جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

نادي المجلات القديمة.. وسوق «القفاصة»

الأربعاء ٢٦ سبتمبر ٢٠١٢

أفكر أن أؤسس نادياً لهواة جمع المجلات القديمة، على غرار جمعية هواة جمع الطوابع السعودية، التي رأسها أخيراً الصديق أسامة كردي، عضو مجلس الشورى الهاوي، من أيام الدراسة لجمع الطوابع، الذي وعد بأنه سيضخ فيها الحياة من جديد، فأنا من هواة جمع المجلات القديمة وأقتني تشكيلة معتبرة منها. أعتقد أن وسائل الإعلام الاجتماعي «السوشال ميديا» حريٌ بها أن تنشط عملية التعارف بين الهواة وتبادل المقتنيات أكثر من أي شيء آخر، وهو ما سأعتمد عليه أولاً عندما أدعو لتأسيس جمعيتي المقترحة، أذكر أنني اشتريت مقتنيات عدة من موقع eBay ، مثل عملات سعودية قديمة، وطوابع، وبطاقات بريدية، وأعداد من مجلات قديمة عن السعودية، خصوصاً «ناشيونال جيوغرافيك»، ومجلة «لايف»، التي اقتنيت منها عدداً واحداً يتضمن أول حوار مصور للملك الراحل عبدالعزيز، نُشر عام 1943، تنبهت بتصفحه أن أشهر صور الراحل المتداولة هي من ذلك العدد، إنه موقع ثري للباحث عن أية مقتنيات قديمة. في الولايات المتحدة وأوروبا يقصد هواة المقتنيات أسواقاً شعبية يسمونهاFlea Market ، وعادة ما تكون في أيام العطل ونهاية الأسبوع، تعرض فيها كل شيء، من الملابس والتحف، إلى الكتب والمجلات، والاسطوانات القديمة، ربما بدأت الفكرة للتخلص من أثاث منزل قديم، أو أغراض شخص توفي، ولكنها بمرور الوقت تحولت إلى العنوان الأول للباحثين عن «الانتيك»، بل حتى الأثريات، والمقتنيات القيمة،…

العلل الأفغانية في الثورة السورية

السبت ٢٢ سبتمبر ٢٠١٢

وجب التشاؤم حيال الأزمة السورية، ويجب الاستعداد للأسوأ، فعندما يترك المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي المكلف حل الأزمة، عمله الحقيقي ويزور مخيمات للاجئين في تركيا، فهذا لا يعني سوى أن الرجل ليس عنده أفكار، ويريد أن يبدو بمظهر المهتم النشط ريثما يقدر الله أمراً كان محتوماً. وكذلك عندما تغيب السعودية عن اجتماع وزراء خارجية اللجنة الرباعية التي اقترحتها مصر لحل الأزمة، فهذا لا يعني غير أنها فقدت الأمل، فإذا كان هدف اللجنة إقناع إيران بتغيير موقفها، فلا أمل في ذلك فهي في مركب «بشار» حتى لو غرقت معه. وإن كان الهدف التوصل إلى حل، فكيف للجنة فيها إيران أن تتوصل إلى حل عجزت عنه مجموعة أصدقاء سورية التي تضم حوالى مئة دولة، وقبلها الجامعة العربية والأمم المتحدة. إن مجرد استمرار هذه اللجنة من موجبات التشاؤم، على رغم تأكد فشلها للمصريين والأتراك، ليس بسبب غياب السعودية وإنما لـ «المسخرة» الإيرانية، والتي يعترف رئيس حرسها الثوري بوجود عناصره في سورية لمساعدة النظام «ولكنهم لا يقومون بدور عسكري»، ثم يقول إنهم لن يتدخلوا لإنقاذ النظام، ثم ينفي متحدث رسمي إيراني التصريحات ويؤكد أنهم لن يسمحوا بسقوط النظام، فلا تعرف ما الذي ينفون وما الذي يثبتون. ثم بكل وقاحة يعلنون من القاهرة مبادرة لوقف إطلاق النار، بشرط وقف دعم المعارضة وإطلاق حوار يؤدي إلى «إصلاحات…

