محمد شحرور
محمد شحرور
مفكر إسلامي كاتب سوري

مقدر أم مكتوب؟

الأربعاء ٠٥ سبتمبر ٢٠١٨

خاص لـ هات بوست : يشكل الإيمان ب "القضاء والقدر خيره وشره" ركناً من أركان الإيمان في الثقافة الإسلامية الموروثة، ولطالما أعطى هذا الإيمان راحة نفسية للمؤمنين أمام ما صادفهم من محن ومصائب، ردوها إلى القضاء والقدر، ومن ثم إرادة الله ومشيئته، وبالتالي لا حول ولا قوة لهم، وكل ما عليهم هو الاستكانة والدعاء لله أن يتلطف بقضائه. ووفق هذه الرؤية أصبح الله تعالى مسؤولاً عن ولادة طفل معاق لهذه العائلة، ومرض رب الأسرة في تلك، وحريق منزل زيد، وخسارة أموال عمرو، وألحقت به كل الكوارث، فإذا أصابت قوماً مؤمنين كانت امتحاناً وإن كانوا كافرين باتت عقاباً، وفي الحالتين فهي "قدر ومكتوب"، وما هو "مكتوب" لن نستطيع تغييره ولا خيار لنا فيه، أما الحساب فهو على أساس أن ما أقدمنا عليه لم نكن نعلم أنه "مكتوب" لكننا اخترناه، وبالتالي سنحاسب عليه، والسؤال الذي لا يجد جواباً هنا هو: "هل الله تعالى يهوى عذابنا كي يختار لإنسان ما أن يكون قاتلاً ثم يعاقبه في الآخرة؟" إنه لعمري إجحاف بحق الله لا يليق بجلاله وعظمته وعدالته التي وعدنا بها. ورب قائل: وهل تكذب قوله تعالى {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَاهُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (التوبة 51) ونقول "حاشا لله"، لكن الالتباس يكمن في فهم معنى "كتب"، وهو جدير…

المرأة وحقوقها

الثلاثاء ٠٧ أغسطس ٢٠١٨

خاص لـ هات بوست :  بعد جهد لعشرين عام ونيف صدر كتابي الأول "الكتاب والقرآن" في عام 1990، ولاقى وما زال هجوماً شديداً من "رجال الدين"، وأقسم بعضهم أن مؤلفيه هم مجموعة من اليهود الصهاينة الذين يريدون تخريب الإسلام من داخله، والذين لم يجدوا طريقة لنشره سوى أن أتبناه وأنشره باسمي، ولا أعرف السبب الذي دعاهم لاختيار دكتور مهندس رغم وجود عشرات الآلاف من خريجي العلم الشرعي، وكنت قد آليت على نفسي ألا أضيع وقتي بالرد، وأن أمضي قدماً واضعاً نصب عيني قوله تعالى {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} (الرعد 17)، لكن ما كان وما زال يلفت انتباهي أن معظم ما قدمته لا يلقى اعتراضاً فجاً إلا حين يقترب من المرأة، إذ يمكن أحياناً التغاضي عن الكثير من الأساسيات التي وجد الناس عليها آباءهم واستمرأوها، طالما أن أحداً لن يجبرهم على تغيير قناعاتهم، لكن ما أن تقترب من موضوع المرأة حتى تثار حفيظة الصامتين، وكل الأمور قد تقبل النقاش ما عدا هذا القالب المصبوب على قياس مجتمعات ذكورية، لا يناسبها انكساره، وفجأة تصبح المرأة هي نصف المجتمع وصلاحه من صلاحها، وتغدو الجوهرة الثمينة التي يجب حفظها كما الحلوى من الذباب، على أن يبقى الذكر هو المسؤول عنها والقيّم عليها، كأي متاع في بيته. وكي…

