حازم صاغية
حازم صاغية
كاتب وصحفي لبناني

تقارب أميركيّ – إيرانيّ؟

السبت ٠٥ أكتوبر ٢٠١٣

مدهشٌ مدى الفرح الممانع بـ «الاختراق» الذي شهدته العلاقات الأميركيّة – الإيرانيّة، أو في تسمية أخرى أشدّ صراحة وإشهاراً: «التقارب الأميركيّ – الإيرانيّ». وهذا من قبيل تباهي الصلعاء بشعر جارتها، لكنّه، فوق ذلك، ينطوي على نسيان أنّ أميركا... «عدوّ». المهمّ، إذاً، أن تنتقل هذه الأميركا إلى صفّ إيران، والباقي تفاصيل. ومن يدري، فقد نشهد غداً، أو بعد غد، إشارة أو إشارتين إسرائيليّتين توحيان للممانعين أنّ الدولة العبريّة نفسها تمارس «التقارب» مع إيران. وهذا، في حال حصوله، يمكن أن يرتقي بالفرح إلى مصاف اللذّة. إنّ في هذا شيئاً من عقليّة القبائل والعصبيّات التي تغلّب على كلّ مبدأٍ مبدأَ انتصارها على قبائل وعصبيّات مقابلة، وكفى المؤمنين الإيديولوجيا ومعاداة الإمبرياليّة والصهيونيّة! على أنّ ذلك كلّه لا يعدو كونه اصطهاجاً بزواج فيل من نملة. وما التشبيهان اللذان انتشرا بعد تلك المكالمة الهاتفيّة بين باراك أوباما وحسن روحاني سوى دليل على الجهل، لا بأميركا وإيران وحدهما، بل أيضاً بالصين وروسيّا. فقد شُبّهت تلك المكالمة بزيارة ريتشارد نيكسون إلى الصين الشيوعيّة وانفتاحه عليها، كما شُبّهت بالانعطافة الإيجابيّة التي أقدم عليها رونالد ريغان حيال روسيّا السوفياتيّة في عهد ميخائيل غورباتشوف. وقد فات أصحابَ التشبيهين هذين أنّ الصين آنذاك، في 1972، كانت قد خرجت من حرب حدوديّة مع الاتّحاد السوفياتيّ في 1969، ومذّاك وهي تتبع سياسة مناهضة لموسكو،…

طريق السودان الصعب!

الثلاثاء ٠١ أكتوبر ٢٠١٣

إذا ما كُتب للاحتجاجات الشعبيّة أن تتواصل في السودان، بتنا أمام احتمال تجربة ثوريّة جديدة مرشّحة لتجاوز العنوان الاقتصاديّ (أسعار المحروقات) إلى طرح مسألة السلطة. وهذا، على ما يبدو، ما لا تفعل سلطة عمر البشير إلاّ الدفع باتّجاهه، أكان ذلك من خلال القمع وتكميم الأصوات والصحف، أم من خلال اللغة السقيمة نفسها عن الإرهاب والمؤامرة. يحصل ذلك في مرحلة بدا معها أنّ «الربيع العربيّ» قد توقّف وأكمل دورته. والتوقيت «المتأخّر» هذا قد يساعد على التزوّد بجملة من الدروس تُستفاد من التجارب السابقة، متيحاً، من ثمّ، طاقة على التحليل والتوقّع لم تتوفّر لتلك التجارب التي لم يخل انفجارها من حسّ المفاجأة والدهشة. في هذا المعنى يمكن الـقول إنّ الـسودان، الـذي وضـعـه الـتـقـسـيـم الـسـابق أمـام انـعطاف نوعيّ كبير، سوف تضعه الثورة المحتملة، هي الأخرى، أمام انعطاف لا يقلّ نوعـيّة. وهنا أيضاً تتعايش الحماسة للحرّيّة والرغبة في سقوط حكم كامل الفشل، شعبه مفقر ومهان ورئيسه مطلوب من المحكمة الجنائيّة الدوليّة، مع الخوف ممّا قد ينفجر مع انفجار الحرّيّة ممّا يكبته راهناً صندوق باندورا السودانيّ. ولا بأس في هذا المجال من إيراد المخاوف الكثيرة التي يتصدّرها أنّ سودان اليوم يفتقر إلى وحدة القوى السياسيّة التي سبق أن أسقطت الديكتاتوريّتين العسكريّتين لإبراهيم عبّود في 1964 وجعفر نميري في 1985. ذاك أنّ تدمير تلك القوى كان…

