عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

أن تتصرف بكامل إنسانيتك

الأربعاء ١٧ يوليو ٢٠١٩

قرأت في كتاب بعنوان «مميز بالأصفر» هذه الكلمات: «الإنسان يعبر الحياة مرة واحدة، لذا، إذا كان هناك أي خير تستطيع فعله، أو أي إحسان تستطيع تقديمه لأي مخلوق، فلتفعله الآن إذن، لأنك لن تمر من هذا الطريق مرة أخرى». كثيراً ما تصادفنا مثل هذه العبارات، قد نقرؤها على عجل، وقد نقلب الصفحة دون اهتمام ونمضي، في الحقيقة بعض هذه الكلمات تلخص تجربة شديدة الكثافة في حياة قائلها! ذات يوم كنت أمرُّ بقرية من قرى الريف النمساوي، خطف بصري منظر القرية، فأوقفت سيارتي على جانب الطريق، وضعت عملة معدنية في عداد الموقف، وهممت بمغادرة المكان والسير صوب القرية، فإذا بامرأة تقف بسيارتها قريباً منِّي، حين أرادت أن تضع عملة في العداد لم تجد في حقيبتها أي عملة، وقفت حائرة، مشيت باتجاهها ووضعت لها العملة ثم ناولتها البطاقة، ابتسمت بامتنان وأنا مضيت في طريقي سعيدة بما فعلت، بعد عام واحد كنت أرتجف خوفاً وقد ضللت طريقي وسط غابة جبلية في ذهابي إلى مدينة «غشتاد» السويسرية، أظلمت الدنيا وأنا بصحبة والدتي وابن أخي طفل صغير بصحبتنا، بدا لي أن دعاء والدتي وخوفي عليها وعلى الصغير سيضع «عملة معدنية» في عداد ما لتنفرج الحالة، وقد كانت رحمة الله أقرب بشكل لم أتصوره! بعد ذلك بسنوات، قرأت في الكتاب نفسه «مميز بالأصفر» هذه العبارة: «ضع…

الفتاة التي تأخذك إلى الغابة!

السبت ١٣ يوليو ٢٠١٩

شغفت منذ عدة أيام فقط بمتابعة مقاطع فيديو للمدونة الصينية الشهيرة لي زيكي، التي تحظى بنسب متابعة ومتابعين تصل إلى ما يفوق 6 ملايين مشاهد تقريباً للفيديو الواحد، هي لا تقدم دروساً في أساليب وضع الماكياج، كما أنها لا تتنطع بالتفاهات حول حياتها الشخصية ومقتنياتها من الحقائب والأحذية الفاخرة، وهي لا تنتقل من المكان الذي تعيش فيه، لا تسافر ولا تتجول في الأسواق والمطاعم، لا تدخلنا غرفة نومها ولا تفتح أمامنا خزانة ثيابها، ولا تهمس لنا بأسرار العلاقات الزوجية، هي لا تتحدث إلا بأقل القليل من العبارات، لكن حركتها لا تهدأ أبداً منذ بدايات الصباح الباكر، تتحرك كفراشة وتتنقل ضمن تفاصيل طبيعة لا تكتفي بإبهارك فقط، لكنها تجعلك لا تحلم إلا بالعيش والذهاب إلى حيث تعيش (لي زيكي)! إنها فتاة تعيش في أعماق جبال (سيشوان) الصينية. على عكس المشاهير الآخرين عبر الإنترنت، وعلى الرغم من شهرتها إلا أن البساطة التي تظهر بها تعيد إلى الأذهان ثياب وتقاليد حضارة الهان التقليدية، كل ما فعلته الفتاة أنها استخدمت الطرق والأدوات الصينية الأكثر تقليدية من وجهة نظر غاية في التفرد، نوعية حياة وأسلوب عيش وأطباق طعام تقليدية شكلت للجميع تجربة اطلاع ومشاركة لم يعتادوها سابقاً. لم تعش طفولة سعيدة مثل معظم الأطفال. عندما كانت صغيرة انفصل والداها، ثم توفي والدها مبكرًا. ما جعلها…

