علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

باعة الوهم

الإثنين ١٤ سبتمبر ٢٠٢٠

واهم من يظن أنه يستطيع أن يدق إسفيناً بين شعب دولة الإمارات وشعوب الأمة العربية. واهم من يظن أنه يستطيع أن يزرع فتنة بين شعب دولة الإمارات وشعب أي دولة يقيم مواطنوها على أرض دولتهم. واهم من يظن أنه يستطيع المتاجرة بآلام شعبه وقضيته على حساب شعب دولة الإمارات ونقائه وطهره وصفاء سريرته. من يعيش على أرض دولة الإمارات لا يتنفس هواءها فقط، وإنما يتنفس روح المحبة والإخاء والتسامح التي تعبق بها أرضها وسماؤها. لذلك فإن أي محاولة لبذر العداء بين شعب دولة الإمارات وشعب أي دولة يقيم مواطنوها على أرضهم ستقبر في مهدها، لأنها تحمل في جذورها عوامل موتها.قبل أيام حاول أحد قادة الفصائل الفلسطينية زرع بذور فتنة بين الإخوة الفلسطينيين المقيمين على أرض دولة الإمارات وشعب الإمارات، محرضاً إياهم على التخريب والعبث بأمن الدولة التي يقيمون على أرضها، فكيف كان الرد، ومن أين أتى؟ كان الرد حاسماً وقاطعاً. كان رافضاً لهذه الدعوة التي لا تصدر إلا من شخص حاقد وموتور، لا يعرف تاريخ دولة الإمارات في مناصرة الشعب الفلسطيني وقضيته، بل لا يعرف تاريخ العلاقة ذات الجذور العميقة بين شعب دولة الإمارات والشعب الفلسطيني. وممن جاء الرد؟ لم يأتِ من شعب دولة الإمارات، بل جاء من الفلسطينيين المقيمين على أرض الدولة وخارجها، الذين امتلأت وسائط التواصل الاجتماعي بردودهم…

وطن يستحمّ بالدم

الإثنين ٢٤ أغسطس ٢٠٢٠

كانت أمها قد أخبرتها ذات يوم أن الطفولة موجة زرقاء هائلة ترفعك عالياً وتدفعك إلى أمام، وحين تظنين أنها لن تنتهي إذ بها تختفي عن الأنظار، فلا يعود في وسعك اللحاق بها ولا إعادتها. وُلِدت جميلة في الصومال لأب مسلم وأم مسيحية. كانت سنوات عمرها المبكرة حرة، وغاية في السعادة، وإن لم تدرك ذلك إلا بعد أن انقضت وصارت جزءاً من الذاكرة. جميلة الصومالية هي إحدى بطلات رواية الكاتبة التركية أليف شفاق «10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم الغريب». عنوان ربما يبدو طويلاً بمقياس عناوين الروايات، لكنه العنوان الأنسب لموضوع الرواية التي صدّرتها صاحبة «قواعد العشق الأربعون» بعبارة لألبرت آينشتاين يقول فيها عن وفاة أقرب أصدقائه ميشيل بيسو: «مرة أخرى، سبقني الآن بقليل في الرحيل عن هذا العالم الغريب. لكن هذا غير مهم؛ فنحن، الذين نؤمن بالفيزياء، نعرف أن الفصل بين الماضي والحاضر والمستقبل ليس سوى وهم عنيد لا سبيل إلى إنكاره». في طفولتنا نحسب أننا نمسك بالخيوط كلها، نشكل الأشياء كيفما نشاء، نبني قصوراً وقلاعاً نظن أنها حصينة، من الصعب الإطاحة بها. عندما نكبر نكتشف أن هذه القصور والقلاع مبنية من الرمال دون أساس إلا من براءتنا الشفيفة العذبة، لا تستطيع الصمود أمام موجة من أمواج الحياة حتى لو لم تكن عاتية، ولا الوقوف أما هبة ريح حتى…

