محمد حسن المرزوقي
محمد حسن المرزوقي
كاتب اماراتي

كاتبات مكتئبات!

الجمعة ٠١ أبريل ٢٠١٦

عندما التقطت كتاب أليف شفق، «حليب أسود»، من رفّ مكتبتي لقراءته، ابتسمت لا إرادياً لصورة الغلاف الذي تظهر فيه شفق بفستان أسود وعلى وجهها شبح ابتسامة منتهية الصلاحية، وقلت في نفسي، هذه المرأة مهووسة باللون الأسود فعلاً! فقد ارتدت في زفافها فستاناً أسود، وعادة ما تظهر بملابس سوداء اللون في لقاءاتها، كما فعلت في ندوتها الأخيرة في الشارقة، وها هي اليوم تختار عنواناً غريباً لكتابها يضع الكثير من علامات الاستفهام حول علاقتها الغريبة بهذا اللون، الذي أصبح مرتبطاً بالاكتئاب. بعد ولادة ابنتها عام 2006 عانت شفق ما يُعرف بـ(اكتئاب ما بعد الولادة)، وهي التجربة التي تتناولها في كتابها هذا. وقد علقت شفق على سبب التسمية الغريبة لكتابها قائلة: «اخترت لهذا الكتاب عنوان (حليب أسود) لسببين أولهما، أنه يتعامل مع اكتئاب ما بعد الولادة، الذي أثبت لي من خلال التجربة التي عشتها معه، بأن تجربة الأمومة ليست ناصعة البياض كالحليب كما يحب المجتمع تصويرها. ثانيهما، للخروج من هذا الاكتئاب، وبسببه، كنت قادرة على على التقاط الإلهام، ومن هذا الحليب الأسود تمكنت من تطوير نوع خاص بي من الحبر للكتابة». تسرد شفق تجارب زميلاتها من المبدعات اللائي مررن بتجارب شبيهة بتجربتها، وتحاول من خلالها الإجابة عن تساؤل أقض مضجعها: «هل سيكون للزواج والإنجاب تأثير سلبي في عطائها الكتابي؟». فتتحدّث عن سيلفيا بلاث،…

الطب المزيّف

السبت ٢٦ مارس ٢٠١٦

«فوجئت عندما شاهدتها بين ذراعي زوجها، وقد تدهورت حالتها بشكل مريع، بينما يصرخ هو منتحباً، أنقذوها، لا أريدها أن تموت، أحبها». هكذا يصف الطبيب عمر الحمادي مؤلف كتاب «الطب النبوي بين الفقيه والطبيب» في جلسة جمعتني به حول إحدى الحالات التي أشرف على علاجها. يتريث قليلاً، ليتأكد من ابتلاعي للتفاصيل، ثم يستطرد «الحب أعمى، ليس لأنه يجعل المحبين يتغاضون عن عيوب بعضهم كما ترددون أنتم معاشر الأدباء الرومانسيين، بل لأن المرء يقوم باسم الحب بارتكاب العديد من الحماقات». أسترجع تفاصيل القصة المريعة التي ذكرها لي.. فتاة تبلغ من العمر نيف وثلاثين عاماً، تسلل السرطان النّهم إلى ثديها، ثم بدأ يقضم جسدها لقمة لقمة، وسرعان ما أتى على عظامها، حتى وصل إلى دماغها. وقبل أن يقضي على روحها، أصر زوجها، بدافع من اليأس وربما الأمل، على أخذها إلى «مطوع» من الجنسية الآسيوية يقطن في منطقة بعيدة عن المستشفى الذي كانت تخضع فيه للعلاج، لأن جدول فضيلته مزدحم جداً بالزيارات الميدانية والمواعيد. بعد أن عاينها «المطوع» قام بعلاجها ببعض الخلطات الشعبية وقرأ عليها لتصاب فوراً بالصرع! أسقط في يد زوجها، واضطر إلى إعادتها مجددا إلى المستشفى وقد انتكست حالتها وتدهورت، لتفارق الحياة بعد بضعة أيام من تلك الحادثة. والغريب أن زوجها كان مصراً لآخر يوم من حياة زوجته المسكينة أن سبب الورم…