الشيخ حسن أيوب ونيل أرمسترونج ومسجد العامودي

الثلاثاء ١٨ سبتمبر ٢٠١٢

زمان، عندما كنت شاباً، وما أحلى تلك الأيام، واظبت لنحو عامين، على صلاة الجمعة في مسجد العمودي بجدة بحي الخالدية، لا يزال المسجد الفسيح قائماً، ولكن لم يستطع أي إمام أن يعيد إليه تلك الأيام الخوالي، كان ذلك في أواخر الثمانينات، إمام المسجد هو الشيخ حسن أيوب رحمه الله، من الرعيل الأول لـ«الإخوان المسلمون»، كان متقدماً في السن وقتها ولكن بنشاط الشباب، ربما كان في أواخر السبعين وقتها ذلك أنه توفي بقريته بالمنوفية وقد ناهز التسعين عام 2006. كان يصل المسجد ونحن معه مبكراً، يبدأ درسه الأول قبل الصلاة بساعتين في الفقه أو العقيدة أو السيرة، ذلك أنه عالم موسوعي، ثم ينهي الدرس قبل الصلاة بنحو النصف ساعة كأنه يريد من رواد المسجد أن ينشغلوا بتلاوة القرآن والتأمل والتسبيح، خطبة الجمعة كانت تستغرق على الأقل ساعة، ورغم طولها كانت ممتعة، ما جذب للمسجد مصلين يأتون من أطراف المدينة، ما حمل المحسن الكبير الذي بنى المسجد الشيخ أحمد العمودي على إضافة مساحة أكبر من مساحة المسجد وقد غطاها بمظلات. خارج المسجد يتحول إلى سوق للكتب والأشرطة الإسلامية مع شتى السلع، كانت أياماً رائعة، كنت ألتقي خلال تلك الساعات بالمسجد أصدقاء، أذكر مرة أن نظمنا حملة لجمع تبرعات لأفغانستان فامتلأت الصناديق بالمال، وحدي عددت ما قيمته 80 ألف ريال كانت حصيلة صندوق…

لا أحد بريئاً في أزمة فيلم «براءة المسلمين»

السبت ١٥ سبتمبر ٢٠١٢

شاهدت قبل قليل على «يوتيوب» مقطعاً طويلاً من فيلم «براءة المسلمين» المسيء إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والذي كان سبب التظاهرات العنيفة التي شهدتها القاهرة وبنغازي الثلاثاء الماضي، سامح الله من أرسل لي في «تويتر» المقطع وطلب أن أبلغ عنه كي يحذفوه، ليته لم يفعل. لقد روّج له مثلما فعل الحمقى والمغفلون حول سفارتي الولايات المتحدة بالقاهرة وبنغازي. شعرت بغضب شديد، بل بقرف من الفيلم، أن تبلغ الوقاحة بإنسان الإساءة إلى حبيبي وسيدي رسول الله، النبي الكريم، كامل الخلق والعمل، ولكني لن أخرج في تظاهرة غير منضبطة، ولن أؤيد الدعوة لها، ناهيك أن أهاجم السفارة الأميركية، أو أقصفها بالصواريخ، بل إنني نصرةً لرسول الله، ومحبة له، واتباعاً لنهجه، أدعو إلى معاقبة كل من هاجم السفارتين ومن حرّض على ذلك وبشدة. يجب أن نمتلك الشجاعة في أن ننكر جريمة أبنائنا قبل أن ننكر جريمة أعدائنا. بات من نافلة القول إن هذا الفيلم ليس الأول ولن يكون الأخير، فبإمكان باحث أن يضع رسالة دكتوراه في تاريخ إساءات بعض اليهود والمسيحيين لشخص الرسول وتاريخه، فالإسلام اصطدم باكراً بالديانتين، أو بالأحرى بزعماء الديانتين، أما أتباعها فوجدوا في الإسلام المبكر تسامحاً غير مسبوق من المنتصر، ما رغّب كثيراً منهم في التحول طوعاً نحو الإسلام، وبذلك انتشر في بلاد الشام والعراق ومصر وبقية شمال أفريقيا،…

«بائع البطيخ» الذي أكل الطبقة الوسطى!

