الثلاثاء ٢٦ مايو ٢٠٢٠
عنوان لكتاب ممتع للصحافي السويسري الألماني رولف دوبيللي، أما عنوانه الفرعي فهو «من أجل حياة أكثر سعادة وهدوءاً وتعقلاً». يروي دوبيللي كيف ولد في بيت صحافي، وأدمن ملاحقة الأخبار في الصحف والإذاعة والتلفزيون. ومع ظهور الهواتف الجوالة، أضاف الوسيلة الجديدة إلى حياة في الأخبار. وذات يوم اكتشف أنه يعيش حياة غير صحية على الإطلاق. جسداً وروحاً. إنه يتابع كميات من الأحداث التي توتره من دون أن يكون لها أي علاقة بحياته على الإطلاق: حرائق الأمازون، تهاوي سعر النحاس، الأعاصير في فلوريدا وديترويت، إضراب عمال المناجم في تشيلي، هبوط البورصة في الأرجنتين، ازدياد المجاعة في فنزويلا، صاروخ جديد في كوريا الشمالية، اجتماع مجلس الأمن، تصريح (آخر) للأمين العام للأمم المتحدة، مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني. تأمّل هذه الاهتمامات وقرر أن يضرب رأسه بالحائط. لا أخبار بعد اليوم. لا في الجريدة ولا في الإذاعة ولا في التلفزيون. لن يسمح بعد الآن لمحرر في نيويورك، أو البرازيل، أن يفرض عليه ما يجب أن يعرف وبماذا عليه أن يهتم. ولتذهب غابات الأمازون إلى الجحيم، وحظ طيب لعمال المناجم في تشيلي وفي كل مكان في العالم، لكن قلقه عليهم سوف يضر بأعصابه من دون أن يفيدهم في شيء. قرر إلغاء الخبر من حياته والاكتفاء بالمواضيع والدراسات والمطالعات والتحاليل المثقفة والذكية. أما إذا كان ذلك خبراً عالمياً…
الأربعاء ١٥ أبريل ٢٠٢٠
ربما هو، كما يقول معظم النقاد، أهم أديب في تاريخ فرنسا. وربما يكون صاحب أهم عمل روائي أُنجر في العزلة. وربما كان صاحب المدرسة الروائية الأكثر أثراً في الغرب. من وليم فوكنر في أميركا، إلى جيمس جويس في آيرلندا، إلى ماركيز في أميركا اللاتينية، ثمة مسحة من مارسيل بروست في كل عمل. ليست «البحث عن الزمن الضائع» أو «البحث عن الزمن المفقود» رواية تماماً، أو سيرة ذاتية، أو تأملات في الزمن والحياة. أي ليست هذه فحسب، لكنها عمل ساحر كيميائي راح يستعيد تفاصيل حياته حتى عام الثامنة والثلاثين عندما دخل إلى غرفة معزولة الجدران بالفلين، خوفاً من تسرب الغبار إلى سرير المصاب بالربو. ولم يعد يخرج، إلى أن انتهى من استعادة «الزمن المفقود» حرفاً حرفاً ومشهداً بعد مشهد. كان مصاباً بالوسواس الخنّاس، لا يقرب أحداً ولا يلمس شيئاً لمسه سواه، وكأنه يعيش في تعليمات «كورونا» اليوم. مثل أدباء كثيرين، لم نكتشف فرادته على الفور. ورفض أحد الناشرين الجزء الأول من «الزمن المفقود» على أنه حشو لا معنى له، فمن يكتب ثلاثين صفحة ليصف كيف نام على جانبه الأيمن، قبل أن ينقلب على الأيسر، ومن ثم ينتقل، صفحة بعد صفحة، إلى تأملاته الفلسفية في التاريخ والفن، بأسلوب شاعري، حزين أحياناً، مرح أحياناً، ساخر على الدوام. كل شيء يجب تدوينه. فنجان الشاي…
الأحد ٠٥ أبريل ٢٠٢٠