المتنمّرون الصغار.. ما الحل؟

الأربعاء ٢٦ يونيو ٢٠١٩

فتحت حادثة تعنيف مجموعة من الطلاب لزميل لهم في حافلة مدرسية، الحوار مجدداً حول ظاهرة التنمّر في أوساط طلاب المدارس وغياب التربية السلوكية وأخطاء دمج الطلاب الكبار مع صغار السن.. الخ. تشير الحادثة باختصار إلى تعرّض تلميذ صغير للضرب والتعنيف الجسدي واللفظي من قِبل تلاميذ كانوا معه على متن الحافلة، ودون أي تدخل من أي طرف آخر لمصلحة فضّ الاعتداء، وهنا نحن أمام مسألة الاعتياد على ممارسة خاطئة، وتقبل حدوثها أمام أعين تلاميذ يفترض بنا أن نربِّيهم قبل أن نعلمهم، فعلى أي سلوك نربيهم يا ترى! الغريب أن نقاشاً عامّاً فُتح على أحد المواقع حول الحادثة، قال فيه كثيرون ممن شاركوا فيه، إن ما حدث يبدو لهم أمراً عادياً لا يستدعي كل هذه الضجة؛ لأن السلوك العنيف من وجهة نظرهم يشكّل نمط العلاقات بين الذكور في كل العالم، بينما رأى آخرون أنهم عندما كانوا في العمر نفسه تعرضوا هم أيضاً للتصرفات المتنمّرة نفسها، الضرب والتهكم والسخرية والأذى اللفظي وغير ذلك، وأن الأمور مرّت بسلام! «إن أشنع ما في الأمر هو أنّ الفظاعات أصبحت لا تهزُّ نُفوسنا، هذا التعوّد على الشّر هو ما ينبغي أن نحزن له»، كما يقول الأديب دستويفسكي. لذلك فلا أحد يمكنه أن يتفق مع رأي كهذا، حتى إن كان أصحابه يتكلمون من خبرة واقعية، فالتنمّر ظاهرة سلوكية…

إلى متى؟

السبت ٢٢ يونيو ٢٠١٩

إليكم هذا المشهد: فتاة مواطنة، تجلس وحيدة في أحد المقاهي، أخرجت من حقيبتها كتاباً صغيراً، يبدو واضحاً من صورة الغلاف أنه رواية، وضعته أمامها، ثم أخذت تنظر في شاشة هاتفها بنفاد صبر، وتلتفت باتجاه معيَّن كمَن ينتظر أحداً! لا أحد يأتي، ووحده النادل يهرع إليها يسألها ماذا تطلب؟ تسأله فنجان قهوة وزجاجة مياه باردة، و«أي جريدة إذا ممكن» يأتي بالجريدة سريعاً، ثم يغيب قليلاً ليعود حاملاً صينية صغيرة تحوي فنجاناً فارغاً وركوة قهوة وزجاجة مياه باردة، رنّ الهاتف، وبعد صباح النور، وأنا بخير، قالت بملل ظاهر، لا لست في العمل، أنا في المقهى القريب، لا شيء أفعله هناك، ليس مطلوباً أن أفعل شيئاً أكثر من التوقيع بالحضور ثم بالانصراف في نهاية اليوم، ثم أنهت المكالمة بـ«خليها على الله.. ما في فايدة من الكلام»! هذا المشهد ليس جديداً عليكم، رأيتموه وسمعتم عنه بلا شك، حدَّثكم عن معاناته بعض أصدقائكم، وربما كنتم أنتم أنفسكم أحد أبطاله ذات يوم، والسؤال: من هو الشخص أو الجهة التي تقف وراء هذا العقاب؟ نعم، إنه نوع من أبشع العقوبات التي قد يتعرّض لها موظف صاحب موقف، أو رأي، أو موهبة، أو لا يجيد فنون التزلف ومنافقة المدير ومن حوله، أو ذلك الذي يلفت النظر للتجاوزات، أو.... وما أكثر ما يمكن أن يندرج تحت هذه الـ«أو»! من…

فرجان زمان!

