حازم صاغية
حازم صاغية
كاتب وصحفي لبناني

في المشرق.. ليس لبنان الأكثر هشاشة

السبت ٠٧ يونيو ٢٠١٤

لاحظ عدد من المراقبين مفارقة دالّة، وهي أنّ رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان كان يغادر قصره بهدوء، مع انتهاء ولايته الرئاسية، فيما كان الرئيس السوري بشار الأسد يمضي في حملته لـ«الانتخابات» الرئاسية، طامحاً في تجديد ولايته، وسط كمّ لا يُحصى من القتل والدمار والتهجير الذي تسبب فيه. هذه المفارقة -المقارنة جاءت تردّ على سردية سائدة في الفكر السياسي العربي، لاسيما منه القومي والراديكالي، مفادها أن لبنان أكثر بلدان المشرق العربي، بل العالم العربي، اصطناعية وهشاشة. والحال أن لبنان لا يخلو من الاصطناع والهشاشة، مثل معظم البلدان حديثة الولادة التي نشأت إمّا بعد الحرب العالمية الأولى أو بعد الحرب العالمية الثانية، والتي صارت تشكل اليوم الأغلبية الكاسحة بين البلدان الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة. كذلك فإن التكوين الطائفي للمجتمع اللبناني وانعكاس ذلك على البنيتين السياسية والثقافية فيه جالبان لأزمات لا تنتهي، أزماتٍ يعيش اللبنانيون حالياً بعض أكثرها شدةً واحتداماً. مع ذلك فالقول إن لبنان هو الأكثر هشاشة واصطناعاً قول يستنفر الكثير من التحفظ، وخصوصاً أن ما يقارب المليون ونصف المليون من السوريين يعيشون فيه الآن بعدما هجّرهم نظامهم وحربهم الأهلية، وهؤلاء معطوفون على ما يُقدر بأربعمائة ألف فلسطيني نزحوا عن بلدهم بفعل نكبة 1948 ثم نكسة 1967. واقع الحال أن الصورة المرسومة للبنان بوصفه البلد الأكثر هشاشة واصطناعاً ليست بريئة تماماً.…

هل لدينا نظريّة عن التدخّل الأجنبيّ؟

الثلاثاء ٠٣ يونيو ٢٠١٤

يتعلّق التدخّل الأجنبيّ، تعريفاً، بطرفين: الطرف الذي يتدخّل والطرف الذي يُتدخّل فيه، وهذا فضلاً عن الأطراف الثالثة التي يستهدفها التدخّل. لكنّ ما يُلاحَظ أنّ مَن يتدخّل، أي الغرب عموماً والولايات المتّحدة خصوصاً، هو وحده الذي يناقش المسألة ويفكّر فيها ويتّخذ من المواقف ما قد يفيد أو يضرّ. وربّما كان الخطاب الأخير لباراك أوباما آخر المساهمات في هذا الجبل المتراكم من الآراء والسجالات، منذ عهد جورج بوش الأب، وخصوصاً في عهد جورج بوش الابن. ففي عهد الأب، أثارت نهاية الحرب الباردة التي تزامنت مع حرب تحرير الكويت من صدّام حسين مسائل كالسيادة الوطنيّة وحدودها ومحدوديّتها. ثمّ كانت، في عهد الابن، حربا أفغانستان والعراق فانفجر النقاش حول «الليبراليّة الإمبرياليّة» و «التدخّل الإنسانيّ» ومدى التقاطع بين القيم والمصالح. ولواحدنا أن يشكّك دوماً في أغراض النقاش، أو أن يعترض على هذا الملمح فيه أو ذاك. لكنّ الأمر الذي لا يرقى إليه الشكّ أنّ الطرف الآخر، أي المتدخَّل فيه، لم يناقش المسألة ولم يطوّر أيّة نظريّة في شأنها. وكما في مسألة العنصريّة، اقتصر النقاش على طرف واحد يوصف بأنّه مصدر العنصريّة، بينما الطرف الآخر الموصوف بأنّه ضحيّتها لم يعبأ بها إلاّ في حدود الهجاء. وربّما إذا استثنينا البوسنة، حيث واكبت الانعطافة السياسيّة والإيديولوجيّة لعزت بيكوفيتش انعطافاً شعبيّاً ونخبويّاً أعرض، لم نسمع في أيّ من البلدان…