كائنات ورقيّة

الجمعة ١٩ فبراير ٢٠١٦

يصف الكاتب الإنجليزي «هارولد بنتر»، الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 2005، اللحظة التي ترى فيها الشخصيات المسرحية النور بـ«اللحظة العجيبة»، إذ إن الكاتب، بحسب وصفه، لا يلبث أن يدرك بعد أن يخلق تلك الشخصيات التي لم يكن لها وجود، بأنّه يحمل بين ساعديه كائنات من لحمٍ ودمّ، وتملك إرادة ورغبات مستقلة عن أهواء الكاتب. في السياق نفسه، تقول الأديبة السورية غادة السمان: «ليس صحيحاً أن الكاتب يخلق أبطال القصة. الصحيح هو أن أبطال قصته يستعبدونه. إنهم في البداية ينبتون في داخله، لكنهم ينفصلون عنه بسرعة وتبدأ حريتهم تأكل حريته». أما الروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو، فيذهب أبعد من ذلك، عندما ينصح الكاتب بوضع سلاسل حول أعناق الشخصيات الروائية، ليتحكم في محاولات جموحها وجنوحها عن إرادته. فهذه الكائنات الورقيّة، التي يظنها الروائي دُمى، يحركها بخيوطه كيفما ووقتما شاء، ستقوم في غفلة منه بقطع الخيوط التي تربطها به، وتتحرّر من سلطته! هنالك كثير من الشخصيات، التي ابتكرها الأدباء، استطاعت مع مرور الوقت التحرر من سلطة الورق، وتحوّلت إلى كائنات حيّة تمرّدت على مبتكريها، بل وتجاوزت في كثير من الأحيان شهرتهم. شخصية «زوربا اليوناني»، التي ابتكرها الكاتب نيكوس كازانتزاكيس، وشخصية «دون كيخوته» محارب الطواحين، التي ابتكرها الكاتب ميغيل ثرفانتس، أصبحتا أكثر شهرة وخلوداً في الذاكرة الإنسانية من شخصيات مبتكريهما (كم عدد الذين يعرفون…

أبوظبي قادمة

الخميس ١٩ ديسمبر ٢٠١٣

  قبل عشرة أعوام فقط كان الكورنيش هو أهم متنفس سياحي لسكان مدينة أبوظبي، وبجميع أطيافهم، فعدد ونوعية المرافق السياحية وقتها كان محدوداً ولدرجة كبيرة. اليوم تغيرت الصورة تماماً وبدرجة بات سكان أبوظبي أنفسهم لا يلمون بالخيارات الترفيهية المطروحة أمامهم كافة، لتعددها وتميزها وسرعة طرحها في فترات متقاربة، فما الذي جرى يا ترى خلال عشرة أعوام فقط؟ وما هي الجهة التي كانت خلف كل هذه التغييرات؟ كانت أبوظبي تعاني سابقاً من قدم وقلة عدد الفنادق الفخمة التي تليق بسمعتها كأغنى عاصمة عربية، لكن وفي خلال الفترة الماضية القريبة أتوقع أنه قد تم افتتاح أكثر من عشرين فندقاً ومنتجعاً سياحياً في أبوظبي، وباتت هذه الفنادق الملاذ المفضل للعديد لقضاء أوقات راحة سعيدة في العاصمة، ويجري العمل الآن لإنشاء وافتتاح مثل هذا الرقم في المستقبل. كانت أبوظبي تعاني من قلة مراكز التسوق فيها، لكن تم افتتاح سبعة مراكز تجارية ضخمة خلال الأعوام الأربعة الماضية، وجرى توزيعها باحتراف رائع لتخدم هذه المراكز كافة، المراكز السكانية في المدينة وما حولها، كانت أبوظبي تعاني من غياب اسمها عن الساحة العالمية للسياحة، لكنها استطاعت أن تبرز اسمها بقوة عن طريق استضافتها لواحد من أهم المسابقات الرياضية العالمية المرتبطة بالسياحة، وهو سباق الفورميولا ون، وليتردد اسم أبوظبي تلقائياً كل عام في أوساط محبي هذه الرياضة، كما أنشئت…