لنبدأ بأنفسنا

الثلاثاء ١٧ يوليو ٢٠١٨

خاص لـ هات بوست : ينشغل الناس في عالمنا العربي بأمور حياتهم اليومية، ولا يكاد معظمهم يشعر بالمشكلة التي نعاني منها على صعيد العقل الجمعي، كمسلمين من كل الملل والطوائف، ولا يرى المسلمون المؤمنون بالرسالة المحمدية أي ضرورة لتصحيح ما رسخ في أذهانهم من أفكار نشأوا عليها، ويريحهم أن يستكينوا لاعتقادهم بأنهم "خير أمة أخرجت للناس" وأن ماضيهم التليد يشفع لهم بأن يخرجوا من ركب الحضارة، ويأبى أغلبهم الاعتراف بأن رؤيتهم للإسلام مغلوطة وأن هذه الرؤية تحتاج إلى تصحيح، وتبقى نظرية المؤامرة حاضرة لتحمل مسؤولية كل ما يجري باسم الإسلام، ويتنصل أي منهم من هذه المسؤولية. ويطرح الكثيرون سؤالاً يتلخص بجدوى معرفة إن كان آدم قد سكن الأرض وحده أم معه أحد آخر، أو هل فرعون أسلم أم لم يسلم، فلا حاجة لنا لتدبر كتاب الله، وهناك من فسره منذ قرون وأعطانا الزبدة، وهو "بالتأكيد" أجدرمنا، ونحن نعلم أن رسولنا جاء بمكارم الأخلاق ونقوم بما يمليه علينا ديننا من صلاة وصيام وزكاة وحج، فلماذا كل هذه التعقيدات؟ وإن احتاج أحدنا لفتوى ما لن تعييه السبل لإيجادها، ثم لماذا نحمل وزر تخلفنا إذا لم يأت الزعيم الذي يمكنه قيادتنا نحو النهضة؟ ولا غرابة في كل هذه الأسئلة، فالفردية التي اعتدناها تجعلنا لا نشعر بالكارثة إذا لم يمسسنا أذاها بشكل شخصي، وعندما…

هذا ما وجدنا عليه آباءنا

السبت ٢٣ يونيو ٢٠١٨

خاص لـ هات بوست : يظن الكثيرون أن الشرك بالله يقتصر على الاعتقاد بوجود إله ثانٍ غير الله، أو آلهة متعددة، ويرتاح بالهم من هذه الناحية فيطمئنوا إلى أنهم لم ولن يشركوا، لا سيما أن الشرك ذنب عظيم. وإذا كان الشق الثاني صحيحاً مائة بالمائة بموجب ما جاء في التنزيل الحكيم، فإن الشق الأول غير صحيح، والشرك بالله له وجوه عدة، أكثرها رواجاً وانتشاراً هو شرك الثبات والآبائية، إذ من الصعوبة بمكان أن يخرج الناس عما وجدوا عليه آباءهم، وما نشأووا عليه، بل على العكس تراهم يتمسكون دون أدنى تفكير بكل ما اعتادوا عليه، دون التوقف لمجرد التفكير في أصل هذا الفعل أو ذاك، تماماَ كما في تجربة القرود الخمسة في الامتثال الاجتماعي، حيث يدافع القردة عما وجدوا عليه أنفسهم دون معرفة السبب. ونحن كمسلمين من أمة محمد، وجدنا آباءنا على دين الفقهاء، يقدسون الشافعي وأبا حنيفة وجعفر الصادق والبخاري ومسلم وابن تيمية، ويعتبرون خير القرون هو القرن السابع الميلادي وبعده يتقلص الخير تدريجياً، واعتبرنا أن ما قام به رجالات ذاك القرن ثم الذي يليه هم خير منا، وأن فهمهم للإسلام هو عين الإسلام، فقدسنا هؤلاء الرجال وما خطوّه وما فهموه ونسينا كتاب الله، وتضاءل اهتمامنا بفهم التنزيل الحكيم على اعتبار أن فهمنا لا يمكنه أن يرقى ليعلو عما وصل…