الأربعاء ١٩ يونيو ٢٠١٩

«الفريج» هو مؤلَّف قيِّم وضعه المستشار إبراهيم بوملحه، دوَّن فيه جزءاً مهماً من ذاكرته وذكرياته التي ترتبط كما سمّاها بأيام «الزمن الجميل»، الكتاب لا يتحدث بالتفصيل سوى عن حيّ واحد فقط من بين أحياء عديدة في ديرة أو دبي وهو حي أو فريج «سكة الخيل»، باعتبار أنه الحي الذي وُلد ونشأ فيه المؤلِّف، وفيه قضى سنوات من طفولته المبكرة، وهو كما يقول ماثل وثابت في ذاكرته بمعالمه وبيوته ودكاكينه وسكيكه رغم مضيّ الأيام والسنين، وهو على أية حال نموذج لما كانت عليه أحياء دبي في تلك الفترة. إن كتاب «الفريج» الصادر عام 2017، عن دار مداد للنشر في دبي، وإن لم يعرج صاحبه على ذكر بقية الأحياء بالتفصيل، والتي وجدت إلى جانب «سكة الخيل» مثل فريج الراس، والضغاية، فريج عيال ناصر، والمرر.. إلخ، إلا أنه قدم توثيقاً جيداً لملامح الحي القديم، سماته وتقسيماته وما كان يمتاز به، وما يميز ساكنيه من حيث اهتماماتهم وعاداتهم واحتفالاتهم وتطور حياتهم. إن حي أو فريج «الراس» سُمي كذلك؛ لأنه يقع في أول مدينة ديرة، وفيه بُنيت أول مكتبة عامة في دبي عام 1960 ولا تزال قائمة حتى اليوم، لقد كان هذا الفريج -ولم يزل حتى اللحظة- يموج بالحياة والتجارة والبشر والبضائع والسفن و... إلخ، هذا الفريج الذي يطلّ على خور دبي، سكنته عائلات كبيرة،…

اقرؤوا

الخميس ١٣ يونيو ٢٠١٩

اقرؤوا الكثير من الكتب، وفي كل وقت ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً. القراءة ليست هواية، الهواية نشاط اختياري غير ملزم، غالباً ما يقع في المنطقة الثانوية من الوقت، نمارسه حين لا يكون لدينا عمل ضروري نقوم به، وعادة ما نكون أحراراً في استبدال أي شيء آخر به، وعليه فالقراءة بهذا المعنى ليست هواية، لأن آثارها علينا وحاجتنا إليها تتجاوز الثانوي والاختياري. القراءة تُكسبنا الكثير، تطورنا وتهذبنا، وتمنحنا مفاتيح معرفة ذواتنا والآخرين والعالم المحيط بنا، لذلك فنحن نتعلم لنقرأ، ونقرأ لنصير أفضل إنسانياً، وحين تصبح إنسانيتنا أفضل نصير أكثر استحقاقاً لمغزى وجودنا في الحياة، وتصير الحياة تجربة جديرة بالاحتفاء والعيش، «فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة»، هذا ما نعرفه أكثر حين نقرأ، هذا ما يقوله شاعر كدرويش، وهذا ما تقوله الكتب وكل دواوين الشعر الجميلة! اقرؤوا في كل لحظة، تجدوا أنفسكم غير منشغلين بالضرورات الحياتية، واقرؤوا حين تتراكم عليكم ضرورات الحياة، القراءة فعل إنقاذ، وحل متاح للخروج من عنق زجاجة الأزمات والضغوط كلها، ستفعلون ذلك حين تغيّرون زاوية الرؤية، حين تتعاملون مع الكتاب كعضو مكمل لأجسادكم، كاليد أو الرأس مثلاً، كالهواء أو الماء، كضرورة أساسية، وليس هواية لوقت الفراغ! إنكم تذهبون إلى أي مكان بصحبة هواتفكم، ساعة اليد ومحفظة النقود، لا بأس إن أضفتم تفصيلة مهمة أخرى: الكتاب، لن يكلفكم كثيراً،…

الحقيقة والتخييل!

