د. عبدالله جمعة الحاج

أصل الفكرة الشيعية

السبت ١٨ أكتوبر ٢٠١٤

عادة ما يتم فصل التاريخ الإسلامي من ناحية دينية عن الأيديولوجيا الحديثة، وتاريخياً انقسم المجتمع الإسلامي في وقت مبكر إلى مجموعتين رئيسيتين، هما السنة والشيعة. وعلى من الرغم أن هاتين المجموعتين تتشاركان في المعتقد نفسه، وتجمع بينهما شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن كلتاهما تختلف عن الأخرى بطريقة ما في نظرتها للتاريخ والسياسة والحكومة. لقد حصل الانشقاق حول مسألة تولي السلطة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فمن الذي يجب أن يقود المجتمع الإسلامي؟ الأغلبية السنية، متبعة الاعتقاد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسم وريثاً له، قبلت بعملية اختيار أو انتخاب الخليفة على أنه السلطة السياسية العليا أو رأس الدولة. أما الشيعة، وهم المناصرون لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فاعتقدوا بأن الرسول فرز ابن عمه وزوج ابنته علي بن أبي طالب على أنه وريثه، وبأن قيادة المجتمع كان يجب أن تكون محصورة في آل البيت. ووفقاً للشيعة فإن من انحدر من آل البيت، خاصة من سلالة علي، كان يجب أن يصبحوا القادة الدينيين والسياسيين أو أئمة المجتمع الإسلامي ودولته. وعليه فإن صيغتين من الحكومة الإسلامية ظهرتا في بداية مسيرة المجتمع المسلم، هما الخلافة السنية والإمامة الشيعية. وعلى مدى التاريخ الإسلامي، حافظت الأغلبية العظمى من المسلمين على مذهبها كسنة، وهم يشكلون…

إدراك الخليجيين للحالة الآسيوية

السبت ٢٠ سبتمبر ٢٠١٤

يمر المحيط الدولي للخليج العربي بتطورات كبرى تجعل المنطقة غير مستقرة. والملاحظ أن سياسات الدول وما تطرحه النخب المثقفة والمحللون السياسيون الخليجيون تعكس اهتمامات أكبر بما يحدث في دول العالم العربي من قلاقل متناسين ما يحدث في محيط الخليج العربي الآسيوي، خاصة جنوب آسيا الذي يشهد أحداثاً وتطورات تنبئ بالخطر. إن النظام الفرعي الآسيوي يشهد حالياً متغيرات واسعة النطاق وتظهر فيه خصائص جديدة في نفس الوقت الذي يعاد فيه تعريف الخصائص القديمة، فالعناصر التقليدية للقوّة الصلبة تتفاعل الآن مع قضايا القوّة الناعمة الجديدة. وحالياً لا يوجد مظهر وحيد يسيطر، بل مجموعة من المفردات التي تعمل بشكل متشابه وتُؤخذ مجتمعة لكي تشكل النظام الإقليمي الآسيوي. ورغم أن هذه التفاعلات عميقة الجذور التي تحدث في آسيا، ويمكن أن تكون لها تداعياتها الخطيرة على الخليج العربي، خاصة في دول كالهند، وباكستان، وأفغانستان، وإيران وبعض دول آسيا الوسطى، فإن أخذ هذه التفاعلات الخطيرة في الاعتبار لا زال يتم على استحياء. لذلك فإن صناع القرار والسياسيين الذين بيدهم الأمر والمحللين السياسيين والأكاديميين الدارسين للشأن الآسيوي، والصحفيين سواء في الإعلام المقروء أو المرئي أو وسائل الاتصال الجماهيري مطالبون في هذه المرحلة بإعادة تعديل مناظيرهم السياسية والاقتصادية والاستراتيجية ومعايير توازن القوى المرتبطة بها نحو آسيا، والنظر إلى منطقة جنوب آسيا بالتحديد عبر مناظير مركبة عدة لكي تصبح…

مشاكل البيئة ومصاعب الحل “العالمي”