المزايدون وحدهم يخسرون

الثلاثاء ١٨ أغسطس ٢٠٢٠

على مدى التاريخ كان هناك مزايدون، وعلى مدى التاريخ ثبت أن المزايدين دائماً يخسرون، وعلى مدى التاريخ ثبت أن الإمارات لا تقبل المزايدة. لذلك هي لا تخسر قضية تتبناها لأنها صريحة وواضحة. المزايدون وحدهم يخسرون. نحن جيل تفتح وعيه على حب فلسطين. نحب أرضها رغم أننا لم نرها، ونعشق هواءها رغم أننا لم نتنسمه، ونشعر أن أهلها هم أهلنا رغم أننا لم نعش معهم على أرض فلسطين الحبيبة، ولم نكن وقت أن تفتح وعينا قد رأينا سوى عدد قليل منهم، أغلبهم من المدرسين الأوائل الذين قدموا إلى الإمارات مع بداية دخول التعليم النظامي إلى إماراتنا التي لم تكن حتى ذلك الحين دولة متحدة. قرأنا عندما بدأ وعينا يتفتح أن شعب فلسطين تعرض لآلام كثيرة، وأن مؤامرة كبرى قد حيكت ضده. كان كلما أهل علينا شهر نوفمبر يكون موضوع الإنشاء في صفوف مدارسنا هو الرسالة التي وجهها وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفورد في الثاني من شهر نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد، أحد أبرز وجوه المجتمع اليهودي، لنقلها إلى الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى وأيرلندا، يعدهم فيها بدعم بريطانيا لتأسيس «وطن قومي للشعب اليهودي» في فلسطين ذات الأقلية اليهودية التي لم تكن تتجاوز %5 من إجمالي عدد السكان في ذلك الوقت. كرّت بعد ذلك علينا دروس التاريخ من الثورة الفلسطينية الكبرى…

الساعة 00:51:27

الإثنين ١٣ يوليو ٢٠٢٠

بحلول الساعة 00:51:27 من يوم الأربعاء 15 يوليو 2020 يكون أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة قد حققوا إنجازاً جديداً في مجال ارتياد الفضاء بإطلاق «مسبار الأمل» إلى كوكب المريخ، كي يصل إلى مداره مع الاحتفال بمرور 50 عاماً على اتحادهم. هذه الخطوة تأتي بعد خطوات حققها أبناء الإمارات في مجال ارتياد الفضاء، تحقيقاً لطموح مؤسس دولتهم، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، منذ أن وضع رواد الفضاء الأمريكيون أمامه مجسم مركبة الفضاء «أبولو» عندما كان يستقبل مجموعة منهم عام 1976. الطموح حق مشروع لكل البشر، لكن هناك من يمتلك القدرة على تحقيق طموحه، وهناك من تقصر قدراته عن تحقيق هذا الطموح. وقد أثبت أبناء الإمارات على مدى التاريخ أنهم قادرون على تحقيق طموحهم الذي لا تحده حدود، ولا تقف دون تحقيقه صعوبات، فاحتلوا الرقم 1 عربياً في مجال الفضاء، وكانت وكالة الإمارات للفضاء أول وكالة عربية يتم إنشاؤها على مستوى العالم العربي بهدف تنظيم وتطوير الصناعة الفضائية، وكان «خليفة سات» أول قمر صناعي يتم تصنيعه بأيد إماراتية بنسبة 100 في المئة، وكان برنامج رواد الفضاء الذي أطلقته دولة الإمارات عام 2017 أول برنامج من نوعه يتم إطلاقه عربياً، وكان قانون الفضاء الأول من نوعه عربياً وإسلامياً، وكان هزاع المنصوري أول رائد فضاء عربي يصل إلى…