شموع ودموع

الأحد ٠١ سبتمبر ٢٠١٣

مدخل: (!) علامة التعجب ليست سوى شمعة، نغرسها في كعكة عيد الميلاد، لنحتفل ببقائنا أحياء في هذا العالم سنة أخرى! *** لا أحب عادة أعياد الميلاد ولا أحتفل بها، فالهدايا لا تثيرني، ما لم تكن كتاباً أو قلماً، والدعوات بالعمر المديد الذي يمتد إلى 100 عام لا تهزني، و«الجاتوه» لا يسيل له لعابي، وأفضّل عليه طبقًا من «الخنفروش» أو «الغريبة»، أمّا الأصدقاء فلا أحب أن يُظهروا لي المحبة في مواسم معينة، للحصول على رضاي، وربما للحصول على قطعة من «الجاتوه». ولأنني أعتقد أن الفرح كلما كان عفويًا كان أكثر صدقًا، أشعر بالريبة تجاه كل أنواع الاحتفالات التي تصاحبها كمية كبيرة من الصخب، والأغنيات الراقصة، والمفرقعات.. والنفاق بطبيعة الحال. لذلك عندما وصلتني رسالة إلكترونية من أحد الأصدقاء يبارك لي فيها عيد ميلادي، ويتمنى لي أن أعيش 100 سنة أخرى، وكأنه رجل أعمال يصرف الأموال والأعوام من جيبه، رددت عليه بأني «لا أريد أن أعيش أكثر من الحصة المخصصة لي من الحياة». لكن، بعد التفكير ملياً، اكتشفت أن عيد الميلاد هو بالفعل مناسبة خاصة، ليلة أحتفل فيها بنفسي. جميلٌ أن نحتفل بنا على سبيل التغيير، بدلاَ من أن نحتفل بالآخرين دائمًا، لذلك أرجوكم، لا تزاحموني، فقد قررت أن أخصّص هذه الليلة لي وحدي: سأعتمر قبعة الأطفال الأسطوانية وأغني لنفسي أغنيات مبتذلة وأشرب…

ماذا‭ ‬يفعل‭ ‬الموت‭ ‬بقلوبنا؟

الثلاثاء ٣٠ يوليو ٢٠١٣

«‬لا‭ ‬شيء‭ ‬مخلّد‭ ‬أبداً،‭ ‬لا‭ ‬مخلّد‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولا‭ ‬مخلّد‭ ‬المال‭. ‬المخلّد‭ ‬هو‭ ‬الوطن‭ ‬والعمل،‭ ‬وكلّ‭ ‬فردٍ‭ ‬منّا‭ ‬سوف‭ ‬يُذكر‭ ‬بعمله»‬‭. ‬الشيخ‭ ‬زايد‭ ‬بن‭ ‬سلطان‭ ‬آل‭ ‬نهيّان،‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭.‬ ‭***‬ 19‭ ‬رمضان‭: ‬استيقظت‭ ‬ذات‭ ‬غربةٍ،‭ ‬لأجد‭ ‬رسالة،‭ ‬من‭ ‬صديق،‭ ‬باتت‭ ‬ليلتها‭ ‬تنتظر‭ ‬في‭ ‬هاتفي‭ ‬المتحرّك،‭ ‬كتب‭ ‬فيها‭: ‬‮«‬عظّم‭ ‬الله‭ ‬أجركم‭ ‬في‭ ‬فقيدكم‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‮»‬.‬ رسالة‭ ‬هاتفية‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬عدد‭ ‬كلماتها‭ ‬ستّ‭ ‬كلمات،‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬مفعول‭ ‬ستّ‭ ‬قنابل‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬الأميركان‭ ‬على‭ ‬هيروشيما‭ ‬وناجازاكي،‭ ‬فكل‭ ‬كلمةٍ‭ ‬فيها‭ ‬فجرت‭ ‬في‭ ‬داخلي‭ ‬شيئًا‭ ‬ما،‭ ‬وشعرت‭ ‬بعد‭ ‬قراءتها‭ ‬بأنّني‭ ‬بحاجة‭ ‬لتحسس‭ ‬داخلي‭ ‬لأفتّش‭ ‬عن‭ ‬الأثر‭ ‬الذي‭ ‬تركته،‭ ‬فاكتشفتّ‭ ‬أنّ‭ ‬قلبي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬في‭ ‬موضعه‭!‬ يا‭ ‬ترى‭.. ‬ماذا‭ ‬يفعل‭ ‬الموت‭ ‬بقلوبنا؟ ‭***‬ يصف‭ ‬أحد‭ ‬الصحابة‭ ‬اللحظة‭ ‬المظلمة‭ ‬التي‭ ‬حُرم‭ ‬فيها‭ ‬المسلمون‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬حبيبهم،‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬والحديث‭ ‬معه،‭ ‬والاستماع‭ ‬إليه،‭ ‬عندما‭ ‬صعدت‭ ‬روحه‭ ‬إلى‭ ‬باريها،‭ ‬وقارن‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬اللحظة‭ ‬المبهجة‭ ‬عندما‭ ‬دخل‭ ‬المدينة‭ ‬فقال:‭ ‬‮«‬لمّا‭ ‬كان‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬فيه‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬المدينة‭ ‬أضاء‭ ‬فيها‭ ‬كلّ‭ ‬شيء،‭ ‬فلمّا‭ ‬كان‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬مات‭ ‬فيه‭ ‬أظلم‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وما‭ ‬نفضنا‭ ‬أيدينا‭ ‬من‭ ‬التّراب‭ ‬وإنّا‭ ‬لفي‭ ‬دفنه‭ ‬حتى‭ ‬أنكرنا‭ ‬قلوبنا‮»‬، ولم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬مبالغة،‭ ‬فمن‭ ‬جرّب‭ ‬فقد‭ ‬حبيب‭ ‬أو‭ ‬قريب‭ ‬يعلم‭ ‬جيدًا‭ ‬ماذا‭ ‬يفعل‭ ‬الموت‭ ‬بقلوبنا؟‭ ‬ من‭ ‬يخبر‭ ‬الموت‭ ‬أنه‭ ‬ضيفٌ‭…

