منصور النقيدان
منصور النقيدان
كاتب و باحث سعودي

قرار تاريخي لشيخ الأزهر

الإثنين ٠٨ مايو ٢٠١٧

سيكون شيئاً بالغ التأثير إنْ وضعت زيارة بابا الفاتيكان فرنسيس الثاني إلى مصر وعناقه لشيخ الأزهر والكلمة التاريخية التي ألقاها شيخ الأزهر بين يدي البابا، بصمتها العميقة في تعاطي هذه المؤسسة العريقة مع قضايا الخلاف والاختلاف داخل الإسلام قبل أن تفيض إلى المخالفين من أبناء الديانات والنحل. إن قرار شيخ الأزهر بإقالة القائم بأعمال رئيس جامعة الأزهر أحمد حسني طه، بعد أن أفتى بكفر الباحث المصري إسلام البحيري، هو خطوة في المسار الصحيح، فحسب معرفتي قلما أصدر مرجع ديني في العالم الإسلامي قراراً بفصل عالم ديني تابع لإشرافه إثر قوله بكفر إنسان ما، فكيف إذا كان هذا القرار صادراً من شيخ الأزهر الذي يكاد اليوم يكون هو المؤسسة الوحيدة التي تسعى إلى إحداث تغيير كبير في داخلها أكثر من أي وقت مضى. إن التاريخ المعاصر يكاد يكون خلواً من أي مراجعة ومحاسبة لعالم دين أفتى بكفر أو قتل وإهدار دم إنسان أو جماعة تقوم بها مرجعيته من داخلها. ولكن ما هو أكثر فائدة للأزهريين أنفسهم، ولمن يرنو إلى تمثل نهجهم واقتفاء طريقتهم، ومن يجدون في الأزهر صرحاً مرشحاً للريادة والإمامة الدينية تضم تحت جناحيها طوائف المسلمين قاطبة من دون استثناء، هو أن تناقش العقائد التي يدرسها الأزهريون، وعلى الأخص ما يوجب كون الإنسان منبوذاً من المجتمع المسلم ومستحقاً للعقاب جراء…

حتى لا ننسى.. لباس الجوع

الإثنين ٠١ أغسطس ٢٠١٦

يقال إن شيخاً طاعناً في السن، كان يحدث أبناءه في سنوات الطفرة الأولى التي عرفها الخليج في سبعينيات القرن الماضي: «حدثتكم عن جوع مر بنا، وأخشى أن تخبروا أبناءكم عن نعمة مرت بكم». ويروي الفقيه الحنبلي محمد ابن عثيمين أنه في العام 1909/1327 هـ، كان بعض من الميسورين في وسط الجزيرة العربية يخرجون إلى الناس، يطوفون في الأسواق ويمرون على البيوت ومعهم عصيد التمر، ليسدوا بها رمق من قاربوا الهلاك. في ذلك العام الحزين كان المحظوظ من الناس هو من يجد كل ثلاثة أيام لقمة تسد رمقه، في عنيزة قضى والد وابنه ثلاث ليال من دون ماء أو طعام، فشجع الوالد ابنه أن يذهب إلى الحيالة «السوق» عسى أن يجد بقايا علف يقيم أودهما، فوجد الابن أربعة خفاف جمال ملقاة على الأرض، وعلفاً، فطحنوها وطبخوها على النار وأكلوها. أحياناً كان يتبادلان مص نواة تمرة. أما على ساحل الخليج العربي، فقد نجا أهلها من تلك المجاعة لوفرة الخير في جوف البحر، رغم الفاقة التي كانت تعضهم وتضعضع تجارتهم ومعائشهم التي بدأت تتضعضع تدريجياً منذ الثلث الأول من القرن التاسع عشر، وإن كان المؤرخون يذكرون أن دبي كانت مزدهرة، فالهجرات التي توافدت إليها، والأمواج البشرية التي استقرت بها، استثمرت خبرتها التجارية والمهنية. ستكون هذه البقعة من جزيرة العرب أيضاً على موعد مع…

تناقض نظريات تنامي «الجهادية»