الخميس ١٦ مايو ٢٠١٩

ما المشكلة في أن يضع روائي مبدع إطاراً لرواية يكون بطلها نجيب محفوظ مثلاً، باعتباره إنساناً كان يعاني مرضاً معيّناً، أو حالة نفسية جعلته عرضة للقلق الشديد، وربما دفعت به إلى أن يتردد على معالج نفسي مثلاً؟ أو يكون البطل عباس العقاد مثلاً، أو الرئيس الجزائري أحمد بن بله، وكل ذاك في سياق روائي تخيلي بحت (كما فعلت إنعام كجه جي في «النبيذة»). لأن كل هؤلاء في الحقيقة بشر عايشوا أوضاعاً حياتية اعتيادية كجميعنا وهم قابلون للنقد، كما أن الخطاب الذي قدموه لنا قابل للتفكيك، وحتى إذا لم يوضعوا في أطر تخيلية بحتة، فلا بأس من أن نراهم أبطالاً في أعمال أدبية أو فنية تسلط الضوء على الجانب الإنساني الاعتيادي فيهم، خاصة إذا كانوا قد دوّنوه في مذكرات أو حفظ في مقابلات مسجلة، أليس من حق الجماهير أن تتلصص على الجانب الخفي من حياة هؤلاء؟ هذا بالضبط ما فعله الروائي والطبيب النفسي الأمريكي أرفين يالوم، إذ قدّم للمكتبة حتى الآن ثلاثة أعمال روائية كل أبطالها فلاسفة كبار، هم: نيتشه، وشوبنهاور، واسبينوزا، بحيث وضع هؤلاء الفلاسفة في السياق الحياتي الاعتيادي بعيداً عن إبداعاتهم وأفكارهم ونظرياتهم التي شكلت علامات فارقة في الفكر الإنساني. هذا ما فعله مثلا مع نيتشه في رواية «عندما بكى نيتشه»، فقد قدّمه كرجل معتل في صحته يعاني عشرات…

اعتذار عايض القرني!

الجمعة ١٠ مايو ٢٠١٩

لأن إطفاء نار موقدة تُسَعَّرُ بإصرار في المنطقة عبر دهور ليس بالأمر اليسير، ولأن نزع فتيل مشتعل ومشعل للفتن والحروب منذ قرون أمر بالغ الصعوبة والحساسية، فإن خطاب التصدي للتطرف لن يتوقف على جميع المستويات، وعلينا أن نعيه جيداً، ونفهم أغراضه وغاياته ودورنا فيه، فمقولة «اليد الواحدة لا تصفق» صحيحة بل ودقيقة جداً، فهذا ليس شأن الحكومات ولا أصحاب القرار والعلماء الكبار وحدهم، إنه شأننا جميعاً، فكلنا متضرر، والجغرافيا العربية كلها مذبوحة من الوريد إلى الوريد بسبب هذا الخطاب المتطرف المستبد، منزوع القيم والحكمة! إن الاعتذار الذي تقدم به عايض القرني أحد أقطاب «تيار الصحوة» في السعودية، وقبله تراجع عدد من المشايخ، أو انسحابهم من المشهد العام، بعد أن ملؤوه دعوات أشعلت رؤس الشباب بالتعصب والتطرف ورغبة القتل والموت! إن هذا الاعتذار لم يأتِ من فراغ، وسواء اعتذر هو أو غيره بطيب خاطر أو نتيجة ظرف سياسي تعيشه المنطقة، فإن عليهم أن يفعلوا، وقد تأخروا كثيراً جداً، لأن الخراب قد وصل إلى نهايته، لقد تحطمت دول وتشتت شعوب، واتسع الخرق على الراتق وما عاد ترقيع الأمور أمراً وارداً! صحيح أن خطابهم ودروسهم وبرامجهم الفضائية ليست الضلع الوحيد في مربع المؤامرة، إلا أنه الضلع الحاد والمباشر وقريب الصلة بالشباب في الداخل والخارج، وقد آن الأوان أن يقال لهم اصمتوا، كفى فتناً…

المعلقون بأطراف قلوبهم!

