الأحد ١٠ يوليو ٢٠١١
لم يحسم تعريف السجن بعد، ما زالت هذه المفردة المخيفة تحمل في طياتها الكثير، يمكن لـعالم اللغة العربية أن يغرف منها ما يشاء، شرط أن يغوص في علوم النفس البشرية والاجتماع والسياسة، ولا يكتفي بفهم الحروف، وشرط أن يتقن معنى الكرامة والعزة والعجز المطلق عن الصمت في وجه الظلم، مخطئ من يتوهم السجون جدرانا وأغلالا وأسوارا كبيرة وظلاما دامسا، فـهذا الكائن التاريخي له قلب وروح وعين ترى، وله صوت يملأ الدنيا ضجيجا رغم السكون الشديد الذي يخيم عليه، وحده يملك القدرة الخارقة على بعث ما يموت في نفوس البشر، إنه الوحيد الذي يختصر المسافات الطويلة، وهو يفعل ذلك دائما وأبدا بلا كلل!. مع أول لحظة استبداد بشرية انبثقت فكرة السجن، يوم كان الإنسان الأول عاجزا عن فهم أخيه الإنسان، ومع لحظة العجز الأولى عن إدارة الشأن البشري بحضارية واقتدار وُلِد السجن الأول في التاريخ، تم تدجين الفكرة وأنسنـتها لاحقا عبر تنظيم عملية الدخول والخروج ومدد البقاء وأحكامها وأسبابها، لكنها انحازت دائما لعدم القدرة على الحوار والتفاهم وقبول الآخر والاحتكام للعقل والمنطق، كانت ملجأ العاجزين والمستبدين والواهمين الغارقين في أحلام السلطة المطلقة، أولئك الذين لا قدرة لهم ولا طاقة على رؤية الآخر، تستفزهم الكلمة المخالفة وإن تأدبت وتأنقت وحامت حول الحمى، من قال إن الإنسان الأول كائن تاريخي!. قائمة السجناء النبلاء…
الأحد ٢٦ يونيو ٢٠١١
ليس مصادفة أبداً ما ورد في خطاب رجب طيب أردوغان بعد نجاح حزبه في الانتخابات التركية، فحين يحدد الزعيم التركي البارز أسماء المدن التي يجب أن تفرح بنجاحه (غزة ودمشق وبيروت وسراييفو...إلخ)، إنما يحدد للعالم الحيز الاستراتيجي الجديد لبلاده، هذا هو الفضاء التركي للجمهورية المسلمة التي يتنامى نفوذها يوما بعد يوم على الساحة الدولية والإقليمية، يقول أردوغان وتركيا للعالم لسنا بوابة العبور بين الشرق والغرب فحسب، نحن أيضا الشرطي الذي يقف على هذه البوابة، ولا يمر شيء دون إذنه وموافقته ومطابقته للشروط التي يضعها، وبعد أن أدى مشوار الانضمام للاتحاد الأوروبي كل أغراضه الداخلية، يقول أردوغان للعالم بشكل غير مباشر، لا نريد أن نكون عضواً في اتحاد العجزة الأوروبيين، فتركيا أكبر من قيود هذه العضوية وأكثر شبابا وحيوية من ذلك! كان الدكتور عبدالله النفيسي يقول في لقاء تلفزيوني سابق معه: شعوب هذه المنطقة ترحب بالعلاقة مع تركيا وترحب بدور أكبر لها في العالم العربي، ومن الواضح أن رأي الدكتور النفيسي يلتقي مع آراء أخرى لكثير من أبناء المنطقة، فقد لاحظنا الترحيب الشعبي الحار والفرحة العارمة بفوز العدالة والتنمية في تركيا، وهناك وجاهة في الترحيب بعلاقة أكبر مع تركيا مقابل النفوذ الإيراني الذي يُحاصَر يوما بعد يوم، تركيا بلد تطورت ديمقراطيته بشكل لافت في السنوات الأخيرة، وشكلت مواقف زعيمه أردوغان رافعة…
الأحد ١٩ يونيو ٢٠١١