الإثنين ٢٠ يونيو ٢٠١٦

الحلقة الأخيرة من «حديث العرب»، الذي يقدمه سليمان الهتلان على «سكاي نيوز عربية» أثارت كثيراً من الأسئلة؛ لأن الضيف وهي داليا يزبك باحثة جزائرية متخصصة في التطرف والإرهاب، قدمت ضمن حديثها تفسيراً لأسباب انضمام الإناث العربيات والأجنبيات إلى «داعش»، وكانت قد شهدت في مراهقتها ما مرت به الجزائر في عشرية التسعينيات الكئيبة. المسألة المهمة في الحلقة هي أنها أكدت أكثر من مرة أن أيديولوجيا «داعش» هي «سلفية جهادية»، ولكن الباحثة نفسها، تؤكد أن الحكومة الجزائرية وأجهزة أمنها دعمت السلفية التقليدية التي من أسس عقيدتها البعد عن السياسة. وترى يزبك أن السلفية الخاملة مثلت بديلاً عن «السلفية الجهادية»، وهي ترى أنها نجحت إلى حدٍ كبيرٍ في الوقت نفسه. ذهبت يزبك إلى أن العامل الديني ضعيف في فكر هذه الجماعات، وفي تحول الأفراد من أشخاص عاديين إلى فاعلين نشطين، مستشهدة بأن أعداداً ممن تحولوا إلى قتلة في المنظمات الإرهابية لم يكونوا يعرفون القرآن الكريم ولا يلتزمون الشريعة، مقدمة أسباباً اجتماعية واقتصادية وراء انضمامهم إلى «داعش» و«القاعدة». من المسائل التي ناقشتها الباحثة هي كيف يمكن للعمليات الإرهابية في أوروبا وأميركا أن تغذي العداء للإسلام، وفي الآن نفسه كيف تغدو هذه الكراهية ضد المسلمين عاملاً رئيساً في التهميش الذي يهيئ البيئة الخصبة للإرهابيين. تكاد تكون هذه المسائل التي طرحها مقدم البرنامج على ضيفته هي…

شرف رفيع

الإثنين ٠٧ سبتمبر ٢٠١٥

كم هو محزن أن يفقد الوطن خمسة وأربعين من خيرة أبنائه الفرسان الذين أفعموا بالفخر والولاء والطاعة، والإيمان العميق بواجبهم تجاه المستضعفين اليمنيين الذين حوصروا وعذبوا وانتهكت أراضيهم واستبيحت دماؤهم وأموالهم. تحوي كتب التاريخ الإسلامي وموسوعات الأدب قصصاً متفرقة عن أبطال لفتوا في حومات الوغى انتباه القادة من ملوك وأمراء وسلاطين، وأثاروا إعجابهم، فأرسلوا إليهم ومثلوا بين أيديهم وغالباً ما كانت اللقيا باب سعد لمستقبل باهر لهؤلاء الأبطال. ويغلب على تلك القصص أنها عن أبطال مجهولين، في مقابل القليل منهم الذين عرفنا أسماءهم وقبائلهم والحواضر التي قدموا منها. كان محمد بن حميد الطوسي النبهاني محارباً عظيماً، اختاره المعتصم العباسي لسحق ثورة شعوبية فارسية هددت الخلافة الإسلامية ونادت بالعودة إلى الديانات الوثنية القديمة، قاد تلك الاضطرابات بابك الخُرَّمي، ومع اشتداد الحصار على الطوسي وجيشه صمد حتى تكسرت في يده تسعة أسياف قبل أن يلفظ أنفاسه، وهو ابن اثنين وثلاثين عاماً، رثاه إثرها أبو تمام في واحدة من عيون الشعر العربي. قبل الإسلام كان للعرب أبطالهم، وأساطيرهم من العظماء الذين تناقلت أصقاع الجزيرة أخبارهم وقصصهم، من كليب إلى المهلهل، إلى عنترة إلى عمرو بن كلثوم، وفي صدر الإسلام كان الزبير بن العوام وعبدالله بن رواحة وخالد بن الوليد وجعفر بن أبي طالب وعبدالله بن الزبير شخصيات ملهمة على مر العصور، وقصة البراء…

