مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

كارثة الديمقراطية

الخميس ٢٤ يناير ٢٠١٣

أن تكون إعلامياً أو كاتباً أو شاعراً أو فناناً أو أي شيء، ولستَ مع "الجماعة" قلباً وقالباً؛ فتلك عند "الجماعة مصيبة". وتكون المصيبة أكبر لديها إن أعلنتَ موقفك بأنك ضد فكر "الجماعة" وسياستها، وهنا عليك أن تكون حذراً في كل حركاتك وسكناتك وعباراتك وخطواتك لئلا يستغل أحد المنتمين إليها شبه زلة أو عثرة منكَ، فيجرجرك في المحاكم بتهم شتى تبدأ بالإساءة إلى الدين – حتى وأنت تحترمه وتقدسه – وتنتهي حيث لا تدري... "الجماعة" هي "الإخوان المسلمون"، وما سبق هو حال الوسط الثقافي والفكري في مصر هذه الأيام حيث يُستغرب الوضع الذي آلت إليه الأمور، فـ"الإخوان" احتكروا الدين وصادروا الحريات باسمه، وبات على من يقرأ آية قرآنية في برنامج ما أن يخشى من تأويل "إخواني" لحركة يده وتعابير وجهه فيعتبر ذلك استهزاء وإساءة، ومن مثّل فيلماً ذات يوم يجب أن يسترجع شريط ذاكرته حتى لا يقاد إلى المحكمة بتهمة جاهزة. غير المنطقي في دولة ذات إرث عريق أن تقبل المحاكم العادية دعاوى "الإخوانيين" في قضايا تتعلق بالكتابة والإعلام، والمفترض أن يكون هناك فرع في وزارة الإعلام لتلقي تلك الدعاوى، غير أن سطوة "الإخوان" على ما يبدو أقوى، فسيروا الأمور وفق ما تقتضيه مصالحهم ورغبتهم في فرض الوصاية على الناس. إشكالية "الجماعة" أنها في حالة ذهول من التغيير الذي حدث، وكونها…

.. ولكن ظرفاء

الأحد ٢٠ يناير ٢٠١٣

ـ 1 ـ كثيرة هي مفارقات العمل الصحافي، ولعل أمتعها ما يرتبط بشرائح مختلفة ممن يرسلون كتاباتهم إلى صفحة القراء، وهي إحدى أهم الصفحات لأنها تطرح نبض الناس وتكشف عن كتاب متميزين صار عدد منهم أعلاماً لاحقاً. ثمة قراء يرسلون ولا يلحون أو يحدثون ضجيجاً، ينتظرون النشر ولا يتذمرون. وآخرون يصنفون ضمن الظرفاء لكونهم حالات خاصة، فمثلاً واظب أحدهم بين عامي 2000 و2010 على إرسال مقالاته بالبريد العادي لكونه لم يدخل حتى زمن الفاكس، ومنها ما يصل بعد أكثر من شهر ويكون تعليقاً على حدثٍ ما، ولجودة كتابته رُشّح لصفحة الرأي، لكن عجزنا في إيجاد طريقة تواصل معه، وأظنه لم يدخل عصر الهاتف أيضاً. ـ 2 ـ قارئ ظريف من دولة عربية أرسل بالبريد الإلكتروني مقالاً نشر في صفحة القراء، ثم أتبعه بثان وثالث وهو يشكر. لكنه اعترض في الرابع معتبراً أنه كاتب كبير يستحق موقعاً ثابتاً أسبوعياً. تم الرد عليه بتهذيب بأنه لا يوجد مساحات فارغة. لكنه «طنش» واستمر يرسل، ولم ينسَ أن يرفق رقم حسابه. ـ 3 ـ آخر امتعض من النشر في صفحة القراء باعتباره كاتب رأي في صحف أخرى. طلبت منه نماذج سابقة لكتاباته، فكانت المفاجأة أنها كلها في صفحات القراء. ـ 4 ـ ظريف يصدّر رسالته بالقول: زاويتي ليوم (.....)، وسواء نشر ما أرسل أم…