إلى الآن سبقت «كورونا» كل القوى المعروفة. قوة المال وقوة السلاح وقوة السياسة وقوة التحليل. لكن أخطر ما في هذا السباق الذي لا سابقة له ولا حدود ولا أهداف، أن «كورونا» سبق حتى الآن العلم. وفي انتظار أن يحقق العلم خرقاً أو تقدماً أو احتمالاً في هذه المواجهة، فإن فشل العلم هو الأكثر رعباً. الباقي يتدبّر. أميركا رصدت 3 تريليونات دولار. الخزائن الكبرى فُتحت. ولكن إليك هذا المشهد الذي لم تسمع أو تقرأ عنه من قبل: طاقم حاملة الطائرات الأميركية روزفلت يخلّيها في عرض البحر بسبب الفيروس الخفي. رسوم والت ديزني لم يخطر لها هذا المشهد: «روزفلت» يشلّها فيروس. القوى البحرية تحسب حساب كل الأخطار منذ أن اكتشف الفينيقيون الملاحة. إلا هذا. مجرد اكتشاف لقاح صغير وتعود دورة الكوكب إلى ما هي. لكن الفيروس ماضٍ في إذلال العالم. كل مرحلة يخرج ما يذل هذا الكائن المتباهي بتفوقه. عاش دهراً يعتقد أن الكواكب الأخرى هي التي تدور حول كوكبه، إلى أن أبلغه العلماء أن العكس هو الصحيح. وعاش الاتحاد السوفياتي سبعين عاماً يحلم بتدجين العالم في نظامه، وأفاق ذات يوم على أكبر هزيمة آيديولوجية في التاريخ. والآن يهدد النظام الدولي الأوحد هجوم غامض مثل القصص التي لا تخطر إلا للأطفال بسبب بعدها عن الاحتمال المنطقي: فيروس في مواجهة العلوم البشرية منذ…
الثلاثاء ٢٤ مارس ٢٠٢٠
تتابعت أخبار وقف الرحلات الجوية بسبب «كورونا»؛ شركة تلو أخرى. ولم تشكل عشرات ومئات الشركات شبه المحلية حدثاً في تاريخ الطيران. لكن عندما أعلنت «طيران الإمارات» وقف جميع رحلاتها، شعرت بأن هذه الصناعة المذهلة أقعدها حقاً الوباء الغاشم. لقد أصبح الإنسان مخلوقاً طائراً بعدما ظل لعصور كائناً برياً. ثم اكتشف الملاحة في البحار، فطارد مغارب الشمس ظاناً أنه سوف يلحق بها. لكن حلمه الأكبر كان الطيران. وأول من تحدى العلم جدياً كان القرطبي عباس بن فرناس (القرن التاسع) الشاعر والموسيقي وعالم الحساب. وقد حسب عالمنا الحساب لكيفية الإقلاع كما تفعل الطيور، وفاتَه، كعربي، حساب الهبوط، فلم ينتبه إلى أن الطيور تستخدم مخالبها مثل فرامل لإبطاء النزول. فحلّق وعلا، ووقع محطماً أضلاعه. لكن تجارب الطيران استمرت حتى أصبح من أهم صناعات الدنيا. وتقوم 250 طائرة في أسطول «الإمارات» بـ3.600 رحلة حول العالم كل أسبوع، فيما تزيد الرحلات الجوية على 45 مليون رحلة كل عام. لحق «كورونا» بالإنسان براً، وبحراً، وجوياً، وطارده إلى غرفة النوم، وعطّل حركته، وحقّر إنجازه بالطيران أسرع من الصوت. إنه، هذا الداشر القاهر الفاجر، أسرع من الصمت. حتى دور العبادة أغلقها في وجه الناس. حتى عيد الأم، أقدس أعياد البشر، مرّ من دون الغناء لِسِتّ الحبايب. الأبناء أنساهم الخوف ما لا ينسى، لكن الأم وحدها قالت لهم: انسوا…
الثلاثاء ١٠ مارس ٢٠٢٠
