محمد شحرور
محمد شحرور
مفكر إسلامي كاتب سوري

المرأة بين الإسلام والواقع

السبت ٠٢ يناير ٢٠٢١

خاص لـ هات بوست :  يشكل وضع المرأة في مجتمع ما أحد المؤشرات الرئيسية على مدى تحضره وتقدمه، ووفق هذا المقياس ما زالت مجتمعاتنا تسير بخطاً وئيدة جداً نحو التقدم، رغم ما قد نجده من تغيرات في بعض القوانين، ورغم تبوء النساء لمناصب هنا وهناك، فالغالبية العظمى يعشن في ظروف من الظلم والاضطهاد لا يمكن قبوله، ضمن تواطىء من عادات وتقاليد بالية مع قوانين مجحفة، نتج عنها هيمنة ذكورية تصب استبدادها على من تراه أضعف منها، وتتكىء غالباً على الدين لتبرر أعمالها. ورغم التغني بإنصاف "الإسلام" للمرأة، إلا أن الإنصاف المقصود لم يخرج عن اعتبارها سلعة، كما يصورها الإعلام التجاري الدعائي أيضاً، فهي بالنسبة للثقافة الموروثة لا تعدو عن كونها "حلوى" مهمة الرجل إبعاد الذباب عنها، بينما تكمن مهمتها في إمتاعه، وفيما يبرّها كأم ليدخل الجنة، ستكون هي وقود النار كمعظم بنات جنسها. وقد يكون من الإجحاف أن نحمّل "الإسلام" المسؤولية عن هذا الوضع، فالرسالة المحمدية جاءت بقفزة نوعية في خط سير التاريخ، وضعت أسساً لم تصل إليها الإنسانية إلا في العصر الحديث، على أصعدة عدة، كإلغاء الرق واستبداله بنظام جديد قائم على العقود، هو "ملك اليمين"حيث العقد شريعة المتعاقدين، ووضع أسس نقل الثروة بما يحترم إرادة الإنسان أوالعدالة الجمعية، وسن قوانين التعامل بين الدول في السلم والحرب، والأهم من…

عقود لا عبودية

الإثنين ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٠

خاص لـ هات بوست : يمكن لمتتبع القصص المحمدي في التنزيل الحكيم، أي الأحداث التي توثق عصر النبوة، إضافة للأحكام التي رافقتها، يمكنه ملاحظة القفزة النوعية التي أجرتها الرسالة المحمدية في خط سير التاريخ، حيث وضعت حجر الأساس لأمور عدة، استغرقت الإنسانية قروناً للوصول إليها، سواء على صعيد الأحوال الشخصية أو نقل الملكية أو العلاقات بين الدول، وما هو أهم: حقوق الإنسان والقيم الأخلاقية، ومع أن خط سير التاريخ عاد إلى مجراه الطبيعي بعد وفاة الرسول إلا أن خاتمية الرسالة وعالميتها اقتضتا أن تحمل الخطوط العريضة لمآلات لا بد للإنسانية من الوصول إليها لاحقاً. ولعل من أهم المبادىء التي جاءت بها الرسالة هي أن التقوى مقياس التكريم عند الله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13)، بالدرجة الأولى تقوى الإسلام وتختص بالعمل الصالح {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت 33)، ولا يقبل فيها أنصاف الحلول{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } (آل عمران 102)، ثم تقوى الإيمان التي تختص بالتقرب إلى الله كل وفق استطاعته {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن 16). وتبين الآية (الحجرات 113) أن الله لا يميز…