الثورات العربية: استخلاصات جزئية

الخميس ٠٨ مايو ٢٠١٤

بطبيعة الحال، لا يزال من المبكر الجزم باستخلاصات نهائية وحاسمة حول ثورات «الربيع العربي» وما أفضت إليه، خصوصاً أن العملية لا زالت جارية، تتقدم هنا وتنتكس هناك، طارحة على الواقع احتمالات غنية سلباً أو إيجاباً. يزيد في صعوبة الاستخلاص اكتشافنا حجم الفوارق الضخمة بين المفاهيم النظرية والكونية المجردة، كالديمقراطية والإسلام، وبين الواقع المحلي للبلدان العربية في لحظة تفجره شبه الجيولوجي، الأمر الذي يجعل القياس والمحاكمة المبكرين مهمة في غاية التعقيد. مع هذا يمكننا التوقف أمام ما آلت إليه تلك الثورات حتى الآن، بما في ذلك الإخفاقات الكبرى التي اصطدمت بها، وبالتالي ملاحظة بعض النتائج الجزئية التي تفرض نفسها بقوة علينا. والحال أن تلك الإخفاقات لا تُضعف بتاتاً شرعية الانتفاض والثورة على أنظمة سبق أن فقدت، مرة بعد مرة، كل شرعية أخلاقية أو سياسية أو في ميدان الإنجاز تنموياً كان أم اقتصادياً أم تعليمياً. كذلك، لا تقلل الإخفاقات تلك بتاتاً من أهمية الطلب على الحرية كما عبرت عنه الشعوب العربية عبر ثوراتها. فما حصل على نطاق جماهيري واسع هو الإقرار بأن نيل الحرية إنما هو المقدمة الضرورية والشرط لإحراز كل القيم الأخرى الجديرة ببني البشر. وهذا ما يستبعد كلياً نظريات المؤامرة التي درجت على وصف «الربيع العربي» بأنه نتاج صناعة مشبوهة وأجنبية هدفها «تفتيت الأمة» وإضعاف منعتها. ذاك أن النظريات المتهافتة…

التزوير الإيرانيّ: داعش أم الانتخابات؟

السبت ٠٣ مايو ٢٠١٤

إذاً، حركة داعش في العراق وسوريّة، بما تعنيه من تخلّف وتعصّب وعنف واحتراب، مقابل انتخابات ديموقراطيّة في العراق وسوريّة، بما تنطوي عليه من تحضّر وتقبّل للرأي المغاير وتساوق مع العالم المعاصر. فما الذي يفضّله، والحال هذه، الناس والعقل والضمير، وقبل كلّ شيء، ما الذي تفضّله الولايات المتّحدة وباقي الغرب؟ هذا الخيار الزائف هو فحوى التزوير الإيرانيّ الراهن بالتعاضد والتنسيق مع نوري المالكي وبشّار الأسد. والتزوير هذا لا يكتم عمقاً ودلالة طائفيّين مفادهما وضع برنامج شيعيّ – علويّ مزعوم قوامه هذه الانتخابات، مقابل برنامج سنّي مزعوم هو الآخر، قوامه داعش وفظاعاتها. الأهمّ أنّ التزوير المذكور يراد له إقناع الغربيّين بجديّة إيران، من خلال عامليها السوريّ والعراقيّ، في مكافحة الإرهاب وإشاعة الاستقرار، وبأنّ كلّ مقاومة لخطّتها حيال المشرق العربيّ لا تعدو كونها اسماً حركيّاً للإرهاب السنّيّ. ولئن رُسم بشّار رأس حربة في المعركة على الإرهاب، فقد رَفعت حملة المالكي الانتخابيّة عنوان «معاً نكافح الإرهاب». وبالطبع، وكما الدعايات لأنواع الصابون، يخوض الأسد «أوّل» معركة ديموقراطيّة تعرفها سوريّة في تاريخها الحديث، بينما اقتضى التواضع العراقيّ تخويض المالكي «أوّل» معركة ديموقراطيّة منذ استكمال الانسحاب الأميركيّ من بلاده. لكنّ هذه الانتخابات، في عمومها، وصفة حرب أهليّة تدمّر ما تبقّى من دول ومن مجتمعات. فهي تدلّ إلى غياب الإرادة الشعبيّة أكثر ممّا تدلّ إلى حضورها، لا سيّما…

