علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

فخورون بكم

الإثنين ٢٤ أبريل ٢٠١٧

كانت الساعة تشير إلى ما بعد الرابعة من عصر يوم الأربعاء 19 إبريل الجاري، عندما تلقيت اتصالاً هاتفياً من الزملاء في «مركز الأخبار» التابع لمؤسسة دبي للإعلام، يطمئنني على سلامة موفدنا إلى العاصمة الصومالية مقديشو، بعد التفجير الإرهابي الذي تعرضت له قافلة الهلال الأحمر الإماراتي، وهجوم آخر وقع بالقرب من المكان الذي كان موفدنا فيه، لكن المستهدف منه كان أحد المسؤولين الصوماليين، في محاولة لاغتياله من قبل فصيل صومالي آخر. في المساء دار حوار بيني وبين أحد الأصدقاء، توقع خلاله صديقي أن تقوم دولة الإمارات بإعادة قوافل الهلال الأحمر التي تجوب أنحاء الصومال لتقديم مساعداتها، وأن نعمد نحن في «مركز الأخبار» إلى إعادة موفدنا المبتعث في مهمة لتغطية نشاط هذه القوافل هناك، كما توقع أن يتم إلغاء البث التلفزيوني المشترك المقرر أن تنفذه تلفزيونات الدولة يوم الجمعة، في إطار حملة «لأجلك يا صومال» التي أمر بتنظيمها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. قلت لصديقي إن هذا لن يحدث إطلاقاً، بل إن هذه العمليات الإرهابية لن تزيدنا إلا إصراراً على المضي قدماً في مواصلة دورنا الإنساني والإغاثي في مناطق العالم المختلفة، وقد أكد وجهة نظري هذه بيان وزارة الخارجية والتعاون الدولي، الذي جدد دعم دولة الإمارات للصومال حكومة وشعباً، وأكد أن هذه الأعمال الإرهابية لن…

هُدِّمت صوامعُ وبيعٌ وصلواتٌ ومساجدُ

الإثنين ١٧ أبريل ٢٠١٧

المتطرفون الذين استهدفوا الكنائس في مصر لم يضيفوا إلى تاريخ الفتوحات الإسلامية انتصاراً لم يحققه المسلمون قبلهم في الحروب الصليبية، والمهاجر الأوزبكي الذي دهس بشاحنته مجموعة من المشاة في العاصمة السويدية «ستوكهولم»، لم يكسب للإسلام أنصاراً جدداً نستطيع أن نضيف أسماءهم إلى قائمة أنصار المدينة الذين آووا المهاجرين الأوائل في بداية الدعوة. التنظيمات التي تزعم أنها إسلامية، وتتبنى العمليات الإرهابية التي تحدث في أنحاء المعمورة، لم تتقدم خطوة في تطهير الأرض من «الكفار» الذين تقول إنها ستطهرها منهم، وجماعات الإسلام السياسي التي تستغل هذه الحوادث للشماتة من الأنظمة التي أفشلت مشروعها وعرّتها وكشفت سوءتها، لم تنجح في تحسين صورتها وجعل العالم يحبها، والخاسر الأكبر من هذه العمليات، هو الإسلام الذي يزيده هؤلاء المسكونون بترويع البشر وقتلهم كل يوم تشويهاً، ويضيفون إلى قائمة أعدائه مزيداً، والمتضررون هم المسلمون الذين تُغلق في وجوههم حدود البلدان، وتجري معاملتهم على أنهم إرهابيون محتملون في المطارات، ويتم التضييق عليهم كلما حدثت عملية من هذا النوع في كل مكان. الإسلام الذي يدّعي هؤلاء المتطرفون أنهم يتحدثون باسمه، ويرفعون الرايات السوداء شعاراً له، لم يأمر بقتل الأبرياء من البشر، ولم يُجِز مهاجمة دور العبادة وإراقة دماء من يقصدها، ولم يحض على قتل الناس الذين يمشون في الشوارع ويتجولون في الأسواق آمنين، والأدلة على ذلك من القرآن الكريم…