أوجه التقاطع الروسية – الإيرانية

السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠١٣

وراء الموقف السياسيّ الراهن الذي يجمع بين روسيا البوتينية وإيران الخمينية من سوريا وثورتها، بل من جملة بلدان وأمور أخرى، يكمن شبَه نادراً ما يشير إليه المراقبون والمعلقون. والشبه هذا إنّما يتعلّق بمسألة النماذج السياسية بوصفها امتداداً للموقف من بلدان الغرب الديمقراطي وتعبيراً عنه. فما المقصود تحديداً بمسألة النماذج السياسية هذه؟ إذا ما راجعنا تاريخ القرن العشرين، أو محطّاته الأبرز ذات المضمون الأيديولوجي، وجدنا أن النموذج الغربي السائد في الولايات المتحدة الأميركية وبلدان أوروبا الغربية، والمعروف بالديمقراطي الليبرالي، إنما تعرض لتحديات ثلاثة كبرى قدم كل واحد منها نفسه بوصفه الحامل لنموذج سياسي بديل: لقد كان التحدي الأول هو ذاك الشيوعي الذي تمكن من الوصول إلى السلطة بعد ثورة أكتوبر 1917 في روسيا القيصرية. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية امتد هذا النموذج إلى الصين التي انتصرت ثورتها في 1949، بعدما كان الجيش الروسي الأحمر قد حمل النموذج إياه إلى سائر بلدان أوروبا الشرقية والوسطى. والتحدي الكبير الثاني كان ذاك الفاشي الذي حقق انتصاره الأول في النصف الأول من العشرينيات باستيلاء بنيتو موسوليني على إيطاليا، من خلال مسيرة الزحف على روما الشهيرة، ثمّ توّج هذا التحدي نفسه في الانتصار الانتخابي الذي أحرزه أدولف هتلر وحزبه القومي الاجتماعي في ألمانيا عام 1933. وكان التحدي الثالث في إيران بانتصار الثورة الإسلامية الخمينية في 1979.…

الثورة السوريّة وأميركا: سوء فهم قاتل

الثلاثاء ٢٤ سبتمبر ٢٠١٣

إذا وضعنا التفاصيل الصغيرة جانباً، ومعها المناشدات الإنسانيّة والأخلاقيّة التي تتجاهلها سياسات كبرى ضعيفة الإنسانيّة والأخلاقيّة، تراءى أنّ قدراً من سوء الفهم العميق يفصل بين الثورة السوريّة والولايات المتّحدة الأميركيّة، أو بالأحرى، أنّ صورة كلّ منهما عند الأخرى لا تشبه صورتها الفعليّة. فمفاد المناشدات التي تخرج من المعارضة السوريّة للولايات المتّحدة، أو الانتقادات التي توجّهها إليها لعدم استجابتها تلك المناشدات، هو الرغبة في انزياح بوشيّ عن الأوباميّة. وهذا ما يعني، شئنا أم أبينا، أنّ نجاح الثورة السوريّة، وثورات أخرى غيرها، مرهون بسياسة أميركيّة أكثر تدخّليّة ومبادرة. فحين يضعف «بوليس العالم»، الذي لا يريد أوباما أن يكونه، تقوى الأنظمة البوليسيّة من كلّ نوع. الإقرار بتلك الحقيقة يقوّي حجّة خصوم الثورة السوريّة الذين «يتّهمونها» بالهوى الأميركيّ، مع أنّ ذاك الهوى لم ينتج هوى يقابله ولا معونات تترتّب عليه. وهو أيضاً يُضعف حجّة بعض مؤيّدي الثورة من مواقع «يساريّة» أو مناهضة للولايات المتّحدة. بيد أنّ ما هو أهمّ من هذا وذاك أنّ «خطاب» الثورة يبقى في المحطّة الرماديّة حيال إعلان تلك الرغبة، وكثيراً ما يعلن نقيضها، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بمسائل غير سوريّة، عراقيّة أو فلسطينيّة. هنا، تفعل الرواسب الإيديولوجيّة فعلها الكابح. وبدوره، لا يبدو الانزياح البوشيّ وارداً في الولايات المتّحدة (وأوروبا الغربيّة) حيث تستند الأوباميّة إلى مزاج شعبيّ صاعد أكثر انعزاليّة وعزوفاً،…