السخرية والضحك والذائقة الجمعية

الخميس ١٧ يناير ٢٠١٣

حكى لي أحد الكتاب الساخرين أنه شارك ذات مرة في ندوة حوارية مع اثنين من الساخرين مثله، محورها النمط الكتابي الخاص بهم، أي الكتابة الساخرة.. وبعد نهاية الندوة أبدى عدد من الحضور امتعاضهم من المشاركين لأنهم لم يضحكوهم، ما يعني أن قسماً من الجمهور جاء ليضحك على اعتبار أن الكاتب الساخر قادر على تحريض هذا الفعل لديهم. وذات مهرجان مسرحي في أبها أيام مسرحها المكشوف في المفتاحة، قدمت إحدى الفرق مسرحية جادة بإمكاناتها البسيطة، وبعد فترة من بدء العرض شرع معظم الحضور بالمغادرة.. سألت البعض ممن كانوا يجلسون جواري عن سبب مغادرتهم، فكان الرد: "ما فيها شي يضحك".. وزرت قبل صدور "الوطن" بشهور مع صديقي فنان الكاريكاتير مديرَ بنكٍ في المنطقة، وما إن عرف أن ضيفه رسام كاريكاتير حتى بدأ يرمي النكات واحدة تلو الأخرى.. وصديقي عبدالهادي شماع يكتفي بالابتسامات، فاللهجة كانت جديدة عليه وقتها، ما أثار استغراب المدير من فنان الكاريكاتير الذي لم يستلقِ على قفاه من الضحك لنكاته الرائعة.. وضاع موضوع فتح الحساب حتى تذكرناه ونحن نصافح المدير للمغادرة، وهنا ضحك شماع من أعماقه على المفارقة.. إشكالية الكثير من الناس أنهم يتبنون فكرة اختُزنت في ذاكرتهم ولا ينحازون إلى غيرها، ويأخذون المفردة كما هي ولا يبحثون في مدلولاتها وما تقود إليه، كما في الحالات التي سبق ذكرها. ولذلك…

“المفتاحة”.. وجيل الضوء

الخميس ١٠ يناير ٢٠١٣

التصوير الضوئي أكثر من كونه مجرد صور، فهو فن مميز يستطيع المرء عبره تقديم لوحات إبداعية. وما يدعو للتفاؤل في هذا الفن توجه عدد كبير من جيل الشباب إليه، فمن خلال زاوية "أصدقاء الضوء" في صفحة "نقاشات" في "الوطن" نرى تجارب مبشرة قد تحتاج صقلا وتنمية معارف وتدريب، لنجد أنفسنا في النهاية أمام جيل متمرس قادر على التحليق في فضاءات هذا الفن، وما يقدمه المتميز أحمد ماطر مثال حقيقي للجد وامتلاك الرؤية، والسعي لصناعة عالم خاص يرتكز على العدسة، ويغوص في أعماق الأفكار محققا عنصري الجمال والإدهاش. أتذكر أنه أواخر التسعينات من القرن العشرين أقمنا دورة للتصوير الضوئي في قرية المفتاحة في أبها، تحت مظلة جمعية الثقافة والفنون، بترحيب من مديرها الشاعر أحمد عسيري، حاضرتُ فيها مع الصديقين الدكتور محمود الهوبي، والصحفي حسن سلطان المازني، وهي في حقيقتها كانت جلسات حوارية، يتحدث فيها أحدنا عن فنون التصوير وتقنياته وأساليبه ومجالاته، ثم يبدأ النقاش والاستفسارات مع التطبيق العملي على الكاميرا، لكن من غير تصوير فالكاميرات الرقمية لم تصلنا بعد، وكي نطبق عمليا ونطبع اللقطات يلزمنا أن نذهب إلى أي أستوديو للتحميض والإظهار والطباعة. إلى ذلك، ولأننا كمجموعة لم نكن من مؤيدي التصوير الآلي، فقد جرى الحديث كله عن الكاميرات اليدوية واستخدام تقنياتها وكيفية توظيف "الفلاتر" للحصول على لقطات مختلفة، وكذلك طرق…