دولة القانون لا دولة الفتوى

الجمعة ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٠

خاص لـ هات بوست:  لفت انتباهي في المظاهرات العراقية لوحة كتب فيها: "أكان الحاكم مسلم أم كافر لا يهم فالدولة وظيفتها توفير حياة كريمة وليس إدخالنا الجنة". وإذ أراني اليوم لست بصدد توضيح تعريف المسلم والكافر، لكني أجد نفسي سعيداً بوصول جيل الشباب إلى فكرة أن مهمة الدولة خدمة الناس في الدنيا، ومهمة الدين خدمتهم في الآخرة، مما يبشر ولو قليلاً، بتهاوي المطية التي ركبت عليها وما تزال حركات "الإسلام" السياسي، سواء من تعتبر نفسها "معتدلة" أم تلك المتشددة، حيث ما فتأت جميعها تستغل الإسلام للوصول إلى طموحاتها، شاغلة باسمه قلوب الناس قبل عقولهم، لتنفيذ مآربها، وبعناوين متعددة لا تخرج مهما تسترت عن هدف واحد هو الوصول إلى السلطة. والتنزيل الحكيم كان شديد الوضوح في أن {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة 256)، أي لا سلطة في الدين، حيث أن الدين لا يملك أدوات الإكراه، بينما السلطة من تملكها، فأنت تُقبل على دينك طواعية، لا يمكن لإنسان أن يعلم ما في قلبك، تحكمك فقط سلطة الضمير، لكنك تلتزم القانون الساري في بلدك في شؤون دنياك، ومهمة الدولة أن تضع القوانين التي تصلح لمواطنيها لتأمين حياة كريمة، ويمكنها معاقبتهم على مخالفتها، لكنها لا يمكن أن تدخل لضمير الناس وتكرههم على الإحسان لبعضهم البعض، أو التعامل وفق القيم الأخلاقية، أو التقرب إلى الله…

الإسلام والولاء الملتبس

الأربعاء ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٠

خاص لـ هات بوست: على اختلاف تفاصيل الأحداث الجارية في العالم العربي، يمكن للمتتبع ملاحظة قاسممشترك واضح، وهو ميل الشعوب إلى التعايش بعيداً عن التفرقة الطائفية والمذهبية، ومللها بشكل عام من استخدام معتقداتها الدينية كمطية للمصالح السياسية هنا وهناك، سيما عندما تصاب بخيبة أمل من ملوك الطوائف تلك، وتواجه الواقع الاقتصادي السيء دونما حلول مباشرة. ولطالما كان تقسيم الشعوب إلى طوائف ومذاهب وملل وسيلة فضلى للسيطرة عليها، بحيث تستخدم الطائفية كسلاح جاهز للاستعمال بيد أي مؤامرة يراد لها أن تحاك، ويمثل الولاء هنا الغطاء الذي يبرر أي اقتتال قد يطال في أحيان كثيرة أفراد الأسرة الواحدة. ورغم أن الولاء لحزب أو زعيم أو طائفة لا ينبع من الدين دائماً، بل له منابع عديدة، إلا أنه حري بنا التعريج على مصطلح "الولاء والبراء" الذي يعد ركناً في الثقافة الإسلامية الموروثة، ويشكل أساساً معتمداً في تحديد العلاقة مع الآخر، حيث المعيار هو الشرك والتوحيد وفق المفهوم التقليدي للإسلام، وبناءً على رأي "ابن تيمية": "الإنسان لا يستقيم له إسلام ولو وحد الله وترك الشرك، إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغض"، ومن ثم يقسم "أهل السنة والجماعة" الديار إلى ديار الإسلام وديار الكفر، والولاء بالنسبة لأهل الشيعة هو إما للولي الفقيه أو للمرجع الذي ينوب عن "الإمام الغائب"، وعليه فإن الطرفين قد قزموا…

الإسلام والإنسانية

الثلاثاء ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٠

خاص لـ هات بوست:  بعث الله تعالى رسوله محمد (ص) حاملاً رسالة للعالمين، ختم بها الرسالات وأعلن بصريح العبارة اكتمال الإسلام ووصول الإنسانية لسن الرشد، بحيث بات بإمكانها الاعتماد على ذاتها في العيش دونما رسالات جديدة، وفق هدى من الله رسمت خطوطه الوصايا التي تراكمت عبر التاريخ، تدريجياً منذ ابتداء الأنسنة، وانسجاماًمع اتساع المدارك والمعارف. ولم توجه هذه الرسالة للعرب دون غيرهم، ولا لسكان الشرق الأوسط فقط، وإنما للناس جميعاً {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} (الأعراف 158)، وباعتبارها الخاتم فهي بالضرورة تحمل أحكاماً ستتناسب مع مختلف الأزمان وحتى قيام الساعة، لا تتغير بتغير الظروف، ويمكن للمتمعن بآيات التنزيل الحكيم ملاحظة أن الإسلام واسع النطاق، يضم تحت جناحيه كل من آمن بالله وعمل صالحاً {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت 33)، والعمل الصالح مفتوح للإبداع قدر ما نشاء. ولما كان الإسلام دين شامل، أكد الله تعالى أنه دين الفطرة {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم 30) فالله سبحانه فطر الناس على سجية معينة، يشذ عنها البعض، ويسير عليها الكثيرون، حتى لو جهلوا أنهم سائرون على هدى الإسلام، فالدين القيم الذي لن يقبل…