لبنان: الحرب الأهليّة التي لا تمضي

السبت ٢١ سبتمبر ٢٠١٣

هناك، بين الروائح العفنة الكثيرة في لبنان، رائحة تتأتّى عن موقف اللبنانيّين من الماضي، ماضي الحرب الأهليّة وماضيهم فيها. فهذا الأخير ليس فقط لا يمضي، بل هو يبقى مشروعاً أمثل للمستقبل. هكذا يراه الجميع كلٌّ من موقعه. يقال هذا الكلام وفي البال ثلاثة «احتفالات» أخيرة بذكرى أحداث ثلاثة تعاقبت في 1982: مقتل الرئيس المنتخب بشير الجميّل، ومذبحة مخيّمي صبرا وشاتيلا، وتأسيس «جبهة المقاومة الوطنيّة» ضدّ الاجتياح الإسرائيليّ. لقد كان اغتيال بشير حدثاً مؤلماً بالتأكيد، يندرج في الجهد المتواصل الذي رعاه النظام السوريّ للحؤول دون قيام سلطة مركزيّة في بيروت، ولتصفية القادة اللبنانيّين التي بدأت بكمال جنبلاط ووجدت تتويجها برفيق الحريري. لكنّ هذا لا يلغي أنّ بشير، مثله مثل سائر القادة اللبنانيّين، كان زعيماً طائفيّاً وميليشيويّاً، صعد إلى الرئاسة في الحرب الأهليّة وبسببها، ولم يتحقّق طموحه إلاّ بعد أن لوى الاجتياحُ الإسرائيليّ عنق الديموقراطيّة اللبنانيّة الهشّة. وهذا ما غاب عن بشيريّي 2013 الذين ظلّوا يتحدّثون كما لو أنّهم في 1982. وما من شكّ في أنّ مذبحة صبرا وشاتيلا كانت إحدى أبرز محطّات التلاقي، في التاريخ اللبنانيّ الحديث، بين وحشيّة القتل، وسفالة الاعتداء على المدنيّين بعد ترحيل مقاتليهم، واستعداد الحدّ الأقصى للتعاون مع الإسرائيليّين. لكنْ ما من شكّ أيضاً في أنّ تلك المذبحة توّجت مذابح كثيرة امتدّت لعامين، أنزلها لبنانيّون بلبنانيّين وفلسطينيّين،…

ضعف أوباما وضعف الثورة

السبت ١٤ سبتمبر ٢٠١٣

تجميد الضربة الأميركية جاء، كالعادة، مناسبة لإعلان انتصار. فوفق العقل اللامع الذي تتمتع به الممانعة، كل ما لا يميت ولا يهيل التراب فوق الجثة نصر مؤزر. التوقع توقع الذليل، والصراخ مرتفع جداً. مع ذلك مني النظام السوري بهزيمتين مادية ومعنوية مطنطنتين. فهو المالك والمخزن للسلاح الكيماوي الذي استخدم بعضه في الغوطتين، وهو المضطر تالياً إلى تسليمه صاغراً قبل تدميره الذي يصحبه تدمير آخر لكذبة «توازنه الاستراتيجي» مع إسرائيل. لكن النظام السوري سيكون أيضاً الخاضع لرقابة وتفتيش يشكلان، في أغلب الظن، خطوة أولى على طريق موته التي قد تطول وتتعرج. إنه الموت بعد إهانات كثيرة تضفي عليها صرخات المجد والانتصار نكهة المسخرة. لكن هذا لا يلغي أن الثورة السورية ليست الطرف المستفيد من الإضعاف الكبير الذي ألم بالنظام، وقد تنتهي الأمور إلى وضع لن يكون فيه أحد قادراً على الاستفادة من موته. ذاك أن المعركة السياسية الأخيرة التي نشبت بين «المجتمع الدولي» ونظام الأسد حيدت الشعب السوري وآلامه، تماماً بمقدار ما عجزت الثورة عن اختراق تلك المواجهة وعن إنشاء صلة عضوية بين معركتها ومعركة «المجتمع الدولي» ضد عدو مشترك. وفي القلب من هذه الصورة حل ضعفان: ضعف قيادة باراك أوباما (للأسف، الأمبريالية ضعيفة!) وضعف الثورة السورية. والحال أن الضعف الأول، بعد حروب العراق وأفغانستان وفي ظل الأزمة الاقتصادية، إنما يتغذى على…