السبت ٢٨ يونيو ٢٠١٤

مهمة خلق إجماع دولي حول مسألة أو قضية ما أمر في غاية الصعوبة، وقضايا البيئة التي تجمع بين عدم التيقن العلمي والسياسات والمواطن والنشاط الصناعي وبين الاقتصاد هي الأكثر صعوبة وتعقيداً والأكثر عصياناً على الحل. ولسوء الحظ أن الإجراءات التي يستخدمها العالم حالياً لصياغة إجماع عالمي حول مسائل البيئة ليست مصممة للتعامل مع المطالب الفردية للدول لحل المشاكل البيئية، بالإضافة إلى فشلها في أن تأخذ في الاعتبار ما تعلمته البشرية حول فعاليات وديناميكية التعامل مع القضايا المتعددة ومفاوضات الأطراف المتعددة، فتلك الفعاليات والديناميكيات تتقبل إجراءات وقوانين وبنية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى المشابهة لها كما هي، رغم أن تلك المنظمات ليست مصممة للتعامل مع مسائل إدارة الموارد العالمية. عدد قليل من البشر يدركون أن العمليات التي نستخدمها لمناقشة الاتفاقيات العالمية مهمة كما هو مهم القدرات التقنية والفهم العلمي الذي تجلبه المفاوضات على الطاولة لإيجاد الحلول المناسبة والمقايضات. والواقع أن الحلول التقنية الجيدة لا يمكن التوصل إليها بسهولة لأن المتفاوضين يكونون غير قادرين على تجاوز الاختلافات الثقافية والأيديولوجية والسياسية التي تفصل بينهم. عملية بناء إجماع أو توافق أمر مطلوب، والترتيبات المؤسسية التي يعتمد عليها العالم لحل مشاكل البيئة يجب يتم تحديثها وتطويرها، فالعالم يحتاج إلى إعادة بناء علاقات عمل مفيدة بين دول العالم المتقدم والدول النامية تجعل تحقيق النجاح على صعيد…

أهمية السودان لعرب الخليج

السبت ١٤ يونيو ٢٠١٤

يجادلني الكثيرون حول أهمية السودان لدول الخليج العربي، لكنني مقتنع بهذه الأهمية، وسأستمر في رفع شعارها والمناداة بها، لأن السودان يقع في قلب العمق الاستراتيجي لدول الخليج العربية. هو الآن يمر بأزمة، لكن تلك الأزمة ستمر، ويعود السودان إلى محيطه العربي، شاء من شاء وأبى من أبى. السودان مهم لعرب الخليج لثلاثة أسباب رئيسة تندرج تحتها تفاصيل دقيقة ليس من الممكن الخوض فيها في هذا المقام، لكن المهم أنه أولاً، أن السودان بوابة عرب الخليج إلى إفريقيا، محاط بمجموعة من دولها، بالإضافة إلى البحر الأحمر وباب المندب، لذلك فالسودان يشكل جسراً استراتيجياً بين دول الخليج العربي وأفريقيا. وعلى الرغم من أن هذا الموقع يزيد من قابلية السودان للاختراقات الخارجية، إلا أن موقعه الجغرافي جعله مفيداً لعرب الخليج لأغراض الانتشار الاقتصادي والثقافي في القارة السمراء. وفي هذه المرحلة، فإن الخيارات التي عليهم وعلى الإفريقيين تحديدها تتعلق بالتنمية الشاملة المستدامة، وبالتفريق المعياري بين السلم والاستقرار والفوضى والإرهاب والرفاهية والفقر، ويعتمد ذلك على طبيعة وكثافة تلك الأفكار، وعلى النفوذ. لذلك، فإن المداخل الصحيحة إلى ذلك الجسر الاستراتيجي أصبحت ضرورة. السودان كدولة عربية هو جسر الخليجيين إلى إفريقيا، يوصل إليها أفكارهم المستنيرة وفلسفتهم الاقتصادية الجديدة التي أثبتت جدارتها على المستوى العالمي، ويوصل الأساليب التي لديهم، ويمكنها أن تساعد دول أفريقيا على الخروج من العديد…