النهضة وما آلت إليه

الثلاثاء ٠٨ مايو ٢٠١٨

خاص لـ هات بوست : لم يخطر في بال رجالات النهضة العربية الذين حملوا لواءها منذ قرنين أنها ستبقى حلماً على يافطات المؤتمرات والمنتديات، وأن ما حققوه في حينه سيراوح مكانه إن لم يتقهقر متراجعاً أمام سطوة الاستبداد بمختلف أشكاله، وكل الأهداف التي نادوا بها ما زالت أهدافاً في يومنا هذا، وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت أن ما أنجزوه قد تبدد، فلا نحن رواد في جامعاتنا، وتكاد نسبة القراءة والترجمة والتأليف تلامس أدنى المستويات، ولا نحن رواد في صناعاتنا واقتصادنا، ولم تتحقق أي من الإصلاحات التي طمحوا إليها، ناهيك عن أن الاستعمار أصبح شماعة نعلق عليها كل مآلاتنا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل سنبقى نجتر في شعارات لا تغني ولا تسمن من جوع؟ وما هو الطريق إلى النهضة على أرض الواقع؟ قد يكون من الإجحاف أن نضع اللوم كله على إرثنا الثقافي، لكنه للأسف يحمل جل المسؤولية، فنحن كشعوب عربية، بما يحمله هذا الانتماء إلى الأرض، لم نع الحرية كقيمة، إذ تكبلنا أمورلا حصر لها منذ ألف ومئتي عام حتى الآن، وثقافة العبودية لا يمكنها أن تنهض، فقد ترسخت في أذهاننا ثقافة الحرام والممنوع، وتشكل العقل العربي على أساس أن كل ما حوله ممنوع إلا الاستثناء، وبالتالي ظل مقيداً، وظل الحجاب والموسيقى وإطلاق اللحية أو حلقها أهم بالنسبة…

الإسراء والمعراج

الأربعاء ١٨ أبريل ٢٠١٨

خاص لـ هات بوست :  مرت منذ أيام ذكرى "الإسراء والمعراج" أعادها الله على الناس بالخير واليمن والبركة. وإذ يحتفل المسلمون المؤمنون بالرسالة المحمدية بهذا اليوم، يسترجعون ذكرى حادثة تناقلتها الثقافة الإسلامية عبر العصور، ويستذكرون تفاصيلها لترسخ في الأذهان صورة لا تقبل النقاش عن معجزة خارقة لا يمكن للعقل تفسيرها. وفي التفاصيل أن جبريل عليه السلام قد جاء للرسول (ص) ليلاً و"همزه بقدمه وأخذه من عضده" وحمله على البراق إلى بيت المقدس في فلسطين حيث وجد الأنبياء فصلى بهم، وعرض عليه جبريل إنائين أحدهما فيه لبن والآخر خمر، فأخذ اللبن وترك الخمر، ثم لما فرغ عرج فيه جبريل إلى السموات السبع حيث رأى الملائكة والأنبياء ورأى الجنة والنار، وفرضت عليه الصلاة، ثم وصل إلى باب منسوج من الذهب وراءه الله وفي الروايات: "ما زال يقطع مقاماً بعد مقام وحجاباً بعد حجاب حتى إنتهى إلى مقام تخلف عنه فيه جبريل، وقال جبريل يا محمد ما منا إلا له مقام معلوم لو دنوت أنملة لاحترقت، وفي هذه الليلة بسبب احترامك وصلت إلى هذا المقام وإلا فمقامي المعهود عند سدرة المنتهى ، فمضى النبي صلى الله عليه وسلم وحده حتى تجاوز سبعين ألف حجاب، وبين كل حجاب وحجاب مسيرة خمسمائة سنة، فوقف البراق عن المسير فظهر له رفرف وذهب به إلى قرب العرش…