الجميلة والوحش

الإثنين ٠٣ أبريل ٢٠١٧

يحدث أن تعاف كل هذا الذي يحدث حولك، فتقرر الهرب من صور القتل والدماء والخراب والدمار التي تملأ الشاشات أمامك، وتلجأ إلى قصة خيالية تتحدث عن فتاة قروية شابة، أسرها وحش دميم داخل قصر مسحور، مقابل إطلاق سراح والدها. وبالرغم من محنة الفتاة، إلا أنها تصبح صديقة لخدم القصر الذين حولتهم ساحرة إلى أدوات منزلية، بعد أن طرقت سيدة عجوز باب القصر في ليلة شتاء قارسة البرودة، طالبةً المبيت في القصر، فرفض الأمير طلبها، حتى بعد أن حاولت إقناعه بإهدائه وردة حمراء مقابل مبيتها تلك الليلة، لتتحول تلك السيدة العجوز إلى فتاة باهرة الجمال، وتُحوِّل الأمير الوسيم إلى وحش دميم، وتعطيه الوردة الحمراء، وتبلغه أن أوراق الوردة ستستمر في التساقط إلى أن يبلغ عامه الواحد والعشرين، عندها سوف تذبل الوردة، ويثبت السحر على الأمير وخدمه، ما لم يتمكن من محبة شخص، ويبادله هذا الشخص القدر نفسه من الحب، لتكون الفتاة القروية «بل» هي هذا الشخص الذي يحس بقلب الوحش وروحه، ويكتشف ما وراء المظهر الخارجي له، فيخلصه من محنته، ويخوض معه معركته للقضاء على الشاب المتعجرف «جاستون» المغرور، الذي كان يحاول اصطياد الوحش بأي ثمن، واتخاذ الفتاة زوجة له. هذه باختصار شديد، هي أحداث فيلم «الجميلة والوحش»، الذي أعادت شركة «والت ديزني بيكتشرز» إنتاجه في حلة جديدة، تمزج بين الرسوم…

السيارة التي صدمتنا جميعاً

الإثنين ٢٧ مارس ٢٠١٧

من جديد يقدم التيار الإسلامي المتطرف في الشرق للتيار اليميني المتطرف في الغرب خدماته، ويهدي إليه على طبق من ذهب الأوراق التي تساعده على كسب معركته في الدول الأوروبية التي كافح طويلاً كي يصل إلى قمة السلطة فيها فلم يستطع. فما حدث في بريطانيا الأسبوع الماضي من هجوم إرهابي، استهدف العابرين على جسر «ويستمنستر» في الطريق إلى مبنى البرلمان البريطاني، ليس إلا حلقة في سلسلة الخدمات التي يقدمها المتطرفون المسلمون للمتطرفين الغربيين الذين تزداد مواقفهم مع كل هجمة قوة. وتزيد حججهم مع كل عملية إقناعاً، ويكسبون المزيد من الأنصار كلما حدث عمل إرهابي من هذا النوع، أبطاله أقرانهم في التطرف، وإن اختلفت توجهاتهم وأفكارهم وعقائدهم وأهدافهم، لأن التطرف ملة واحدة، والمتطرفين جنس واحد مهما تصادمت وجهات نظرهم، والضحايا متساوون في الإنسانية، لا ينتمون إلى هؤلاء ولا أولئك، ولا يتحملون وزر جنون هؤلاء ولا أولئك. ربما يستفز تعبير «التيار الإسلامي المتطرف» بعض المسلمين، فينبري منهم من يقول: إن هؤلاء لا يمثلون الإسلام، ويحاول تبرئة الدين الإسلامي من التطرف. وهذا موقف لا غبار عليه، لكن الحقيقة أن العالم كله ينظر إلى هؤلاء الذين يرتكبون هذه الأعمال الإرهابية على أنهم مسلمون، مهما حاولنا أن ننزع هذه الصفة عنهم، ليس لأنهم يطلقون على الجماعات والتنظيمات التي ينتمون إليها أو يتأثرون بفكرها مسميات تحمل اسم…