في تقديري أن التصريحات المتعلقة برغبة بعض دول مجلس التعاون في ضم الأردن والمغرب هي الأغرب في تاريخ هذه المنظومة السياسية، بل الأغرب في تاريخ المنظومات الوحدوية في التاريخ الحديث، لا من حيث جدية الدعوة وحسب، بل جدواها وتوقيتها وشذوذها الذي دفع الشباب في الخليج والأردن والمغرب للسخرية منها بشكل لاذع وغير مسبوق. ستكون الدعوة علامة بارزة في تاريخ هذه المنظومة، وسيظل أبناء هذه المنطقة يتذكرونها طويلا كواحدة من الملامح والسمات الرئيسية لطريقة تفكير القائمين على مجلس التعاون وحساسيتهم! كان واضحا جدا أن الحاجة لضم البلدين وتقريبهما بأي شكل من الأشكال هي حاجة «سلطوية» وأمنية بحتة، لا يوجد أي مبرر يجعلك تقفز سبعة آلاف كيلومتر وتنتقي المغرب ليكون شريكا لك في مجلس التعاون الخليجي، لا يوجد ما يمكّن من إقناع الجمهور بتجاوزك لليمن والعراق سوى الحاجة لأنظمة مماثلة والادعاء بأن الملكيات هي الأبقى والأعصى على التغيير، وقد فشل هذا فشلا ذريعا ومضحكا بالوقت نفسه، فالمغرب الذي تفاجأ بهذه الدعوة عبر عن شكره وتقديره واعتذاره الضمني عن عدم قبولها، لأنه أدرك ودون لبس التبعات السلبية لقبولها في هذا التوقيت، وشكّل الاعتذار المهذب صدمة لكل من سوّلت له نفسه أنّ عروض الأغنياء لا ترد ولا ترفض، الدول التي تسعى للاستقرار الحقيقي والنهضة الحقيقية ترفض عرضا كهذا، فهي تدرك أن الشعوب التي لم…
الأحد ١٢ يونيو ٢٠١١
ما يجري في سوريا خطير للغاية، ليس من باب القمع الاستثنائي وغير المسبوق من قبل النظام السوري وحسب، بل من باب تفاعل المحيط العربي والإقليمي مع الأحداث، ومؤخرا تصاعدت اللهجة التركية في تعليقها على استخدام نظام بشار الأسد العنف بشكل غير مقبول، ولوحت بالتدخل عسكريا إذا لزم الأمر، فرنسا والولايات المتحدة الأميركية تجد الفرصة مواتية للانقضاض على النظام العربي الوحيد المتحالف مع إيران إذا ما استثنينا العراق الواقع تحت السيطرة الأميركية والإيرانية بالتساوي، والبعض منا لا يرى مشكلة في تدخل تركيا وحسمها الموقف لصالح المحتجين السوريين، وهذا ما يثير القلق ويستحق النقاش. من حيث المبدأ لا مشكلة في موقف دولي وإقليمي يندد بجرائم النظام السوري، بل إن السكوت عن هذه الفظاعات يمثل جريمة بحد ذاته، لكن أن تصل الأمور إلى استدعاء هذا التدخل والرهان عليه ومنحه الشرعية مسبقا فهذا يشكل مصدر القلق في هذه القضية، وعلينا أن نتذكر دائما ما جرى في العراق ونطرح الأسئلة التالية: لماذا لم ينجح عراق ما بعد صدام حتى اليوم؟ ولا تظهر حتى اللحظة أية بوادر جدية لخروجه من هذه الدوامة التي دخلها في عام 2003، لم يحدث ذلك رغم عدة انتخابات مارسها العراقيون في أعوام قليلة، ورغم عشرات الأحزاب السياسية التي ظهرت بعد أن كان حزب البعث يحكم البلاد منفردا؟ صحيح أن الغزو والاحتلال…
الأحد ٢٩ مايو ٢٠١١
مذعوراً استيقظ صباح السابع عشر من فبراير، تتردد من حوله أصوات يسمعها للمرة الأولى في حياته، وترقص وجوه لم يألف رؤيتها طوال سني حكمه الأربعين!، ماذا يحدث؟ وكما المصدوم راح يفرك عينيه ويتلمس وجهه للتأكد من يقظته، لكن لا شيء يتغير!، حلّ المساء وما زالت الأصوات والوجوه ذاتها تحوم فوق رأسه الأشعث، حاول أن يرتدي أقرب خارطة لجسده المتهالك ويبتدع مشهدا كوميديا كعادته، لكن الحيلة لم تنفع، إنها المرة الأولى التي يبدو فيها القذافي سمجا ثقيل الظل، صُدم الرجل وصرخ بأعلى صوته: من أنتم!؟ كررها عدة مرات لكن لا أحد يجيب!