لم يكن ربيعا

الخميس ٠٣ يناير ٢٠١٣

بعد مرور أكثر من عامين على انطلاق شرارة الربيع العربي من تونس، لا يوحي المشهد في دول الربيع بأن الثورات حققت أهدافها، والمسألة يمكن اختصارها بإحدى حالتين، فإما سيطرة الإسلام السياسي أو أن الاضطراب يتسيّد المكان. في الحالة الثانية، ليبيا لم تستقر على الرغم من انتخاباتها الحرة، وما زالت ثقافة السلاح تحتاج زمناً ليتخلص الناس منها.. وسورية في وضع يرثى له، نظام مرفوض شعبياً يتمسك بالسلطة ويحرق الأخضر واليابس، بل إنه لم يترك شيئاً من الأخضر، ومعارضة اضطرت للتسلح لحماية المواطنين من بطش الآلة العسكرية للنظام... أما الحالة الأولى فمثالها مصر وتونس، فالثورة حصد الإخوان المسلمون نتائجها، واستلموا إدارة البلاد، وبدأت مراحل التكوين وتفصيل الدستور طبقاً لرؤيتهم ومصالحهم.. وربما كان "إخوان" تونس أكثر وعياً، فأعطوا الليبراليين حصة الرئاسة وإن كانت شكلية، فيما قرر "إخوان" مصر أن يأخذوا الحصص كلها فانكشفوا أمام الآخرين لكن بعد فوات الأوان، فالشعب قال كلمته وانتخب ليمنح بأصواته لـ"الإخوان" الأفضلية في تصدر المشهد المصري. عامان على بدء الربيع العربي، والوضع يوحي بأنه لم يكن ربيعاً كما كان الحلم، وإنما هو مرحلة انتقالية لعلها تسبق الربيع المنشود، فمجريات الأحداث والظروف التي قادت الإسلام السياسي إلى السلطة في طريقها لأن تتغير، وبالتالي يصعب أن يبقى الطريق سهلاً لـ"الإخوان" كما كان في المرحلة الأولى التي تلت الثورات، فالأنظمة السابقة…

المتنبي والطغاة.. وأبواب حلب

الخميس ٢٧ ديسمبر ٢٠١٢

فيما ترسل الدول التي تحترم مواطنيها طائرات الإخلاء الطبي لإنقاذ وعلاج من يصابون منهم بأي أذى، يرسل النظام السوري طائراته المقاتلة لقتل مواطنيه وتدمير مساكنهم. وفيما تهتم الدول بتراثها وآثارها وتاريخها، يقوم النظام السوري بتدمير الآثار، ويريد إعادة كتابة التاريخ حسب هواه، معتقدا أن زمن هيمنة "البعث" لم يتغير، وأنه يستطيع الاستمرار بتزوير تاريخ بلد عريق، ليجعل من الطغاة أبطالا، ومن المخلصين لوطنهم خونة.. لكن إرادة الشعب تظل أقوى. * * * كثيرة هي المواقع الأثرية التي طالتها قذائف النظام في مختلف المدن، وأذكر منها أسواق حلب القديمة، وجامعها الأموي، وقلعتها التي كانت شاهدا على الفتح الإسلامي ذات يوم، ولا أعرف إن بقي من منزل المتنبي شيء بعد إحراق جنود النظام السوري منذ ثلاثة أشهر لسوق المدينة التاريخي، الذي كان يشتري المتنبي أغراضه منه، وهو يبعد عن بيته حوالي 500 متر، بحسب دراسة للباحث محمد قجة. لكن المؤكد أن قصائد المتنبي صمدت أحد عشر قرنا، بينما الطغاة لن يصمدوا، والمؤكد أيضا أن كثيرا من أبياته تنطبق على الواقع هناك ومنها قوله: (عشْ عزيزا أَو مت وأَنت كريم بين طعن القَنا وخفْقِ البنودِ فاطلبِ العزَّ في لظى ودعِ الذلَّ ولو كان في جنانِ الخلُودِ) وقوله: (فإن الجرحَ ينفر بعد حينٍ إذا كان البناءُ على فسادِ) وقوله: (وليس يصحّ في الأَفهام شيءٌ…