حصاد الممانعة البائس

السبت ٣١ أغسطس ٢٠١٣

في التردّد والتمهّل الغربيّين، من انتظار تقرير المفتّشين إلى ما عبّر عنه تصويت مجلس العموم البريطانيّ، تقيم التجربة العراقيّة في مكان عميق. يصحّ هذا على عدم استيفاء الشروط التي تسمح بشنّ حرب مغطّاة قانونيّاً صحّته على النتائج التي انتهى إليها العراق بعد حرب 2003، حيث لم تقلع الديموقراطيّة فيما نشبت النزاعات المذهبيّة واستقرّت بلاد الرافدين في أحضان إيران. لقد فعلت ذاكرة العراق فعلها لجهة التوصّل إلى دروس وعِبَر يبقى من المبكر الجزم في تفاصيل التعلّم منها. هذا في ما خصّ أحد طرفي النزاع. أمّا الطرف المقابل، أي النظام السوريّ وجوقة الممانعين، فتُظهرهم التصريحات والإطلالات التلفزيونيّة على أنّهم لا يستندون إلى أيّة ذاكرة تاريخيّة يستمدّون المعاني منها. لا بل يلوح أنّ التعرّض لـ «العدوان»، وهو تعرّض جوهريّ لا يتغيّر، ولا يتغيّر المعتدون فيه ولا الضحايا، هو وحده تلك الخلفيّة «التاريخيّة» التي يُبنى عليها! فإذا حصل بعض الهبوط الاضطراريّ إلى الواقع، تمّ الاستشهاد بمحطّات هي إمّا هزائم مطنطنة (1967 عربيّاً أو 1982 لبنانيّاً) أو انتصارات مزعومة مطعون بصورتها النقيّة هذه (حرب السويس في 1956 أو حرب تمّوز في 2006). وما أزمة العلاقة بالماضي، بموقعنا منه وموقعه منّا، غير تعبير عن أزمة العلاقة بالحاضر، وفي القلب منه مسألة الحرب التي تكثّف تلك العلاقة. فإذا امتدّت الحيرة حيال الضربة الغربيّة بين إضعافها نظام الأسد…

المشرق العربيّ: العنف يغلب السياسة

السبت ١٧ أغسطس ٢٠١٣

مع اندلاع ثورات «الربيع العربيّ»، كان المؤمّل أن تغدو السياسة الثمرة الأكبر التي تنتجها الحرّيّة. لكنّ نظرة سريعة إلى مصر وسوريّة، وإلى العراق الذي عرف «ربيعه» في 2003، وجزئيّاً لبنان الذي يعيش تداعيات «الربيع» السوريّ، تقودنا إلى فرضيّة أخرى. ذاك أنّ العنف والكراهية اللذين ربّتهما العقود الفائتة نالا نصيباً من الحرّيّة يفوق ما نالته السياسة. لقد تحرّر أيضاً العنف والكراهية، ولدينا منهما الكثير المكبوت، بحيث ابتلعا كلّ سياسة. ففي مصر بدا مفاجئاً مدى إصرار «الإخوان المسلمين» على معاقبة الشعب بالأسلمة، ثمّ بدا مفاجئاً أكثر مدى الكره المكنون والمؤصّل حيال جماعة «الإخوان»، لا عند العسكر فحسب، بل أيضاً عند قطاعات عريضة من المدنيّين، العلمانيّين وأنصاف العلمانيّين. ووسط مذبحة قد تتلوها مذابح، اتّجه «الإخوان» أنفسهم، وقد باتوا الضحايا، إلى الثأر من مكروهيهم الأقباط بالاعتداء عليهم وإحراق كنائسهم! وفي سوريّة لم تعد جماعات «القاعدة» و «النصرة» تفصيلاً تستطيع الثورة أن تتجاوزه وتطوي صفحته. فهذه التنظيمات القاتلة ابتلعت جزءاً كبيراً من الثورة، وتهدّد راهناً بابتلاع الباقي. وحينما يُختطَف رجل كالأب باولو، يصير جائزاً القول إنّ المشاعر المناهضة للمسيحيّين، وللشيعة والعلويّين، بدأت تغلب كلّ المشاعر الأخرى الدائرة في فلك الثورة، بما فيها بناء سوريّة جديدة لجميع أبنائها. والحال، وكما يتبدّى في أعمال القتل المتمادي والعديم الرحمة في العراق، وفي جريمة التفجير الأخير في الضاحية الجنوبيّة…