حكايات من المستقبل

الإثنين ٢٥ مايو ٢٠٢٠

أوى الصغير إلى سريره، واستعد الجد كي يروي لحفيده حكاية ما قبل النوم التي تعود أن يرويها له كل ليلة تقريباً. قال الجد: سوف أروي لك اليوم حكاية جديدة. تثاءب الصغير وقال لجده: لا أريد حكاية جديدة يا جدي، أريد حكاية «سنة كورونا». قال الجد: لقد قصصت عليك هذه الحكاية أكثر من مرة يا صغيري العزيز. قال الحفيد: ولكنني أحب سماعها مرة أخرى يا جدي العزيز. استسلم الجد لرغبة الصغير، وبدأ يروي له الحكاية من جديد. قال الجد: كانت الحياة يا بني تمضي بشكل لا ينبئ بأن شيئاً خطيراً سيحدث. كان بعض الناس يعيشون حياتهم في جزء من الكرة الأرضية أفضل ما يكون العيش، وكان بعض الناس في جزء آخر منها يعيشون حياتهم أسوأ ما يكون العيش، وكان أناس آخرون يعيشونها في اقتتال وحروب ومعارك لا تنتهي. ظن الذين يعيشون في رغد من العيش أن الحياة قد استكانت لهم، وأن لا شيء يستطيع أن يحول دون تمتعهم بمباهجها، ولكنهم وهم يفعلون ذلك مضوا يدمرون كل ما حولهم؛ أفسدوا الهواء الذي يتنفسونه بدخان المصانع وعوادم السيارات وغيرها، وثقبوا طبقة الأوزون التي تحمي أشكال الحياة على كوكب الأرض بالغازات التي تنبعث من الأجهزة التي يستخدمونها، وبلغوا من الغلوّ أن بدأوا يعملون على استنساخ بشر مثلهم، واعتقد بعضهم أنه يمكن أن يعود إلى…

المنسي الذي لم يعد منسيّاً

الإثنين ١١ مايو ٢٠٢٠

من بين عشرات المسلسلات التي تزخز بها شاشات القنوات التلفزيونية العربية في شهر رمضان المبارك، يقدم مسلسل «الاختيار» نفسه عملاً درامياً هادفاً ومختلفاً، يبتعد بفارق كبير عن معظم الأعمال الدرامية المعروضة في هذا الشهر، من حيث القصة، ومن حيث التناول البعيد عن الإسفاف، ومن حيث جودة الإنتاج وأداء الممثلين ودقة الإخراج. قصة المسلسل وطنية تظهر الفرق الكبير بين الإخلاص للوطن وبين الخيانة التي انزلق إليها بعض الذين ضللتهم الأفكار المتطرفة البعيدة عن الدين الحق الذي نزلت به الرسالات السماوية، ودعا إليه الرسل منذ أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وحتى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم. يجسد هذا الفرق بطلا المسلسل الضابطان المصريان أحمد المنسي وهشام عشماوي، اللذان تربيا في حضن الجيش المصري، فانحاز أحمد المنسي للوطن واختار أن يكون مقاتلا في صفوف الذائدين عنه، بينما غامت الرؤية أمام عيني هشام عشماوي فانحاز للمتطرفين، واختار أن يحمل السلاح في وجه حماة الوطن ويسفك دماءهم. القصة كما يعرف الجميع حقيقية، وبطلاها معروفان، ذهب أحدهما شهيدا وهو يحارب الإرهاب والإرهابيين في أرض سيناء، وأُعدِم الثاني بعد أن ارتكب من المجازر الكثير الذي ذهب ضحيته عدد كبير من الضباط والجنود المصريين، وعدد آخر من المدنيين الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أن فتاوى مشايخ الإرهابيين أباحت دماءهم وسوغت قتلهم، عندما لم يجدوا مخرجا…