إبداعات شبابية .. «اسبريسو» أنموذجاً

الأحد ٢٣ ديسمبر ٢٠١٢

من يدخل أعماق الجيل الجديد من المبدعين في الإمارات يجد عوالمَ مختلفة عن المألوف وحباً لا يهدأ للاستكشاف والاكتشاف، وربما ذلك ينطبق على الحالات الكتابية بشكل أكبر من الحالات الفنية الأخرى. من الأعمال التي تغري باستكمال القراءة وعدم التوقف عنها منذ الصفحة الأولى رواية «اسبيرسو» للكاتب عبدالله النعيمي، وأهم ما فيها أنها ارتكزت على مواقع التواصل وبالتحديد موقع «تويتر». ولذا يعرفها الكاتب بأنها أقصوصة تويترية. عربية الهوى والهوية، لا ترتبط بمجتمع معين، ولدت في صورة تغريدات متسلسلة، وحظيت بتفاعل كبير من المتابعين، لتكبر مع الأيام وتصير رواية. إذاً، «تويتر» وما يقاربه من المواقع يمثلون لغة العصر بالنسبة للجيل الصاعد بقوة إلى الواجهة، الجيل الذي يشكل النعيمي وصحبه من أصحاب الرؤية الجادة عموده الفقري، وينسجون من حروفهم آمالاً لما يجب أن يكون. ففي «اسبريسو» يحلم الكاتب بأن تفهم المرأة العربية الرجل، وأن يفهم الرجل العربي المرأة. وحين يحلم بوجود ذلك الفهم، فهذا يعني أنه غير موجود. ولذا جاءت الرواية لتضع بصمة شبابية تذهب باتجاه تكوين وعي مختلف، وعي يبحث عن مجتمع مثالي تتكامل عناصره، لترتقي وتجعل من شراكة الحياة «شراكة في كل شيء، في الآمال وفي الأفكار وفي المشاعر، إنها شراكة حياة بكل معنى الكلمة» كما جاء في الصفحة 201 من «اسبريسو». تتداخل في الرواية حالتا الوعي واللاوعي، وتطرح إشكالية الطلاق،…

لغتنا واليونسكو

الخميس ٢٠ ديسمبر ٢٠١٢

من الجيد أن تخصص منظمة اليونسكو يوماً عالمياً للغة العربية.. وهذا الأمر يجب أن يرفد بكثير من الجهود لحماية هذه اللغة، إذ لا يكفي أن نفرح بتخصيص يوم عالمي من غير أن نضيف ما من شأنه أن يساعد على حماية اللغة مما يمر بها من ظروف قد تتفاقم حتى نصل إلى درجة لا نستطيع معها إلا التماشي مع الخلل. كثيرة هي المبادرات التي أطلقها المخلصون للغة العربية حتى يعود إليها بريقها، غير أن تلك المبادرات تحتاج إلى أن يتجاوب معها الجميع بدل أن نترك أصحابها وحدهم يكافحون من أجل نشرها وتعميمها في الدول العربية وغير العربية خاصة المسلمة التي تستخدم فيها العربية في قراءة القرآن والمناسبات الدينية. ولو أضفنا إلى ذلك أن جيل الشباب بدأ يلجأ إلى استخدام اللغة الإنجليزية أو يحشر مفرداتها في الأحاديث اليومية لعرفنا أن المستقبل الذي سوف يقوده هؤلاء لن يكون إيجابياً تجاه اللغة العربية إن لم نزرع محبتها في نفوسهم. من الأمثلة على عدم إدراك كثير من جيل الشباب لأهمية الحفاظ على لغتهم وتقويتها استخدامهم للحروف اللاتينية لكتابة العربية في مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع المحادثة ورسائل الهاتف النقال، ووصل الأمر ببعضهم أن يتحادثوا كأفراد وكمجموعات بغير لغتهم وهذا ما أشهده كثيرا في دبي من شباب عرب. إلى ذلك، فإنه لا بد من التركيز على عدم…