سيتقاتلون ولن تردعهم الطبيعة

الإثنين ٢٤ أغسطس ٢٠١٥

في مقالة نشرتها «النيويورك تايمز» للكاتب الأميركي توماس فريدمان، افترض أن الظروف المناخية القاسية التي تضرب منطقة الشرق الأوسط في سوريا والعراق وفي إيران، ستكون أكبر عامل في أن تستيقظ شعوب هذه البقعة التي تفتك بها الحروب الأهلية والاحتراب الطائفي، وفي عبارة أخاذة تبدو حكيمة قال فريدمان، إن الطبيعة غير مهتمة بما يجري إلا بالكيمياء والفيزياء والأحياء، وكل هذه العوامل هي التي ستجعل من المنطقة يباباً طارداً يخيم عليها شبح المجاعة والجوع والهجرات الجماعية بحثاً عن الأمان الغذائي، وفراراً من التهلكة تحت قسوة الطبيعة. هذا ملخص فكرة مقالة فريدمان، إلا أن التاريخ يؤكد خلاف كل هذه التوقعات، فلم يسبق البتة أن كانت كوارث الطبيعة عاملاً في الصحوة من جنون الحروب الطائفية، وتاريخنا القريب جداً يؤكد هذا، فعشرات الحروب القبلية والدينية التي عرفها العراق والشام والجزيرة العربية كانت تحدث في ظروف يعيش فيها البشر على ما يبقي ذماء الروح، وبضع تمرات ورشفات ماء تسد الجوع، وفي الثلاثمائة عام الأخيرة ضربت الجزيرة مجاعات وسنوات جدب تسببت بهجرات كبيرة، ولكنها لم توقف الحروب الدينية. وفي تاريخ أوروبا منذ القرن الخامس عشر كانت الحروب الدينية قائمة، ويذهب ضحاياها مئات الألوف في الوقت نفسه الذي تحصد فيه الأوبئة والمجاعات مئات الألوف والملايين الآخرين. ولم تكن هذه عاملاً في انحسار تلك. في الفيلم الأميركي الكئيب The…

الملك يتبرع ببناء مساجد الشيعة

الإثنين ١٥ يونيو ٢٠١٥

في نهاية الأربعينيات الميلادية، قدِم الملك عبدالعزيز لزيارة حقول النفط في المنطقة الشرقية، وكان ممن رافقه في جولته ماجد بن خثيلة، الذي صحب الملك وشهد معه فيلماً عن سير العمل في شركة الزيت العربية، يمكنكم أن تشاهدوا صورة مثيرة لهذه الزيارة، تظهر ابن خثيلة وهو في الصف الثاني خلف الملك عبدالعزيز، مشدوداً نحو العرض السينمائي، ويبدو أنها المرة الأولى التي يرى فيها تلك الآلة الغريبة، كما رافق الملك أيضاً في لقائه مع روزفلت وتشرشل. كان ابن خثيلة من قادة التمرد على الملك عبدالعزيز من «إخوان من طاع الله»، الذين واجههم في السبلة شمال غرب الرياض عام 1929، ثم فر واختفى فترة من الزمن حتى عفا عنه الملك، وأصبح من المخلصين المقربين. ويكمن نجاح الملك في إدماج أولئك المحاربين القساة الأتقياء الذين تركوا البدو، ورضوا بحياة القرى، لكي يكونوا أنصار مشروع رأوا فيه تلبية لأشواقهم الأخروية، ودعوة دينية، جندوا من أجلها كل ما يملكون، ثم واجهتهم حقيقة أكبر من أحلامهم، وعالم جديد ترسم فيه الحدود، وقانون دولي لا يسمح بعصر الفتوحات والحروب التوسعية. وبعد عشرين عاماً منذ السبلة طوِّعت تلك الحشود من آلاف المحاربين، لكي يكونوا جنوداً يحمون الحدود الجغرافية للمملكة، بعد أن كانت ثورتهم رفضاً لمشروع الدولة، وعدم اعتراف بتلك الحدود الدولية والاتفاقات التي أبرمها عبدالعزيز. اليوم تمر المملكة العربية…