أعطيت جائزة مصطفى وعلي أمين «لشخصية العام» هذه السنة للأستاذة سناء البيسي. كان الكوميدي الأميركي الأسود ديك غريغوري يقول إنه لو تسنى ذلك للأفرو أميركيين، لاقترعوا لجون كيندي ثلاث مرات. ولو كنت عضواً في جائزة مصطفى وعلي أمين، لكنت لا أزال أقترع لسناء البيسي حتى الآن. كل كاتب له متذوقوه ومعجبوه ومن يخالفونه، أحياناً بسبب سياسته، وأحياناً بسبب اهتماماته، وأحياناً بسبب أسلوبه، وأحياناً بسبب المنبر الذي يطل منه. ولست أعرف كاتباً يحقق مثل هذا الإجماع حوله مثل سيدتي وأستاذتي ومولاتي سناء البيسي. وأقول مولاتي هنا كما ترد في غنائيات أحمد شوقي، بلهجة ووقع الولاء الذي لا يناقش. فمنذ أن بدأت قراءة سناء البيسي، لم أقع مرة على وهن أو ملل أو تكرار أو هبوط أو انهزام. منذ السطر الأول تشدك من يدك كأنك طفل. وتدهشك من سطر إلى سطر كأنك في جولة على عالم ديزني. كل باب جديد ومفرح. تحب ما هو حقيقي وتطرب لما هو خلف الحقيقة. ويحدث لك دائماً في نهاية المقال المستطرد، ما يحدث لك نهاية الجولة في «ديزني لاند»: ألم يكن ممكناً أن تمتد الجولة أكثر؟ ربما كان المقال الأسبوعي هو الأنسب للأستاذة سناء: بحر لا يسعه عمود يومي وسباق من فوق الحواجز. ثم إنها أعطت هذا المقال الأسبوعي أفقه وشخصيته وخاصيته. قلم يصور الآخرين، وريشة…
الأربعاء ٠٤ مارس ٢٠٢٠
في حمأة النوازل النازلة فتكاً بلبنان من اقتصاد منهار ونقد منكسر وبطالة مُدَمِرة وثقة عربية معدومة وأوبئة كاسرة، جاءك الغيث، إذا الغيث همى، من باريس. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعلّق على صدر الكاتب أمين معلوف، ثاني أعلى وسام في تقاليد الجمهورية. إلى الآن أعطت فرنسا هذا الفتى الأغرّ كل ما لديها من شهادات المكرمين الكبار: مقعداً في الأكاديمية. (مجمّع الخالدين) وأعلى جائزة أدبية «غونكور» وجوقة الشرف. وأخيراً حرص الرئيس أن يعلّق الوسام بنفسه، معانقاً هذا الروائي المؤرخ الناقد ومؤلف الأوبرا في عاصمتها في النمسا، سالزبورغ، مدينة «صوت الموسيقى» والكولونيل فون تراب. يريد ماكرون القول إن هذا وجه لبنان الحقيقي، وليس البلد الذي يُلحِق وزارة الثقافة بوزارة الزراعة. إنه البلد الذي أرسل إلى فرنسا كبار المسرحيين والشعراء والأساتذة، وفي المئوية الثانية للثورة الفرنسية كانت راقصة الحفل فتاة من لبنان. صحيح أن فرنسا أرسلت إلى لبنان أولى جامعاته وأول كلية طب وأسست جيشه وأقامت أول معهد موسيقي، لكن هو أيضاً لم يقصّر. لقد أصبح جوهرة التاج في الفرانكفونية الدولية، ينافس مصر وأثر الحملة النابليونية. ولكن هل أمين معلوف مجرّد قيمة أدبية عالية؟ مفكر عالٍ ومثقف شغوف؟ لا. أعتقد أن قيمة أمين معلوف في الأدب العالمي والفرنسي هي تلك الروح الصافية، السامية، في أعماله كلّها. الإنسان في رواياته أو أبحاثه أو كتبه التاريخية…
الأربعاء ٢٤ أغسطس ٢٠١٦