الأربعاء ٠٨ مايو ٢٠١٩

لا يمكن لفروع الأدب المختلفة كالقصة القصيرة والمسرحية والشعر والمقال وغيرها أن تحيط بتفاصيل أي مدينة، أو أن تنقل يوميات الحياة فيها، وسِيَر الناس وأسرارهم وتقلبات معاشهم، وامتداد الإنسان وتجذره في التاريخ العام كما في سجلات العائلة والأسرة، لا يتصدى لهكذا مهمة وبجدارة إلا كتب التأريخ والروايات، وعلى وجه الخصوص الروائي المنتمي للمدينة، المتسلسل من أحداثها وتطوراتها وما شهدته وما عبر بها من أفراح وكوارث. وأيضاً الروائي الدارس لتحولات المدينة، المنقب في عروقها كعالم آثار، وما عروق المدينة سوى ذاكرتها، ومؤسسيها، وأوائل من حضر وسكن وبنى وشيد وزرع ووحّد وألّف بين القلوب، عروق المدينة هم ناسها الذين كانوا كبارها وكبراءها، مآثرها، مبانيها القديمة، حكمتها وحكماءها، لغتها، أمثلتها، وكل ما يمت بجذر لها. وعليه فإن الكتابة عن المدن كما كتب نجيب محفوظ عن القاهرة، وكذلك بهاء طاهر ويحيى حقي، ورضوى عاشور عن غرناطة، وعبدالرحمن منيف عن مدن الصحراء، وأمين معلوف عن بيروت، وإبراهيم عبدالمجيد عن الإسكندرية، وعلي المقري عن عدن.. وغيرهم، هؤلاء لو أنهم لم يملكوا طرف خيط البداية: الفهم والانتماء، لما أمكن لأي مدينة من المدن التي كتبوا عنها أن تتكئ عليهم، وتمنحهم أسرارها وتفتح لهم قلبها. إذا لم يكن الكاتب معلقاً من ياقة قميصه على مداخل المدينة كطفل معلق من أذنيه بين أصبعي أمه، فإن أي مدخل في المدينة…

في الطريق لشراء كتاب!

السبت ٠٤ مايو ٢٠١٩

يتوجب علينا ونحن نتحدث عن حكاية بيع الكتب وشرائها، ظاهرة العزوف عن القراءة، ضعف إقبال الجمهور على معرض الكتاب، الكلفة الباهظة لمشاركة الناشر أو تواجده في المعارض باستمرار.. ألا نغفل جملة حقائق تؤثر في كل ما ذكرناه، ولن نضع لوماً على طرف ونغض الطرف عن آخر، ففي موضوع النشر والكتب والثقافة، هناك أطراف عديدة تتشارك المسؤولية بذات القدر ربما، لكن تبقى الكفة المرجحة والراجحة التي تصنع الفرق في هذا المشهد بيد صانع القرار الثقافي! أسعار الكتب التي تعد مرتفعة جداً، قياساً بمثيلاتها في الدول العربية الأخرى، تحتاج إلى وقفة صريحة تعترف بها، وصولاً لإيجاد مخرج، وهنا لن نستطيع استكمال هذه المسألة دون التطرق للشرائح القارئة في المجتمع! فمن هم القراء الذين يشترون الكتب من معارضنا في الإمارات؟ إن عدداً لا بأس به من الإماراتيين يقبلون وبانتظام وانتماء للكتاب وللقراءة، ومعظم هؤلاء لديهم قدرة إلى حد ما على استيعاب الأسعار العالية للكتب، لكن كم نسبة هؤلاء من مجموع المترددين إلى المعارض؟ نقول ذلك لنصل إلى أن الأخوة العرب من جميع الجنسيات هم قراء بالفعل، وهم قوة شرائية لا يستهان بها، لكن في ظل الأزمات الاقتصادية وارتفاع أكلاف المعيشة، مع ارتفاع أسعار الكتب يجعلهم يترددون كثيراً في الشراء، دون أن نغفل حقيقة علينا الاعتراف بها، وهي وجود هذه الكتب بشكل مجاني على…

الكاتب ليس قطاً كسولاً!

