ولبنانَ لتنشغلَ بحربٍ جديدة. تداعياتُها الإقليميةُ والدولية لا تقلُّ خطورةً، فالعراقُ أعلنَ الاستنفار وإيرانُ ندَّدت باستهدافِ قواتِها داخلَ سوريا، وإدارةُ بايدن أعلنت من واشنطن أنَّها فوجئت، وروسيا أعلنت عن مشاركتِها العسكريةِ في قصفِ مواقعِ المسلحين. أهمُّ لاعبين في «أزمة حلب» هما دمشقُ وأنقرة لم يتقدَّما بعد بخطواتٍ لتطويقِ الوضعِ الطارئ حتى لا يخرجَ عن السيطرة. أنقرة المتَّهمة بأنَّ لها إصبعاً فيما يحدث قالت لـ«إندبندنت عربية»: «لم نتدخلْ في العملياتِ العسكرية التي تجري في حلب، وسبقَ أن دعونا حكومةَ بشار الأسد إلى الجلوسِ إلى طاولةِ المفاوضات، للتوصُّلِ إلى تسويةٍ سياسية تؤمّنُ عودةً آمنةً وطوعيةً للملايين من إخوتِنا السوريين، والتعاون على مواجهةِ الإرهاب ومنعِ الكيانات الانفصالية من التَّحكمِ في مستقبل سوريا». الوضعُ يخرج عن السيطرةِ مع التَّدفقِ الكبير للجماعاتِ المسلحة في منطقةِ المعارك شمالَ غربي سوريا، وإعادةِ تموضع القواتِ والميليشياتِ الإيرانية جنوبَ حلب، والتَّحشيد العسكري العراقِي على الحدود. واللافت للانتباهِ التَّهديد بالزَّجِ بـ«الحشد الشعبي» بحُجَّةِ الدّفاعِ عن العراق وسط تهويلٍ ومبالغةٍ بالخطر، مع أنَّ حلب بعيدةٌ جدّاً عن البوكمال الحدودية العراقية بـ470 كيلومتراً. وفي حالِ أرسلَ العراقُ «الحشد الشعبي» فإَّن ذلك…
الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤
هَنَّأ جواد ظريف اليهودَ في رسالةِ فيديو في عيدِ السَّنةِ اليهوديةِ الجديدة، في الوقتِ الّذي تتَأَهَّبُ فيه إيرانُ للهجمَةِ العسكريةِ الموعودةِ على إسرائيل. «بينما تفسحُ الشَّمسُ المجالَ للقمر، أتمنَّى لجميع مواطنينا اليهودِ، واليهودِ في جميع أنحاءِ العالم، سنةً جديدةً سعيدةً جدّاً مليئةً بالسَّلامِ والوِئام. روش هاشاناه سعيد». بخلافِ التعليقاتِ الناقدة والشامتةِ والمستنكرةِ أجدُ الوزيرَ جواد ظريف ذكياً صاحبَ مبادراتٍ مفاجئة. بهذه الرّسالةِ المصوَّرةِ يحاول أن يسدّدَ هجمةَ علاقاتٍ عامةِ ذكيةً في مناخ التَّوتر والغضبِ بين الجانبين، ومِن المؤكّد أنَّ نسبة كبيرةً من اليهود استمعوا إليها بغضّ النَّظرِ إن كانَ قد استمالَهم أم لا. وأقول: يحاول؛ لأنَّها قُوبلت بهجمةٍ مضادةٍ قوية خاصة في الإعلام الإسرائيلي الذي ذكَّرَ جمهوره بأنَّ إيرانَ هي الخطرُ اليوم عليهم. ردَّدت الصحف الإسرائيلية أنَّ إيرانَ تريد محوَ الدولة اليهودية وليس كمَا قالَ ظريف إنَّ الإيرانيين تاريخياً هم من أنقذ اليهود ثلاثَ مرات. ظريف يعود بقوةٍ بصورةٍ مختلفة هذه المرة، فهو يأملُ في أن يحقّقَ الاختراقَ والوصولَ المنشود في المواجهة الدعائية بعد خسارة المواجهةِ العسكرية. وأذاعت إيران رغبتَها بالتفاوض مع الولايات المتحدة، ومن رسالة ظريف، يريد باستمالةِ اليهود عاطفياً تحييدَ إسرائيل قدرَ المستطاع حتى لا تعرقل مساعيَ التواصل مع إدارةِ الرئيس المنتخب دونالد ترمب. الرّسالة موجهة في الحقيقة للإسرائيليين وليس ليهود العالم أو يهود إيران أنفسِهم. فقد كانَ…