السعوديون يسألون أنفسهم

الإثنين ٠١ يونيو ٢٠١٥

هذه اللحظة عصيبة علينا نحن السعوديين، فنحن أمام تحدٍّ حقيقي لحماية سلمنا ولُحمتنا. المطالبات التي أكدها كثير من الكتاب والمثقفين والحقوقيين السعوديين بتشريع يجرم التحريض والاستعداء المذهبي، وكل دعاوى العنصرية، تنمّ عن وعي ومسؤولية، واستشعار للخطر الداهم، إلا أن كاتباً سعودياً وهو سليمان الضحيان كانت له وجهة نظر جديرة بالتأمل، وهي أن التحريض على الشيعة الذي ساد الخطاب الديني السعودي، ليس سبباً في الجرائم التي ذهب ضحيتها الشيعة مؤخراً، فالتحريض حسب تفسيره يعود إلى أوائل ومنتصف ثمانينيات القرن الماضي، ومع ذلك لم تُسجَّل حالة اعتداء إجرامي واحدة ضد الشيعة أو مساجدهم. ويرى الضحيان أن معظم الذين كانوا يرفعون أصواتهم قبل عقدين باستعداء الشيعة السعوديين، ويصدرون المذكرات المحذرة من عقائدهم، هم اليوم أقل تحريضاً، بل إن غالبيتهم قد أعلن رفضه الجرائم التي استهدفت أبناء المذهب الشيعي في الأحساء والقطيف (كتبت مقالة الضحيان قبل جريمة الدمام). ويقول الضحيان إن دافع هذه الجرائم هو سياسي، هدف إلى إحداث شرخ كبير يهيئ لبيئة من الفوضى تسمح لـ«داعش» وخلاياها بأن يعيثوا فساداً. مسألة ذات صلة وثيقة أيضاً تناولها الإعلام والصحافة السعودية، حيث يذكر مشاري الذايدي أن ملوك وأئمة آل سعود كانوا على الدوام ينظرون إلى أنفسهم على أنهم حماة الأمن لمواطنيهم، سنة وشيعة، كما تؤكده وثائق تاريخية منذ عهد فيصل بن تركي منتصف القرن التاسع…

عن الحروب وآثارها

الإثنين ١٣ أبريل ٢٠١٥

للحرب التي تدور في اليمن الآن آثار نفسية إيجابية سبق أن أشرت إليها في مقالة سابقة. إن تكاثر الدعوات بين السعوديين إلى التجنيد الإجباري قد يكون استثماراً حكيماً وتصريفاً ذكياً للطاقة والعنفوان الذي أتخم اليافعين والشباب، وجعل بعضاً منهم ينقاد نحو التنظيمات الإجرامية ويتحول إلى عدو لوطنه، فضلاً عن كون هذا التنادي هو المتوقع من كل شاب سعودي منتمٍ حقاً إلى وطنه، مع أن الجزم بنتائج نفسية كبيرة خيرة ملموسة لهذا التحالف الخليجي يبدو مبكراً ومرهوناً بالتطورات، وحدود الحماسة والخطاب الإعلامي الذي استخدم في ذلك، إلا أن المستقبل مرهون بحكمة القادة الذين هم خير من يقدر حدود الاحتمال، ومنافع القرار، وعوامل الانحراف عن الأهداف المرسومة. الآن يبدو الحديث حول الحروب وآثارها مغرياً. الحروب الواسعة الشاملة تشبه في تأثيرها على المجتمعات إلى حد ما تأثير الطوفان والفيضان الذي يجرف كل شيء أمامه، وقد يكتسح معه شوائب ضارة، كما اكتسحت هجمات التتار الحشاشين ودمرت معاقلهم. الحروب قد تحطم ظواهر بدأت بالنمو ولكن لم تمهلها الأقدار لتترعرع، قد تكون ظواهر سيئة أو نافعة، وقد تكون الحرب في المقابل عاملاً مساعداً أو رئيساً في بزوغ تيار ديني أو اجتماعي أو فلسفي تماماً كما عرفه المسلمون في حروب الفتنة، وكما يعيشه العراق وسوريا اليوم. وقد تكون التغييرات العميقة التي تحدثها مآسي الحروب دافعاً ورافعة لولوج…