السبت ٠٦ أبريل ٢٠١٩

يحتاج الكاتب دائماً إلى أن يبقى ممتلئاً بالمعلومات وبالشغف والتجدّد، لكي يستمر متدفقاً ومتصلاً ومتواصلاً مع نبض الحياة، ومع الواقع الذي يكتب منه والناس الذين يكتب لهم، إنه يشبه الماء في علاقته مع الكل ومع المفردات حوله: إن ساح طاب وإن لم يجرِ لم يطبِ.الكاتب المتصل الذي لا يَمِلُ ولا يُمَل هو ذلك الكاتب شديد الانسياق وراء المعرفة والفضول والمختلف، المولع بالقراءة، وبالسفر والتجوال والمسكون بالأسئلة، فالكاتب الخالي من الأسئلة خالٍ في حقيقته من كل شيء: من الإيمان بما يقول، من الاستعداد للذهاب حتى آخر الشوط مع قناعاته، فإذا تحدث أو كتب فإنه لا يقول شيئاً!! إن أي كاتب حقيقي يحتاج إلى بذل مزيد من الجهد كي يتحقق شرطه ككاتب كما يتحقق شرطه كإنسان، لذلك فهو بحاجة دائمة إلى «كتب التاريخ والفلسفة والشعر، إلى قراءة الروايات، ومشاهدة الأفلام، إلى السفر والعلاقات المتدفقة، إلى زيارة متاحف الفنون، الذهاب إلى الأوبرا، وأحياناً للالتحاق بأحد فصول اليوغا أو تعلم لغة جديدة والاستماع للموسيقى..». وحين ستعبر كل هذه الروافد مسارب ذهنه سيكون مستعداً للكتابة وسيكتب كأفضل ما يريد، المهم أن لا يتعجل وأن ينتظر قليلاً حتى يصفو ذهنه ويصل إلى حالة الامتلاء! المهم أن لا يكتب لأن عليه أن يكتب، فهذه ليست كتابة حقيقية، هذا إكراه النفس على الكتابة، وهي كتابة محكومة بالفشل حتماً!!…

قوة اللحظة الراهنة!

الأحد ٢٤ مارس ٢٠١٩

استشارتني صديقتي في أمر كتاب، قالت إن قريبة لها تحدثت عنه أمامها، وألحَّت عليها أن تقرأه، مؤكدة لها أنه يكاد يكون أعظم ما كُتب حتى الآن! قالت لي إنها اقتنت الكتاب فعلاً، لكنها لم تتمكن من قراءة أكثر من عشر صفحات، ليس لأن الكتاب صعب أو تافه، أو يتعارض مع قناعاتها الفكرية أو الدينية والأخلاقية، ليس لكل ذلك، ولكن لأن الكتاب بسيط جداً، إلى درجة أنها أحست بأنها تقرأ كتاباً في المسلّمات التي تعرفها كلها، لكنها لا تستطيع أن تعبِّر عنها مثل ما فعل المؤلف، لأنها ليست مؤلفة كتب، لكن محتوى الكتاب لم يفاجئها كما أكدت، كما لم يقدم لها علماً جديداً كانت تبحث عنه، أو علماً عميقاً يوسع مداركها، ويضيف لمخزونها! هي لم تقرأ من الكتاب سوى عشر صفحات، كما ذكرت، وهذا لا يتيح لها الحكم على محتوى الكتاب، كما أعتقد، ربما تمكّنها الصفحات العشر أن تحكم على لغة وأسلوب وتسلسل أفكار الكاتب، لكن المضمون يحتاج شيئاً من الصبر والمتابعة، مع ذلك، أصرت على أن بدايات الكتاب دلت على مساره الأساسي، وهي تسألني، ليس من أجل أن تكمل القراءة أم لا، لكنها تسألني عن رأيي في الكتاب! لم أكن قد سمعت عن كتاب إيكهارت تول المعنون «قوة الآن»، أو قوة اللحظة الراهنة، وبالتالي، لم أكن قد قرأته بطبيعة الحال،…