«نوستالجيا»

الإثنين ٢٢ يوليو ٢٠١٣

أعتقد أن القضية في النهاية هي قضية حب؛ إذ كلما ازددت حبًا لذكرى ما، ازدادت سطوة تلك الذكرى عليك. (فلاديمير نابوكوف) كثيرةٌ هي الأشياء التي لا نجد لها تفسيرًا في حياتنا، ولعلّ ذلك راجعٌ إلى سذاجة بعضها، وسذاجتنا في التعرّف إلى البعض الآخر. أحيانًا يراودني شعورٌ غامض بأنّني لا أنتمي إلى هذه اللحظة، إلى هذا اليوم، أو إلى هذا العصر. أشعر في قرارة نفسي أنني غريبٌ عن هذا العالم.. وأسمع رجع الصدى يأتيني من العتمة والعدم «مكانك ليس هنا»! ولو كان خلفي بابٌ سحريّ، أصرخ في وجهه «إفتح يا سمسم» فتنفتح لي مغارة الماضي، لتواريت خلفه إلى حقبة الثمانينات أو السبعينات! إنّها الـ«نوستالجيا»، أو بلغة أبسط «الحنين» إلى شيءٍ غامض: وجهٌ من الماضي تراكم عليه الغبار، صورةٌ بالأبيض والأسود كستها الطّحالب والأعشاب، وذكرى حلوة من أيّام الزمن الجميل، أيّام الطّيبين الذين راحوا وبقيت رائحتهم! وقد أخطأ بعض المثقفين عندما ظنوا أن الـ«نوستالجيا» رجعية ورفض لسنة التغيير، والحقيقةُ خلاف ذلك تمامًا؛ فالـ«نوستالجيا» شعورٌ نبيل، فهذا الحنين إلى الماضي ليس إلا وفاءً وإمتنانًا له. إنّه ذلك النّوع من الحنين الذي أصاب الشاعر محمود درويش فكتب أجمل أعماله «أحنّ إلى خبز أمي». وهو ذلك النّوع من الحنين إلى الأشياء الصغيرة التي كانت تدخل الفرح والرضا إلى قلوبنا. صوت «الصرناخ»، حينما نضع رؤوسنا على…

ضد مرسي .. مع مرسي

الثلاثاء ٠٢ يوليو ٢٠١٣

لو قُدّر لي أنْ أطرد أي شخص متلبّس بارتكاب الشّعر من نقاش أيّة قضيّةٍ سياسية لفَعلت، مثلما فعل شيخ الفلاسفة أفلاطون –قبلي- عندما حرّم على الشعراء دخول مدينته الفاضلة. فالشاعر عندما يخرج من قصيدته الموزونة يفقد توازنه، ويورّط نفسه في أزمات محرجة . فبعض الشعراء يتعامل مع السياسة بمزاج الشاعر المتقلب. أدونيس مثلاً، الذي تحدثت عن موقفه مما يحدث في سوريا سابقًا، يبرر وقوعه في إحدى المشكلات السياسية –وما أكثرها- بسبب آرائه النابعة من "أسباب شخصية غبية ... اكتشفت غباءها مؤخرًا" وبعيدًا عن أدونيس، وليس بعيدًا عن الشعراء. نشرت الشاعرة الكويتية سعدية مفرّح مجموعة من التغريدات في موقع التواصل الإجتماعي "تويتر" إثر خطاب الرئيس المصري محمد مرسي الأخير، تهاجم فيها من تناول خطاب الرئيس مرسي بالنقد، فهو – والكلام لها- منتخب، وشعبه فقط يقرر كيف يتصرف معه. أعتقد أن المنطق منزوع من ذهن شخص – شاعرًا كان أم غير شاعر- يفرض رأيه الأوحد على من حوله وكأنه شرطي مرور. لأي كان الحق ألا يعجبه خطاب مرسي وينتقده، تمامًا كما أن للبقية أن يعجبوا به، وأن يوزعوا نسخًا منه على "إخوانهم" على اعتباره ديباجة لن تتكرر. لكن، ليس من حق من أعجب أن يدين من لم يعجب لأسباب واهية. بالإضافة إلى ذلك، فإنه من السذاجة الإعتقاد أن خطابات مرسي تخص شعب…