الثلاثاء ١٢ نوفمبر ٢٠٢٤
في الرياضِ عُقدت قمةُ الحروبِ الـ3، غزة ولبنان وإيران، أحداثٌ كبرى لا تزال تعصفُ بالمنطقة والقتالُ مستمرٌّ حتى الآن. لم تكن اجتماعاً لشنّ حربٍ مضادة، إنَّما القمةُ كانت لوقفِها، وحمايةِ المنطقةِ من تداعياتِها المحتملةِ الخطيرة التي تلوحُ في الأفق، من تهجيرِ مليوني فلسطيني، واحتلالِ جنوب لبنان، وتوسيعِ الصّدام الإسرائيلي عراقياً وسورياً. انعقدتْ قمةُ الدولِ العربية والإسلامية في الرياض لتمثّلَ مجموعةَ التَّكتلِ العريضِ من إندونيسيا إلى المغرب، من المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلسي. ولبَّت مطلبَ الدّولِ المُهدَّدةِ على خطِ النار، من لبنانَ إلى اليمن. وكانتْ من المراتِ القليلة التي بدأت وانتهت من دون خلافٍ على مخرجاتِ القمتين العربيةِ والإسلامية، وذلك نتيجةَ التوافقِ على النقاطِ المطروحةِ والخروجِ بإعلان موحد. ونظراً لتعدُّدِ الجبهاتِ وسرعةِ الأحداثِ يلاحظ أنَّ التركيزَ كانَ على اليوم التالي. فمعظمُ النّقاشاتِ تمحورتْ حولَ منعِ النتائج العسكريةِ على أرضِ المعركة من أن تأتيَ على حسابِ الحقوق الثابتة، مثل منعِ تهجيرِ سكان قطاع غزة، ورفضِ عمليةِ محاصرة السلطةِ الفلسطينية وإضعافها على أراضيها بما فيها غزة، وتثبيت حرمةِ سيادة الدول. بحكم تعدُّدِ المواجهاتِ وملفات الأزمة وردت نقاطٌ عديدةٌ في مسوَّدة البيانِ الذي عملَ عليه وزراءُ الخارجيةِ وعُرض على القادة. من بينها جاءَ الاهتمامُ بشكلٍ خاص بدور السُّلطة الفلسطينية. ويوضّحُ ذلك مضيفُ المؤتمرِ وليُّ العهدِ السعودي الأمير محمد بن سلمان في كلمته، «تحركنا بشكلٍ…
الأحد ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٤
هيَ «وكالةُ الأممِ المتحدة لإغاثةِ وتشغيلِ اللاجئين الفلسطينيين»، وعمرُها من عمرِ إسرائيلَ نفسِها. تقدّمُ خدماتِها منذُ منتصفِ القرنِ الماضي، 1949، أي بعدَ عامٍ من الحربِ العربيةِ الإسرائيليةِ الأولى، مع تهجيرِ الفلسطينيين. في الواقعِ «الأونروا» أكثرُ من مجردِ وكالةِ إغاثية. فهي بمثابةِ حكومةِ خدماتٍ فلسطينيةٍ لستةِ ملايين شخصٍ في الضَّفةِ وغزةَ والأردن وسوريا ولبنان. وربَّما لولاها لمَاتَ نصفُ القضيةِ القائمةِ على الأرضِ واللاجئين، وربَّما غادرَ من تبقَّى من اللاجئين فلسطينَ. علَى مدى عقودٍ دعمتِ الوكالةُ مدناً بديلةً «مؤقتة» تمثَّلتْ بمخيماتٍ مثل جباليا والشاطئ وبلاطة وجنين في الضَّفةِ الغربيةِ وغزة. ولولَا «الأونروا» لذابَ ملايينُ اللاجئين في دولِ الجوارِ التي لجأوا إليها. وقد سبقَ لِي أن زرتُ مخيمَ البقعة في الأردن في الثَّمانينات ضمنَ دراستِي الأكاديمية، ورأيتُ كيفَ أنَّ في المخيمات مجتمعاتٍ حيةً، رغمَ أنَّ أهلَها يعيشون على الكَفاف. الآراءُ متضاربةٌ بشأنِ دور «الأونروا» في الماضِي والحاضر، وليستْ جميعُها مؤيدةً. هناك مَن يَرى أنَّ الوكالةَ لعبتْ دوراً سلبياً، لأنَّها وطَّنتِ الفلسطينيينَ خارجَ أراضِيهم، ومنعتْهم من الثورةِ على المُحتل مقابلَ الخبزِ والتعليم، ودجَّنت من فقدُوا بيوتَهم وأرضَهم وفُرّقُوا عن أهالِيهم. وهناك من يعدّها معسكراتِ اعتقالٍ أبدية، بعضُها عمرُها 75 عاماً. اليوم أقدمت إسرائيل على خطواتٍ تهدّد بانفجارِ الوضعِ القائم. أعلنت عزمَها علَى إلغاءِ الوكالةِ التي تخدمُ نصفَ الشَّعبِ الفلسطيني. وهذا يوحي أنَّ حكومةَ نتنياهو…
الأربعاء ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٤
نحو 180 مليون أميركي سيقفونَ في طوابيرِ الانتخابِ بعد 6 أيام. معظمُهم سيميلُ لدونالد ترمب أو كامالا هاريس وفقَ موضوعاتٍ مثل الإجهاضِ أو الضرائبِ أو المهاجرين، بالدرجةِ الأولى الشؤونُ الداخليةُ هي الحاسمة. وبدرجةٍ ثانيةٍ على مواقفِهم من القضايا الخارجيةِ مثل غزةَ أو الصين أو أوكرانيا. علَى ماذا يصوّتُ الأميركيون؟ اهتمامُ المرشحين معظمُه على شجونٍ داخليةٍ مثل الهجرةِ والضرائب. النَّاخبون بالطَّبع يكرهونَ زيادةَ الضرائب. الديمقراطيون، بقيادِة هاريس، تاريخياً مع نظامٍ ضريبي تصاعدي، لكنَّها تنفِي نيتَها فرضَها. فهي تحدثت عن زيادةِ الضرائبِ على الأثرياءِ والشركات بحجَّةِ تقليصِ الفوارق في الدَّخل، وتمويلِ البرامجِ الاجتماعية. وقد هاجمت منافسَها الملياردير ترمب بأنَّه يتهرَّبُ من دفعِ ضرائب على أرباحِه الكبيرة. ترمب يغري الناخبينَ بأنَّه سيقلّص الضرائب، الأمر المستبعد، نظراً لحجمِ الدَّين الحكومي المتزايد. في الرعايةِ الاجتماعية، تَعدُ هاريس بزيادة الإنفاق الحكومي على الرعايةِ الصحية والتعليم، وتطويرِ البنية التحتية، والبيئة وزيادة تعويضات البطالة برفع الحد الأدنى للأجور للعامل إلى 15 دولاراً في السَّاعة. ويردُّ عليها الجمهوريون محذرينَ الناخبين بأنَّ مثلَ هذه الزيادات والإنفاق الحكومي سيأتي من جيب المواطن، وعلى حساب عرقِ جبينِه، حيث سترفع هاريس الضرائبَ لزيادة الإنفاق. مسألة المهاجرين غير الشرعيين، ترمب حولَّها إلى أهم قضية وجعل أمنَ الحدود وعدَه الأول. وهو يعدُ بزيادة شرطةِ الحدود، والإنفاذ الصارم لترحيل ملايين المهاجرين غيرِ الشرعيين «حمايةً للسيادة الأميركية».…
الأحد ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٤