الشارع البيئي

الأحد ١٦ ديسمبر ٢٠١٢

ذات زيارة إعلامية لأبوظبي التقيت الأمين العام لهيئة البيئة رزان خليفة المبارك في مكتبها، وتداعت الأحاديث حتى وصلت إلى مشروع تشرف عليه هيئة البيئة يتلخص باستخدام نباتات محلية تحتاج للقليل من الماء ومقاومة للجفاف والملوحة في شارع السعادة في أبوظبي، بحيث تكون الأشجار والمساحات الخضراء في الشارع من تلك النباتات. جاذبية الفكرة تكمن في أنها توفر المياه من جهة إذ لا تحتاج سقايتها إلا للقليل القليل، ومن جهة أخرى لا تتخلى عن جمال الطبيعة.. غير أنه يجب الاعتراف أن مشروعاً كهذا يتطلب الصبر أولاً، فبعض النباتات تنمو ببطء، وانتزاع النباتات السابقة وغرس الجديدة مكانها يعني الانتظار فترة لنشاهد المنظر الذي تخيله مخططو المشروع، ولا أحسب إلا أن هيئة البيئة درست الفكرة بهدوء ثم اقتنعت بها قبل إقدامها على الخطوة الجدية لتحويل شارع السعادة إلى شارع بيئي بامتياز. عمل مشاريع أخرى في مختلف أنحاء الإمارات مثل شارع السعادة أمر إيجابي يساعد على توفير الكثير من المياه، كما يفترض أن يتشجع كل المهتمين على تقديم مبادرات لإيجاد حلول بيئية لكل ما يخطر على بالهم، فكم هو جميل أن نصل إلى بيئة حسنة المنظر نظيفة ونقية من التلوث وافرة المياه... في كثير من دول العالم تعقد المؤتمرات الإقليمية والدولة من أجل البيئة والحفاظ عليها، وهنا على المستوى المحلي فإن الاهتمام بالبيئة ليس جديداً،…

ما قبل جدل الثوابت

الخميس ١٣ ديسمبر ٢٠١٢

حين ينطلق الجدل بين فترة وأخرى حول الثوابت الوطنية فهذا يعني أن هناك كثيرا من الأمور المختلف عليها ويفترض توضيحها حتى تستمر عجلة الزمن بالدوران بالصورة الصحيحة. أما ربط الثوابت مع الوطن في جلسة بمركز الحوار الوطني عقدت منذ أيام فيدل بطريقة أو بأخرى على أن الغاية من تلك الثوابت تعزيز الانتماء والتعايش، بحيث تكون كل الأطياف والتيارات قادرة على الحياة في وطنها بالطريقة التي تريدها، شرط عدم إخلالها بتلك الثوابت المتفق عليها كرؤية للمجموع البشري وليس نخبة أو شريحة منه. وهذا المجموع البشري يتكون من كل من يحمل جنسية الدولة، ومن غير المنطقي أن يحدث أي تقسيم ضمن هذه النقطة لأنه قد يحدث شرخا يؤدي إلى خلل مجتمعي ربما يعطي شعورا بالنقص لدى فئة ما فيؤثر على قوة انتمائها ما يجعلها أقل عطاء، وبالتالي يخسر الوطن طاقات هو أولى بها بدل أن تدفن في مهدها أو يستفيد منها الآخرون. قبل الحديث عن الثوابت لا بد من تكريس مفهوم المواطنة الذي يقود بالضرورة إلى معرفة المواطن لحقوقه وواجباته، وبتحول هذه الحقوق والواجبات إلى ثقافة شمولية يستطيع الجيل الحالي دعمها وتوظيفها إيجابيا لصالح الوطن، وتنتقل إلى الجيل الجديد فيصبح قادرا على النهضة أكثر بالمجتمع ليصبح منافسا في ركب الحضارة. المواطَنة سلوك، والشعور بأهميتها يجعل المرء حريصا في تعامله مع الآخرين كي…