الحركات الجهادية ضد نفسها

الثلاثاء ٢٣ يوليو ٢٠١٣

أهم ما يفعله الجهاديون المسلحون، على تعدد ساحاتهم الوطنية وكثرة تنظيماتهم، وعلى تفاوت قوتهم، أنهم يعززون الوقائع الصلبة والاتجاهات القابلة لأن تسود في المجتمعات التي ينشطون فيها. وهذا في معزل عن الرأي، سلباً أو إيجاباً، في هذه الوقائع وتلك الاتجاهات الكثيرة. لقد رأينا، في لبنان، عينة صغرى على ذلك في حالة الشيخ الصيداوي أحمد الأسير الذي أتاح لـ «حزب الله» مراكمة انتصار آخر وتثبيت واقع مفاده ترسيخ الهيمنة لسلاحه، وبالتالي تكريس «شرعيته» المفروضة بقوة الأمر الواقع. لا بل تمكن أحمد الأسير، بجميع قواه العقلية، من تمكين واقع زائف هو عادية التقاطع بين الشرعية الرسمية و «شرعية» حزب الله. لقد بات أمر كهذا يبدو عادياً لعدد أكبر من اللبنانيين! على نطاق أوسع وأهم، دفعت الحركات الجهادية المنتشرة في شمال سورية وشرقها، والتي أحجمت قوى الثورة عن مواجهتها، في اتجاهين يصعب التقليل من صلابتهما ومن تجذرهما. فأولاً، ومن خلال إقدامها على اغتيال قادة عسكريين وتهديد آخرين في «الجيش السوري الحر»، قوت نزوع الحرب الأهلية لابتلاع الثورة وتحجيمها. وثانياً، ومن خلال صدامها العسكري بالمسلحين الأكراد في «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي»، دفعت هذا النزوع إلى مرحلة متقدمة وُضع معها قيام دولة كردية في الشمال السوري على جدول أعمال المنطقة. وغني عن القول إن هاتين، أي الحرب الأهلية والدولة الكردية، وجهتان شعبيتان وموضوعيتان كائناً ما…

مصر: الإنذار الكبير

الثلاثاء ٠٢ يوليو ٢٠١٣

جاءت انتفاضة مصر الثانية تردّ على الذين قالوا إنّ ثورات «الربيع العربيّ» أتت بالإسلاميّين وثبّتتهم في مواقع السلطة، وكان الله يحبّ المحسنين. وبالطبع عجّت مثل هذه الأحكام بما لا يُحصى من أشكال الوعي التآمريّ، فضلاً عن المبالغات المحسوبة والمدروسة. فما يحصل في مصر يدلّ، في المقابل، إلى أنّ تلك الثورات فتحت الباب مشرعاً للحرّيّة التي جاءت بالإسلاميّين ثمّ مهّدت، هي نفسها، للانقضاض عليهم. هكذا، وبعد أطنان الكلام المكتوب عن «الإسلام والديموقراطيّة» ممّا لم يكن قابلاً للاختبار والقياس، يوفّر الظرف السياسيّ المحتدم تعريض هذه المعادلة، للمرّة الأولى، إلى اختبار فعليّ. والحال أنّ تجربة العام الذي قضاه محمّد مرسي في سدّة الرئاسة المصريّة جاء شهادة سلبيّة ومكثّفة في سلبيّتها على الفشل. فكيف وأنّ الإسلام السياسيّ الحاكم في تركيّا، وإن على سويّة أرقى كثيراً من السويّة المصريّة، يواجه أزمة كبرى في ممارسته السلطة، بينما الإسلام السياسيّ الحاكم في إيران، وعلى سويّة أشدّ انخفاضاً من السويّتين التركيّة والمصريّة، يستنجد بحسن روحاني الذي ربّما كان آخر أوراق التوت. هذا بذاته، ومن حيث المبدأ، تحوّل كبير سنعاينه على مدى حقبة مقبلة يُرجّح أن تطول. لكنْ بالعودة إلى مصر، تتقاطع المطالبة المبرّرة بتنحّي مرسي (أو تقصير ولايته) تمهيداً لانتخابات رئاسيّة جديدة مع معضلة كبرى تعاون على خلقها التاريخ السياسيّ والثقافيّ للبلد وحاكميّة الإخوان المسلمين بعد ثورة يناير.…