«الإخوان المسلمون» الصمّ البُكم

الثلاثاء ٢٢ أبريل ٢٠١٤

لا ينسى ذوو الإلفة مع تاريخ الحركات الشيوعية وسجالاتها، ذاك الضجيجَ الذي أحدثه المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي في 1956، حين قال بإمكان الطريقين السلمي البرلماني و«اللارأسمالي» إلى الاشتراكية، ذاك أن فرضية كهذه تستبطن أن جهاز الدولة قابل لأن يكون حيادياً حيال صراع الطبقات، وهو ما يناقض جوهرياً فكرة لينين عن الدولة كأداة في يد الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج. آنذاك كانت الصين الماوية رأس رمح الهجوم على عالم ما بعد ستالين السوفياتي وما رأت فيه من تفريط وانحراف. بعد 17 سنة تجدد النقاش إياه، ففي 1973 حين أطاح انقلاب عسكري حكومة اشتراكية منتخبة ديموقراطياً في تشيلي، وجد الماويون وباقي نقاد الموقف السوفياتي ضالتهم وثأرهم: ألم نقل لكم إن الدولة جهاز طبقي منحاز لا يذعن بهذه السهولة لما يقرره البرلمان؟! السجالان اللذان أعقبا 1956 و1973 ألّفا مكتبة ضخمة لم تقتصر أعمالها على التأويل النظري والتعقيب السياسي، فإلى ذلك عبّر السجالان عن السعي إلى فهم المحنة التي تطاول الشيوعيين وحلفاءهم وإلى استيعابها تمهيداً للرد عليها، فقبل أن يُلم بيساريي تشيلي «البرلمانيين» ما ألمَّ، كان عبد الناصر «اللارأسمالي» قد أعمل سيفه برقاب الشيوعيين المصريين والسوريين. يُستشهد بتلك التجربة للمقارنة بالمحنة التي يعيشها راهناً «الإخوان المسلمون»، والتي بدأت تتعدى مصر وبعض البلدان العربية إلى... بريطانيا! مع ذلك لا يبدو أن ثمة ميلاً،لدى…

ذبذبة في التحالف الإيرانيّ-السوريّ

السبت ١٩ أبريل ٢٠١٤

تحالف النظامين السوريّ والإيرانيّ بخير طبعاً، ولا فائدة من نشر الأوهام حول اعتلاله أو سقوطه. هذا لن يحصل. وسيترشّح بشّار الأسد مجدّداً للرئاسة مسلّحاً بهذا التحالف وبإنجازاته في الكيماويّ والبراميل. مع ذلك، اعترت التحالفَ قبل أيّام ذبذبة تستوقف. الإعلام عكس ذلك كما عكسته الوزيرة السوريّة الفصيحة. فنظام دمشق منع قناتي «المنار» و «الميادين»، وهما حصّة إيران المباشرة، من التغطية المباشرة للتطوّرات الميدانيّة في سوريّة. ذاك أنّ تقاريرهما أكّدت دور الفصائل التابعة لطهران في المعارك، أمّا القوّات النظاميّة السوريّة، وفقاً لتلك التقارير، فبدت كأنّها تغطّ في سبات عميق. الوزيرة بثينة شعبان ناقضت هذه الصورة، مؤكّدة أنّ «جيشنا الباسل... العربيّ السوريّ» هو الذي يحقّق التقدّم على الأرض، أي أنّه هو الذي يقتل أكثر ويحرق أكثر. وفقط بعد توكيد المبدأ، لحظ الموقف الرسميّ السوريّ التفاصيل، ومفادها أنّ «المنار» و «الميادين» جزء لا يتجزّأ من جبهة المقاومة والممانعة. في الحالات كافّة، مفهومٌ أن يشعر النظام الأسديّ بشيء من المهانة. فبعد العرافة التي مارسها غير مرّة أمين عام «حزب الله»، محدّداً المراحل التي يمرّ فيها القتال في سوريّة، وكيف أنّ النظام نجا وينجو من السقوط، أعلن قائد سلاح الطيران في «الحرس الثوريّ» الإيرانيّ، أمير علي حجي زادة، «أنّ الأسد ما زال في السلطة لأنّ إيران شاءت ذلك». وهذا وذاك من المواقف استحقّت «ردوداً» مداورة من…