حرام أم حلال؟

الإثنين ٢١ ديسمبر ٢٠٢٠

خاص لـ هات بوست : تأخذ برامج الفتوى حيزاً لا بأس به من الفضاء الإعلامي، المرئي والمسموع، الإلكتروني وغيره، وتشترك جميعها بمبدأ أساسي هو السؤال عن الحلال والحرام، وفيما ينشغل العالم بالحروب والاحتباس الحراري ومشاكل الفقر والجوع، ننشغل نحن بمدى حرمة نمص الحواجب أو الوشم، وأسئلة مشابهة كثيرة، يدور جلها حول مواضيع لا تحتاج لأكثر من قليل من المنطق. ويبدو هذا الأمر طبيعياً أمام الكم الهائل من الأحاديث الموروثة التي تجعل من الحياة اليومية مجموعة من المحرمات، يرتكبها الإنسان كيفما تحرك، ومن ثم على المؤمن أن يكون حذراً، يتأكد ليلاً نهاراً من أنه لا يتجاوز الخطوط الحمراء، أو تراه خاضعاً لعقدة الذنب، فهو عاصٍ، وشاء أم أبى لن ينجو من أن تمسه النار، فالله كما صورته لنا كتب التراث هو (حاشاه) إله يعد على الناس عثراتهم ويهوى تعذيبهم، وسيكويهم بدرجات في نار جهنم، وسيعلق النساء من أثدائهن وشعورهن، فصور الجحيم أقسى من أن يمكن تصورها. لكن المفارقة تكمن في كون ما ورد في التنزيل الحكيم مختلف تماماً عما ورد في الموروث الفقهي، فالله رؤوف رحيم، يغفر ذنوب عباده، ولم يخلقهم ليعذبهم، بل رحمته وسعت كل شيء، ورسالة محمد (ص) التي اكتمل الإسلام بها، هي رسالة رحمة، رفعت الإصر والأغلال التي سبقتها، وخففت الخطوط الحمراء وقلصتها، لتغدو محدودة معدودة، تقبلها الفطرة…

“لا إله إلا الله”

الجمعة ٢٣ أغسطس ٢٠١٩

خاص لـ هات بوست:  نردد نحن "المسلمون" شهادة "لا إله إلا الله" عشرات المرات يومياً، وفي بال معظمنا أن الإقرار بهذه الشهادة أمر بديهي طالما أننا لا نؤمن بإله آخر سوى الله، ولا يساورنا أدنى شك بكوننا قد نحيد عن هذا الإيمان بشكل ما، سيما أن هذه الشهادة هي رأس الإسلام في التنزيل الحكيم، وهي كذلك في الثقافة الإسلامية الموروثة أيضاً، والحياد عنها يعني الانتقال إلى الشرك، وما يصحبه من تبعات، لا يرضى المسلم أن يوصم بها. فالدعوة إلى التوحيد هي العامل المشترك بين جميع الرسالات، ابتداءً من الرسالة التي حملها نوح {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (المؤمنون 33) وانتهاءً برسالة محمد (ص) {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} (النساء 36)، وعدم الشرك بالله هو الوصية الأولى على سلم وصايا الصراط المستقيم {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} (الأنعام 151)، لكن المتتبع لمفهوم الشرك في التنزيل الحكيم يجد أنه لا يقتصر على تأليه غير الله، كعبادة الأصنام أو الأفراد من حكام وزعماء وأئمة وفقهاء، أو الاعتقاد بأن أحداً غير الله يمكنه أن يضر وينفع، أي ما نسميه "الشرك الظاهر" وهو "شرك الألوهية"، بل يتعدى ذلك إلى "شرك خفي" قد يقع فيه المرء دون…