من هم أمة “لا إله إلا الله؟”

الخميس ٠٥ أبريل ٢٠١٨

خاص لـ هات بوست :  اعتدنا كشعوب عربية "مسلمة" على اعتبار أن كل من لا يشاركنا إسلامنا هو "كافر بالله" ومصيره "جهنم وبئس المصير"، ونظرنا إلى الشعوب الأخرى بتناقض، ما بين شعور الكثيرين بالدونية تجاه الغربي "المتحضر"، وشعور بالفوقية تجاه غيره، لكن هذا لا يمنع أن كليهما سيحظى بعذاب الله وسخطه وسيجد نتيجة عمله في الآخرة "هباءً منثورا"، وإذا كانت الدول المتقدمة تنعم بالرخاء والسعادة فلأن الله "يمدهم في طغيانهم يعمهون"، و"لهم الدنيا ولنا الآخرة" لأننا أتباع "لا إله إلا الله"، ولأن الدنيا دار فانية والآخرة دار البقاء فنحن لا نطلب السعادة في الدنيا، ونرضى الشقاء فيها، ونسخر في قرارة أنفسنا من طموحهم وعلمهم، على أساس أن الله سخرهم لنا لينتجوا ونستهلك حصيلة علومهم. لكن نظرة فاحصة للتنزيل الحكيم تدحض كل هذه المسلمات، ما عدا أن من يتخذ من "لا إله إلا الله" شعاراً سيحظى برضى الله في الدنيا والآخرة، ونحن كأمة محمد (ص) رفعناه شعاراً لكننا لم نطبقه فعلاً، بل على العكس جعلنا لله شركاء في الوحدانية والثبات، فالله واحد وكل ماعداه متعدد، والله ثابت وكل ما عداه متغير، والتاريخ يسير إلى الأمام ونحن نريد أن نعيده إلى الوراء، وننتصر إلى الآبائية فنشرك به سبحانه، والأنكى من هذا أن شركنا جماعي كمجتمعات لا كأفراد، لذلك تأخذ مجتمعاتنا بشكل عام…

“إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً”

الإثنين ١٩ مارس ٢٠١٨

خاص لـ (هات بوست) : ينبئنا التنزيل الحكيم أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم بعد أن سواه وأهله بموجب نفخة الروح ليكون خليفة على الأرض، وعندما أبدى الملائكة تحفظهم على موضوع الاستخلاف قال تعالى {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة 30)  والله جل وعلا علم أن البشر الذين يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء سيتطورون بعد نفخة الروح تدريجياً، وسيستطيعون بمساعدته الوصول ليكونوا مؤهلين للترقي على سلم الحضارة والعيش من دون رسالات سماوية، وسيسبرون أغوار الكون الذي سخره الله لهم، وسيظهر منهم من يكون جديراً بأن يباهي الله به خلقه وتسجد له الملائكة. فالإنسان هو وجود فيزيولوجي (بشر) مضافاً له كم معرفي (الروح)، وهذه الروح هي التي ميزته عن باقي المخلوقات، فكلما زاد الكم المعرفي زادت إنسانية الإنسان وابتعد عن المملكة الحيوانية، وكلما قلت المعرفة تقزمت الإنسانية ليصبح صاحبها جسداً بلا روح ومن ثم لا يستحق هذه الهبة من الله. وبرحيل "ستيفن هوكينغ" منذ أيام فقدت الإنسانية عملاقاً، اضمحل جسده طوال سنين لكن روحه بقيت متوقدة، فقدم من العلم ما يشكل قفزة معرفية تنير طريق الإنسانية لقرون قادمة، فاكتشف لا محدودية الكون، وفسر الثقوب السوداء، وأثرى العلم بشهادات حضورية عن عظمة الخلق، تضاهي ما قدمه العلماء أمثال نيوتن أو داروين أو آينشتاين، ناهيك عن مواقفه الأخلاقية من الحروب في فيتنام والعراق،…