قبل نحو ربع قرن وصلت مجلة «نيويوركر»، أهم، وربما أجمل، مجلة أسبوعية في تاريخ أميركا، إلى مأزق نهائي حيال الصدور. إما أن تخفِّض من تكاليفها، وبالتالي أن تحطّ من مستواها، وإما التوقف. وكان هناك حل واحد هو أن تعوّض الشركة الناشرة الخسائر من دخول المطبوعات الشعبية الرابحة. لكن لا بحث إطلاقًا في قضية المستوى، لأنه مبرّر الوجود منذ العدد الأول قبل نحو القرن. لا تزال «نيويوركر» تصدر على أرقى ما في صحافة العالم من تحقيقات وأبحاث وقصائد وقصص وكاريكاتير ونقد أدبي وسينمائي وتلفزيوني. لا شبيه لها في الصحافة العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية. لأنه ليس من السهل، وربما ليس من الممكن، العثور على جميع هذه الطاقات والمواهب كل أسبوع في مكان واحد. لكن الهدف من التحدث عن هذا المثال الآن هو ما تواجهه الصحافة الراقية في كل مكان: هل الحل بالإغلاق، أم بخفض المستوى، أم بالدعم من مصادر راقية ومستقلة؟ الحل الأمثل بالنسبة إليّ، إذا كان ممكنًا، أو محتملاً، هو الدعم المستقل. لكن إذا توافر الدعم، فهل يمكن أن يكون مستقلاً؟ وإذا لم يكن مستقلاً، يبقى الإغلاق أضمن وأنبل. المسألة مطروحة، بالدرجة الأولى والأخيرة، على الصحافة نفسها. ليس هناك من يستطيع أن يقرر لها، أو عنها، نوعية الوجود والبقاء الذي ترتضيه. وليس لها أن تتذرّع، مثل الأطفال، مرة…
الثلاثاء ٢١ يونيو ٢٠١٦
تملأ الكتب رفوف المكتبات حول «الربيع العربي» بجميع اللغات.. كيف بدأ، ولماذا تحول إلى كوابيس متنقلة وحروب متوالدة. وعن «المؤامرة» ومَن خلفها ومَن أمامها. وعن «التوغل والتوحش»، باعتبارها ظاهرة غريبة علينا صدرت إلينا في صناديق خفية عن طريق مخابرات العالم. أكتفي بقراءة العناوين وأمشي. وأتذكر دومًا أوكتافيو باث، عبقري المكسيك، وحكاية الفلاح الذي سمع ببغاء يتكلم، فتقدم منه وانحنى معتذرًا: «سامحني يا صاحب السعادة، كنت أظنك طائرًا». يا حضرات، كان عنوان الربيع العربي وكتابه في منتهى الوضوح: طارق بن محمد البوعزيزي يحرق نفسه اعتراضًا على الفقر الماضي والآتي وانعدام المستقبل. الناس المرتاحة لا تنزل إلى الشوارع. الرجال الذين لا يشعرون بالمهانة في حياتهم لا يخرجون إلى الساحات. الذي اعترض هو الإنسان الذي تأمل 50 عامًا من النظام العربي، ووجد دولاً تعرض عليه الكرامة البشرية في اليافطات التي أعمته قراءتها وأكاذيبها وخواؤها وعدم خجلها بالكذب. معظم لاجئي المدافن البحرية الجماعية هم لاجئو فقر وليسوا لاجئي أمن. كانوا ممنوعين من السفر إلا بتأشيرة خروج، فلما رأوا التأشيرة جماعية، لم يعد أحد يريد البقاء حيث هو. ذل المكان ولا ذل الزمان. ذل الغريب وليس ذل القريب. يأتون إلى بلدان فيها أرصفة، ووسائل نقل بشرية، وفرص عمل، وفرص حياة، وأطباء ومستشفيات ينام الناس في أسرتها، لا على أبوابها. يصلون إلى بلدان، الدولة تعمل فيها…
الخميس ٢٦ مايو ٢٠١٦