السبت ٠٨ سبتمبر ٢٠١٢

توقف أبو سلطان في محطة بنزين بالدرب، أخذت أتأمل المكان، بلدة بائسة بكل ما تعنيه الكلمة، محطة بنزين متواضعة، لا شيء يلفت الانتباه غير بلدة سعودية، فاتها قطار التنمية. ولكن ما لفت انتباهي هو انتشار الأجانب فيها من كل الأجناس، مثل أية مدينة سعودية أخرى، تجدهم في البقالة المتواضعة، خلف مقود سيارة النقل بجواري، يباشرون حفريات مشروع ما على الجانب الآخر من الشارع نصف المسفلت، بعضهم جالس على طرف الرصيف مسترخياً، إذ لا يبدو أن ثمة أعمالاً كثيرة هنا، عامل المحطة الذي ملأ خزان السيارة بالوقود الرخيص كان باكستانياً، تركنا ومضى إلى قائد عربة النقل البيضاء السوداني بجوارنا، وأخذ يكاسره لشراء حمولته من البطيخ، عاد إلينا ولم ينهِ الصفقة، ولكني سمعته يعرض عليه 700 ريال. تحرك أبو سلطان بسيارة الفورد البيضاء، ليصعد الطريق عائداً إلى أبها، حيث مكاتب صحيفة «الوطن»، التي كنت رئيساً لتحريرها وقتذاك. الدرب مدينة ساحلية في منطقة جازان جنوب المملكة. يفترض أن تكون سواحلها منتجعات سياحية لأهل عسير القريبة منها، إذ توجد كثافة سكانية عالية، ثمة مزارع قليلة ومصائد هناك أيضاً. كنت متشبعاً بفكرة «توفير الوظائف للشباب السعودي»، التي أصبحت منذ أكثر من عقد الحديث الشاغل للمسؤولين والصحافة، ولن أقول «الشغل الشاغل»، خصوصاً أنني كنت عائداً ساعتها من الحريضة، وهي أيضاً على ساحل تهامة، ولكنها تتبع لإمارة…

ذكريات لا تهم أحداً

الجمعة ٠٧ سبتمبر ٢٠١٢

انظر حولك، هل أنت بحاجة إلى كل الأغراض التي تحيط بك؟ كل الكتب في مكتبتك؟ ماذا عن المجلات القديمة، الأسلاك، الجوالات التي ما عدت تستخدمها، الشواحن التي لا تعرف لأي جوال؟ افتح الأدراج من حولك، فواتير قديمة، أقلام، صور، أدوية، كروت لمعارف لم تعد تذكرهم، تذكرة سفر لمكان لا تتذكر متى سافرت إليه ومع من، بل ثمة أجزاء من أجهزة تاهت، ربما لا تعرف ما هي. لنذهب إلى دولاب الملابس، لا توقف هنا، خاصة دولاب ملابس ابنتك أو زوجتك، هنا كله مهم، الأحذية، مستحيل، الحقائب، كله إلا الحقائب. هل تعرف متى ستتخلص من كل هذه الأشياء من حولك، الحقيقة لست من سيتخلص منها وإنما ورثتك، آسف «قلبتها نكد»، بعد الشر، الله يكتب لي ولك طول العمر. ولكن بالفعل هذا ما يحصل، أتذكر جاري في العمارة، كابتن طيار متقاعد، كان يعيش وحده، لست حشرياً بما يكفي لأن أساله أين زوجتك؟ الأسوأ لو سألته ماذا فعلت بزوجتك حتى تركتك حراً هكذا، كان أبناؤه وبناته يزورونه بين فترة وأخرى. يوماً ما عدت من سفر فوجدت كمية هائلة من مجلات وكتب بالإنجليزية، معظمها لها علاقة بالطيران، كان ثمة بضعة أعداد من «الناشيونال جيوجرافيك»، أعشق هذه المجلة، قلبت فيها قليلاً ثم شعرت بالحرج لفضولي وانصرفت لشقتي. عرفت لاحقاً أن جارنا الطيار قد توفي، رحمه الله،…

لماذا يجب أن ننتج مسلسلاً آخر عن عمر؟

السبت ٠١ سبتمبر ٢٠١٢

من السهل القول إن ما من مسلسل واحد يستطيع أن يفي عمر بن الخطاب حقه، لكن الناقد لمسلسل عمر الذي أمتعنا وشغلنا في رمضان الفائت سيقول بذلك، فثمة قصور في المسلسل على روعته وحسن أدائه، ذلك أن عمر تاه فيه، كانت الكاميرا تنتقل بعيداً عنه إلى تفاصيل السيرة النبوية وغزوات الرسول عليه الصلاة والسلام ثم الفتوحات الإسلامية الكبرى، نعم قد عاش عمر كل هذا، وكان أحد أبطال هذه الأحداث، لكن ليس هذا الذي لفت انتباه مشاهدي المسلسل. تابعت المسلسل بشغف، حباً في عمر، واطلاعاً على هذه التجربة الجريئة أن كسر منتجه ومخرجه وكاتبه «تابو» قديماً ألا يصور شخوص الخلفاء الراشدين وقيل أيضاً العشرة المبشرين بالجنة، كسر هذا الحظر التقليدي القديم سيفتح باباً للدراما والإبداع، وسوف يشجع آخرين لتكرار التجربة، وقد سبقهم إلى ذلك مسلسل الحسن والحسين، ومن قبل هؤلاء وهؤلاء فيلم «الرسالة» للراحل مصطفى العقاد. قوة المسلسل كانت في عمر وأقواله المأثورة، وفقهه ومواقفه الشهيرة، وخطبه، وبلاغته، هذه قوة عمر وميزة سيرته الباقية والمؤثرة في تاريخ وحضارة المسلمين، لكن مخرج المسلسل وكاتبه توسعا إلى أخبار الفتوحات ومشاهد القتال، وافتخر منتجه أن جمع عشرات آلاف من الرجال والسيوف والأزياء والأفيال والخيول والجمال، كل ذلك مكلف، ومبدع، استخدمت تقنيات جديدة، وبنيت مدن وأسوار، ولعل المسلسل كان فتحاً في استخدام الجرافيك، استغرق هذا…

الأجنبي والثري اللذان أكلا الطبقة الوسطى في السعودية

السبت ٠١ سبتمبر ٢٠١٢

الخبر الجيد أن أستاذ الاقتصاد الدكتور عبدالوهاب القحطاني الذي أثار قضية تآكل الطبقة الوسطى في السعودية كُلّف هو وجامعته العريقة «الملك فهد للبترول والمعادن» بإعداد دراسة ضافية حول الموضوع. هكذا يكون المسؤول مسؤولاً، وهكذا تبدأ الحلول بالبحث عن أسباب المشكلة وجذورها. حتى نرى تلك الدراسة لا بد لنا كسعوديين أن نستمر في البحث وتقليب كل حجر، والنظر أسفله وأعلاه، كي نفهم ثم نعالج أكبر تحدٍّ يواجه المملكة وشعبها الذي نريده سعيداً مستقراً، فلعل بعضاً من وجهات النظر تساهم في تلك الدراسة فتساعد في الحل. لكي تكون معلوماتنا دقيقة، لا بد لوزارة الاقتصاد والتخطيط أن تصدر مؤشرات اقتصادية دورية، تدل إلى صحة أو مرض اقتصاد الطبقة الوسطى. فالمؤشرات الحالية التي تخرج بها وزارة المالية وغيرها تحمل أرقاماً طيبة ومطمئنة، إنما تشير إلى اقتصاد النفط الريعي وليس اقتصاد الطبقة الوسطى الحقيقي الإنتاجي، آخرها كان إعلان مؤسسة النقد الأسبوع الماضي عن ارتفاع موجوداتها إلى 2287 بليون ريال، بزيادة 23 بليوناً لشهر تموز (يوليو) وحده. خبر طيب، ولكنه يشير إلى زيادة جاءت من الحكومة التي تودع فائض إيراداتها «النفطية» في المؤسسة لا إيداعات الطبقة الوسطى أو حتى قطاع الأعمال، التي لا تقارن مع الأرقام النفطية الجميلة. الولايات المتحدة مثلاً لديها مؤشرات اقتصادية ما إن تصدر وتذاع حتى ترى أثرها على السوق، مثل مؤشر مدى…