بلادنا جميلة.. فلا تحزنوا

الإثنين ٣٠ مارس ٢٠٢٠

مربكة كانت نهاية الأسبوع الماضي لبعض الذين لم يفهموا رسالة الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث المتعلقة بالتعقيم الوطني من فيروس كورونا المستجد، فقد فهم البعض الرسالة على أنها تقييد تام للحركة طوال اليوم، رغم الجهود التي بذلتها وسائل الإعلام الرسمية في توضيح الصورة من خلال الرسائل التي بثتها، ومن خلال المقابلات التي أجرتها مع مسؤولي الجهات والدوائر المختصة والمتحدثين الرسميين باسم الهيئة الوطنية لإدارة الطواريء والأزمات والكوارث لإزالة اللبس وتوضيح الصورة، وتأكيد أن الحركة ستكون طبيعية خلال ساعات النهار التي ستتوقف فيها عملية التعقيم. على أي حال بدأت عملية التعقيم الوطني بنجاح ويسر وسهولة، وهي مستمرة حتى يوم السبت المقبل، وبقي أن نستخلص الدروس والعبر منها. وأولها أن الارتباك الذي حدث لدى البعض قبل بدء عملية التعقيم لم يكن ناشئاً عن عدم الثقة بقدرة الجهات التي قامت بالعملية، وتلك التي أشرفت على حركة تنقل البشر والسيارات خلال تنفيذها، وإنما لحرص الجميع على الالتزام بالتعليمات، وعلى أن تتم العملية بسلاسة، وأن لا تتسبب حركة الناس في إعاقة الطواقم التي قامت بالتعقيم عن عملها الذي أدته بكفاءة ومهارة ليستا غريبتين على الجهات المختصة في دولتنا عندما تسند إليها أي مهمة. ما يلفت النظر خلال الأيام الثلاثة التي جرت فيها عملية التعقيم انتشار فيديوهات وصور لمدن الإمارات وشوارعها وهي تخلو من السيارات…

سيف حمدوك وترسه

الإثنين ٠٤ نوفمبر ٢٠١٩

لفت انتباهي العنوان الذي وضعته «البيان» قبل أيام لخبر بدء الحكومة الانتقالية في السودان حملتها لتفكيك دولة الإخوان، التي ظلت متحكمة في كل مفاصل الدولة، ومتغلغلة في جميع المؤسسات العامة عبر الكوادر الموالية لها، دون النظر إلى كفاءة هذه الكوادر لشغل المناصب التي أسندت إليها. «حمدوك يشهر سيفه لتفكيك دولة الإخوان في السودان» كان هو العنوان. وحين نقول «دولة الإخوان» فنحن نعني ما نقول، لأن الإخوان درجوا على تكوين دولة لهم داخل الدولة. حدث هذا في مصر، عندما تأسس التنظيم قبل أكثر من ثمانين عاماً، ليتغلغل في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسة التعليمية، حيث تصنع أجيال المستقبل التي ستتسلم الراية من جيل الآباء والأجداد، وزرع أفكار التنظيم بين الناشئة كي يشبوا عليها منذ الصغر، وتصبح هي الموجهات الأساسية والرئيسة لهم في مراحل حياتهم المختلفة. كما حدث في غيرها من الدول التي نجح التنظيم في التسلل إلى مؤسساتها المختلفة، عدا مؤسستي الجيش والأمن اللتين ظلتا عصيتين على التنظيم في أغلب الدول. وقد شكل السودان استثناءً من هذه القاعدة، حيث كان رأس السلطة، الرئيس السابق المشير عمر البشير، خاضعاً لهذا الفكر الذي كان يمثله في السودان الدكتور حسن الترابي، الذي أتى بالبشير إلى الحكم عام 1989 من خلال انقلاب عسكري على الحكومة التي كانت منتخبة ديمقراطياً، وكان يرأسها الصادق المهدي، قبل أن…

في محطة «هوبت بانهوف»