أعيدوا تربيتهم

الإثنين ٢٧ فبراير ٢٠١٧

بارتياح كبير، تلقى الجميع أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أن يؤدي مرتكبو مخالفة القيام بحركات استعراضية خطرة بسيارتهم في منطقة «سيتي ووك» بدبي، وهم سائق السيارة ومن كانوا معه داخلها، عقوبة بديلة تتمثل في إمضاء 4 ساعات يومياً في تنظيف الشوارع العامة في دبي لمدة شهر واحد، وذلك على سبيل الخدمة المجتمعية، لتعويض ما تسبب به هؤلاء المتهورون من أضرار مادية ونفسية من ترويع للمارة، وتهديد لسلامتهم. لدينا في دولة الإمارات العربية المتحدة مدن جميلة، وشوارع فسيحة، ومراكز تسوق ومرافق وأماكن سياحية رائعة، تجتذب المواطنين والمقيمين والزائرين من كل مكان، ولدينا سلطات أمنية تتعامل مع الجميع بأسلوب راقٍ قلّما نجده في دول وأماكن أخرى كثيرة، فلماذا يحاول البعض تشويه هذه الصورة الجميلة التي يبنيها قادة هذا البلد وشعبه والمقيمون على أرضه؟ لا شك أن الذين يفعلون ذلك عابثون يعانون أمراضاً وعقداً، ويحتاجون علاجاً نفسياً وتربية أخلاقية يعيدانهم إلى جادة الصواب، لحمايتهم من أنفسهم، ولحماية المجتمع منهم، ومن الممارسات التي يقومون بها ليفسدوا على الناس بهجتهم ومتعتهم وراحتهم. هل يعتقد هؤلاء المتهورون أنهم يستحوذون على اهتمام الناس بمثل هذه الحركات الاستعراضية الخطرة، وينالون إعجابهم؟ أم تراهم ينفّسون عن عقد استقرت في نفوسهم وتسلطت على عقولهم، ولم يجدوا وسيلة يعبّرون…

أمنية عالم إماراتي شاب

الإثنين ١٣ فبراير ٢٠١٧

في الحوار الذي أجرته جريدة «البيان» يوم الثلاثاء الماضي، مع العالم الإماراتي الشاب الدكتور أحمد عيد المهيري، صاحب لقب أول إماراتي يحصل على قبول لدراسات ما بعد الدكتوراه في معهد الدراسات المتقدمة في «برينستون» بالولايات المتحدة الأميركية، الذي يعتبر أبرز معهد لبحوث الفيزياء النظرية في العالم، والذي عمل فيه العالم الشهير «ألبرت آينشتاين» في العقدين الأخيرين من حياته، في هذا الحوار لفتت نظري التحديات والصعوبات، التي واجهت الدكتور أحمد عندما قرر اختيار دراسة علم الفيزياء، والمخاوف التي أبداها أهله وأصدقاؤه من دراسة هذا التخصص، واستغربت كيف يمكن أن تكون دراسة تخصص علمي مثل هذا مصدراً للقلق. يقول الدكتور أحمد المهيري: إن أول تحد واجهه في مرحلة التقدم للبكالوريوس هو ردود فعل الكثيرين من حوله إزاء صعوبة الحصول على وظيفة في مجال الفيزياء بعد التخرج، لذلك اختار تخصصاً يركز على الهندسة في السنتين الأولى والثانية، ثم على الفيزياء في السنتين الثالثة والرابعة. وقد أثر هذا القرار على درجاته الدراسية بشكل ملحوظ في البداية، لعدم تقبله مواد الهندسة، لكنه عندما بدأ دراسة مواد الفيزياء تذكر شغفه بها، فأظهر تفوقاً ملحوظاً، وتميزاً علمياً ودراسياً، وأصبح من المتفوقين في نهاية دراسته الجامعية. ويضيف: «إن إقبال الشباب الإماراتي على دراسة العلوم كالفيزياء وغيرها ضعيف، ولكن المشكلة ليست كامنة في الشباب، فأنا قابلت الكثير منهم، ممن…