فيما كان الإتحاد السوفياتي منغلًقا على نفسه٬ خلف ما سمي “الستار الحديدي”٬ ملأت أميركا العالم بالأفلام والممثلين٬ يرّوجون لـ”نهجنا في الحياة”. الشيوعية السوفياتية لم تسقط بالمدافع والصواريخ٬ بل بـ”طريقة الحياة”. اكتشف الأميركيون في الحرب الباردة أن “القوة الناعمة” أكثر فعالية أحياًنا من حروبهم العسكرية حول العالم. بعض المفكرين قال إن القوة الناعمة هي التي غيرت المجتمع الأميركي من الداخل أيًضا٬ أو بالأحرى “القوة الناغمة”. أغنية مايكل جاكسون “أسود وأبيض” بيع منها نصف مليار شريط. كلماتها تقول: “ليس مهًما أن تكون أسود أو أبيض”. فأنت أولاً إنسان. ثم امرأة أو رجل. ثم أسود أو أبيض. يقول الكاتب المصري إبراهيم الجارحي٬ في دفاعه عن نظرية خسوف القومية العربية من دون مد مصري: “كان عبد الناصر يتكلم من فوق برج مشيد من أصوات أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ٬ ومن موسيقى محمد فوزي والموجي وبليغ حمدي والطويل وغيرهم٬ وأشعار صلاح جاهين وأمل دنقل والأبنودي وغيرهم٬ ومن سينما صلاح أبو سيف٬ وأدب نجيب محفوظ ويوسف إدريس٬ ومسرح المهندس ومدبولي٬ وغير ذلك كله من الأدوات التي غزا بها محيطه الإقليمّي”. سواء كنت تؤيد هذه النظرية أم لا٬ لا يمكننا أن نقارن أثر القوة المصرية الناعمة في تلك المرحلة بالأثر الذي تركته القوة العسكرية في اليمن. أو إذا أخذنا بلًدا صغيًرا مثل لبنان٬ نجد أن…
الأربعاء ١٨ مايو ٢٠١٦
عاد إلى مصر النقاش حول هويتها: مصرية أم عربية؟ والجدل أحيانًا على أرقى مستوى، وأحيانًا من غير مستوى. وأقول: «عاد»، لأنه لم يتوقف. أو كلما توقف، عاد من جديد. بدأ في الذاكرة المعاصرة في الثلاثينات، ثم تكرر في الخمسينات والستينات، ثم بعد النكسة، ثم بعد كامب ديفيد، ثم بعد عودة مصر إلى الجامعة - والجامعة إليها. مع كل أزمة نفسية تضرب مصر، تُطرح القضية من جديد. وأزمات مصر لا تنتهي. ونقدها الذاتي بحر عارم. وفي كل مرحلة، يعيد المصريون النظر فيما جرى. والآن، كل مصر منقسمة حول حادث دخول الأمن إلى نقابة الصحفيين. البعض لا يرضى، كالعادة، بأقل من استقالة وزير الداخلية. والسيدة صفية مصطفى أمين تقف في الجانب الآخر لتقول إن الحرية للشعب، وليست للصحافة، وإن مصر تدفع اليوم من رغيفها ودمها ويومها ثمن الماضي الثقيل بفراغه وخوائه. وإذ تخوض مصر معركة المصرية والعروبة، وحرب سيناء، وحرب الأنفاق، وحرب النقابة، وحرب عكاشة، وحرب الكمائن في حلوان، تُعلن «داعش»، للمرة الأولى، عن وجودها بطريقتها وأسلوبها، فتصغر حجم الحروب الأخرى، والمخاوف الأخرى. وتذكر صفية مصطفى أمين بأن «أم الدنيا» التي كانت أغنى الدول، أصبحت تبحث عن المساعدات. وتتحدث الصحافة عن هزال رواتب الشرطة والخيانات في صفوفها. ومصر في فوران، فيما المطلوب - أمس واليوم وغدًا - عمل وعلم. وسواء كانت عربية…
الإثنين ٠٢ مايو ٢٠١٦