الحج أشهر معلومات

الأحد ٠٤ أغسطس ٢٠١٩

خاص لـ هات بوست:  فتح الرسول (ص) مكة ثم غادرها عائداً إلى يثرب، وأقام دولته المدنية فيها وسماها "المدينة"، حيث الاختلاف هو سيد الموقف، فحوت المدينة المنورة أتباع كل الملل والمؤمنين والمشركين والمنافقين، وفي هذا رمزية يمكن لنا إدراكها بعد أن علمنا الفرق بين القرية والمدينة، فما بالكم بأم القرى؟ ومكة "أم القرى" هي الأحادية الوحيدة التي لن يسري عليها قانون الهلاك، وما زالت منذ عهد إبراهيم إلى اليوم تستقبل الحجاج بمناسك معينة، حيث أنهى إبراهيم عهد تقديم القرابين البشرية كأضاحي، وطهر البيت من تلك الظاهرة، وأنهى الرسول التلبية لغير الله فيها {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا} (التوبة 28) علماً أن "النجس" هو ما يخرج من الفم،وستبقى إلى قيام الساعة المكان الذي يجتمع فيه الناس تحت شعار "لا إله إلا الله"، متساوون فيما بينهم، في لباس موحد، لا فرق بين عربي وأعجمي، وغني وفقير، وكل من لا يدعو لغير الله مرحب به في الحج، فهو دعوة لكل الناس وليس لأمة معينة {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (آل عمران 97). ورغم اقتصار الحج حالياً على المؤمنين برسالة محمد، فإن أعداد الحجيج تزداد عاماً بعد عام، ورغم أعمال التوسعة التي تنجز، لا يزال الزحام هو السمة الأبرز، إذ يجتمع عدد هائل من الناس…

الإسلام والحاكمية

الخميس ٢٠ يونيو ٢٠١٩

خاص لـ هات بوست:  يعرّف الدين بأنه الانقياد والطاعة دونما إكراه، تحكمه سلطة الضمير فقط، فأنت كإنسان تسمح لدينك أن يتدخل في حياتك الشخصية بكل أريحية، وكمسلم مؤمن بالرسالة المحمدية تمتنع مثلاً عن أكل لحم الخنزير بموجب إيمانك برسالتك، وتعلم أن الله يراك، ولا سلطة لسواه عليك، وإلا أصبحت مكرهاً، سواء كنت تحت ضغط الأسرة أم المجتمع، سيما في الأمور الفردية غير المقوننة، وبناءً على ما يمليه عليك ضميرك ستستحق الثواب أو العقاب، وهذا ما اختصره قوله تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة 256). ورغم أن المنظومة الفقهية الموروثة حاولت التحكم برقاب العباد، شأنها شأن تدخل الكنيسة في حياة أتباعها في مراحل تاريخية سابقة، إلا أن الإسلام الذي حمله التنزيل الحكيم يختلف تماماً، فهو يمنح الإنسان مطلق الحرية في اختيار ما يشاء من ضمن مجال واسع الطيف، في شتى المجالات، والخطوط الحمراء محددة ومعدودة، تتلخص في محرمات أربعة عشر، يتفق على معظمها أهل الأرض، وتنسجم مع الفطرة الإنسانية، ورغم ذلك فأنت حر بالتزامها أو الخروج عليها وتحمل مسؤولية اختيارك، وربما تعاقبك القوانين في الدنيا، أما في الآخرة فالله وحده معني بذلك، وعلاقتك بالآخرين تتمحور حول القيم الأخلاقية، بينما معتقداتهم لا شأن لك بها، ويفترض ألا يتدخل القانون فيها، والله تعالى ترك لنفسه هذا الحق {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ…

لنعد إلى كتاب الله

الجمعة ٣١ مايو ٢٠١٩

خاص لـ هات بوست: يعد شهر رمضان موسماً للمسلم المؤمن برسالة محمد (ص) كي يتقرب من الله ويعزز علاقته به سبحانه، سواء بالصيام أو بالصدقة أو بالصلاة بمعناها الشامل، كصلة مع الله وذكر ودعاء وصلوات شعائرية، إضافة لقراءة التنزيل الحكيم وتدبر ما جاء فيه. ودرج المؤمنون على تلاوة الكتاب وختمه في رمضان وهي عادة محمودة ولا شك، لكن ما يغفل الكثيرون عنه هو "تدبر ما جاء فيه" ومنحه ما يستحق من الاهتمام بما يتجاوز التلاوة والحفظ، إلى القراءة بما تحمله الكلمة من معنى، أي العملية التعليمية، "تتبع المعلومات" ثم القدرة على استقراء نتائج منها ومقارنتها بعضها ببعض، فقد عُلمت الأجيال المتعاقبة أن فهم التنزيل الحكيم للخاصة لا العامة، وأن من غير المطلوب فهم معاني الآيات، فليس من اختصاصك، وإن كان ولا بد فعليك بالتفاسير التي تجدها في الحاشية، لا أكثر، وهي مع احترامي لمؤلفيها لا تتعدى تفسير الماء بالماء، إن لم يكن تفسيراً يجافي الحقيقة أصلاً ويحرف المعنى تماماً، أما "علوم القرآن" فيمكن تسميتها ما نشاء إلا "علوم"، وهي تختص بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ والتجويد، بينما تتجنب التدبر والتفكر والتفقه، وإن كان أصحابها اجتهدوا مشكورين وفق الأرضية المعرفية التي سمح بها عصرهم، فإن ما أنتجه عصرنا في هذا المجال هو معاهد وجوائز لحفظ القرآن، وطبعات فاخرة من المصحف، تكرس الاهتمام…