مأسسة عمل الخير

الإثنين ٠٦ فبراير ٢٠١٧

عمل الخير في الإمارات قديم قِدمَ هذه الأرض، وهو مغروس في نفوس أبناء الإمارات المفطورين على حب الخير، والعمل على نشره، وجعله أسلوب حياة وليس فعلاً عارضاً. لذلك فحين دعا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، إلى ترسيخ ثقافة الخير في الإمارات، واعتبر ذلك مسؤولية مشتركة، فهو إنما كان ينطلق من هذا الواقع، سعياً لبناء استراتيجية طويلة الأمد لمأسسة عمل الخير. الخيّرون في هذا الوطن كثيرون، يمتد تاريخهم إلى مئات السنين، قبل أن تعرف هذه الأرض النفط الذي يظن البعض أنه مصدر الخير الوحيد فيها؛ فقبل أكثر من مئة عام على سبيل المثال، عندما لم تكن هناك مدارس ولا تعليم نظامي، تصدى أحد أبناء هذه الأرض، هو الشيخ أحمد بن دلموك، لإنشاء أول مدرسة شبه نظامية في دبي، وكان ذلك عام 1912، لكنه توفي قبل أن يكتمل بناؤها، فتولى ابنه محمد إتمام البناء، وأطلق عليها اسم «المدرسة الأحمدية» تيمناً باسم والده، واستقطب لها خيرة العلماء والفقهاء من منطقتي الإحساء والزبير لتدريس علوم الدين واللغة العربية، لتصبح بذلك أول مدرسة أهلية شبه نظامية تُنشأ في الإمارات، فغدت مركز إشعاع حضارياً وتنويراً علمياً، تلقى تعليمه فيها جيل من الرعيل الأول، على رأسهم المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ راشد بن سعيد آل…

التأثير الإيجابي لنموذج الإمارات

الإثنين ٣٠ يناير ٢٠١٧

«كان واحداً من أكثر الآثار التي تركتها إقامتي في الإمارات تحسن مفهومي للدين والتسامح الديني، إذ أصبح الدين بالنسبة لي شأناً خاصاً أكثر منه تعبيراً عاماً، الأمر الذي جعلني أشعر براحة أكبر». كانت هذه واحدة من الشهادات التي قالها الباحث الهندي الدكتور «جناردين» في ورقته التي قدمها خلال المؤتمر السنوي الثالث الذي نظمته «ندوة الثقافة والعلوم في دبي» عام 2013، تحت عنوان «الإمارات في عيون الجاليات»، وتناول فيها التأثير الإيجابي لنموذج الإمارات على الأجيال الآسيوية الجديدة وغيرها، من خلال تحويلهم إلى مواطنين عالميين، قادرين على استيعاب مختلف أنواع الثقافات، وقدم نفسه مثالاً للتغيير الذي أحدثته الإمارات فيه، بعد 13 عاماً من العيش فيها، قائلاً: «يقولون إن الوطن حيث القلب، لكنني أقول، من خلال واقع عملي، إن الوطن حيث العمل». هذه نظرة مواطن هندي قدم بلده، ولا يزال يقدم، للعالم كله «دروساً عميقة في التعايش والتسامح» كما وصفه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو يحل ضيفاً رئيساً على الهند في احتفالاتها بيوم الجمهورية. فرغم الفارق الكبير في عدد السكان والمساحة، بين دولة الإمارات والجمهورية الهندية، إلا أن حجم الدول لا يقاس بالمساحة وعدد السكان، وإنما بالتأثير الذي تحدثه على القيم التي يؤمن بها البشر. وهذا هو ما فعلته وتفعله دولة…