عندمَا قالَ معلقون إيرانيون إنَّه سيتمُّ استهدافُ دولِ الخليج، والسعوديةُ من بينها، في حالِ هاجمتْ إسرائيلُ منشآتِهم البتروليةَ الحيوية، دخلتِ الأزمةُ في احتمال تصعيد جديد وخطير. هذه الأصواتُ الإيرانية التي تحدَّثت عن توسيعِ دائرة الصِّدام لم تكنْ رسميةً، ومع هذا لا يمكنُ للعالمِ تجاهلها، والأزمةُ تكبر شهراً بعد شهر. المعركةُ بدأت في غزةَ بين إسرائيل و«حماس»، ثم أدخلَ «حزب الله» لبنانَ في الحرب، والآنَ العالمُ ينتظر مواجهةَ قوتين كبريين إقليميتين: إسرائيل وإيران. هل حقّاً تفعلها إيرانُ وتهاجمُ دولَ الخليج؟ لا ننسَى شهر سبتمبر (أيلول) 2019، عندما هُوجمت منشآتُ بقيق النفطيةُ السعودية، إذ أنكرت إيرانُ حينَها ضلوعَها، وتبنَّاها الحوثيون، إلا أنَّ بصماتِ الجريمةِ تشير إلى طهران. الهجومُ نجحَ في وقف خمسة في المائة من إمداداتِ النّفطِ العالمية، وقفزتِ الأسعارُ عشرة في المائة لبضعةِ أيام. لاحقاً تدارك قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» الإيراني، قائلاً إنَّ ما حدثَ خطأ، وما كانَ ينبغي، وأنَّه كانَ مستعدّاً للذَّهابِ إلى الرياض لإصلاحِ العلاقة. سليماني قُتل بعدهَا بثلاثةِ أشهر في غارةٍ أميركيةٍ انتقاماً لهجومٍ دبَّره على قاعدةٍ أميركيةٍ في العراق. كانَ استهدافُ منطقةِ بقيق النفطية السعودية حالةً نادرةً في تاريخ علاقة البلدين. فمنذ نهاية حربِها مع العراق في الثمانينات، تحاشتْ إيرانُ فتحَ جبهةٍ مع جيرانِها الخليجيين، لكن استمرّت العلاقةُ مضطربةً موسمياً تخللتها نشاطاتٌ تخريبية، إلى أن عُقد…
السبت ١٩ أكتوبر ٢٠٢٤
تشرقُ الشَّمسُ من جديدٍ على غزةَ ولبنانَ من دون هيمنة «حزب الله» و«حماس»، سواء أكنَّا نراهما مقاومةً أم ذراعين إيرانيين. مشهدٌ مختلفٌ ويومٌ جديدٌ يوشك أن يبدأَ، ويتطلَّبُ تحركاً فلسطينيّاً ولبنانيّاً وعربيّاً ودوليّاً لتقليلِ الخسائرِ الإنسانيةِ والسياسيةِ، والسعي لوقفِ المزيدِ من الانهيارات. بعدَ مقتلِ السنوار وتدميرِ قوّةِ «حماس»، نرى إسرائيلَ اليوم في موقعٍ أقوى من الأمس، نتيجةَ سوءِ إدارةِ الأزمةِ منذ مطلعِ العام. لم تعدْ مضطرةً لمساومةِ الأسرى بالرهائن، ولا القَبولِ بما طُرحَ من حلولٍ وسط لإدارة غزةَ في مفاوضاتِ القاهرة، ولم تعدْ على الطاولةِ مقترحاتُ باريسَ، ولا يمكن أن تُمليَ على إسرائيلَ كيفَ ستُدارُ المعابرُ، بمَا فيها «فيلادلفيا». بعدَ مقتلِ حسن نصر الله، ومعظمِ قادةِ «حزب الله»، لبنان أيضاً لم يعدْ يقبل، أو أن تكتفي إسرائيلُ بما كانت تطالبُ به وترفضُه الضاحية، وهو القرار «1701» بمنعِ إطلاقِ القذائفِ ومنعِ مقاتلي الحزب، مقابلَ منعِ إسرائيلَ من عبورِ الحدود. الممكنُ أن يقومَ الجيشُ اللبناني بواجبِه بحمايةِ الحدود، وإنهاءِ دور «حزب الله» العسكري. من دون ذلك ستستمرُّ إسرائيلُ في عملياتِها العسكريةِ إلى الرَّبيع المقبل، حتى القضاء على آخر مسلحٍ هاربٍ في لبنان، وتكونُ البلادُ بسببها قد دُمّرت، و«حزب الله» انتهى عسكرياً وسياسياً. لا لمْ تنتهِ الحربُ بعدُ. فهناكَ نذرُ مواجهةٍ جديدةٍ على جبهةٍ ثالثة هي سوريا، ورابعة مع إيران. إسرائيلُ بعد نجاحِها…
السبت ١٢ أكتوبر ٢٠٢٤