الإثنين ٠١ يوليو ٢٠١٩

الحركة في محطة قطارات مدينة ميونيخ «هوبت بانهوف» لا تهدأ، وعاصمة ولاية بافاريا الحرة أصبحت تشبه كثيراً العاصمة البريطانية لندن، المدينة الأشهر من حيث تعدد الوجوه وتنوع الأجناس والثقافات والديانات، لكثرة المهاجرين إليها من كل أقطار الدنيا، الساعون منهم إلى رزق، والباحثون منهم عن ملاجئ آمنة، والهاربون من جحيم الحروب وصراعات الأنظمة ومعارك الجماعات والإثنيات والمصالح والأيديولوجيات. فميونيخ لم تعد مدينة للألمان فقط، والألمانية لم تعد هي اللغة الوحيدة التي تُسمع في شوارع ميونيخ، بعد أن طغت عليها لغات ولهجات وافدة من جهات العالم الأربع، وبعد أن افترش أرصفة شوارعها عشرات المتسولين، يستجدون المارة بلغات بعضها مألوف لنا نحن العرب، وبعضها الآخر غير مألوف لنا ولا للألمان أنفسهم، الذين انعكس على بعضهم هذا النزوح غير المنضبط سلباً، فغدوا أكثر عصبية وأقل قدرة على تحمل ضيوف مدينتهم. في محطة قطارات ميونيخ، حيث اللقطة التي تسرق الكاميرا من بين كل المشاهد التي تلتقطها العين، وجوه عليها تعبيرات مختلفة، بعضها تنم عن قلق، وبعضها عن حيرة، وبعضها عن خوف لا نعرف من ماذا، وبعضها عن فرح لا نعرف لماذا، وبعضها لم تتشكل بعد لتأخذ شكلها النهائي. في المحطة أرجل تسابق عقارب الساعة كي تنتقل من رصيف إلى رصيف، وفي المحطة أرجل ثقيلة الخطى، تتسكع بين الأرصفة ومحلات بيع الأطعمة والتذكارات، تستعجل عقارب الساعة…

في «دبي الجنوب» رأيت اللامستحيل

الإثنين ٢٩ أبريل ٢٠١٩

أتنقل بين إمارتي دبي وأبوظبي عبر شارع الشيخ مكتوم بن راشد الواصل بين الإمارتين منذ عقود تكاد تكمل الأربعة. ولست وحدي الذي يفعل هذا، فقد كبُرْتُ وكبُرَتْ أجيال مع هذا الشارع، قبل أن يُطلق عليه اسم الشيخ مكتوم بن راشد، عليه رحمة الله، وبعده. وقد واكبت تطوره، منذ أن كان شارعاً واحدا ًغير مضاء ليلاً، تستخدمه السيارات الذاهبة والراجعة في اتجاهين متقابلين. ولا ترى حولك وأنت تسير فيه إلا أرضاً قفراً خالية من أي بناء وبشر، ومنذ أن كان «برج راشد» الذي توارى الآن خلف ناطحات سحاب شارع الشيخ زايد آخر من يودعنا ونحن نغادر دبي، وأول من يستقبلنا ونحن نصل إليها، وحتى أصبح شارعاً مزدوجاً من حارتين في كل ناحية، إلى أن غدا هذا الشارع الفسيح، ذا الحارات المتعددة، الذي نستخدمه الآن، تحيل الأضواءُ ليلَه نهاراً، وتنتشر على جانبيه المنشآت والموانيء والمصانع والمجمعات السكنية، بحيث لا نشعر أننا انتقلنا من مدينة إلى مدينة. ولو أتيح لي أن أصور فيلماً بتقنية الفاصل الزمني ((Time-lapse لمسيرة تطور هذا الشارع، لخرجت بعمل فني جميل، يرصد مسيرة تطور طرق الإمارات عبر خمسين عاماً من الزمن. لكنني اكتشفت أن ثمة عملاً ضخماً يجري جنوب هذا الشارع، لا يبدو للعين ونحن نستخدم هذا الطريق ذهاباً وإياباً بين الإمارتين الجميلتين. تشرفت يوم الإثنين الماضي بحضور اللقاء…