مغامرة “التونسي” الجديدة

الخميس ٠٦ ديسمبر ٢٠١٢

بقيادته لصحيفة "الرؤية" الإماراتية التي صدر عددها الأول الأحد الماضي، يقوّض الإعلامي السعودي محمد التونسي أحاديث من يطرحون فكرة نهاية الصحف الورقية وتحول العالم إلى الصحافة الإلكترونية. يحاول التونسي من خلال رئاسته لتحرير "الرؤية" أن يغير من الحالة الرتيبة التي اعتادت عليها الصحف الإماراتية عامة، ومنذ أعدادها الأولى حققت "الرؤية" الحضور على الساحة المحلية بتحقيقاتها الجريئة والجديدة وغير المألوفة من قبل. أما طريقة الإخراج فهي حالة مختلفة بدورها، إذ ارتكز فيها على إبراز الصورة والاختصار في العناوين الرئيسة خاصة في "المانشيت". ومن خلال الشكل العام يبدو أن هذا "المانشيت" يمثل هاجسا لديه بحيث تطل الصحيفة يوميا بموضوع صارخ في النصف الأعلى منها. يراهن محمد التونسي في مغامرته الجديدة على كسب القارئ في الإمارات كلها من أقصاها إلى أقصاها، فلا يكاد يترك مكاناً إلا ويبث فيه عدساته ومحرريه، حتى ليحسب المرء أن لديه جيشا في فريق عمل الصحيفة، فيما الواقع الذي رأيته عن قرب يقول إن عددَ من يعملون معه بما فيهم من يتولون مهام المركز الرئيس أقل من ربع العاملين في صحيفة أخرى، لكنه بهم حقق معادلة الاختراق والوصول بحسب مؤشرات البداية. عبر الموضوعات والقضايا التي تطرح يوميا في "الرؤية" يحاول التونسي ملامسة الواقع المعيشي للإماراتيين وللمقيمين في تجربة نوعية من عمله الإعلامي، لكنه وضع نفسه أمام الرهان الصعب. فإما…

مأساة وطن.. رحيل “الرويلي” أنموذجا

الخميس ٢٩ نوفمبر ٢٠١٢

لم يكن رحيل - بل استشهاد – الروائي والقاص السوري محمد رشيد الرويلي الذي أعلن عنه الأسبوع الماضي عاديا، بل كان مأساويا مؤلما على يد أبناء بلده من "قتلة" النظام السوري الذين دخلوا بيته ونهبوه وعاثوا فسادا في محتوياته ثم اقتادوه إلى جهة غير معلومة. وفشلت كل محاولات أهله ومعارفه المقربين في إطلاق سراحه أو معرفة مكانه، لتظهر جثته الأسبوع الماضي وقد تفسخت، لتشير الترجيحات إلى أن "القتلة" أعدموه قبلها بشهرين، أي في اليوم ذاته الذي اعتقلوه فيه من غير ذنب ارتكبه سوى أنه قرر ألا يغادر مدينته، ويصبح إن فعلها لاجئا داخل وطنه أو خارجه. فالتزم بيته ليكتب عن المرحلة، مفضلا الصمت على الوقوف في صف النظام ضد الشعب الثائر. الرويلي الذي رحل عن 65 عاما، أعرفه عن قرب، شخص ظريف مرح، عاشق للكتابة منذ صغره، ومحب لبلده ومدينته دير الزور بفراتها وغَرَبها ونخيلها. يشكل رحيله خسارة للأدب السوري. لكن النظام الذي صار يقتل عشوائيا لم يعد يميز بين رجل وطفل وامرأة ومبدع وفنان ومسنّ... القتل صار السمة الوحيدة في بلد سيعود جميلا بعد زوال الطغيان، لكن إعادة الإعمار ستكلف، وإعادة التوازن للنفوس وإخراج الأطفال من اضطراباتهم الذهنية سوف تكلف أكثر، فهي تحتاج أعواما كثيرة من التعايش والأمان اللذين كرس النظام جهده لهدمهما وتخويف الشعب مما يحدث بعد سقوطه.…