مصارحة الذات خطوة أولى

الإثنين ٢٣ فبراير ٢٠١٥

نعيش جميعاً أزمة عميقة مع الإرهاب الذي يجذب إلى جبهاته آلافاً من أبنائنا جميعاً عرباً وأوروبيين. ونعيش صراعاً يومياً أصبح الإنترنت أكبر جبهاته ضد الأفكار المتطرفة التي لا تخضع للرقابة ولا الإدانة والمحاسبة. هذا الفكر الذي أطلق له العنان في الفضاء «السايبري» أسهم كثيراً في تجنيد المنظمات الإرهابية لكثير من الشباب من كافة الدول -بما فيها دول ديمقراطية. مئات وآلاف الدراسات التي صدرت في السنوات التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ترصد سلوك وأفكار الجماعات والمنظمات الإسلامية، إن التجربة التي يمكن اكتسابها من كل الدراسات والبحوث والتقارير المعمقة ذات الطابع الفكري هي أن منطقتنا العربية تعاني من هشاشة الأرضية التي يمكن أن تسمح للفكر المستنير أن ينمو ويترعرع ويكون قادراً على كسب العقول والقلوب ضد التطرف. ويتمثل جزء من المشكلة في غياب التسامح والحوار واحترام الآخر، الأمر الذي يجعلنا جميعاً وخاصة أبناء الديانات والطوائف والأقليات ضحية عند كل اضطراب، وقد رأينا هذا ماثلًا أمام أعيننا بشكل أكثر قسوة مع الإيزيديين في العراق، ورأينا مثالاً له في بلجيكا وفي فرنسا حينما استهدف اليهود في السابع من يناير، وفي الدانمارك في الأيام الماضية، وحينما قتلت «داعش» في ليبيا 21 مسيحياً مصرياً. يضاف إلى هذه المآسي ضحايا الإرهاب من المسلمين بطوائفهم المختلفة. إن الأسباب التي تسهم في خلق حواضن للإرهاب كثيرة، وأخذها…

«تمير» وثورة المجتمع ضد الإرهاب

الإثنين ٠١ سبتمبر ٢٠١٤

يكاد يكون الكاتب السعودي جاسر الجاسر في مقالته «تمير معنى المواطنة» هو الوحيد الذي لمس بذكاء أبعاد الثورة الاجتماعية في محافظة تمير (شمال العاصمة الرياض) ضد الخلية النائمة، التي كان أعضاؤها وراء تجنيد 35 شاباً من أهالي البلدة التي لا يتجاوز سكانها خمسين ألفاً. كان بعض من ألقي القبض عليهم وأعلنت أسماؤهم ممن سبق أن تورطوا في نشر التكفير منذ اثنتي عشرة سنة، وكانت توجهاتهم معروفة ونشاطهم يعرفه المتابعون من خارج المدينة فضلاً عن أهلها. وليس سراً أن بعض المتضررين من مروجي التكفير قد وجدوا تأييداً حكومياً لرفع دعاوى ضد المتورطين. وكان المرحوم الأمير نايف بن عبدالعزيز قد أكد مراراً في أكثر من مناسبة أن العلماء والمفكرين لم يقوموا بواجبهم تجاه هذا الفكر الخبيث، وفي مارس الماضي سنحت لي الفرصة بلقاء مجموعة من مسؤولي الأمن السعودي المخلصين، كانوا يؤكدون أن الأساس هو وعي المجتمع «نحن لا نستطيع أن نقوم بدور وزارة التربية والتعليم ولا بدور وزارة الشؤون الإسلامية، على الجميع أن يضطلع بدوره، هناك تقصير كبير، ونحن نشعر بالخذلان»، ويؤكد مصدر أمني رفيع أننا نسعى لإقناع الأهالي بأن يقوموا بدورهم برفع دعوى أو التبليغ عمن يجندون أبناءهم ويحرضونهم على الانخراط في القتال في أماكن الصراع، نشجعهم على رفع الدعاوى ضد من يتورطون في ذلك، ولكننا مع الأسف لم نتلقَ حتى…