حدث في مثل هذه الأيام

الإثنين ٢٣ يناير ٢٠١٧

«موجة الاحتجاجات التونسية مستمرة». بدا لي من عنوان الخبر أن تاريخه قديم، يعود إلى النصف الثاني من شهر ديسمبر 2010، أو النصف الأول من شهر يناير 2011، لكن التاريخ المدون في الصفحة التي كنت أقرأ منها الخبر على موقع «البيان» الإلكتروني يقول إنه 16 يناير 2017! عادت بي الذاكرة ست سنوات إلى الوراء، عندما كنا نتابع أحداثاً كانت تقع في تونس في مثل هذا التاريخ، حسبناها في البداية عادية، لكنها أخذت بعد حين بعداً دراماتيكياً أشبه بما يحدث في أفلام الخيال منها إلى الواقع. بدأت الأحداث يوم الجمعة 17 ديسمبر 2010 بإقدام بائع خضار شاب على إحراق نفسه أمام مقر المجلس المحلي في مدينة «سيدي بوزيد» احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية للعربة التي كان يبيع عليها الخضار والفاكهة، ورفضها قبول شكوى أراد تقديمها بحق الشرطية التي قال إنها صفعته وصادرت عربته، وانتهت بتنحي الرئيس زين العابدين بن علي عن السلطة والهروب من البلاد خلسة يوم الجمعة 14 يناير 2011، بعد تحول المظاهرات التي اندلعت بعد إحراق محمد البوعزيزي لنفسه إلى انتفاضة شعبية، شملت مدناً عدة في تونس، وأدت إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى بين المتظاهرين، نتيجة تصادمهم مع قوات الأمن، خاصة بعد وفاة البوعزيزي يوم 14 يناير نتيجة الحروق. كيف تطورت تلك الأحداث على هذا النحو، وكيف سقط بن…

ربح الأخيار وخسر الأشرار

الإثنين ١٦ يناير ٢٠١٧

ذهب الرجال الأوفياء الأخيار إلى بارئهم، ورجعت نفوسهم المطمئنة إلى ربها راضية مرضية، لتدخل في عباده وتدخل جنته، وخاب الخونة الأشرار ذوو النفوس الشريرة، التي تكره الحياة والخير والنماء، وتنشر الموت والشر والخراب. ذهبت نخبة من أبناء الإمارات الأخيار، ليزرعوا بذور الخير في أرض أفغانستان المجدبة، التي تعاني من الفقر والجهل والتخلف، بعد أن نشرت فيها قوى العنف والإرهاب، الخراب، فكانت في انتظارهم أيادي الغدر، التي استطاعت أن تنال من أجسادهم التي نذروها لنشر الخير والنماء، لكنها لم تستطع أن تنال من أرواحهم المحلقة دائماً في سماء الطهر والنقاء، تلك التي لا يعرفها الأشرار، ولا يستحقون أن يستظلوا بها. وأيّاً كان أولئك الذين أقدموا على هذه الفعلة الخسيسة والجريمة البشعة، فاغتالوا رجالاً ذهبوا لغرس بذور الخير في تلك الأرض التي عصفت بها الصراعات، وأيّاً كانت جنسياتهم وطوائفهم وانتماءاتهم، فهم ليسوا أكثر من جبناء، دفعتهم الخسة والنذالة للإقدام على فعل جبان. لم يستطيعوا مواجهة الخير بخير مثله، فكان الغدر هو وسيلتهم للتعبير عما في نفوسهم من شر. الإمارات العربية المتحدة دولة قامت على الحب، وسعت منذ قيامها إلى نشر الخير في كل بقعة من الأرض، فجاب أبناؤها أنحاء المعمورة من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، يبحثون عن الجائعين والمحتاجين، وضحايا الكوارث والمجاعات والحروب والنزاعات، كي يلبوا حاجاتهم، ويداووا جريحهم،…