السودان والتشيع: وشهد شاهد من أهلها

السبت ٠٣ مايو ٢٠١٤

في تصريح مثير لاستغراب المراقبين، قال أحد القياديين من التيار الإسلامي السوداني المقربين من الدوائر الرسمية الحاكمة إن السودان مهدد بفتنة طائفية بسبب انتشار التشيع على أراضيه، وبأن المعتقد آخذ في الانتشار، وإذا لم يتم احتواء هذه الظاهرة فإنها ستجر البلاد نحو الخطر. الغريب في الأمر أن الجهات السودانية المختصة تعلم بقيام إيران بنشر المعتقد الشيعي ولا تُحرك ساكناً للتصدي لما يحدث، دع عنك جانباً وجود معلومات تشير إلى أن مسؤولين ضمن النظام الحاكم يعجبون بالأفكار الشيعية وربما يعتنقونها. ورغم أن ذلك غير مؤكد، ولا يمكن احتماله في جماعة تقول عن نفسها إنها تنتمي إلى «الإخوان المسلمين»، فالتشيع وفكر «الإخوان» لا يمكن أن يجتمعا في شخص واحد، إلا إذا كان يوجد في المسألة شيء من الهرطقة غير المفهومة التي قوامها المصالح المادية. المهم أن الشخص المصرح لم يشر إلى أسباب انتشار التشيع في السودان حالياً بحيث زاد عدد الشيعة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي حتى الآن عن 130 ألفاً، لكنني أميل إلى ربط ذلك بالأسباب الاقتصادية والأحوال المعيشية القاهرة التي أوصلتهم إليها السياسات المتبعة حالياً في السودان والحروب والأزمات وانشطار القطر رسمياً إلى دولتين. إلى غير ذلك من مآسٍ وأزمات يعاني السودانيون منها الأمرين. قال الصحابي عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه لو كان الفقر رجلاً لقتله. ويبدو أن…

المحير في السياسة الخارجية القطرية

السبت ١٥ مارس ٢٠١٤

على ضوء سحب كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين لسفرائها في الدوحة تتعرض السياسة الخارجية القطرية لهزة عنيفة ربما يكون لها تداعياتها المستقبلية المؤثرة على قطر وكامل الإقليم الخليجي. ولم يأت سحب السفراء من فراغ، ولكن لأسباب موضوعية وجوهرية تتعلق بأمن الدول الثلاث المعنية وبمجمل العلاقات في داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي، وقد أتى قرار الدول الثلاث باتخاذ هذا الموقف الحازم لكي يثير دهشة كافة المراقبين لشؤون دول المجلس، لأنه كان مفاجئاً، ويُشكل ظاهرة جديدة وفريدة وغير مسبوقة ضمن منظومة دول المجلس وكرد فعل منطقي على سلوك السياسة الخارجية القطرية المثيرة للجدل والمحيرة في العديد من جوانبها. المهم أن أحد منطلقات السياسة الخارجية القطرية الرسمية هو إفصاحها عن نفسها بأنها مستقلة، بمعنى أنها غير تابعة لأية جهة وغير منحازة لجهة دون أخرى، لكن قطر في الواقع تحتضن الكثيرين من فلول «الإخوان المسلمين» والمنظمات والجماعات الأخرى التي تشكل خطراً على أمن دول المجلس وتتحالف معها في منطلقاتها السياسية والاستراتيجية، وما يمليه ذلك من مواقف خطيرة، وربما تتحول إلى كارثية مستقبلاً على قطر ذاتها. وما نفهمه كمراقبين ودارسين لعلم السياسة، أن الأهداف الرئيسية لسياسة قطر الخارجية هي تأمين استمرارية قطر السياسية كدولة وطنية ذات سيادة، وضمان استمرار رفاهية البلاد الاقتصادية حيث يعتمد كلا الأمرين على بعضهما بعضاً…