روسيا اليوم

الإثنين ٢٦ أغسطس ٢٠١٣

في وقت سابق من هذا الشهر، شاهد ملايين الأميركيين مرافعة أوباما ضد روسيا ضمن برنامج «جاي لينو»، ولكن في الشرق الأوسط، حيث حدة التوتر الروسي الأميركي المتنامي قد تجعله مسألة حياة أو موت، كان ملايين آخرون يستمعون إلى وجهة نظر موسكو عبر قناة تحظى بشعبية متعاظمة. إنها قناة «روسيا اليوم» الناطقة بالعربية التي تدعمها الحكومة الروسية. وهذا التأثير الذي تحظى به القناة على العرب، يعكس القوة الروسية الناعمة الآخذة في التزايد والاتساع في الشرق الأوسط، وقد استعدّت للتأثير بعمق في سياسات المنطقة. ليس ذلك خبراً سيئاً بقدر ما هو رهن بكيفية تعامل الولايات المتحدة وحلفائها معه. في العالم الإسلامي، لطالما كانت سياسة موسكو المعادية لأميركا متشابكة مع معارضتها الشرسة للجماعات الإسلامية. كلنا يتذكّر الثمانينيات، حين كان المحتلّون السوفييت و«الأفغان الحمر» يخوضون معارك ضد الجهاديين المدعومين من الولايات المتحدة. بل إنّ هذه الصراعات تعود إلى ستة عقود مضت: منذ الخمسينيات، فقد دعمت موسكو الاشتراكية العربية التي رفعها عبدالناصر ومناصروه على رقعة الشرق الأوسط. وبكلمات أخرى، دعمت موسكو عدو «الإخوان المسلمين» اللدود. وهذه الممارسات الخارجية وغيرها إنما تعكس الموقف الرافض الذي مارسته روسيا ضد الإسلام السياسي طوال أجيال ضمن حدودها الجغرافية، خصوصاً في الحرب الدموية في الشيشان. وما تعيشه الآن من تفجيرات وإرهاب يجتاح منطقة شمال القوقاز، في مقاطعات روسية ذات كثافة…

السُّنة وسطوة الفقهاء

الثلاثاء ٢١ أغسطس ٢٠١٢

الذي دوّنه المسلمون في كتب الحديث والسِّيَرِ وتفسير القرآن الكريم من مرويات ووقائع وقصص وقعت في عصر الرسالة، من لحظة جبريل في غار حراء، حتى اجتماع السقيفة، وما تلاه من تطورات ضخمة حددت مسار تاريخ الحضارة الإسلامية، هذه المدونات تؤكد أن الأمانة كانت هي الصفة التي وسمت الجهود الجبارة لكتابة السنة. يكاد كل شيء متعلق بالسيرة النبوية يكون قد رُصد ونُقل، ولحسن الحظ أن الغالبية الساحقة من كتب السنة، لا تزال حتى اليوم محفوظة، ومتداولة. صحيح أن هذا الركام الهائل وعشرات الألوف من المرويات كانت بحاجة إلى صيارفة قادرين على نخلها وفلترتها والتمييز بينها. وصحيح أن في هذه الدواوين الكثير من الصحيح المختلط بالضعيف والمشكوك فيه والموضوع، ولكن المثير للإعجاب أيضاً أنه حتى ما حكم المحدثون بكذبه أو اختلاقه لا يزال محفوظاً ويمكن الوصول إليه لمن شاء. منذ فترة مبكرة انشغلت الثقافة العالِمة عند المسلمين بصحة أحاديث السنة وضعفها سنداً، أو التحقق من سلامة المتون وبراءتها من الشذوذ والعلة، ووُلد علم الجرح والتعديل نتيجة للخلافات الكلامية التي كان لها حظ لا يستهان به في الانقسام المذهبي، ونشوء الفرق الإسلامية بمقالاتها وأفكار مؤسسيها على هامش الصراعات السياسية، منذ غيلان الدمشقي، حتى فتنة خلق القرآن. وكان لهذا الانقسام والخلاف انعكاسه المباشر على صحة المرويات أو بطلانها أو كذبها وضعفها، بناء على أحكام…