كن مقاوماً أو… مت

السبت ٢٢ مارس ٢٠١٤

كن مقاوماً أو... مت في 1975 ظهر من يفتي بـ «عزل حزب الكتائب» ردّاً على ارتكاب بضعة كتائبيّين مقتلة بوسطة عين الرمانة. المطالبة بالعزل فُسّرت، تبعاً لتركيبة البلد الطائفيّة، مطالبة بعزل المسيحيّين الذين ما لبثوا أن التفّوا حول حزب لم تكن إلاّ قلّة منهم تواليه. اليوم تغيّرت طباع الأزمنة، فلم يعد الخصم يوصف بحزبه أو بأيديولوجيته المفترضة، بل صار يوصف بطائفته أو، لحجب شبهة الطائفيّة عن الواصف، بمنطقته. في هذا المعنى، وانطلاقاً ممّا شهدته بلدة عرسال البقاعيّة قبل أيّام، ثمّة ميل، على ما يبدو، إلى عزل السنّة. العزل بدأ بحصار ربّما أنهاه دخول القوى الأمنيّة إلاّ أنّ شروط عودته قائمة دوماً، خصوصاً في ظلّ تصاعد اللغة التعبويّة حيال عرسال. تجربة المحاور في طرابلس لا تنمّ إلاّ عن تلك العودة المرجّحة. ومثلما استحقّ المسيحيّون العزل لأنّهم «انعزاليّون»، يستحقّه السنّة اليوم لأنّها «تكفيريّون». بطبيعة الحال لا يقال هذا الكلام بصراحة خارج الغرف المغلقة. ما يقال في العلن، وهو تكرار لما قيل في 1975 – 1976 عن المسيحيّين، أنّ السنّة «إخواننا» وأنّ أكثريّتهم من «الشرفاء». لكنّ ما يجري على خطّ يمتدّ من وادي خالد شمالاً إلى عرسال شرقاً، مروراً بطرابلس وبقع متناثرة من بيروت، يشي بالعزل الذي تنضح به ثقافة استبداديّة متمكّنة. ومثلما أدّى عزل المسيحيّين في حرب السنتين إلى تعزيز القوى الأكثر…

هنا فقط ينتصر «حزب الله»

الثلاثاء ١٨ مارس ٢٠١٤

حقق «حزب الله» انتصاره في يبرود بعد انتصاره في القصير. هذان انتصاران غير مشكوك فيهما ولا مطعون. في 2000، عند تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، وُجد من يذكّر بأن إيهود باراك، رئيس الحكومة يومذاك، كان مَن تقدم إلى الانتخابات العامة ببرنامج أبرز بنوده الانسحاب الأحادي من لبنان. وقد قارن الحسابون أعداد الإسرائيليين الذين سقطوا على يد «حزب الله» على امتداد مقاومته فوجدوهم أقل من أعداد ضحايا السير عندهم. في 2006، وعلى رغم تسمية ما حصل «نصراً إلهياً»، ظهرت وجهتا نظر وجيهتان، واحدة تقول إن إسرائيل هي التي انتصرت بدلالة القرار 1701 الذي أقفل جبهة الجنوب، وهذا هو مطلبها السياسي الأساسي، والثانية ترى أن الدولة العبرية لم تُهزم إلا بمعنى أنها لم تنتصر، كما كانت تفعل في السابق. وبدا هذا القول بمعيارين للانتصار والهزيمة مهيناً بما فيه الكفاية للمنتشين بـ «نصر إلهي». بعد حين، ولا سيما منذ الهجوم على بيروت في 2008، تأكد أن حدثاً يفجر العلاقات الأهلية في جبهة «المنتصِر» لا يمكن أن يُعد انتصاراً. اليوم، في يبرود بعد القصير، لا لبس ولا التباس. الانتصار قاطع. فعلاً «لن تُسبى زينب مرتين». تشي المقارنة هذه بطبيعة «حزب الله» كطرف مُعد للقتال الأهلي– الطائفي الذي تتقاطع نتائجه مع مصالح أنظمة بعينها، فيما إعداده لقتال إسرائيل استطرادٌ على هذه الوظيفة. صحيح أن الاستطراد…