الصراع في آسيا… إلى أين؟

السبت ٢٢ فبراير ٢٠١٤

منذ انتهاء حرب فيتنام عام 1975، ورغم وجود بؤر توتر ساخنة على صعيد العلاقات الدولية في شرق آسيا فإن المنطقة حظيت بهدوء على صعيد علاقات الدول ببعضها بعضا ولم تشهد حروباً ساخنة أو توترات حقيقية. لكن في الآونة الأخيرة بدأت مظاهر الصراع الساخن تطل برأسها تدريجياً، فخلال الثلاث عشرة سنة الماضية منذ بداية القرن الحادي والعشرين لم تعد آسياً بحاجة إلى الهدوء فقط، ولكن الهدوء ذاته أصبح بالنسبة لدولها مسألة مستقبل. استقرار العلاقات بين الدول الآسيوية يعد مؤشراً على بزوغ نمط جديد من العلاقات الأكثر تطلعاً نحو مستقبل مشرق تكون فيه الدول قادرة على التنافس لكسب عقول وأفئدة أعضاء المجتمع الدولي الآخرين عبر الإقناع والتعاون المشترك وتبادل المصالح الحقيقية عبر الوسائل السلمية. العلاقات الهادئة كانت مظهراً شائعاً بين دول آسيا لأن كبارها كانوا حريصين على ذلك، فالصين كانت تعمل على نهوضها السلمي، واليابان كانت تروج نفسها كقطر محبوب وقادر وذكي، وكوريا الجنوبية كانت تنشر مبادئ المد الاقتصادي الكوري الذي اكتسح الأسواق الآسيوية بسرعة رهيبة. كان إعلام أولئك الآسيويين الكبار يركز على الهدوء والسلام العالمي واحترام الدول لسيادة بعضها والتبادل التجاري والاقتصادي الذي يحقق مصالح الجميع. وعملت مراكز البحث على مناقشته وتقديم مشاريع متكاملة حول أهمية العلاقات السلمية بين دول المنطقة. وقام الباحثون ودور النشر بإصدار الأدبيات المتنوعة التي تخاطب السياسيين…

هل يحتاج السودانيون إلى التشيُّع؟

السبت ٢١ ديسمبر ٢٠١٣

تتواتر الأنباء القادمة من السودان بأن جهات خارجية تنشط هذه الأيام في نشر المذهب الشيعي الاثنى عشري في أوساط المجتمع السوداني، وبأن أعداداً منهم ليس لدينا حتى الآن إحصائيات دقيقة حولها قد تشيَّعت فعلاً منذ أن وطئت أقدام تلك الجهات الخارجية السياسية والاقتصادية والعسكرية أراضي السودان، وها هي تطأها الآن اجتماعياً وثقافياً ومذهبياً، وذلك على مرأى ومسمع الجميع من أهل السُنة، بما في ذلك من بيدهم زمام الأمور، فلماذا يحدث ذلك؟ وهل السودانيون في حاجة إلى تغيير مذهبهم القويم وهم من أهل السُنة؟ إن أسئلة محيّرة تدور في الخاطر، ونحن نسمع بمثل هذه الأخبار، فلماذا تسعى تلك الجهات إلى نشر المذهب الشيعي الإثنى عشري القائم على ولاية الفقيه في السودان؟ وهل وصلت بها درجة حب السودان والسودانيين إلى الحد الذي يجعلها تنفق ملايين الدولارات في سبيل نشر التشيع في أوساطهم وشعبها يعاني الأمرين من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه من دول الغرب وفي حاجة ماسة إلى كل فلس لكي ينتشل من الحالة الاقتصادية المتردية التي يعيشها، أم أن لديها أجندات أخرى تريد تحقيقها من وراء ذلك؟ هذه الأسئلة وما شابهها صارت تؤرق الكثير من السودانيين والعرب الآخرين الحريصين على مستقبل السودان وأهله وبقائهم كما عهدناهم بعيداً عن التشيع والطائفية، وما يمكن أن يجلبه ذلك عليهم من فرقة وتشتت مذهبي يجرهم إلى…