الإسلام رسالة رحمة

السبت ١٨ مايو ٢٠١٩

خاص لـ هات بوست : نبدأ يومنا وأعمالنا وأقوالنا ب "بسم الله الرحمن الرحيم"، ونكاد نردد هذه الآية عشرات المرات في اليوم الواحد، ونحن نقر برحمة الله التي رجحت على عذابه، ونقرأ قوله {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء107) لندرك أن الرسالة التي حملها محمد بن عبد الله (ص) لا تخصنا وحدنا كأمة، وإنما هي رسالة عالمية، ختمت الرسالات جميعها وأكملتها، في إعلان عن أهلية الإنسانية للعيش دونما رسل جدد يوجهون مسارها. ولطالما واجهت سؤالاَ من قبيل: "ألم نكن سنصل إلى ما نحن فيه دونما رسل وأنبياء؟" والجواب: بالطبع لا، فالإنسانية مرت بمراحل عديدة في ابتعادها عن المملكة الحيوانية، كانت الرسالات خلال هذه المراحل هي الدليل الذي يصحح المسار بما يتناسب مع التراكم الحضاري والأخلاقي التدريجي، حتى جاءت الرسالة المحمدية لتكمل الإسلام الذي ابتدأ مع نوح وتختم الرسالات وتعلن صلاحية الإنسانية لتلمس طريق الرشد بنفسها دونما تدخل مباشر من الخالق جل وعلا، وفق هدى من القيم الأخلاقية التي تتناسب مع فطرة الناس جميعاً، وما نراه بديهياً اليوم لم يكن كذلك على مر العصور، وكما تراكمت القيم تراكمت الشرائع، والرحمة التي حملتها رسالة محمد تتجلى في تخفيف العقوبات عن الناس وتحويل أحكام الشريعة من حدية لا مرونة فيها، إلى حدودية تتحرك بين حد أدنى يبدأ بالعفو إلى حد أعلى، يبلغ الإعدام…

نوتردام وخطاب الكراهية

السبت ٢٠ أبريل ٢٠١٩

خاص لـ هات بوست :  يحدث للوهلة الأولى أن يتفاجىء المرء بردود الأفعال على احتراق كاتدرائية نوتردام في باريس، فرغم التعاطف الكبير، إلا أن نسبة ليست بالقليلة من تلك الردود كانت تمتلىء بالتشفي والحقد، لأسباب عديدة مختلفة، من شرائح متنوعة الأعراق والملل والعقائد، لكن المفاجأة سرعان ما تتبدد أمام ما نراه من تطرف وعنصرية يتغلغلان في المجتمعات، فيما يشكل ظاهرة لا بد من مواجهتها بتروٍ، سيما وأنها تحرف تدريجياً الإنسانية عن خط سيرها باتجاه التعايش والتسامح، وما حادثة مسجدي نيوزيلندا إلا مثال قريب إلى الذاكرة عن هذا. وإن كنا كمسلمين مؤمنين بالرسالة المحمدية لسنا معنيين مباشرة بالأسباب التي أدت لتطرف غيرنا تجاه هذه الحادثة، إلا أننا معنيون بشكل أو بآخر، بالبحث فيما يخصنا من أسباب، فرسالة الرحمة التي يفترض أننا نحملها لا تتماشى مع الكم الهائل من الكراهية الذي يبثه بعض ممن يشاركوننا بحملها، والأنكى أنهم يتصدرون للتعبير عنها، بحيث تختزل صورة "المسلمين" تدريجياً بهؤلاء القلة الغوغاء الذين يشوهون صورة الإسلام، ابتداءً بتعبير في غير محله، وانتهاءً بأعمال إرهابية إجرامية. ويرتكز التشفي الواضح على محور أساسي هو العداء لأصحاب الملل الأخرى، فهم قدأخرجوا تلقائياً من الإسلام ، وفق الثقافة الموروثة التي اختزلته بأركان خمس، من أخل بها خرج منه، وخرج من ثم من رحمة الله، ولن يقبل "دينه"، ولا يقف…