حرائق في البيت الروسيّ الكبير؟

الثلاثاء ٠٤ مارس ٢٠١٤

يخطئ الذين يتحدّثون عن استعادة الحرب الباردة كما كانت عليه قبل انهيار جدار برلين وتفسّخ الاتّحاد السوفياتيّ. ويخطئ أكثر أولئك الذين يختزلون الصراعات الدائرة على كوكبنا إلى نزاعات «جغرافيّة سياسيّة» على مناطق النفوذ، غير عابئين بالأسباب الداخليّة لتلك الصراعات، أو بالفوارق بين واحدها والآخر. لكنْ في حدود «الحصّة» الجغرافيّة – السياسيّة، وما قد تحمله من تشابه مع الحرب الباردة، يجوز القول إنّ الحرائق تندلع اليوم في البيت الروسيّ الكبير. هذا ما نراه الآن ساطعاً في أوكرانيا، الفناء الخلفيّ لروسيا. صحيح أنّ النزاع السياسيّ يتقاطع مع نزاع قوميّ ولغويّ، وأنّ النتائج التي قد تسفر عنها المواجهة الروسيّة – الغربيّة تنطوي على احتمالات متباينة عدّة، في عدادها التقسيم وفي عدادها التقاسم في الأرض أو في السلطة. إلاّ أنّ ما لا يرقى إليه الشكّ أنّ الأزمة الأوكرانيّة وضعت فلاديمير بوتين في موضع المدافع. وحتّى في حال الهجوم العسكريّ المرجّح في القرم، وربّما أيضاً في الشرق، دفاعاً عن «الأمن الحدوديّ» لبلاده، فإنّ ما سوف يناله، أي الشرق والجنوب، سيكون أقلّ من أوكرانيا الحاليّة التي سيتّجه ثلثاها وجهة أخرى. ومع كلّ الفوارق بين أوكرانيا وسوريّة، حيث تصطبغ الثورة أيضاً بالأزمة الاقليميّة والاحتراب الأهليّ، يبقى أنّ حليف موسكو هو المدافع. ذاك أنّ النظام السوريّ هو ما هبّت الثورة في وجهه، وهو تالياً المعرّض للسقوط على نحو…

وداعاً للحرب مع إسرائيل؟

السبت ٠١ مارس ٢٠١٤

أن لا تعلن إسرائيل عن غارة عسكرية أغارتها جواً على «حزب الله»، فهذا ليس مستغرباً، ذاك أن الإنجاز بالنسبة إلى الدولة العبرية يتقدم على الإعلان. ولضمان أن يبقى الإنجاز متقدماً، يناقش الإسرائيليون كل حرف يصدر عن خصومهم، ويضعون كل الفرضيات ويعملون بموجبها كي لا يتأذى مواطن من مواطنيهم، وكي يبقى الإنجاز أولاً. أما ألا يعلن «حزب الله» عن الغارة إلا متأخراً وبشكل مقتضب، فلا يحاول استخدامها لتوكيد استمرار الحرب بينه وبين إسرائيل، ولا يجد فيها فرصة جديدة للتذكير بمظلوميته حيال عدو صلف، فهذا ما يدعو إلى الاستغراب. يفاقم الاستغرابَ هذا أن الحزب ينتسب إلى ثقافة تمنح الأولوية للإعلان على الإنجاز، إلى الحد الذي يغدو الإعلان نفسه إنجازاً. لقد كان في وسع الحزب أن يقتنص فرصة ضربه، جرياً على تقليد عريق، فيذكرنا مجدداً بأنه الضحية وأن عدوه الجلاد، وبأن حربه في سورية لم تُلهِ إسرائيل عنه لأنها لم تُلهِه عن فلسطين. وهكذا ينساب الاستنتاج المنطقي: إذاً المعركة واحدة ضد الإسرائيليين وضد التكفيريين في سورية. فوق هذا، فالحزب الذي اعترف بالعملية اعترافاً مقتضباً ومتأخراً، وعد بالرد «في المكان والزمان المناسبين». ومن يعرف معنى العبارة التي اختُبرت ألف مرة من قبل، يعرف أن الحزب لن يرد إلا على نحو يتيح التملص من «الرد». العصافير التي في يده تُركت إذاً حرة طليقة. تم التركيز…