بين الأعراف والإسلام

الإثنين ٠٥ مارس ٢٠١٨

خاص لـ  (هات بوست) :  لا يحتاج المرء بذل جهد كبير ليكتشف الفرق بين الإسلام الذي جاء في التنزيل الحكيم وبلّغه محمد (ص)، وبين الإسلام الذي يعرفه الناس اليوم في شتى بقاع العالم، فالأول هو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، بحيث يتم التعامل فيما بينهم وفق القيم الأخلاقية العليا، وعلى أساسها تتم صلتهم مع الله ووفق ما يتناسب مع مللهم المتنوعة، والثاني هو إسلام شرق أوسطي يختلف باختلاف المناطق، حيث اختلطت به العادات والتقاليد، ودخلت عليه قيم المجتمع العربي كالشرف والمرؤة والنخوة وغيرها، وأصبح هناك إسلام مصري وإسلام سعودي وإسلام باكستاني، وانطلى ذلك على الناس الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن دينهم، فأصبحت جرائم الشرف بالنسبة للكثيرين مرتبطة بالدين، وشكل اللباس كذلك، وتم اضطهاد النساء بشكل عام باسم الإسلام لا باسم المجتمعات القبلية الذكورية التي حافظت على أعرافها منذ قرون خلت وحتى اليوم. وأن تأمر بالعرف وتنهى عن المنكر لا يعني أن تحرم ما أحل الله، فالمحرمات محدودة ومعدودة، ولا تتغير لا بالزمان ولا بالمكان، فقتل النفس حرام في الصين وسورية وكندا منذ ألف وأربعمائة عام وحتى قيام الساعة، وكذلك عقوق الوالدين وارتكاب الفاحشة وشهادة الزور والغش والسرقة والربا والتقول على الله ونكاح المحارم، أما في الطعام فالخيارات متعددة ولا قانون يجبرك على تناول لحم الخنزير دون…

عيد الحب

السبت ١٧ فبراير ٢٠١٨

خاص لـ هات بوست :  مضى منذ أيام ما يسمى "عيد الحب" وتناولته مجتمعاتنا بقدر كبير من الاهتمام، يتجاوز ما هو عليه الحال في مجتمعات أخرى، ما بين مستهجن ومعاد من جهة ومحتفل من جهة ثانية. والاستهجان ينطلق غالباً من خلفية دينية على اعتبار أن هذه الأعياد "للكفار" وأنها تشبه بالغرب، ودخيلة على مجتمعاتنا، الهدف منها التشجيع على ارتكاب الفواحش، ويدخل الاحتفال بها ضمن "البدع"، لنصل إلى أن "كل بدعة كفر" وبالتالي يصبح كل من اشترى وردة أو ارتدى اللون الأحمر في هذا اليوم قد دخل في دائرة الحرام. ووفق ما أعلم فإن "عيد الحب" هو عيد القديس "فالنتاين" الذي عمد إلى تزويج الجنود سراً بعد أن منعهم الإمبراطور من الزواج، وأجد في هذا عملاً نبيلاً في كل العصور والأمكنة، ولا أرى في مبالغة مجتمعاتنا بالاحتفالات أحياناً سوى انعكاس لمدى حاجتها للخروج من القوالب التي أغلقت عليها خلال قرون عدة، لتعاني اليوم من مخاض البحث عن هويتها في كل المجالات، بعد أن تقهقرت الشعارات القومية والوطنية، واصطدمت القناعات الدينية بجدار طالما تخفى تحت ستار الوسطية والاعتدال ليكشف وجهاً مظلماً عرّته داعش ومن لف لفها، ناهيك عن حجم المآسي التي تتعرض لها شعوبنا من قتل ودمار وتشرد، بحيث أصبحت تبحث عن  وميض من فرح في لجة كل هذا العتم. وقد يكون…