توضع القوانين، أو تصدر الأحكام، أو يبنى التحكيم عادة بناء على سابقة ماضية. لا أعتقد أن ثمة سابقة في التاريخ للقرار الروسي بالمحافظة على الهدنة في اللاذقية وضواحي دمشق؛ حيث هدوء نسبي، وتركها مشتعلة في زلازل حلب. وتقضي الأصول الأدبية واللياقة الصحافية في هذه الجريدة، ألا نستخدم كلمة «وقاحة»، فيأذن لي الزميل رئيس التحرير: سابقة بسابقة. وقاحة قبيحة ليست أسوأ منها سوى الطلب الأميركي من الرفيق بوتين، السهر على الهدنة حيث أمكن! ربما أيضا حلب إذا تكرمتم أيها الزعيم الإنساني الكبير. في مثل هذه الكوارث والفواجع أيها السيد أوباما، لا تناشد الدول «الشريك المفوض». تناشد الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتدعو إلى اجتماع طارئ، وليستخدم بوتين الفيتو ومعه الصين، فماذا بقي من سوريا منذ الفيتو الأول؟ ومن بقي من السوريين؟ على الأقل في إمكان السيد أوباما التظاهر بأنه مطلع على ما جرى في سوريا، وأنه يتجرأ ويطلب من قسيسه جون كيري أن يطلب من الحائط الإسمنتي لافروف تخفيف معدل القتل والدمار والرماد وردم الأطفال في حلب من الدقيقة إلى الساعة، أو أن يقنعه بمشاهدة نشرة الأخبار. أما أن يعقدا مؤتمرًا صحافيًا مشتركًا آخر، فحلوا عنا جميعكم، أنتم و«القلق» التافه الذي تمنون الأيتام به، وأنتم والدعوة السخيفة المريضة إلى التهدئة فوق ركام سوريا، وفوق جثث وجروح مليونين ونصف مليون بشري، مكفنين بالفيتو…
الأحد ١٧ أبريل ٢٠١٦
في مقاله الأسبوعي الثلاثاء الماضي أخذ الأستاذ غسان الإمام على الوحدة الأوروبية مجموعة مآخذ، بينها أنها تتحدث 28 لغة مختلفة. وهذه في الحقيقة عقبة أساسية أمام المتحدات. ويعزو البعض نجاح الفيدرالية الأميركية، أولاً، إلى أن ولاياتها تستخدم لغة واحدة، وثانيًا، أن هذه اللغة هي الإنجليزية. لغة العالم الأولى. لكن لو أردنا أن نوحد لغة أوروبا فماذا نختار لها؟ الجواب السريع هو طبعًا الإنجليزية، التي يتفاهم بها الأوروبيون في مراسلاتهم وفي تنقلهم، في أي حال. لكن هل نلغي الفرنسية وأربعة قرون من الفكر والآداب؟ هل نلغي الألمانية والآثار الفلسفية والعلمية؟ هل تهمل أوروبا الإسبانية لغة أميركا الجنوبية والوسطى، فيما عدا البرازيل؟ ماذا عن الإيطالية وجمالاتها الموروثة؟ وماذا عن اليونانية، أم الحضارة الأوروبية، مع أن مهدها هو اليوم في حالة رثة؟ قد يكون الحل في اعتماد لغة رسمية واحدة، وترك كل بلد للغته الأم. وفي هذه الحال، الإنجليزية، لكن ماذا عن كرامة ألمانيا سند أوروبا الأول؟ هل سنرغم المستشارة ميركل على مراسلة فرنسوا هولاند بالإنجليزية؟ إن مشكلة أوروبا هنا هي غناها الحضاري، وليس العكس. وحتى اللغات الثانوية، كما في بلجيكا، ترفض الانزواء. وإذا ما وقع الانفصال هناك، كما هو متوقع، فسوف تكون لغتا البلاد هما السلاح، لأن الفرنسية والفلامنكية تمثلان هويتين مختلفتين ومتناقضتين. ووفقًا لـ«النيويورك تايمز» بأن الانفصال أصبح وشيكًا مع تصاعد…