حكاية اسمها أبوظبي

الإثنين ٠٤ مارس ٢٠١٣

كلما غرقت الشمس في مياه الخليج الدافئة، وفاضت الأنوار من المباني الزجاجية الشاهقة/الشامخة، أدركت أن الليل في أبوظبي أجمل من أيّ ليلٍ في مدينةٍ أخرى. وأبوظبي مدينةٌ يصعب على المرء اكتشافها بسرعة، فهي تشبه ـ في مفاجآتها وأسرارها ـ علب الهدايا الكلاسيكية: علبةٌ داخل علبة، وكلما فتحتَ علبةً وجدت في داخلها علبةً أخرى. يقول أحد أصدقائي الكويتيين ـ ممن أدمنوا سحر أبوظبي ـ إنه يكتشف في كل زيارة، أن ما يعرفه عنها قليل جدًا، مع أنه كثير جدًا، لم أستغرب ذلك منه، فكل من زار هذه المدينة نشأت بينه وبينها علاقة حبٍ خاصة. ينقل الكاتب د.يوسف الحسن في كتابه «ذاكرة الأمكنة»، الصادر عن مركز الخليج للدراسات نثرًا للشاعر الراحل نزار قباني، يتغزل فيه بمدينة أبوظبي، ومن بين ما قاله «أعترف لكم، أن أبوظبي لم تحاول تفتيش ملابسي، أو تقرأ أوراقي، أو تغسل دماغي، وإنما تصرفت معي بمنتهى الحضارة، وتركتني أصرخ بحرية، كما لو كنت أصرخ في هايد بارك كورنر في لندن، الله.. كم أنا سعيد بأبوظبي، وما أروع أن تصبح المدن العربية الأخرى مثل أبوظبي، إذًا، لانحلت كل مشكلات الشعر العربي، وذابت كل أحزان الإنسان العربي». وفي هذه الأيام تحتفل الإمارات ـ من أقصاها إلى أقصاها ـ بتاريخ قصر الحصن، هذا القصر، الذي يعطي إحساساً لمشاهديه بقوة وتماسك ووحدة البيت…

كُتّاب معرض الشارقة

الأحد ١١ نوفمبر ٢٠١٢

يقبع مقهى كُتّاب في زاوية من زوايا معرض الشارقة للكتاب، وبالتحديد «يساراً جهة القلب». والمقهى الذي يقدم لزبائنه القهوة والكتاب معاً ليس سوى فكرة عبقرية أخرى من أفكار دار كُتّاب الإماراتية لجعل القراءة وارتياد المكتبات عادة يومية لا تختلف كثيراً ـ أو حتى قليلاً ـ عن عادة احتساء القهوة وارتياد المقاهي. الجميل في هذا المقهى أنك تستطيع أن تستمتع بكوب «إسبريسو»، وتستمع، في الوقت نفسه، إلى «حكايات خرافية» على لسان رواد المقهى وزواره من الكُتّاب أو حتى «على لسان الطائر الأزرق»! ودار كُتّاب إن شئتم هي «الغيمة رقم 9» التي يجب أن نصلّي حتى لا تنقشع من سماء الساحة الثقافية في الإمارات. فمنذ ولادتها قبل أعوام أصبحت «أيقونة حلم»، وأصبح معها «للحياة مذاقاً آخر». ركن دار كتاب في معرض الشارقة هذا العام مكتظّ بالكتب والإصدارات الجديدة، هذا غير الحديث الذي يفتحه صاحب الدار جمال الشحي مع زواره عن الكتب: فلكل كتاب حكاية، ولكل حكاية مصدر، والمصدر قد يكون «فلسفة مراهق» أو سراً من أسرار «بنات السكن». ثم قد تخرج من عنده بكتاب، وقد تخرج بأكثر، وقد تخرج بحكايات جمال الشحي فقط وأنت سعيدٌ بسماعها. فلا أجمل في مثل هذه التظاهرات الثقافية من لقاء الأصدقاء، والاستماع إلى حكاياتهم التي تبقى حيّة في داخلك مثل «خربشات على القلب». مررت على دار كُتّاب…