«هيبة الدولة» في لبنان

السبت ٢٩ يونيو ٢٠١٣

ثمّة تعبير يداخل كلّ قول سياسيّ في لبنان. إنّه «هيبة الدولة». والتعبير هذا لم يحظ بالانتشار الذي حظي به لولا ضعف الدولة المزمن، ولولا التوق إلى الأمن والسلام الأهليّ اللذين لا ترعاهما إلاّ الدولة والقانون. لهذا رأينا الجميع، طوائف ومناطق، يحوّلونه واحداً من محفوظاتهم الأثيرة. حتّى أكثر الكارهين لقوّة الدول وأدوار الجيوش يمكن أن يتسامحوا مع هذا المطلب اللبنانيّ الشرعيّ جدّاً، لأنّ المقصود بـ «هيبة الدولة»، في هذه الحال، ليس إنزال الطغيان في الداخل ولا ممارسة العدوان في الخارج، بل الحدّ من صلف الطوائف ومن قدرتها على انتهاج الطغيان والعدوان. لكنّ التعلّق اللبنانيّ بـ «هيبة الدولة» كثيراً ما يقود أصحابه إلى الاستخفاف والاسترخاص. هكذا يصاب كثيرون منّا بالتخمة بعد لقمتين اثنتين بسبب الجوع المتأصّل فيتراءى لهم أنّ الشبع أدركهم. على هذا النحو يغدو قمع ظاهرة غبيّة وفولكلوريّة، وإن كانت شريرة، كظاهرة أحمد الأسير في صيدا، انتصاراً لـ «هيبة الدولة» إيّاها. وواقع كهذا يقول كم أنّ تلك «الهيبة» السهلة جدّاً صعبة جدّاً. برهان ذلك لا يقتصر على تصدّع المؤسّسات الرسميّة، أو شللها، واحدة بعد الأخرى، ولا تنمّ عنه قدرة أحد النوّاب على اتّهام رئيس الجمهوريّة بـ «الخيانة العظمى» لمجرّد أنّ الرئيس قرّر أن يكون رئيساً وأن يشكو إلى العالم حكومة البلد التي تقصف بلده وشعبه. فقبل هذا، وفوق هذا، تبقى «هيبة…

احتضار الإسلام السياسي

السبت ٢٢ يونيو ٢٠١٣

منذ سنوات مديدة نسبياً، يتحدّث بعض المراقبين والمحللين، العرب منهم وغير العرب، المسلمين وغير المسلمين، عن ضمور الإسلام السياسي أو انحساره. لكن هذا التناول ظلّ في غالبه أقرب إلى تأملات نظرية وتكهنات ثقافية لا يسندها الواقع كثيراً. لا بل كان كثير من تلك الأطروحات يهبّ في مواجهة الوقائع الصلبة والملموسة، حتى ليبدو أقرب إلى التمنيات التي يطلقها أصحابها لأسباب شتى. ذاك أن علامات قوة الإسلام السياسي كانت تتعاظم في غير بلد من بلدان العالم الإسلامي، كما يتعاظم معها الميل الشعبي والرسمي سواء بسواء إلى تديين الحياة العامة واستعارة القاموس والمعايير وسائر الاستخدامات الوثيقة الصلة بحركات الإسلام النضالي والحركي. لكنْ منذ وصول «حزب العدالة والتنمية»، مطلع هذا القرن، إلى السلطة في تركيا، أصبحت الأمور قابلة للقياس الفعلي. فهنا، لم نعد أمام آراء ووجهات نظر عن «الصلة بين الإسلام والديمقراطية» أو بين «الحداثة والأصالة». لقد بتنا، في المقابل، أمام تجربة ملموسة في الحاكمية كما في تسيير أمور الاقتصاد والسياسة والتعليم والصحة والمواصلات وسوى ذلك مما يعني المواطنين ويستدعي رأيهم فيه. والحق يقال إن التجربة التركية جاءت تحكم لمصلحة الإسلام السياسي، وذلك لأسباب كثيرة حكمتها طبيعة المرحلة تلك. ففضلاً عن تمسك «حزب العدالة والتنمية» باللعبة البرلمانية والنظام الديمقراطي، وعن استمرار السعي للاندماج بالمجموعة الأوروبية وإظهار التوقير لمؤسس الدولة كمال أتاتورك، ظلّ العنوان الأبرز…