التجارة العادلة وصديقي فريد

الخميس ٣٠ أغسطس ٢٠١٢

زمان، قبل نحو ربع قرن، كان هناك رجل نبيل، اسمه الدكتور فريد قرشي، من أهل جدة، نسيناه تماماً، رغم أنه يستحق أن يطلق اسمه على قاعة في جامعته، أو حتى على مسجد، فهو مؤسس العمل الخيري الحديث في المملكة، ولكن هكذا نفعل مع الصالحين، ننساهم بسرعة، ربما هم يريدون ذلك ففريد اختار عمل الخير مع الفقراء والمعوزين، وهؤلاء لا يبحثون عن الشهرة، يكفيهم وعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يحشروا معه والفقراء والمساكين الذين أحبوهم. وجد الشاب، الخريج حديثاً من أمريكا، أن أهل بلاده يحبون الخير والتصدق على الفقراء ومساعدتهم، ليس في السعودية فقط وإنما في كل بلاد المسلمين، ذلك أنهم يلتقون المسلمين دوماً وهم يحجون ويعتمرون في ديارهم فيسمعون منهم معاناتهم فيحنون عليهم بما أفاء الله عليهم من فضله، ولكنه لاحظ أن العمل الخيري غالباً ما يكون فردياً فينقطع بعد صاحبه، أو غير منظم فلا يحقق مقاصده. طرَق فريد البيوت من أبوابها، فبحث عن آلية ما لتنظيم وتشجيع العمل الخيري فوجد أن ثمة إدارة مهملة في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة تدعى هيئة الإغاثة الإسلامية، أقنع رئيس الهيئة وقتذاك ولا أذكر ما إذا كان الدكتور الفاضل المحب للخير عبدالله نصيف أم غيره، فأخرج الهيئة من غرفة صغيرة وحولها إلى أكبر منظمة إغاثة إسلامية وأضاف إليها…

كيف شعرت عندما رأيت الكعبة لأول مرة؟

الإثنين ٢٧ أغسطس ٢٠١٢

تحدثت الأسبوع الماضي عن متعلقات الحاكمة الهندية البيجوم نواب إسكندر والمناضل الأمريكي مايكل إكس، ومذكراتها عن الحج التي عرضت في معرض الحج قلب الإسلام، الذي أقيم بنجاح باهر في المتحف البريطاني قبل أشهر عدة. كانت هناك مذكرات أو يوميات أخرى في المعرض، لشابة بريطانية من أصل هندي، صاغت مشاعرها لحظة بلحظة في رحلة الحج الكفيلة بهز المسلم وإعادة تركيبه من جديد، شاركت تلك الشابة في برنامج تلفزيوني سجل رحلتها، ولكن هي الأخرى سجلتها في دفتر صغير بعبارات جميلة. يجب أن نفعل ذلك، في الحج أو العمرة، هناك من سجل انطباعه الأول لحظة رأى الكعبة الشريفة لأول مرة، ابحث عنهم في جوجل، نحن الآن نودّع شهر رمضان، وبين رمضان والكعبة علاقة، كثيرون يفطرون بينما يرقبون الكعبة والحرم في تلفزيونهم، سعداء الحظ من يعتمرون في رمضان، وأول العمرة الطواف، تتقدم نحو صحن الحرم، تمضي وسط الحشود من حولك، لا ترى غير ظهورهم وتسمع تسبيحهم، لو جلت بعينيك لا ترى غير الأعمدة، في البداية الأعمدة الأسمنتية الجميلة في العمارات السعودية المتعاقبة، ثم أعمدة الحرم الحجرية المختمرة بأنسام الصالحين على مدى مئات السنين، وأدعو الله ألا تزال، ثم فجأة تبدو لك الكعبة، تقف، تتسمر، البعض تنهال دموعه في صمت بينما يبحث عن الدعاء المناسب، تتذكر بعض العبارات، تسعفك زوجتك بدعاء حملته معها بعناية «لا…