، كل من حوله لا يعرفون شيئا، لا أحد يعرف هؤلاء ومن أين خرجوا، ناموا ليلة أمس بعد أن تأكدوا من إغلاق الوطن جيدا، واستيقظوا في الصباح على ثورة! يمكن لهواة التصنيف أن يضعوا صرخة القذافي «من أنتم» كأهم عبارة تطلق في القرن الحادي والعشرين، فقد كان العقيد الليبي صوت الاستبداد العربي في هذا التساؤل، الكل استيقظ صباحا وهو يردد: من أنتم؟، لا يعرف الحاكم العربي من أمر شعبه شيئا، لا قدرة لديه على التنبؤ بما يريدون، آلاف السنوات الضوئية تفصل بين القصور الرئاسية العربية ومحيطها، وحدهم أصحاب الكروش المتدلية يدخلون هذه القصور ويخرجون منها، وهؤلاء ليسوا سوى طبول فارغة لا تحمل في داخلها أي مضمون، لكنها طبول لئيمة وخبيثة…
الأحد ١٤ مارس ٢٠١٠
هل من اللائق أن نتوجه برسالة مباشرة إلى الرئيس اليمني وعبر الإعلام؟ نعم، وأظنها مسألة بالغة الأهمية وشديدة التأثير على مصير الشعب اليمني. وحده الرئيس علي عبدالله صالح يملك جواباً لها، ووحده يملك الحل، هذا بكل أسف حال اليمن اليوم، ويا له من حال!! الأخ الرئيس، لم أنزعج كصحافي في الجزيرة من إغلاقك وتضييقك على مكتب القناة في صنعاء، فالجزيرة ستعمل بالمكتب ومن دونه، وهذا لم يكن الإجراء الأول في حق الجزيرة ولن يكون الأخير، سيفعل ذلك بعدك كثيرون إذا ضاقت بهم السبل، وأنت يا سيادة الرئيس ضاقت بك السبل، ولم تعد تعرف ماذا يجب فعله بالضبط، وأين، وفي أي اتجاه؟! السيد الرئيس: أن تقول الجزيرة إن هناك حراكا في الجنوب، ومعارضة حقيقية في صنعاء، وتمردا صعبا في صعدة، فتلك ليست المشكلة، ليست القضية الرئيسية أن تقول الجزيرة ذلك، المشكلة الكبرى أن كل ذلك موجود وبسبب إدارتك للبلد، سواء نقلته الجزيرة أو لم تنقله. المصيبة أن البلد تتفتت وحدته يوما بعد يوم، والنظام يتوهم شيئا غير ذلك. الكارثة في أن البلد بات مرتعا للمشاريع الخارجية والتدخلات من كل جهة، والنظام يتعامل مع ذلك وفق قواعد لعبة البقاء (بقاء النظام وليس البلد). مشكلتك يا فخامة الرئيس ليست مع الإعلام، المشكلة في السياسة! أما الآن فسأتحدث معك يا سيدي الرئيس كمواطن خليجي…
الأحد ٠٧ مارس ٢٠١٠
في مطلع القرن العشرين، أطلق الشريف الحسين بن علي شرارة مشروع عربي لم يكتب له أن يكتمل، فالثورة العربية الكبرى وإن مثلت أحلام العروبيين في العراق وبلاد الشام متحدة مع طموحات الأشراف في الحجاز، إلا أنها جاءت في سياق صراع القوى الاستعمارية على رسم ملامح المنطقة، وذلك إثر ضعف وأفول الدولة العثمانية وبروز القوى الأوروبية وتنازعها على السيطرة والنفوذ في المنطقة العربية لتقاسم الإرث العثماني فيما بينها، لذا انطفأت أضواء الثورة العربية، لكن الأحلام الوحدوية العربية لم تنطفئ أبدا، وكانت الدولة السعودية أول وأقوى مشروع وحدوي في مطلع القرن الماضي، واستطاع الملك عبدالعزيز أن ينشئ المملكة العربية بالقوة على أجزاء واسعة من جزيرة العرب، ولا يوجد عمل وحدوي في التاريخ إلا عبر القوة، فالأمنيات وحدها لا تبني أوطانا كبرى (الجمهورية العربية المتحدة مثالا)، وبعد تمكن الاستعمار من منطقتنا بدا من الصعوبة بمكان إنجاز مشاريع وحدوية كبرى، فتغلغلت القُطرية وتكرست بشكل كبير، وأصبحت الأوطان والهويات الاصطناعية حتمية ونهائية عند كثير منا، وأصبح الفرنسي «جورج بيكو» والإنجليزي «مارك سايكس» جزءا من شجرة عائلة العربي ونسبه! واليوم، وبعد أن أسدل الستار على قرن عربي من الخيبات والفشل، سواء على صعيد الدولة الوطنية أو المشاريع الوحدوية، يبدو الحديث عن أي مشروع وحدوي نوعا من اليوتوبيا التي لا مكان لها على أرض الواقع، وهذا غير…