جندي ضمن قوة إسرائيلية تسللت عبر الحدود، غرس علمه على تلة بلدة مارون الراس اللبنانية وصارت قضية، مع أن إسرائيل تخيم فوق سماء بيروت منذ أسابيع. قبل ذلك، وبعيداً عن اللغة الدعائية المستوطنة في منطقتنا، علينا أن نفهم هذه الحرب على حقيقتها، هذه حرب إيرانية - إسرائيلية فوق الأراضي اللبنانية. هذا هو الواقع، ولهذا نرى إسرائيلياً يرفع علمه، ونرى أعلام إيران ورموزها ترفع في طريق مطار بيروت إلى الضاحية ومدن وقرى عديدة. لبنان تاريخياً محمي الحدود، بأهم اتفاقية أبرمت عام 1949 في الناقورة، القريبة من مارون الراس، تبعد عنها 36 كيلومتراً. آنذاك جلس اللبنانيون والإسرائيليون على طاولة واحدة برعاية من الأمم المتحدة وتم التوقيع على تفاصيل الحدود بين البلدين. اتفاقية الناقورة هي التي حمت الأراضي اللبنانية من أي ادعاءات إسرائيلية. وكان توقيعهم على الاتفاق البحري قبل سنتين قد اختتم ما تبقى من نزاع محتمل مع الإسرائيليين. اليوم ليس يوم تثبيت الحدود، بل استعادة حقوق الدولة اللبنانية في سيادتها الكاملة. اليوم لبنان بلا رئيس دولة، ولا رئيس حكومة، ولا حكومة، ولا قائد جيش، ولا رئيس بنك مركزي. نظام مؤقت وبالتكليف وتصريف الأعمال. يمكن للبنانيين الالتهاء بعشرات الأحداث من تداعيات المواجهة بين إسرائيل و«حزب الله»، لكن المنتظر من القوى السياسية أن تكون لديها قضية واحدة تركز عليها، استعادة السيادة اللبنانية الكاملة، والجلوس…
الثلاثاء ٠٨ أكتوبر ٢٠٢٤
على أرضِ الواقع فإنَّ السّنوار حقَّق للمتشدّدين الإسرائيليينَ ما عجزَ عنه المتشدّدون من حكامِ إسرائيل بيغن وشامير، وكذلك شارون الذي خرجَ عام 2005 من قطاعِ غزةَ وفكَّك المستوطناتِ وسلَّمه للسلطة الفلسطينية. لماذا فعلَها يحيى السنوار؟ لا أستطيعُ أن أجزمَ لماذا قامَ بهجومِ السابعِ من أكتوبر ومن خلفه، هل كانَ عن جهلٍ منه أم بتدبيرٍ إيراني؟ وهو ما أتصوَّرُه، مع الاعتراف أنَّه لا يوجد دليلٌ على ذلك. انتهتْ معركةُ هجومِ السابعِ من أكتوبر 2023 بأكثرَ من أربعين ألفَ قتيل، وربعِ مليونِ جريح، وتشريدِ ملايين السكان كلهم، وغالبيتُهم اليوم تصارع من أجل الحياة، بالحصولِ على وجبةٍ واحدةٍ في اليوم وهم الآن سيحتاجون إلى سقف وبطانيات مع قدومِ الشتاء. فشلَ هجومُ السنوار في تحريرِ شبرٍ واحدٍ من الأراضي التي قالَ إنَّها هدف العملية. أصبحت إسرائيلُ أكثرَ نفوذاً وتغوُّلاً داخلَ فلسطينَ وفي المنطقة. لقد دمَّر القضيةَ الفلسطينيةَ دولياً، وفعلَ ما لم يفعلْه من قبله حتى أبونضال المعروفُ بخطورته. ستستمرُّ صورُ القتلى الإسرائيليين في السابعِ من أكتوبر هي السائدة، أطفال ونساء وشيوخ، وصور المخطوفين أيضاً الذين كان بينهم أطفال وحتى رضَّعٌ وعجزة. هذا لا يبرّر جرائمَ نتنياهو بعمليةِ القتلِ المتعمدة لسكان غزةَ العزل المدنيين. لقد نجحَ السنوار في إطلاقِ موجةٍ من الغضبِ والكراهيةِ المتبادلة. السنوار تسبَّب في دفنِ حركة حماس، ودمَّر حليفَه «حزبَ الله»، وأنهَى…