الإسلام وخيارات الإنسان

الخميس ٠٨ فبراير ٢٠١٨

خاص لـ (هات بوست) اختصرت الثقافة الإسلامية الموروثة الإسلام بخمسة أركان، تبدأ بالاعتراف بوحدانية الله ورسالة محمد، وتختص الأربعة الأخر بالشعائر، بحيث يضمن أداؤها للمسلم دخول الجنة، ويتكفل الركن الأول بدخول غير المسلم النار، ولا يكمن الأثر السلبي لهذا الانحراف في تعريف الإسلام بمدى اعترافه بالآخر المختلف وعلاقته به، بل يتعداه إلى تشويه الرسالة المحمدية ومسخها، بحيث اختفت أهم خواصها وهي الرحمة والخاتمية والعالمية، لتحل محلها رسالة أخرى لا تمت لما أنزل على محمد (ص) بصلة. وكون الرسالة المحمدية هي الخاتم فلا بد لها أن تحمل ما يكفي الإنسانية لإكمال مسيرتها دونما رسالات، ومن يتدبر التنزيل الحكيم ملقياً عن كاهله ما حمله من أفكار مسبقة عن الإسلام، يجد أن الله تعالى قد وضع كتاباً يحتوي على إجابة عن أسئلة الفلسفة الكبرى، وقوانين في فلسفة التاريخ، قوامها "لا إله إلا الله"، فالوحدانية لله فقط وهو "الصمد" وكل ما عداه مختلف متبدل، وهذا الاختلاف يحتم على الناس قبول بعضهم البعض، للعيش سوية على هذه الأرض، حيث كل أحادي غير الله زائل لا محالة، والبقاء للتعددية والاختلاف. والله تعالى إذ اصطفى آدم ليكون مؤهلاً للخلافة على الأرض، زوده بنفخة الروح، فأصبح من خلالها إنساناً يملك حريته، وأهّل له ما في الكون لينسجم مع هذه الحرية، فجعل كل ما أمامه ضمن خيارات {وَكُلَّ شَيْءٍ…

ما هو الإسلام؟

الأحد ٢١ يناير ٢٠١٨

حصريا لـ هات بوست :  يعتقد المسلمون من أتباع محمد (ص) أنهم الوحيدون الذي يسيرون على الطريق الصحيح، وأن لهم الجنة، ويعتقد أتباع المسيح مثل ذلك، واليهود أيضاً،وينطبق هذا على أتباع كل الملل والأديان، فكل يقتنع أنه يمتلك الحقيقة دون غيره، وتتفاوت القناعة بين معتقد وآخر، وفرد وآخر، بين أن أختلف معك وأتركك في شأنك وأنا واثق أنك على خطأ، أو أن أختلف معك وأدعو لقتلك إن سمحت الظروف، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أين إسلام التنزيل الحكيم من هذا؟ فالإسلام الذي رسخ في أذهاننا، ولقنّاه لأبنائنا كما تلقيناه من آبائنا ومدارسنا وكتبنا هو ذو الأركان الخمسة، يسبقه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والقضاء والقدر خيره وشره، وعليه أصبح كل من لا يقيم الصلاة أو لا يصوم في رمضان "كافراً" خارج الإسلام، لا تجوز الصلاة عليه ولا دفنه في مقابر المسلمين، حتى لو شهد أن "محمداً رسول الله"، وبانتظاره جهنم وبئس المصير، ومن باب أولى أن تكون بانتظار من لا يؤمن بمحمد أصلاً. ولا يحتاج الإنسان إلا قليلاً من الجرأة ليسأل أين الرحمة للعالمين في ما سبق؟ إذ من غير المنطقي أن الله الذي وسعت رحمته كل شيء خلق الناس ليعذبهم وليجدوا ما عملوا من الصالحات هباءً منثورا، لكن إذا بحثت في التنزيل الحكيم لن يلبث هذا التساؤل أن…