من يقيم حدود الله في الأرض؟

الإثنين ٠٩ يناير ٢٠١٧

«لقد قتلته تنفيذاً لشرع الله، ولكي أقيم حدود الله في الأرض»، هكذا أجاب عادل أبو النور سليمان، قاتل المواطن المصري القبطي يوسف لمعي، الذي باغت ضحيته بضربة سيف في رقبته، أردته قتيلاً في الحال، وفر هارباً، في واحدة من أبشع الجرائم، التي شهدتها مدينة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية الأسبوع الماضي. القاتل، الذي أقدم على نحر ضحيته أمام محله في الشارع، على مرأى ومسمع من ابني القتيل اللذين كان داخل المحل، يعمل بائع حلويات بموقف فيكتوريا للميكروباص، وشهرته «الشيخ عادل عسلية»، أمي لا يجيد القراءة والكتابة، ويعتنق بعض الأفكار التكفيرية. وقد قال في التحقيقات، التي أجريت معه بعد إلقاء القبض عليه، إنه استند في عملية القتل إلى فتاوى عدد من الشيوخ، الذين يشاهدهم باستمرار في الفضائيات، ويؤكدون دائماً إباحة دماء المسيحيين، ودماء من يبيعون الخمور والمسكرات، باعتبار أن القتيل مسيحي يملك محلاً تباع فيه الخمور. وأضاف أنه ما زال مصراً على رأيه، ومقتنعاً وفخوراً بما فعله، ولو لم تنجح محاولته تلك لكررها مرة أخرى، مؤكداً أنه لا يجيد القراءة والكتابة، وأنه يستمد ثقافته الدينية من شيوخ الفضائيات، التي يتابعها باستمرار. وعندما سأله المحقق: ولماذا تصدق هؤلاء الشيوخ؟ أجاب قائلاً: «لأن ما يقولونه مصدق، ولا يمكن تكذيبه». جريمة جديدة تفتح ملفات قديمة، وتثير أسئلة عديدة حول من المنوط به تنفيذ شرع الله،…

ماذا يفعل هذا السفاح في حلب؟

الإثنين ٢٦ ديسمبر ٢٠١٦

بلحيته البيضاء، وعصابة رأسه السوداء، وقلبه الممتلئ حقداً، شاهد العالم صوره وهو يتجول بين أنقاض المدينة الحزينة، ويمر من أمام قلعتها الشهيرة. في عينيه نشوة الغازي المنتصر، وفي ابتسامته شماتة العدو غير المستتر، وعلى وجهه سمات الكذاب الأشر. إنه قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وإنها حلب الشهباء العربية الحزينة، لكنها غير المنكسرة، لأن المدن العظيمة قد تحزن عندما تحل بها الكارثة، لكنها أبداً لا تنكسر. كيف وصل هذا السفاح الإيراني إلى هذه المدينة العربية العريقة؟ من فتح له الطريق إليها؟ من سمح له بأن تطأ قدماه ترابها؟ كيف هانت الأرض على أهلها فأتاحوا للغرباء أن ينتهكوا حرمتها؟ كيف سمحوا لهم أن يلوثوا هواءها؟ إنها ورب الكعبة لمأساة كبرى، وإن من سمح بحدوثها لمسؤول عنها ومحاسب إلى يوم الدين. مثل الطاووس كان يتجول بين أنقاض المدينة المنكوبة وحول قلعتها، يكاد يرتفع عن الأرض من الغرور، وأمامه كان يمشي قائد عمليات قوات النظام بالمنطقة، كأني به يصطحبه في جولة سياحية، وحولهما ينتشر الدمار والخراب في كل مكان، لأن الغزاة لا يعمّرون الأوطان، وهم لا يحترمون من يخون وطنه مهما قدم لهم من فروض الولاء والطاعة والإذعان. من أدخل هذا السفاح أقدم مدن العالم؟ من مهد له الطريق كي ينتهك حرمتها؟ من مكنه من تلويث هوائها؟ ألم يعلموا أن المدن العظيمة محرمة…