«نعمة السعوديين» وتآكل الطبقة الوسطى

السبت ٢٥ أغسطس ٢٠١٢

مضى العيد بأفراحه وابتساماته وحان الوقت للحديث عن أتراح الحياة وصعوباتها، مثل تآكل الطبقة الوسطى في السعودية. صحيفة «الشرق» السعودية، ألقت بهذه القنبلة في نهاية تموز (يوليو) الماضي، مستندة إلى دراسة أعدها أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك فهد بالظهران الدكتور عبدالوهاب القحطاني، وتلقفها أكثر من كاتب ومحلل ليعلق عليها بعد ذلك. ربما الدراسة مبالَغ فيها، فكيف تتآكل الطبقة الوسطى في بلد نفطي ثري كالسعودية؟ طرح السؤال الزميل جميل الذيابي في مقال نشر هنا قبل أسابيع قليلة معلقاً على الدراسة، ولكنه لم يتلقّ جواباً من وزارة الاقتصاد والتخطيط المنوط بها التعليق على أمر جلل كهذا، بل إنها لم تعلق على الدراسة الأصلية التي تقول إن الطبقة الوسطى تضاءلت بنسبة 30 في المئة، بينما يفترض أن تكون على الأقل 60 في المئة من المجتمع، ليكون مجتمعاً صحيحاً، وكلما زادت تحسن الوضع الاقتصادي للمجتمع، كما يقول الخبراء، لأن الطبقة الوسطى هي أساس الدورة الاقتصادية، فهي دافعة الضرائب الأكبر، التي تشكل الإيراد الأول، إن لم يكن الوحيد لموارد الدولة ذات الاقتصاد الطبيعي. ولكننا في السعودية لا ندفع ضرائب، فهل لهذا السبب لم تهتم وزارة الاقتصاد والتخطيط بالتعليق على الدراسة؟ ولكن الطبقة الوسطى هي المحرك الأساسي للإنفاق، كما أنها تمثل الطبقة العاملة والمشغلة أيضاً، وستصبح عبئاً على الدولة في حال انتقالها من موقع «الوسطى» إلى الفقيرة،…

نصيحة أخرى لليبيا الجديدة: تحرروا من لعنة النفط

السبت ١٨ أغسطس ٢٠١٢

بعيد انتصار الليبيين في معركتهم ضد القذافي وعهده العقيم، نشرت مقالاً هنا عنوانه «ثلاث نصائح إلى ليبيا الجديدة»، دعوتهم فيه للتحرر من إدمان العمالة الرخيصة وإلى تهميش القبلية، وأن يحرصوا على أن تكون حكومتهم القادمة «صغيرة» بمسؤوليات محدودة ولكن فعالة. تلقى أصدقائي هناك نصائحي بقبول حسن، فوجدت المقال وقد نشر في أكثر من موقع ليبي، ما يشجعني اليوم وقد نجحت ليبيا في أول انتخابات حرة، وشكلت حكومتها التنفيذية، أن أتجرأ مرة أخرى وأقدم لهم نصيحة رابعة «تحرروا من النفط ولعنته». منذ الستينات، ومع فورة الوعي الوطني في الدول العربية النفطية ومتلازمة «النفط والتنمية والحكم»، تسيطر على فكر ونشاط الجيل المتعلم من شباب تلك الدول، الذين عادوا إلى بلدانهم من الغرب حاملين شهادات عليا تبوأوا بها مواقع متقدمة في شركاتهم النفطية بجوار «الخواجات» الذين كان لهم فضل استكشاف النفط وتأسيس صناعته، وكذلك استغلاله بشكل جائر. الحكام أيضاً انشغلوا بقضية النفط الشائكة، فدخلت الأطراف الثلاثة (الحكام والتكنوقراط الوطنيون وشركات النفط) في علاقة معقدة تتراوح بين التعاون والتنافر وعدم الثقة والكثير من الطمع. كان الهدف الأول استعادة السيادة على النفط، أو تحريره من الشركات الغربية العملاقة التي كانت أميركية وأوروبية، تأخذ الكثير وتعطي أصحاب النفط سنتات معدودات. مع حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 تحررت أسعار النفط، وأكملت معظم الدول النفطية بشكل وبآخر «تأميم»…