الأحد ٢٨ فبراير ٢٠١٠
نعم, يحدث أحيانا أن اليد الواحدة تصفق, شاهدنا في الدوحة بحر الأسبوع الماضي أمرا كهذا, كان الفرقاء السودانيون يوقعون اتفاق صلحهم, وكانت يدٌ تستحثهم على ذلك وتحييهم عليه, وخلف الشاشات كانت أيادٍ كثيرة ترتفع وتلوِّح, تحيةً لليد البيضاء والرجال والإنجاز, فالمشهد سرّب للنفوس اليائسة والمحبطة شيئا من الأمل, كانت رسالة مفادها, لا تخلو الساحة العربية من قامات نبيلة, حتى في الزمن الرديء! إن قطر تلعب دورا أكبر من حجمها, هكذا تحدث مرجفون, ما ذنبها إن كان (الكبار) اختاروا الدوْر الأصغر!, كلٌّ يختار لنفسه الحجم الذي يناسبه, والأيادي «الكبرى» الخفية وإن حاولت التخريب في الظلام, فإن اليد البيضاء كانت هي اليد الطولى, لا لشيء سوى أنها بيضاء نقية, يد تجيِّر السلطان والمال والنفوذ للأمة ونفعها. ليس هذا نصرة لأحد على أحد, أو هبّة لفريق على حساب الفريق الآخر, فالإنسان في عصر التراجع العربي يتوق لعمل سياسي ناجح, خاصة حين تكون الأوضاع على شفا حفرة من الانهيار والتفكك في بلد عربي كبير كالسودان, وقد أثبت النشاط السياسي في قطر نجاحه غير مرة, وتفرده واختلافه مرات عدة, في المصالحة اللبنانية حين كانت الأزمة اللبنانية والإقليمية على أشدها, في الموقف من حرب إسرائيل على غزة ولبنان حين لم يكن أحد هناك, وفي أشياء أخرى ليس المجال لسردها, وهذا ما يستوجب الشكر والامتنان, والتذكير بالأدوار…
الأحد ٢١ فبراير ٢٠١٠
أقبل كغيري من الناس وجود السوء والبذاءات في هذا العالم، وأعلم أنها تزدهر في أيامنا كما لم تزدهر من قبل. فالمحاصيل الرديئة تحظى بحضور ورعاية استثنائية في هذا العصر، ويكفيك أن رجلا مثل جورج بوش حكم العالم ثمانية أعوام متتالية ثم عاد إلى مزرعته، ذهب إلى تكساس وليس إلى جهنم، كما يكفي أن يعيش الإنسان في عالم عربي، جنبا إلى جنب مع السلطة الوطنية الفلسطينية في (دولة رام الله العظمى) حيث يضيق المسؤولون بملابسهم فيخلعونها في بيوت الغير، وحيث سمير جعجع قائدٌ ورمز سياسي كبير في لبنان، وحيث تكون مواطنا صالحا من أهل الخليج!.. فليس خيرٌ من أوطان بلا ذاكرة! تستطيع أن تفهم أي شيء في الدنيا، إلا التصفيق الذي حظيت به هيلاري كلينتون في الدوحة وجدّة. لا تفهم بالضبط لماذا يصفق الحاضرون - وبحرارة- لوزيرة الخارجية الأميركية؟ صحيح أن أحدا لم يطلب منهم قذفها بطبق أو حذاء، أو حتى استهجان وجودها، لكن لا شيء يبرر هذا التصفيق الحار لوزيرة خارجية بلد له المساهمة الكبرى بمعظم كوارثنا، لو كانت "ذاكرة ما" حاضرة لصرخت في وجه الحاضرين وفي وعيهم (إن كان ثمة وعي)، هذه المرأة قصف زوجها السودان والعراق من قبل، وقتل منهم الكثير، وهي الآن هنا -وبعد أن قتلت الناس في العراق وأفغانستان- جاءت لتقول لنا: تعالوا لنقتل الراديكاليين الإيرانيين…