من الخيمة إلى الفضاء

الإثنين ٢٩ أكتوبر ٢٠١٨

«لو رآكم زايد لدمعت عيناه.. أنتم غرسه وثمرة عمله وتتويج مسيرته». بهذه الكلمات خاطب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، فريق عمل «مسبار الأمل» عند الكشف عن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ عام 2015. واليوم يطلق مركز محمد بن راشد للفضاء ثالث قمر صناعي له بعد «دبي سات1» و«دبي سات2» وأول قمر مصنّع بأيدٍ إماراتية 100% «خليفة سات». الأمر الذي يجعلنا نتساءل: لماذا تهتم دولة الإمارات بالفضاء، وإلى أي مدى يخدم الاهتمام بالفضاء شعبنا وسكان الكرة الأرضية، وهل يستحق الفضاء أن تُرصد له هذه الميزانيات الضخمة، ولماذا تذكّر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الشيخ زايد، عليه رحمة الله، وهو يعلن عن مشروع «مسبار الأمل» قبل ثلاث سنوات؟ يروي معالي وزير الدولة زكي نسيبة، الذي رافق الشيخ زايد، عليه رحمة الله، منذ ستينيات القرن الماضي، أنه حضر نقاشاً في مجلس الشيخ زايد حول رحلات الفضاء، شارك فيه الحضور، واتفقوا جميعاً على أن الصرف على الفضاء وأبحاثه هدرٌ لا مبرر له، لكن الشيخ زايد، عليه رحمة الله، خالف الجميع قائلاً إن هذا استثمار وليس هدراً، لأن من يسيطر على الفضاء يسيطر على الأرض. هذه النظرة الثاقبة هي التي جعلت الشيخ زايد، عليه رحمة الله، يهتم بالفضاء وأبحاثه قبل…

اجعلها تقف عندك

الإثنين ١٥ أكتوبر ٢٠١٨

«أستحلفك بالله أن تنشرها.. أرسلها لغيرك.. لا تجعلها تقف عندك». تستفزني الرسائل التي تنتهي بمثل هذه العبارات، وأعتبر هذا نوعاً من الإرهاب، لأن الذين يستخدمونها يستغلون العاطفة الدينية لدى الذين يرسلونها إليهم، ويوحون إليهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، أنهم سيأثمون لو تجاهلوا طلبهم فلم يرسلوا الرسالة بعد قراءتها إلى غيرهم كي تعم الفائدة، ويكون لهم الأجر والثواب لأنهم ساهموا في نشرها. بداية أقول إننا لسنا ضد نشر الخير، لكننا في الوقت نفسه ضد استغلال عواطف البشر، أيًّا كان نوع هذه العواطف، وضد الضغط عليهم من خلال هذه العواطف، حتى لو كانت المقاصد نبيلة. ولهذا فإن المزايدة على عمل الخير ونشره مرفوضة منذ البداية، فالذي يريد أن ينشر الخير لن يُعدَم وسيلة لذلك، في حين أن استغلال عواطف البشر، والدينية منها على وجه الخصوص، ربما يؤدي إلى نشر رسائل فيها من السم ما يغلب على الدسم. وهناك الكثير من الكلام الذي يمكن أن يقال حول الذين يصوغون رسائلهم بطرق ذكية، يضعون داخلها ألغاماً كثيرة يمكن أن تنفجر في المجتمع وتفجره وتحوله إلى أشلاء مبعثرة، قبل أن يتم اكتشاف هذه الألغام وتفكيكها وإبطال مفعولها. وكي لا نقع في المحظور، فيبرز لنا من يقول إننا نحرم حلالاً أو نحل حراماً، أو أننا نعرف بما لا نعرف، ونفتي ونحن لسنا من أهل الفتوى،…