الطريق إلى فلسطين تمرّ بـ…

الثلاثاء ٢٨ يناير ٢٠١٤

يُفترض بالمعارك الثقافيّة والرمزيّة أن تخدم معارك أخرى ملتهبة على جبهات القتال والسياسة والرأي العامّ. أمّا أن تشتعل المواجهات الثقافيّة فيما تخبو الجبهات السياسيّة والعسكريّة، فهذا ما يصعب تفسيره بغير النزعة الصبيانيّة. والصبيانيّة قد تتوهّم أنّها بمقاطعة كتاب أو فرقة موسيقيّة، أو بإدانة فيلم سينمائيّ أو تحقيق صحافيّ، أو بالتنديد بمصافحة مع إسرائيليّ...، إنّما تعدّل توازنات القوى على الأرض. وقد يذهب بها العُظام والنبويّة أبعد من ذلك، فترى إلى نفسها نائبة عن التاريخ أو موقظة لضميره النائم. هكذا تُبنى الحجّة الألفيّة والخلاصيّة على النحو التالي: صحيح أنّ جبهات القتال والسياسة ساكنة هادئة، لكنْ لا، فنحن، من يناهضون التطبيع، نشعلها على جبهات الكتب والأفلام في انتظار أن يستيقظ الضمير، أو استعجالاً منّا لتلك اليقظة الآتية. وهذا الضمير، على ما يبدو، لا يستيقظ. فقد انقضت ثلاث سنوات على ثورة مصر التي أطاحت «نظام كامب ديفيد» ولم يُلغ كامب ديفيد. وتعاقب على إبداء التمسّك بالسلام الطرفان الأقصيان في المجتمع المصريّ، أي العسكر و»الإخوان المسلمون»، أمّا الأطراف الأضعف حضوراً، فلم يستيقظ ضميرها هي الأخرى، ولم تندفع مطالبةً بإلغاء كامب ديفيد. هكذا تبدو المعركة الثقافيّة المحتدمة كأنّها لا تخدم شيئاً على الإطلاق سوى استعراض قدرة أصحابها على إبهارنا بهزليّتهم. ولا يلزمنا الكثير من الاطّلاع كي نلاحظ أنّ ما يجري في الواقع العربيّ العريض يؤكّد تلك…

محنة اليرموك المزدوجة

السبت ١٨ يناير ٢٠١٤

حين نزح الفلسطينيّون إلى سوريّة، بعد نكبة 1948، فعوملوا فيها أفضل ممّا عوملوا في أيّ بلد عربيّ آخر، لم يكن حزب البعث يحكم سوريّة. والأمر نفسه حين أقيم مخيّم اليرموك في 1957. بطبيعة الحال كانت القوميّةُ العربيّة الرطانةَ الإيديولوجيّة التي تسود سوريّة والسوريّين، وربّما وفقاً لها اختير اسم المخيّم الفلسطينيّ الأكبر تيمّناً بالمعركة التي حملت الإسلام والمسلمين من شبه جزيرة العرب إلى بلاد الشام ثمّ عرّبت الأخيرة. أغلب الظنّ أنّ حزب البعث ما كان ليفعل شيئاً آخر يختلف عمّا فعلته الأنظمة السابقة عليه في ما خصّ استقبال اللاجئين الفلسطينيّين وإقامة المخيّم وتسميته. فهو إنّما نشأ على الرابطة العروبيّة، بل جعل منها علّة وجوده. فوق هذا، لم يكن «تحرير فلسطين» غريباً عن ترسانته الإيديولوجيّة الطالعة من القصائد. ما اختصّ به البعث الحاكم، على أيّة حال، هو إحداث انقلاب في الوظائف المسمّاة قوميّة: فبدل أن تقاتل الدولة السوريّة، وكلّ دولة عربيّة، لتحرير فلسطين، على ما تقول المقدّمات النظريّة والتعبويّة للحزب، بات الفلسطينيّون مدعوّين للقتال خدمة للدولة السوريّة كما يبنيها البعث ويحتكرها. هكذا، وفي وقت مبكر، أسّس الأخير منظّمة «الصاعقة» التي تأتمر بأمره، كما امتلك اليد الطولى في منظّمات فلسطينيّة الاسم، كـ «الجبهة الشعبيّة – القيادة العامّة» و «جيش التحرير الفلسطينيّ»، قبل أن يشقّ حركة «فتح» ويقدّم «فتح الانتفاضة» بديلاً لها. في موازاة…